شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه يلقيها نيابة عنه معالي الأستاذ الدكتور رضا عبيد))
الحمد لله الذي أشرقت بنور وجهه أقطاب السماوات والأرض، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين، وصحابته الغر الميامين.
الأستاذات الفضليات
الأساتذة الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نسعد هذه الأمسية مجدداً بمواصلة مساهمة الاثنينية الاحتفاء باختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية، في لقاء نشرف فيه بمعالي الأخ الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي، وسعادة الأخ الدكتور عاتق بن غيث البلادي.. فلهما الشكر على كريم تجاوبهما مع اثنينيتكم، وهو أمر غير مستغرب، فكلاهما صاحب فكر مستنير، ومشاركات تذكر فتشكر في كثير من المحافل العلمية والأدبية، وكم حظيت الاثنينية بمشاركاتهما التي أسرجا من خلالها بعض لياليها بنور العلم والمعرفة والثقافة.
من المتفق عليه أن مكة المكرمة هي حاضنة الثقافات والحضارات التي أسست بنيان العالم عبر العصور المختلفة، إلى أن شرفت الإنسانية بنور الإسلام الذي وضع الأسس السليمة لمعالم نهضة البشرية، وقاد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وصحبه الأبرار رضي الله عنهم، مسيرة التغيير الشامل الذي عمّ الكون بنور ((اقرأ)) وإكمال مكارم الأخلاق التي سجلت أولى خطوات حفظ حقوق الإنسان والنهوض بها على المستويات كافة.
ولي أن أتساءل في هذا المنعطف عن الهوة التي تتسع يوماً بعد يوم لتفصل بين واقعنا المعاش، وحياة صدر الإسلام التي درسناها، وعلمنا كل تفاصيلهما، وعايشنا أبطالها رجالاً ونساء.. وننعم بما لدينا من تراث لا يستهان به، عقد لواءه علماء كرّسوا حياتهم، وضحوا بالغالي والنفيس، لكي يصلنا هذا العلم النافع قفزاً على كل المعوقات.. غير أنه بالرغم من التواصل المعرفي، إلا أن الأثر الفعلي لتلك الجذوة المتقدة في تاريخنا الناصع ظلت خامدة في مجرى حياتنا اليومية، وسجلت انحساراً غير مسبوق.. وللأسف كادت روح التسامح تختفي تحت عباءة التطرف والفكر الأحادي، الذي يحدد أصحابه مساره وفق فرض آرائهم دون منح الآخر حق الاختلاف الطبيعي.. كما تطور العنف المنزلي ليصبح من آفات المجتمع التي تجابه عبر مختلف وسائل الإعلام بصيحات عالية بين حين وآخر.. ثم نسمع ونقرأ عقب كل فاجعة أن الأمر دخيل على عاداتنا وتقاليدنا، وكأننا من كوكب آخر، في الوقت الذي ينبغي مواجهة هذه المشاكل، والبحث عن جذورها، ودراسة الفكر الذي يغذيها بغرض اقتلاعه من جذوره.
ومن ناحية أخرى نجد أن رسالة المسجد قد تقلصت إلى أن تحول مكاناً تؤدى فيه العبادات فقط، بعد أن كان مدرسة تخرّج فيها الصحابة على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإلى عهد قريب كان المسجد الحرام روضة العلماء وطلاب العلم، وخلية نحل تموج بحركة الطلاب والدارسين من مختلف الدول الإسلامية.. وعندما عمت بوادر ما سمِّي بالصحوة الإسلامية، تم للأسف استغلال بعض المساجد لغير قنواتها الطبيعية، كما تحولت كثير من التجمعات داخلها وحوَّلها إلى مكامن لتفريخ الفكر الظلامي، واستقطاب صغار السن والشباب المغرر بهم، كوقود للخلايا المشبوهة التي أشعلت الكراهية في كل ما حولها، فجعلت الأخضر يابساً، والفرح ترحاً، والممرع يباباً، وساهمت بقدر كبير في تشويه صورتنا، حتى أصبح المواطن العادي عرضة لأقسى الإجراءات الأمنية في مطارات العالم، ومكان ريبة تحيط به الشكوك في حركاته وسكناته!!
إن الاحتفاء بمكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية هذا العام، ينبغي أن يشع نوره ويستمر خلال السنوات القادمة، وأحسب أن أهم ما يندرج في هذه المناسبة ضرورة الوقوف ملياً أمام المناهج التعليمية التي تحتاج إلى تحديث وتطوير يليق بموقعنا، وبآفاق التواصل الدولي الذي يشهد قفزات عديدة.. فهذه اتفاقية التجارة الدولية تدخل حيِّز التنفيذ بعد أن أصبحت المملكة الدولة 149 في قائمتها التي ستطول.. وتطول.. وقريباً ستكون اللغة الإنجليزية من العناصر المهمة جداً في التعامل الداخلي، ومع الشريك التجاري في كل مكان.. وأيضاً سوف تزداد الحاجة إلى العامل التقني والفني الذي يتعامل بمهنية تامة مع معطيات العصر.. فهل أعددنا العدّة لتلك التحولات التي تتعالى أمواجها من حولنا، وتضرب تياراتها في عمق مجتمعنا؟
من ناحية أخرى أين نقف من مسألة إعداد القضاة، والمحاكم، والمحامين، لمواكبة عصر الانفتاح الكبير الذي أصبح من سمات بعض المجتمعات المجاورة والتي لا يفصلنا عنها سوى أميال قليلة؟ وهل تم تطبيق الحكومة الإلكترونية على أرض الواقع؟ أم أنها من الأحلام المؤجلة التي تراوح مكانها؟ وهكذا فإن الأسئلة قد تتناسل إلى ما لا نهاية، والإجابات متروكة لأعمال فكركم، وتصوراتكم، وعموماً فإن الأمر يتطلب وقفة حازمة إعلامياً وتنفيذياً لسد الثغرات، وفتح نوافذ العطاء، والفكر المتجدد، بما يخدم المصلحة العامة، وفق جداول زمنية تحكم مسار كل مشروع تطويري ينبغي أن يرى النور في أقرب وقت ممكن.
إن مكة المكرمة هي التاريخ وعبقه، والماضي وألقه، والحاضر وسناه، والمستقبل وفجره النابض بالحياة، غير أن هذا السياق يحتاج إلى عمل جاد ودؤوب، يواصل الليل بالنهار، ويمنح كل القادرين شرف المشاركة في بناء صرح أمة تصر على أن تخلع عنها التثاؤب، وتنفض الكرى، وتضع جميع المواطنين في قالب لا يعرف معياراً غير المواطنة الحقة في أعلى مستويات المسؤولية، للقيام بواجباتهم تجاه وطنهم، وتأمين مستقبل أبنائه، بحيث يكون الأداء المتطور، والكفاءة العالية، من أهم مقومات استحقاق العمل العام الذي يخدم الوطن والمواطنين.. وإنني على يقين أن حركة الحياة تتطلب إدخال الكثير من الإصلاحات التي ستسهم في توجيه المسيرة الخيِّرة نحو مرافئ الأمن والأمان، وكل ما من شأنه أن يصب في مصلحة الوطن والغيورين على مستقبله.
ويطيب لي بهذه المناسبة أن أبعث باسمي، واسمكم جميعاً، تحية عاطرة طيبة مباركة، ملؤها الحب والتكريم والتقدير، لطيبة الطيبة، المدينة المنورة، ثاني الحرمين الشريفين، ومهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كنت أتطلع إلى تتويجها عاصمة الثقافة الإسلامية العام القادم، لأنها امتداد طبيعي لمكة المكرمة، فإن فات المنظمون لهذه التظاهرات تطويق أعناقنا هذا الشرف العظيم، فإن مكانتها قطعاً تحتم الاختيار في المستقبل القريب إن شاء الله، لنسعد جميعاً بلقاءات أخرى تستنهض الهمم، وتقوِّي العزائم، وترفع رايات العطاء خفاقة في كل مكان.
أتمنى لكم أمسية ماتعة في صحبة ضيفينا الكريمين، وكل من يسهم بمشاركة تعطّر هذه الأمسية.. وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم وأنتم بخير، لتكريم الأخ الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، رئيس النادي الأدبي الثقافي المكلّف في جدة، ولفيف من الأساتذة أصحاب الفضل الذين تشرفوا بعضوية مجالس إدارات هذا النادي الحبيب عبر تاريخه المضيء.
آمل أن تتسع صدوركم لغيابي بين فينة وأخرى، فأنا على مفترق طرق.. فمع مشارف دخول اثنينيتكم عامها الخامس والعشرين من ناحية، ومع وعدي تحويلها إلى مؤسسة منذ التفكير والعمل لتنفيذ ذلك، وما عاقه من شكليات وما اصطدم به من عقبات روتينية، وبيروقراطية، آثرت معها أن تبقى في حضن هذه الدارة لتحافظ على استقلاليتها ولتبقى في دفء حميميتكم، ولتستمر كما هي إلى أن تتهيأ لها ظروف يمكن أن تتشكّل معها كمؤسسة يكون عطاؤها أكثر إيجابية، وثمراتها أكثر طرحاً وانفتاحاً، وإنني على ثقة بأن خطواتها ستواصل انتظامها مع أصحاب المعالي الدكاترة محمد عبده يماني، ومحمود سفر، ورضا عبيد، وغازي مدني، وسهيل قاضي.. وهم مما لا شك فيه الأقدر والأحسن فضلاً وعلماً ليديروا أمسيات اثنينيتكم بواحد منهم يختارونه تناوباً لا توالياً ولا ترتيب له.. لتسير الاثنينية بعفويتها التي بدأت وتستمر بها إن شاء الله منعقدة بحسن الظن منكم وبكم وإليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1384  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.