شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ حسين محمد بافقيه))
يصعب عليّ الحديث عن العلاّمة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي دون أنْ ألمح إلى مزيَّة فيه ورثها عن أسلافه من المغاربة والأندلسيّين، ويبلغ من شأن تلك المزيَّة أنْ تغدو وكأنَّها جِبِلَّة جبلهم الله ـ تبارك وتعالى ـ عليها، واختصَّهم بها، فلا ينفكّ أحد من علماء تلك الناحية أو أدبائها إلا وهو مفتون بها، فتسكن في وعيه، حتى كأنَّه لا يستطيع أنْ ينجو منها.
وتلك المزيَّة هي الفتنة بالمشرق، تلك الفتنة التي قد تطغى على إحساس الأندلسيّ أو المغربيّ فيعيش مشغوفاً بالمشرق، لهجاً بذكره، متتبِّعاً أثر علمائه وأدبائه، فِتْنَتَهم بإمام دار الهجرة مالك بن أنس، وكتاب سيبويه، وشعر أبي تمّام والمتنبي، وولعهم بألحان زرياب، وتتبّعهم لغريب أبي عليّ القالي، وتقصّيهم أثر المشرق وأهله كما فعل ابن عبد ربه في ((العقد))، حتَّى ليبلغ من سطوة المشرق على المغرب أنْ جأر غير عالم وأديب بالشكوى، وخفّ نفر منهم يفتِّشون عن مزيَّة أهل تلك النواحي من الأندلس والمغرب، تحمل النَّاس على الاعتراف بفضلهم وعبقريَّتهم، كما فعل ابن حزم في رسالة له ((في فضل الأندلس وذكر رجالها))، أو ابن بسام الشنتريني في مقدمة كتابه الفذّ ((الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة))، ليصبح الاستقلال عن أثر المشرق وعلمائه وأدبائه همًّا يقضّ مضجع لفيف من أدباء الأندلس والمغرب: أدناه وأوسطه وأقصاه، ونلقي ذلك فيما تناهى إلينا من كلام لابن خلدون والمقَّريّ، قديماً، وأبي القاسم كِرّو وأبي القاسم سعد الله ومحمد عابد الجابريّ حديثاً.
والعلاَّمة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي ولع كذلك بالمشرق، مشغوف به، يتتبَّع آثاره ورجاله، في صورة تجلّي لنا طرفاً من سيرة العلماء الكبار في صبرهم على العلم، وشغفهم بتقصي آفاقه، وهو إلى ذلك، ورث عن أسلافه من الأندلسيّين والمغاربة الهيام بالأماكن الشريفة في الحجاز، وله في هذا المقام يدٌ سلفت في العناية بالتأريخ لرجالات وطنه ممَّن ضربوا في الأرض حتَّى ألقى جِلَّة منهم عصا الترحال في مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
وكتابته في هذا المجال، ولا سيَّما عن المجاورين من الأندلسيين والمغاربة، من الأعمال الجليلة والمفيدة، ولا ينتهي من نمط من البحث، حتَّى يأخذ في نمط آخر يثري الدرس الأندلسيّ والمغربيّ والحجازيّ، في دراسات تشدّ المشرق إلى المغرب، وتجلّي طرفاً من سيرة المكان وقاطنيه، وأعرف له فضله على المكتبة المكيَّة، في تنوّعها وثرائها، ذلك التنوّع الذي يبدو في دراساته الجليلة عن الرحلات الأندلسيَّة والمغربيَّة إلى المدينتين المقدَّستين، أو رصده الدقيق للإجازات العلميَّة للمغاربة والأندلسيّين في الحجاز، وتلك مهمَّة ليست بالهيَّنة، ولكنَّها ليست بالغريبة على رجل عالِم، عاشق، محبّ.
شَرُفْتُ بمعرفة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي في موسم حجّ 1423هـ، وشدَّني إليه أوَّل الأمر زِيُّه المغربيّ الأثريّ، ولغته الفصحى العالية المشوبة بجرس مغربيّ شائق، ثمّ لم أمكث إلا قليلاً حتَّى رأيته رجلاً يصدق فيه أنَّه وعاء مُلِئ عِلْماً، يتحدث بلهفة وشوق عن تلك الآصرة العظيمة التي تشدّ المغرب إلى المشرق، وذلك الولع الذي بلغ حدّ الفتنة بالأمكنة الشريفة في الحجاز، مع ما يحيط بذلك من منهج في الدرس، يعيد إلى الأذهان ما كان عليه جِلَّة من علماء المغرب الأقصى في جهادهم العلميّ، كالسيِّد عبد الحيّ الكتّانيّ، وعبد الله كنّون، وعبد الهادي التازي.
ولم يشأ الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي حين أقام في مكة المكرمة أنْ ينأى عن المجتمع، أو أن يظلّ حبيس أروقة الجامعة، وكيف له ذلك، وهو يُمِتّ بصلة إلى ابن جبير الأندلسيّ وابن بطوطة وابن رشيد والعبدريّ ومن لفّ لفّهم من العلماء والرحَّالين الذين قصدوا هذه المدينة الشريفة، فجاسوا في خلالها، وتأمَّلوا وجوه النَّاس وسحناتهم، وكان لهم في كلّ شِعْب أثر، وهذا ديدن العلاَّمة الوراكلي: درس وبحث، واختلاف إلى مكتبات مكة المكرمة وخزائنها وأنديتها ومجالس الثقافة فيها. وحين قصد إلى مدينة جدة للتدريس في جامعتها كان من المبرِّزين من أساتذتها في التاريخ والآداب، ولكنَّ ذلك لم يصدَّه عن مكَّة المكرَّمة التي سكنت فؤاده، فآثر السكنى بها، حتى لو كان عمله في مدينة ساحرة كجدّة.
إنَّ في تكريم العلاَّمة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي إحياءً لصلات ثقافيَّة بين الحجاز والمغرب والأندلس، وتجديداً لعهد قديم زاهر كان علماء الأمة وأدباؤها يشمخون بأنوفهم أنْ جمعوا الأندلس والمغرب ومصر والحجاز في سلسلة ألقابهم، وها نحن أولاء أمام عالم وأديب يجدِّد صلة المغرب بالحجاز والجزيرة العربيَّة، ولا أحسبه إلا مفتخراً أنْ سيترجم المترجمون له ذات يوم بقولهم: إنَّه حسن الوراكلي التطوانيّ المكّيّ، وأحسب أنَّنا حفيّون بهذا اللقب حفاوتنا بهذا العالِم والأديب، الذي جَدَّد العلاقة الثقافيّة بين المغرب والحجاز، بل الجزيرة العربيَّة، ولعلَّه في ذلك كان متأسِيًّا بعلاَّمة الجزيرة العربيَّة الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ الذي شرع منذ زمن مبكِّر في تجديد تلك العلاقة وتوثيقها.
عريف الحفل: أيها الأخوة شاعر طيبة فضيلة الشيخ ضياء الدين الصابوني أبى إلا بعد الحلي أن يعطر هذه الكلمات بقصيدة شعرية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :797  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 73 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج