شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلِّي وأسلِّمُ على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آلهِ وصحابتهِ ومن والاه.
الأستاذاتُ الفضليات.. الأساتذةُ الأكارم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله على ما منح ومنع فقد رُزِئنا بوفاة المربي الفاضل أستاذنا الكبير عبد الله بغدادي رحمه الله ـ عرفناه حفياً بهذا المنتدى منذ بدئه إلى أن شرُفنا بتكريمه وتوثيق مسيرته 20/11/1424هـ الموافق 12/2004م لتطوى بذلك صفحة من ندى العطاء الأدبي الذي أسهم به فقيد التربية والثقافة، إسهاماته الصحفية والمنبرية خير شاهد على تفاعله مع قضايا مجتمعه في الوقت الذي حافظ على عبارة مميزة وانتقاء للكلمة ولم يستسلم لعصر السرعة الذي قفز في كثير من الأحيان على متانة الأسلوب، فظل وفياً لقاموسه الخاص وقالبه الأدبي المعروف ـ رحمه الله رحمة الأبرار ـ بقدر ما قدّم لأمته ووطنه وأسكنه فسيح جنانه مع الصديّقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وألهمنا وذويه الصبرَ وحُسْن العزاء.
يطيبُ لي أن أُرَحِّبَ باسمِكم جميعاً أجملَ ترحيبٍ بضيفِ أمسيتنا الداعيةِ المسلمِ، صاحبِ الإبداعاتِ الفكريةِ الأدبيةِ المميزة، سعادة الدكتور عدنان بن علي رضا بن محمد النحوي، فله الشكر أجَلُّه على هذا التواصل في دربِ العلمِ النافعِ والكَلْمِ الماتعِ، لتلتقيَ وشائجهُ وتتجذرَ في نفوسِ محبيه ومريديه، فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبصحبه الكرام.
أيها الأخوةُ نحنُ أمامَ ضيفٍ كريمٍ حُظيَ بِقُدرةٍ مُقَدّرةٍ على تطويعِ دفةِ الوقتِ، فقد اتجه في مستهلِ حياتهِ وشَرْخِ شبابه إلى دراسة الهندسة الكهربائية، وعَملَ في مجالِ كهربائيات الإعلام والمُرْسلات الإذاعية، وبصفتي من المخضرمين في هذا الحقل، إبّانَ المديرية العامة للإذاعة والصحافةِ والنشر حين كنتُ مديراً لإدارتهِا قبلَ قيامِ وزارةِ الإعلامِ، فإنني على عِلْمٍ بِمدى أهميةِ هذا الجانبِ الفني في الرسالةِ الإعلامية، وبطبيعةِ الحال فإنَّ إنساناً تفورُ نفسُه وتَعْتملُ بهذا الكمِّ الهائل من النوافذِ المُشْرَعةِ على العَالَمِ لا يمكن أن يَحصِرَ نفسَه في أداءٍ مِهنيٍّ لا يتجاوزُ متطلباتِ التركيبِ والصيانة الهندسية، ذلك أنَّ الأسئلة التي تدورُ في ذهنهِ تنوءُ بالعُصبةِ من ذوي العزمِ، لذا نَجدُه أطَّر أوقاتَه في محفظةٍ استثمارية وَثَّقَ فيها عصارةَ جهدهِ وفِكرهِ بما يقربُ المائةَ مُؤَلَّفٍ، فاحَ أريجُ نَفعِها وعَمَّ كلَّ صَقْعٍ دانٍ أو ناءٍ، زَارَهُ عالِماً أو متعلماً، خطيباً أو مفكراً، داعياً ومُبَلِّغاً زُهاءَ ما يربو على الخمسينَ سنة، متنقلاً بين الكتابة المعاصرة، ودوحةِ الشعر الملْحَميِّ الرصينِ المتزنِ، ومراكزِ البحثِ العلميِّ وغيرها من حقولِ العلمِ والمعرفةِ التي دفع مهراً لها عُمُراً مديداً بإذن الله.
وعندما يعجزُ النثرُ عنِ اختراقِ العواطفِ الجياشة، يأتي الشعرُ مُنْقِذاً ورفيقاً ليؤْنسَ وَحْشَةَ الدربِ وخشونةَ المركَبِ، وهكذا تتكشفُ أمامنا صفحةٌ أخرى من صفحاتِ الإبداعِ في دفترِ ضيفنا الكبير، إذ تتزاحمُ لديهِ القوافي وبحورُ الشعرِ فيغرفُ منها بكلِّ يُسْرٍ وسهولةٍ وكأنّه الشاعرُ الذي لم تُشْغِلْهُ عويص المسائل الفكرية أو متطلبات الحوار والمناظرات وهموم النشر والتوزيع فنراه ذلك الشاعر الفحل الذي يرتاد الملاحم ويخوض عباب القريض غواصاً ماهراً، يجلبُ اللآلئَ من كامِنِ الصدفاتِ فيكسو بها جِيدَ الزمانِ قلائدَ تردّدُها الأجيالُ وينسابُ صداها ليجْلُوَ المشاعرَ ويُثْريَها بصدقِ العاطفةِ، ونفيسِ المودةِ.. وقد استطاعَ أنْ يوظِّفَ هذه الموهبةَ لخدمةِ مشروعهِ الدعويِّ الناشط، فظلَّ شعرُه رغْمَ نصاعةِ ديباجتهِ وتَفَرُّدِ حُنجَرته آلةً يحدُو بها الرَّكبُ، وأُسلوباً من أساليب التواصلِ الراقي لِتَبْلُغَ الفكرةَ أقصى الأهدافِ تَأثيراً في النفسِ البشريةِ.
إنّ نظرةً متأنيةً لكثيرٍ من طروحاتهِ القيِّمةِ مبنىً ومعنىً، نجدُها تُمثّلُ خلاصةً خالصةً لتجاربه التراكميةِ التي أمدتهُ بكثيرٍ من رؤاهُ النيرة، وأفكارهِ السديدةِ، التي تُمثّلُ نَهجاً مُحدداً للدعوةِ ونشاطِها، راجتْ بين قُرّائه ومحبّي فِكْرِهِ وعِلْمِه، سواءٌ في قاعاتِ الدرسِ والمحاضرةِ أو مِن خلالِ أسْفارهِ وتِسْفَاره، وعبرَ موقعهِ الإلكتروني الأنيق المُطرّزِ بِشعارِ "لقاءِ المؤمنينِ وبناءِ الجيلِ المؤمنْ"، الذي أحْسَنَ توظيفَه ليخْدُمَ به ما أطْلَقَ عليه: "النظريةَ العامةَ للدعوةِ الإسلامية" القائمة على تشخيص وتشريحِ الواقعِ الذي يُفْهَمُ مِن خلالِ مِنهاجٍ إلهيٍّ يكونُ ملتقَى طرقٍ لألوانِ الطيفِ الإسلاميِّ تتآزرُ فيه وتتعاضدُ من أجلِ كلمةٍ سواءْ تقْضي على الفُرْقةِ والتمزّقِ والشتاتِ، ويُقدِّم ضيفُنا الكريمُ من خلالِ ذلك رؤيةً متكاملةَ الجوانبِ قائمةً على بحوثٍ مستفيضةٍ في نهجِ التفكيرِ، وفي مجالِ الدعوةِ الرحبِ، والتربيةِ الحديثةِ، والبناءِ والتدريبِ، والمناهج القويمة، والنماذج التطبيقية، والنظمِ الإدارية، ودراسةِ الواقعِ وأحداثهِ وقضاياهُ الفكريةِ، فاحتلتْ قضايا العَالَمِ الإسلاميِّ الركنَ الكبيرَ في حياته وخصوصاً قضيةَ فلسطين، التي كانَ شاهدَ عصرٍ على كثيرٍ من أحداثِها ووقائِعها، فألهمتْ قرائِحَهُ كُتباً وشِعراً وملاحمَ وندواتٍ ومؤتمراتْ.
وعندما ضاقَتْ عليه نَفسُه بما وَعَتْ من عِلمٍ غزيرٍ، وظَلَّ الدِّفْقُ العلميُّ والفكريُّ والأدبيُّ أكبرَ بكثيرٍ من قنواتِ النشرِ والتوزيعِ، حَمَلَ على عاتقهِ إنشاءَ دارٍ للنشرِ شَرُفَتْ بِحَمْلِ اسمهِ (دارْ النحوي للنشرِ والتوزيع) حتى يتمكنَ من خلالِها من أداءِ رسالتهِ على الوجهِ الذي يُرْضِي بعضَ تطلعاتهِ، فَمِثْلُه لا يُمكنُ إرضاؤُه بالكليةِ، لأنَّ النفوسَ الكبيرةَ تُرْهِقُ أصحابَها، إلا أنّه تَعَبٌ تعقبُه راحةُ النفسِ والمشاعرِ، وعافيةُ الوجدانِ وراحةُ البالْ.
لقد عُنِيَ ضيفُنا الكريمُ باللغةِ العربية وشَغُفَ بآدابِها منذُ يفاعتِه، فتعلَّمَ ضروبَها وأتقنَ فنونَها، فكانت تُرجماناً لأفكارِه، ومَعْبَراً حَمَلَ عليه هَمَّهُ وطموحَهُ وفِكرَه، حتى إذا استوى على سُوقهِ، ووضحَ منهجُه، خَرَج على الملأِ بأفكارٍ جديرةٍ بالاهتمامِ في الشعرِ القصصيِّ، يؤسِّسُ بها تصوُراً مُهِمّاً في الملاحمِ الإسلاميةِ تُعبّرُ عَنْ أصالةِ وواقعِ المسلمينَ في أرضِ الرسالاتِ وفي غيرها من مواجعِ المسلمينَ وجراحاتِهمْ.
وما أجملَ مزاوجةَ ضيفِنا الكريمِ بين الفقهِ والأدبِ، فقدْ اهتمَّ بالدراساتِ الفقهيةِ المتعمقةِ، التي أهلتْهُ لمقارعةِ الحجةِ بالمنطقِ وروح الفكرِ المتزنِ، فيشعِرُكَ بأنّه صاحبُ منهجٍ ورؤيةٍ متميّزةٍ، ودراساتٍ واسعةٍ، تدعو المسلمَ في خِضَمِّ التطوّرِ الهائلِ المتمثلِ في التقنية العلميةِ أن يتجاوبَ وأنْ يُنمِّيَ فكرَهُ وإدراكَهُ من خلالِ المنهاجِ الربانيِّ، ولذلكَ جعلَ من عناصرِ النظريةِ التي روّج لها مسألةُ التفكير، فقد بيّنها في كتابه المتميّزِ الذي اطلعْتُ عليه والموسوم "النهجِ الإيمانيُّ للتفكيرِ" واعتبرَ أنَّ استيعابَ المسلمِ لقضايا الواقع من خلالِ المنهاجِ الرّباني والإدارة الإيمانية من ضروراتِ العملِ الناجح، وعبّر عن ذلك في كتابه: ((فقه الإدارة الإيمانية))، مؤكِّداً أنَّ المسلمَ في حاجةٍ إلى استصحابِ علمِ الإدارةِ لأنّه جزءٌ لا يُستهانُ به في دينهِ وفهمِه، وعملهِ ووسائله وأهدافهِ، بل إنَّ واقع الحالِ يَفْرضُ عليه هذا العلْمُ، لأنّه جُزءٌ من النهجِ والتخطيطِ، فعاشَ ضيفُنا الكريمُ لهذهِ الفكرةِ يُمَحِّصُ ويُدقّقُ، يكتبُ، يراسلُ، وَيَتَنقّلُ من بلدٍ إلى آخرَ ليرى كيف يمكنُ للحُلمِ أنْ يُصبحَ حقيقةً ماثلةً، رغمَ العقباتِ الكأداءِ، والخصومِ الذين لم يَسْلَمْ من أحابيلِهم صاحبُ فكرٍ وقلمٍ ومنهجٍ، وهو مع ذلك ذو موعظةٍ بليغةٍ، ووصيةٍ مؤثرةٍ، منسجمةً في معظمِ كُتُبهِ مع النهجِ الذي يدعو إليه، كما نجدُه في كثير من كتاباتهِ مُهتماً ومهمُوماً بموضوعِ الوصايا والمواعظ فأفردَ لها كتابه الموسوم: "أدب الوصايا والمواعظ" ليبيّنَ أهميةَ منزلتها في الأدبِ الملتزمِ بالإسلامْ.
أحسبُ أنَّ ضيفَنا الكريمَ عاشَ على هذه الآمالِ، لا يَسْعى إلى الثناءِ والتقريظِ، بل شَقَّ طريقاً عُرِف به نهجُه ودراساتُه وبذلُه وورعُه وتجربتُه، ولا أزكيهِ على الله، فقد عَمِل في صمتٍ وإخلاصٍ وسكينةٍ ووَرَعٍ، وأسَسَ عملاً بلا ضجيجْ، وبناءً بلا زخارفْ.
مرةً أخرى أرحبُ مجدداً بضيفِنا الكريمِ متمنياً لكم سياحةً ماتعةً في معيتهِ، فأحيلَ لاقطَ الصوتِ إلى أخي الأستاذ الدكتور جميل مغربي، أستاذ اللغة العربية وآدابِها بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ليديرَ بسابغِ فضلهِ هذه الأمسيةَ جرياً على نهجِ الاثنينيةِ بَدْءاً من هذا الموسم، على أمل أنْ نحتفي سوياً الأسبوع القادم بفضيلة الشيخ المفكر حسن بن موسى الصفار، الذي ألّف أكثر من سبعين كتاباً في مختلف الشؤون الاجتماعية والإسلامية والأدبية، وشارك في كثير من لقاءاتِ الحوار داخل وخارجَ الوطنِ، وصاحبِ رؤىً وأفكارٍ جديرةٍ بالتفافنا حولَه لِنَفيَهُ بعض حقوقهِ، وإلى لقاء يتجددُ بكم ومعكم وأنتم جميعاً بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :767  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 170 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج