شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار بين الضيف والحضور ))
استهل مقدم الحفل الحوار بسؤال ورد لم يذكر اسمه من أحد الحاضرين، جاء فيه:
- بالنسبة للآثار والدراسات التي تتم، هل يتم اختيار مناطق دون أخرى، وفقاً لمعرفتكم من خلال دراستكم التاريخية، أم أنكم ترون أن هناك منطقة أهم من منطقة؟ ولماذا لا يكون هناك مسح شامل بشكل تدريجي للمناطق؟.
 
ورد الدكتور الأنصاري على ذلك بقوله:
- شكراً للسائل على سؤاله؛ الحقيقة: إن إدارة الآثار مشكورة، قامت بمسح واسع لما لا يقل عن خمس عشرة منطقة، وأصدرت كل ما قامت به من مسوحات أثرية في مجلة: "أطلال" وهي مجلة علمية تصدر من إدارة الآثار، ولها ما يزيد عن اثني عشر عاماً، وفيها كل النشاط الأثري بالنسبة لإدارة الآثار؛ لعل السائل يلاحظ كثرة الحديث عني حول قرية: "الفاو" فقط، والحقيقة: أن البحث قد شمل قرى كثيرة، منها: "الربذة" و "العلا" و "مدائن صالح" و "تيماء" و "الأفلاج" ومناطق كثيرة نقبت، وخرجت بها رسائل دكتوراة عن المملكة العربية السعودية، ولذلك - إن شاء الله - في خلال الخمس السنوات القادمة.. عندما تطبع هذه الرسائل، سوف يشعر المجتمع بأن هذه الفترات خرجت برصيد هائل من المعرفة عن المملكة العربية السعودية، وحتى أبناؤنا الَّذين يدرسون بقسم الآثار للماجستير، سجلوا حوالي 6 رسائل للماجستير، عن مناطق مختلفة للآثار القديمة والإسلامية؛ فلعل الفاو والربدة هي الظاهرة، ولكن ستظهر مناطق أخرى لا تقل أهمية عن هذين الموقعين.
 
ثم وجه الدكتور زاهد محمد زهدي سؤاله، قائلاً:
- بودي لو تكرمتم بالإجابة على هذا السؤال، من خلال تجربتكم في البحث العلمي والميداني في مجال الآثار: ما هي الميزات والصفات الشخصية لرجل الآثار؟.
 
وكان رد الدكتور عبد الرحمن الأنصاري ما يلي:
- من الصعب أن تحدد مواصفات لعالم الآثار، ولكن أعتقد أن عالم الآثار الأمثل هو الَّذي يتحلى بالصبر، يتحلى ببرود الأعصاب.. لا يُستثار، ويتحلى - أيضاً - بقبول النقد من الآخرين، لأنه إذا لم يقبل - أي نقد - أو غضب منه، سوف يفقد القدرة على تمثل الفترات التاريخية التي يحفرها، وبالتالي فإن نتائج بحثه سوف تكون خاطئة، ولا بد أن يكون محيطاً بالفترة التاريخية، وبخلفية كاملة عن الموقع الَّذي سوف يحفر فيه، حتى تتكون لديه تفسيرات علمية، وبالتالي يتحقق كثيراً من الحقيقة العلمية التي يسعى إليها، وإلاَّ فلا فرق بين التنقيب الأثري المنظم والتنقيب غير الأثري، فكلاهما تخريب، ولكن الأول تخريب علمي مُنظم، لأنه أمتع شيء بالنسبة لعالم الآثار، عندما يرى القطعة الأثرية لأول مرة.
 
- فقد لا تقدرون هذه الفرحة، لكن صدقوني فرحنا كثيراً جداً لكثرة ما وجدنا من قطع أثرية نراها لأول مرة، وكأنها الوليد الَّذي يأتيك في كل يوم، فما فيه شك أن عالم الآثار الَّذي تتمثل فيه هذه الأشياء، وقل أن نجد هؤلاء، وقلما نجد مُنقبين عن الآثار، ومع ذلك نتائج تنقيباتهم تذهب هدراً لسبب أو لآخر.
 
ثم تقدم الأستاذ يوسف العارف بسؤاله الَّذي دار حول عدم فتح أقسام للآثار في بعض جامعاتنا السعودية، وحول درب الفيل ورحلة حمد الجاسر الأثرية؟
وأجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري بقوله:
- الحقيقة بالنسبة لعدم فتح أقسام آثار في الجامعات السعودية، أنا أعتقد أن من العقل ألاَّ يفتح قسم للآثار غير القسم الموجود في جامعة الملك سعود؛ لقد قابلت الزملاء والأصدقاء في جامعة الملك عبد العزيز، عندما كانوا يفكرون في فتح قسم للآثار في جامعة الملك عبد العزيز، وقلت لهم: يا قوم هناك رغيف لرجل واحد، يأكل منه وهو كاف له ويشبعه، فإذا شاركتموه في أكل هذا الرغيف فلن يشبع أحداً، وقسم الآثار رغيف بالنسبة لجامعة الملك سعود، فلو فتحت جامعة أم القرى قسماً آخر، فسوف ينقسم بيننا الرغيف، وهكذا.. إذن ازدياد الأقسام هي زيادة في الضعف وليس زيادة في القوة، ولنا أمثلة كثيرة على ذلك في أقسام كثيرة منتشرة، ونجد الصحافة تدعو إلى إغلاق بعض هذه الأقسام، لأن كثرتها ليست من الأشياء المرغوب فيها، ولذلك قبلوا (جزاهم الله خيراً) هذه الفكرة، واستمر قسم الآثار في جامعة الملك سعود، وقسم الآثار في جامعة الملك سعود يجمع الطلاب من جميع أنحاء المملكة، وعندما يوزع الطلاب، والتخصصات توزع على جميع أنحاء المملكة أيضاً، ولذلك فهناك قسمة عادلة في التوزيع وهي الإنتاج.
 
- النقطة الثانية: درب الفيل، الحقيقة: لا أدري لم توقف الشيخ حمد الجاسر فجأة بالنسبة لهذا الموضوع، لقد سأل أحد الصحفيين، بعض المختصين في قسم الآثار مثل هذا السؤال وقلنا رأينا في ذلك، وهو: أن إدارة الآثار قد مسحت هذا الطريق.. وهو معروف بشكل جيد، فإذا أريد أن تكون هناك دراسة أخرى، فيجب أن يكون هناك مختصون في الآثار؛ أستاذنا الشيخ حمد الجاسر من الأعلام الَّذين يستطيعون تحقيق المواقع ويستطيعون دراسة القبائل، لكنه لا يستطيع أن يدرس الطريق آثارياً، ولذلك قلنا رأينا آنذاك؛ أما لماذا توقف المشروع؟ فهذا ما لا علم لي به.
وتقدم الدكتور محمد زايد يوسف من جامعة الملك عبد العزيز بسؤال، قال فيه:
- لماذا أهملت الآثار الموجودة في الحجاز خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث لم تجد العناية الكافية من قبل الجامعة؟
ورد الدكتور عبد الرحمن الأنصاري قائلاً:
- الحقيقة لا أدري ماذا يعني السائل بالحجاز في علمي أن الحجاز يمتد من حدود اليمن إلى معان، هذا هو الحجاز؛ أما إذا كان السائل يعني بالحجاز الحرمين، فهي نظرة ضيقة؛ وليسمح لي هذا الأستاذ - وحسب التعريف الشامل للحجاز - هناك دراسات عن منطقة البدع، وعن مدائن صالح، ومغاير شعيب، وتيماء، وتبوك، والطائف، وجنوب الطائف؛ أما بالنسبة للمدينة ومكة: فهاتان المدينتان المقدستان، أعتقد أنهما من الأماكن التي يصعب التنقيب فيهما.. لقدسيتهما الشديدة؛ لا أتصور أن يقبل أي مسلم - مهما كان - أن يأتي أي شخص إلى صحن الحرم المكي، ويفتح مربعاً للتنقيب فيه، ويرى أين حدود الحرم، وأين حدود الكعبة؛ ولا أستطيع أن أتصور أن أي مسلم يقبل أن يذهب إلى حول المسجد النبوي ويقوم بالتنقيب، لأن هذا مما يثير مشاعر المسلمين.
- أما ما هدم في المدينة - خاصة خارج المدينة - تلك عوامل كثيرة ساعدت على ذهاب هذه الآثار، وليست المدينتان المقدستان هما المدينتين اللتين ذهبت آثارهما، ولكن الكثير من المدن في المملكة ذهبت آثارها، والحضارة الحديثة تزحف بشكل قوي جداً، لذلك نرجو من المثقفين ومن وسائل الإعلام أن توجه الناس إلى أهمية الحفاظ على الآثار القديمة، وعلى الآثار الإسلامية؛ وأرجو أن يكون في هذا الجواب ما يشفي الغليل.
 
ثم وجه عريف الحفل سؤالين وردا إليه من الأستاذ محمد عبد الواحد، وهما:
- السؤال الأول: المدينة التي ورد ذكرها في القرآن: إرم ذات العماد أين تقع في تقديركم ومن خلال اهتماماتكم؟ لماذا لم يُنقب عنها؟
- السؤال الثاني: في انجلترا رأيت كيف يهتم الإنجليز بانتصاراتهم، لماذا لا تركز على مواقع انتصارات المسلمين ومآثرهم الخالدة في المدينة المنورة، وهي بيت الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وماذا تعرف عن بئر الخاتم؟
 
وأجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري على السؤالين بقوله:
- الحقيقة: إرم ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد وثمود الَّذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد.. إلخ، إرم ذات العماد: المؤرخون المسلمون والجغرافيون المسلمون، عندما تحدثوا عن هذه المنطقة، تحدثوا عنها على أنها في الأحقاف، وحددوا الأحقاف بأنها منطقة الربع الخالي.
- والحقيقة: أنني أشعر أن الفترة التاريخية التي كتب فيها هذه المعلومات، كانت القبلية على أشدها في التاريخ العربي الإِسلامي، وكان هناك صراع بين القيسية والمضرية، وفي تلك الفترة كانت تعيش قبيلتا قحطان وعدنان، ولذلك كتبت هذه الفترة من هذه المنطلقات التاريخية؛ ونشعر أن الكتَّاب القحطانيين والمؤرخين القحطانين، كتبوا التاريخ بناءاً على منطلقاتهم السياسية والفكرية آنذاك؟ ولذلك حتى هذه القبائل البائدة حاولوا أن ينسبوها إلى أنفسهم وإلى المناطق التي ينتمون إليها؛ ومن ثم عندما بدأت في بحث هذه النقاط، وجدت أن الأحقاف جمع حقف، والحقف هي الرمال، والرمال منتشرة في أنحاء الجزيرة العربية، وليست وقفاً على الربع الخالي.
- الشيء الآخر: أننا في بادية الأردن نجد وادي إرم وجبل إرم، وكل هذه المناطق ترتبط بإرم؛ ثم بعد ذلك عندما ننظر للقرآن الكريم، نجد أن القرآن يربط إرم بعاد، ثم بعد ذلك نجد عاداً وثمود في أسلوب واحد، في سياق واحد؛ لا يتكلم القرآن عن ثمود إلاَّ ويتكلم عن عاد، وكأنهما قبيلتان متجاورتان زماناً ومكانا؛ً ثمود من القبائل التي عاشت في شمال الجزيرة العربية، وعاشت في منطقة الحِجْر، وذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته إلى الحِجْر وهو في طريقه إلى تبوك، وما حدث لهم أكد أن الحجر هي إحدى المستوطنات التي وقع فيها العذاب في الحجر في مدائن صالح؛ وحاولت أن أربط بين هذا التسلسل ووجود الأسماء في هذه المناطق، في الشمال منطقة: "سحمة"- وفي منطقة جنوب الأردن ومنطقة البتراء، ثم بعد ذلك وجود ثمود بمجاورتهما في القرآن، جعلني أميل - ولست وحدي إنما أيضاً بعض المؤرخين - يميلون إلى أن إرم كانت في شمالي الجزيرة العربية ولم تكن في جنوبها.
- أما في إنجلترا، كيف يهتم الإنجليز بانتصاراتهم، أربأ أن تكون انتصارات الإنجليز كانتصارات الرسول صلى الله عليه وسلم فانتصاراتهم قامت على الباطل وانتصاراتنا قامت على الحق، وفرق بين الحق والباطل؛ ومن هنا أنا أعتقد أن انتصارات المسلمين ومآثرهم الخالدة في المدينة المنورة، مذكورة ومسجلة في قلوبنا، وفي عقولنا، وفي عواطفنا..، ومما لا شك فيه أن الاهتمام بهذه المناطق الأثرية، ووضع ما يبين أماكنها، والاهتمام بها، ووضع خرائط لها، ووضع معلومات..، مما يساعد رجال التاريخ وأساتذة التاريخ على شرح هذه المآثر الخالدة.
- وأرجو أن توفق إدارة الآثار - إن شاء الله - في الاهتمام بأحد، والاهتمام بالخندق، والاهتمام بكل المآثر الإسلامية في مكة والمدينة، وأعتقد أن إدارة الآثار اهتمت أخيراً، وقامت بترميم محطة القطار في المدينة المنورة، جهزت القلعة في مكة لتكون متحفاً إسلامياً؛ وأعتقد أنه إذا أتيحت الفرصة فستمثل كل هذه المعارك الإسلامية والمواقف الإسلامية خير تمثيل - بإذن الله -.
- أما عن بئر الخاتم، فأنا أعتقد أنه أحد الآبار التي لها ارتباط قوي بالرسول صلى الله عليه وسلم وبسيدنا عثمان بشكل خاص؛ وسقط فيها الخاتم، لكن لظروف التوسعة ذهبت هذه البئر؛ وأعتقد أن المؤرخين والأثريين يستطيعون تحديد مكانها بكل دقة إذا ما رُغب إليهم ذلك؛ وأنا أشكر الأخ محمد عبد الواحد إنه فعلاً أجرى معي أول حديث صحفي وكنت عائداً لتوي، كنت نازلاً في بيت - المغفور له - الشيخ عبد القدوس الأنصاري.
ثمَّ وجه الدكتور غازي زين عوض الله للمحتفى به سؤالاً نصه:
- بعد هذه الدراسات العلمية التي كشفت عن الآثار في المملكة العربية السعودية، هل ستتاح الفرصة للأجانب للوقوف على هذه الآثار، للتعرف على تراثنا الحضاري، كي تصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة عن صورتنا الحضارية الإسلامية والعربية؟.
 
وأجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري قائلاً:
- ما في ذلك شك، فالأجانب يأتون ويأخذون موافقة من إدارة الآثار.. ويطوفون بالمناطق الأثرية، وربما يكون الذاهبون من الأجانب للمناطق الأثرية أضعاف أضعاف من يذهب من المواطنين السعوديين، أو المواطنين العرب لهذه المناطق، وهذا مما يؤسف له؛ والشيء بالشيء يُذكر، عندما كنت في بريطانيا،كنت أتألم أشد الألم عندما يأتي أبناء المدارس إلى هذه الحفريات الأثرية مع أساتذتهم، ويشرحون لهؤلاء الأطفال الصغار كل شيء عن الفترة الرومانية التي عاشتها بريطانيا وعن الموقع الأثري وتاريخه؛ وكنت أتمنى أن يأتي اليوم الَّذي يأتي فيه أطفال المدارس إلى المواقع الأثرية ومعهم أساتذتهم، ولكن للأسف لم يحدث هذا إلاَّ ثلاث مرات في قرية الفاو، وهذا شيء قليل؛ حتى في الربذة لم يأت الطلاب على ما أذكر، وأتمنى أن يأتي اليوم الَّذي يذهب فيه أبناء المدارس إلى المواقع الأثرية، ويرتبطون بتراثهم وتاريخهم.
 
وقدم الأستاذ مصطفى عمارة السؤال التالي:
- قلتم سعادتكم: إن عالم الآثار يفرح كثيراً عندما يعثر على قطعة أثرية جديدة، نود أن نعرف ما هي القطعة الأثرية التي استحوذت على فرحتكم وكان لها ذكريات لن تنسوها؟ وأين عثرتم عليها وكيف وأين هي الآن؟
 
وأجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري قائلاً:
- النصوص التي عثرت عليها وفرحت بها كثيرة، ولكن أجمل نص وجدته في إحدى المقابر يقول: هذا قبر معاوية بن ربيعة ملك قحطان ومدحج، فرحت برؤية هذه القطعة التي حملت هذا النص؛ كما عثرنا على جزء من تمثاله، وكان له تمثال ضخم، وهو ملك لم يكن معروفاً في تاريخ العرب ولم يُذكر، وهو أحد أجداد دولة "كندة" وأيضاً هناك ملوك آخرون ظهروا في قرية الفاو، أحد أولئك الملوك جاء من المنطقة التي تقع بين نجران وبين حضرموت؛ وهناك ملوك آخرون فرحت بهم وصحبتهم لفترات طويلة، أحد الملوك الحضارم جاء إلى قرية الفاو، وقدم بعض النذور إلى أحد المعابد؛ وأشياء كثيرة جداً قابلناها في ذلك الموقع؛ لقد كانت قرية "الفاو"، مدينة عامرة تزخر بالحياة، وتزخر بالاقتصاد الطبيعي جدياً لأنها تقع في موقع استراتيجي ضخم؛ ومع ذلك نشعر أننا في كل يوم نقابل أقواماً قادمين وأقواماً يذهبون.
 
ثم تقدم الأستاذ عيسى صالح عنقاوي بسؤاله التالي:
- هل هناك أي تنسيق أو تعاون بين إدارة الآثار بالجامعة، وإدار الآثار بوزارة المعارف؟ ولماذا لا تتوحد الجهود في إدارة واحدة؟
 
د. عبد الرحمن الأنصاري:
- صعب أن تتوحد الجهود في إدارة واحدة، ولكن أن تتوحد الجهود في عمل واحد.. فهذا قائم، لأن إدارة الآثار مهمتها هي: مواجهة الجماهير والحفاظ على المواقع الأثرية؛ قسم الآثار في جامعة الملك سعود هو عمل أكاديمي، وكثير من الناس يخلطون بين العمل الأكاديمي والعمل الإداري؛ نحن لا شأن لنا بأي موقع أثري، نحن إذا سُلِّم لنا الموقع الأثري، قمنا بالتنقيب عنه.. والكتابة والبحث؛ أما فيما عدا ذلك فالمسؤول الأول هو إدارة الآثار.
 
بعدئذ سأل الصحفي الأستاذ محمد قنديل الدكتور عبد الرحمن الأنصاري عن سرقة الآثار العربية منذ عشرات السنين:
- ألم يُدْمِ قلب كل عربي؟ وهل هناك استراتيجية عربية لحماية هذه الآثار؟ وما هو دور المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في ذلك، باعتبارها تعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية؟
 
أجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري على تلك الأسئلة بقوله:
- الحقيقة: - ما في شك - أن فكرة سرقة الآثار فكرة سيئة ومحبطة في نفس الوقت، لكن الحقيقة - أيضاً - إن أي زائر عربي للمتحف البريطاني أو لمتحف اللوفر، يرى الآثار العربية معروضة بشكل يدعو إلى الإعجاب ومعتنى بها، ومحاطة بالرعاية الكاملة؛ ولو أن ذلك الزائر ذهب إلى متحف دمشق أو متحف القاهرة، لوجد أن وضع الآثار في تلك المناطق على نقيض وضعها في بريطانية، فلا مقارنة بينهما، ولفضل بقاء تلك الآثار في بريطانيا وفي فرنسا في منتهى العناية والرعاية، وهم لا يقولون إن هذه آثار بريطانيا أو فرنسية، إنما يقولون آثار من بلاد الشام ومن العراق ومن اليمن، ومن هنا ومن هناك..
- أعتقد أن ما حصل في الكويت وسرقة الآثار الكويتية، تجعلها تخشى ألف مرة من أن تبقي الآثار في المتاحف العربية، إذا ما كان سلوكنا بهذا السلوك؛ في الواقع: إن من رأى المتحف الإسلامي في الكويت، ويسمع ما حصل له، لاَنْفطر قلبه حزناً؛ درة الآثار الإسلامية جُمعت من جميع أنحاء العالم بملايين الملايين، ووضعت في أجمل صورة، لم يُيسر لأي متحف في العالم مثل ما حصل للمتحف الإسلامي في الكويت، ثم يؤخذ هذا المتحف ويُبدد ويرمى في أزقة بغداد؛ أعتقد أن هذه جريمة لا يمكن أن تغتفر، ويجب أن نسكت عن فكرة سرقة الآثار، إلى أن يصلح ربنا أحوالنا وتعرف قيمتها.
 
ويعلق السائل على إجابة الدكتور عبد الرحمن الأنصاري بقوله:
- أعتقد يا دكتور أن وجود الآثار الإسلامية في البلدان الغربية يعتبر رسالة إعلامية أو دور إعلاني أيضاً..
 
ثم يعاود الدكتور عبد الرحمن الأنصاري الحديث إكمالاً للإجابة:
- ويستطيع أي عربي يرغب الاطلاع على أية قطعة بقصد دراستها - أن يتصل بالمسؤولين عن المتحف، ويبدي رغبته لهم، ولن يدخروا وسعاً في إحضار تلك القطعة له، وسوف يعدون له غرفة، ويصورون له ما شاء، ويمكنونه من تدوين معلومات كافية عن ذلك الأثر الَّذي يقوم بدراسته، كما يدون كل شيء عن هذه القطعة، منذ الحصول عليها إلى الوقت الحاضر؛ أما الآثار في بعض البلدان العربية، فإنها توضع في مخازن وليس في متاحف، ولا أدري لم تختلف نظرتنا للآثار عن نظر هؤلاء؟
 
ثم يتلو عريف الحفل سؤالاً تقدم به الأستاذ عبد الكريم مرزا نصُّه:
- هناك كثير من الآثار الإسلامية تتواجد في متاحف العالم، وخصوصاً متاحف تركيا؛ ألا ترون أن الوقت قد حان لأن نشتري هذه الآثار التي انتُزعت منا؟ وما هي الطريقة للوصول إلى هذه الفرصة؟
 
أجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري على هذا السؤال بقوله:
- على أي حال: تركيا دولة إسلامية، واسطنبول كانت عاصمة العالم الإسلامي، وكل ما فيها هو ما بقي من هذه الخلافة الإسلامية، التي يجب أن نعتز بها لأنها جزء من تراثنا الإسلامي وجزء من تاريخنا الإسلامي؛ الأتراك تأثروا بالغرب، يحتفظون بالآثار بشكل لا نظير له؛ وأعتقدُ أن الموجود في تركيا يجب أن يبقى في تركيا، وفي إمكان من يرغب الاطلاع عليها أن يذهب صيفاً إلى هناك، ويرى ما شاء له أن يرى بالإضافة إلى التمتع بالجو اللطيف والمناظر الجميلة ولو أحضرناها إلى هنا.. فأين نضعها؟
- والشراء ليس عملية سهلة، تباع القطعة بالملايين في المزادات؛ للأسف إن الآثار الإسلامية - فعلاً من الآثار التي أصبحت مجالاً للتجارة، وهناك أناس يقومون بشراء الآثار للاستفادة منها، أو بالأصح للاتجار بها واستثمارها، مثلها في ذلك مثل الأسهم؛ وهناك طائفة من هؤلاء يقومون باستئجار صناديق في البنوك، ويدفعون تأمينات ضخمة على القطع الأثرية الإسلامية بشكل خاص، لأنها جميلة ومعتنى بها عناية خاصة، وأكثرها سرقات من تنقيبات غير منتظمة؛ ولقد نهبت آثار كثيرة من بلاد الشام ومصر، وبيعت في المزادات؛ يستطيع كل واحد أن يشتري قطعة أثرية من المزادات في بريطانيا، والمهم أن تكون محفظة نقوده متخمة، وأرصدته في البنوك تشكو الحبس وتتوق إلى الحرية والانعتاق من السجن الخزائني.
 
ثم تقدم الأستاذ عمر يحيى أحد طلاب قسم التاريخ، جامعة الملك عبد العزيز، بالسؤال التالي:
- إن العلماء الأجانب هم أكثر معرفة وعلماً بالنقوش واللغات القديمة التي انتشرت..، وبعضهم عند تفسيره للنصوص يحاول التشكيك فيما جاء في القرآن الكريم، فمن خلال نقش في بئر عرضت اسم البئر على الأساتذة الدكاترة الموجودين معنا، فما توصل أحد إلى معرفة اسمه، هل هو: بئر مريد، أو فردية؟ وهذا البئر في جنوب المملكة الشرقي؛ وقام الدكتور عبد المنعم عبد الحليم بالرد علمياً على هذه القضية، ولكنه رد فردي والرد الفردي لا يكفي، فلماذا لا تتركز بعض الدراسات على محاولة الرد على بعض النظريات، أو الأقوال التي تظهر بين فترة وأخرى، محاولة المساس بالمعتقدات من خلال الآثار؟
 
وأجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري على ذلك بقوله:
- الحقيقة: إن الدكتور عبد الحليم من العلماء الَّذين نقدرهم، وقد دخل مؤخراً في السنوات الأخيرة في مجال النقوش والكتابات العربية، بحكم وجوده في المملكة العربية السعودية، وإلاَّ فهو متخصص في الحضارة الفرعونية والتاريخ الفرعوني والآثار الفرعونية؛ على أننا يجب ألاَّ ننكر أن الغربيين هم الَّذين فتحوا هذا المجال، وهم الَّذين أفنوا حياتهم في ذلك، وخدموا الثقافة العربية والحضارة العربية، ونحن لا ننسى هؤلاء الأعلام بأي حال من الأحوال، وقد تتلمذنا على أعمالهم؛ ولكن لهم منطلقاتهم ولنا منطلقاتنا، في تفسير هذه النقوش.
- ولقد رأيت ذلك البحث الَّذي كتبه الدكتور عبد المنعم عبد الحليم، بل تفضلت المجلة التي نشرته ببعث نسخة منه، وقد كتبت تقريراً عنه - وأرجو أن يكون نشر، لأني لم أره بعدما نشر - ولم يكن هناك تغيير كثير، سوى أنه أفاد أن الطريق مرتبط بأبرهة، ومرتبط بحملات أبرهة إلى الجزيرة العربية، واستطاع أن يُعدل في بعض المواقع الأثرية والمواقع التاريخية الجغرافية؛ وإن كنت أشك - حقيقة - في أن ما أشار إليه عبد المنعم عبد الحليم صدقاً، لأني بحثت في المواقع التاريخية والجغرافية التي تحدث عنها النص، بما يتجه فيه عمر يحيى ما يتجه فيه عبد المنعم عبد الحليم، لكنني لم أجد ذلك؛ ولو يُسِّر لي أن أطلع على البحث لكتبت عنه وعلقت، ولكنني - للأسف - سألت الدكتور سعد أكثر من مرة عن هذه المجلة، هل وصلت أم لم تصل؟ فأفادني بأنها لم تصل بعد، وعندما تصل سأكتب رداً على تفسيره ونقده: "لبيستون" الإنجليزي في دراسته لهذا النص؛ وشكراً.
 
وسأل عريف الحفل المحتفى به سؤالاً وصل إليه من الأستاذ الطيب فضل عقلان نصه:
- ماذا تعني الآثار هل هي ذكريات للتاريخ أم أسلوب أم منهج للاستفادة من الماضي لصنع المستقبل؟ وكم هي المدة الزمنية التي يمكن بها أن نعتبر الأشياء أثرية؟
 
وكان رد الدكتور عبد الرحمن الأنصاري على ذلك السؤال كالآتي:
- أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى محاضرة، لأنه موضوع واسع جداً، لا أستطيع في هذه العجالة أن أجيب عليه، ولكني أعتقد أن التاريخ والآثار شيء واحد؛ المؤرخ الحقيقي لا يستطيع أن يتخلى - أو أن ينفرد - عن الوثيقة؛ والآثار هي وثيقة، سواء كانت الآثار القديمة أو الآثار الإسلامية، ولذلك نحن نعتقد أننا نمد التاريخ بزخم كثير من الوثائق، سواء كانت الوثائق مادية أو الوثائق كتابية، فلا نستطيع أن نفرق بين الآثار والتاريخ، وإنما هي المصلحة في أن ينفصل الآثار عن التاريخ، لكي تستطيع الآثار أن تأخذ راحتها، ويستطيع المؤرخون أن يأخذوا راحتهم، ونستفيد من الجامعة من هنا وهناك؛ لأننا لو كنا قسماً واحداً لقلت المصاريف وقلت المعونات، ولكن عندما نكون قسمين نستفيد أكثر وأكثر، ويكون للآثار مجال واسع في العمل الميداني، وهو روح العمل الأثري، وبدونه لا يمكن للآثار أن تنشط.
 
وقرأ عريف الحفل سؤالاً ورد إليه من الأستاذ أحمد محمد جابر، نصه:
- ما هي المنطقة الغنية بالآثار في المملكة، والتي لم يتم التنقيب فيها حتى الآن؟
 
وكانت إجابة الدكتور عبد الرحمن الأنصاري على هذا السؤال كالآتي:
- أعتقد أن اكثر منطقة غنية بالآثار هي المنطقة الشرقية، لأنها تقع بين منطقتين حضاريتين ضخمتين، هما: الهند من الجنوب ووادي الرافدين وبلاد الشام في الشمال؛ وفضلاً عن كون المنطقة الشرقية غنية بتراثها، فهي غنية ببترولها؛ وأعتقد أن كل المراحل التاريخية واضحة بشكل قوي في شرق الجزيرة العربية، ثم بعد ذلك تأتي المراحل التاريخية، وهذه المراحل التاريخية نجدها في اليمن ونجدها في عُمان؛ أما مراحل ما قبل التاريخ - والتي تعود للألف السابعة قبل الميلاد - فنجدها في شمال الجزيرة العربية في منطقة حائل ودومة الجندل، وغيرها من المناطق التاريخية..؛ بالنسبة لمنطقة الحجاز - بمفهومها الجغرافي - فهي منطقة تعيش الفترات التاريخية، وليس الفترات ما قبل التاريخ إلاَّ ما قد يكشف عنه المسح الأثري، أو التنقيب الأثري مستقبلاً.
ثم قرأ عريف الحفل سؤالاً ورد إليه من الأستاذ محمد عبد الرحمن بابصيل، يقول فيه:
- أتمنى التحقق من الأماكن ذات الأثر المقدس، وتحقيق أماكن وقبور الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين)؟
 
وقد أجاب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري على ذلك بقوله:
- أعتقد أن تحقيق قبور الصحابة والتابعين، وما أشبه ذلك.. قد لا يفيد كثيراً، لأننا إذا عرفنا أن هذا قبر أبي بكر، وهذا قبر عمر، وهذا قبر عثمان، وهذا قبر عبد الرحمن بن عوف، وهذا قبر معاوية بن أبي سفيان..، فماذا تريد من هذه المعرفة؟ نحن لا نقدس الموتى، نحن نترحم عليهم ونستغفر لهم؛ ولكن يسعدنا أن نجد شواهد قبور، لأن شواهد القبور هي التي تعطينا المعرفة، وتعطينا العلم عن هؤلاء الناس، من حيث الأسلوب الَّذي كانوا يكتبون به، ومن حيث تطور الخط العربي، ومن حيث الدلالات العلمية التي يمكن أن تستنبط منها.
- وأعتقد أن هذا شيء نفتقده في الوقت الحاضر، وإن كانت الصحف.. وما يكتب عن الأموات في الصحف، هو عبارة عن شواهد قبور في القرن العشرين؛ ولكن للأسف فيما يكتب من عبارات النص في الصحافة - والتي تشمل أحياناً صفحة كاملة أو نصف صفحة حسب مقـدرة الإنسان - تنقصها كثير من المعلومات عن المتوفى، في حين أن شاهد القبر دائماً يذكر أن فلان بن فلان ولد بكذا وتوفي في مكان كذا، وفيه تاريخ الوفاة، وفيه معلومات عن أسرته، إلى آخره..؛ لكن السلف الصالح لا يؤيد مثل هذا العمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة على القبور؛ كما أن تعيين قبور الصالحين وغيرهم، أعتقد كإنسان مؤمن أن يتم الاتصال المباشر بالله (عز وجل) ولا يحسن بنا أن نرتبط بقبر أو بضريح.
(( اعتذار للسائلين الَّذين لم تُقرأ أسئلتهم لضيق الوقت. ))
قبل اختتام الأمسية، اعتذر عريف الحفل الأستاذ عدنان صعيدي للسائلين الَّذين لم توجه أسئلتهم إلى المحتفى به، نظراً لضيق الوقت، فقال موجهاً حديثه للمحتفى به:
- الحقيقة: إن هناك عدداً كبيراً من الأسئلة وردت إلينا، وجميعها تحمل الكثير من الفوائد، التي ربما لو أجاب عليها سعادتكم لخرجنا بنتيجة طيبة، وهذا يدل على الاهتمام بالآثار لدى المجتمع؛ لكننا نعتذر للأساتذة والسادة الَّذين لم نقرأ أسئلتهم، وأيضاً نعتذر للأساتذة الَّذين لم نعطهم الفرصة لقراءة أسئلتهم بأنفسهم، لأن الوقت كما تعلمون قد تأخر، وهذا نتيجة لبدء" الاثنينية "بوقت متأخر، وهو أمر نتمنى أن نعالجه مستقبلاً (إن شاء الله) بحيث تبدأ الاثنينية قبل الموعد الَّذي بدأنا فيه هذه الليلة.
ونختتم هذه الرحلة التاريخية والأثرية الجميلة بقصيدة لشاعر طيبة الشيخ، محمد ضياء الدين الصابوني.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :551  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.