شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الكريم المنان، والصلاة والسلام على الرحمة المسداة، سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين، وصحابته أجمعين.
الأستاذات الفضليات..
الأساتذة الأكارم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أرحب بكم أجمل ترحيب في هذه الأمسية المميزة، التي يشعل قناديلها معالي أخي الدكتور محمد عبده يماني، وسعادة أخي الأستاذ السيد عبد الله الجفري، في حديث عن مكة المكرمة بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية.. فلهما الشكر أجزله على هذه المشاركة التي نعتز ونفخر بها.
إن اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية من المناسبات التي تقنا إليها كثيراً.. وهي وإن تأخرت إلا أنها خطوة في الطريق الصحيح لاجتلاء فضائل الأمكنة، وعلى رأسها مكة المكرمة، فقد ظلت أم القرى موئل النور والنوار منذ أكرمها الحق سبحانه وتعالى ببيته العتيق، بيت بنته الملائكة، ثم أبو البشر آدم عليه السلام، ثم أبو الأنبياء إبراهيم عليه وعلى رسولنا السلام.
إن الحروف تتضاءل أمام عظمة المكان، فما ظنك بمكان هو أعلى عليين هذه الأرض، مكة المكرمة، زادها الله تكريماً وتشريفاً.. هي البيت العتيق.. ببابه، وملتزمه، وحطيمه وحَجَره وحِجره، هي الركن اليماني، هي المقام وزمزم، هي المطاف والمسعى ـ هي الصفا والمروة، هي كل بقعة نور يستجاب فيها الدعاء إذا خلصت النية وصدق التوجه لله الواحد القهار، هي الشرف الباذخ الذي نالته بأنها مولد الرسول العظيم، وصحابته الغر الميامين.. هي جبل النور، إنهما غارا حراء وثور.
مكة المكرمة، يأتيها الناس من كل فج عميق، إنها دعوة إبراهيم وهزمة جبريل، إنها المعجزة الإلهية الكبرى، والتحدي الذي يجابهه المسلمون عاماً بعد آخر.. أكثر من مليوني حاج يؤدون مناسكهم في حيز محدود، وزمن مرصود، مساحة غير قابلة للزيادة.. وأيام معلومات، إلا أن رقم الحجيج قابل للزيادة إلى ما شاء الله، وهنا تكمن عبقرية الإنسان والمكان.
إن مكة المكرمة أم القرى، تتشح بالتاريخ في كل زواياها، وأزقتها، وحواريها، وجبالها، وشعابها.. وبالرغم من التوسع العمراني الكبير رأسياً وأفقياً، فإن الناظر بعين المراقب لماضيها القريب، أو المطلع على تاريخها البعيد، يستطيع أن يشاهد خلف غلالة الدمع شطآن الحب والسلام، والحروب والمؤامرات، والتسامح والإخاء التي سادت أجواء المدينة المقدسة، ثم الصيرورة التي نبذت العنف والتطرف، فالانسجام في مجتمع واحد هو نسيج متميز في الروح، والخلق، والمروءة، والنخوة.. مجتمع سادته من آل البيت، وذؤابته من العلماء أصحاب الفضل والنجابة ممن أنجبتهم تلك الأرض الطيبة، أو ممن نزح إليها من أقطار العالم الإسلامي فاكتسبوا طباع أهلها، وطاب لهم العيش معهم في السراء والضراء، فكانوا إضافة خيِّرة لحصاواها، وكتاتيبها، ومدارسها، وأسواقها، ومهنها المتوارثة عبر الأجيال.. وفي عمق مكة المكرمة نجد ابن الحارة، بكل ما ترمز إليه من شهامة، ورجولة، وشجاعة، وكرم، وخلق رفيع.
إن مكة المكرمة في عيون محبيها تتعدى الحاضر، وتطوي الزمان وصولاً إلى ألق الماضي، وجولة في كتاب ((أخبار مكة وما جاء فيها من آثار)) لمؤلفه أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي عام 789هـ الموافق 1369م، والذي شرف والدي ((يرحمه الله)) بطباعته في جزأين، بالتعاون مع أصحاب المطبعة الماجدية، جزؤه الأول عام 1352هـ، والثاني عام 1357هـ، ثم شرفتُ بإعادة طباعته ضمن إصدارات كتاب الاثنينية هذا العام، تمنح القارئ صوراً لا غنى عنها لمن يرغب تتبع تاريخ هذه المدينة العظيمة، والعيش بعين الخيال وسط شعابها وبرحاتها وحواريها، والتشبع بأخلاق أهلها وتراثهم، وحضارتهم التي سادت، وظلت تواصل مسيرتها الخيرة، كواحدة من منارات العلم والخير والفضل في كل العالم.
لقد قيل: إذا اتسعت الإشارة ضاقت العبارة، فما أبعد مدى الإشارات التي أطلقتها مكة المكرمة، لأنها عنوان اختص بالمكان والزمان، إنها حاضرة الكون ومهوى أفئدة ملايين المسلمين في كل أنحاء المعمورة، وإذا كان مفهوماً أن تلقي المدن بظلالها على سكانها وأهلها، فإن مكة المكرمة، بفضل من الله تلقي بظلالها على غيرها من المدن فتصبغها بشيء من فضائلها وروحها وريحانها، وقد أثرت بحضارتها المعمارية في كثير من الدول والشعوب، ثم كانت لها الريادة في الجامعات، إذ شكلت حصاوى الحرم المكي الشريف أول جامعة مفتوحة على مستوى العالم.. ولم يقتصر العلم والتعليم على الرجال فقط، بل واكبت النساء هذه النهضة المباركة، فكانت الكتاتيب التي تديرها سيدات فقيهات من المعالم البارزة في مكة المكرمة، ولم ينقطع دورها الذي أسهم بدور كبير في تعليم الفتاة المكية، فحصلت على أرقى الدرجات العلمية في مختلف التخصصات، لأنها من بيئة علمية أساسها متين، وتدفع البنين والبنات إلى التحصيل والدرس باستمرار، فليس مستغرباً أن يكون طلب العلم ونشره من شيم الإنسان المكي.
وقد أدى الاختلاط بكثير من الشعوب عبر مواسم الحج والعمرة إلى تمازج الحضارات على أرض مكة المكرمة، وتم تكريس الأفضل لكثير من العادات والتقاليد التي هذبها الشرع الحنيف، لتجد مكانها على خارطة المجتمع المكي المنفتح دوماً نحو الآخر كثيراً من السماحة، والوسطية، وحب الخير، وتبادل المنافع.. فكانت أم القرى البوتقة التي صهرت العالم الإسلامي على رقعة أرضها المباركة، وصار أهلها يمثلون الشعوب الإسلامية بملامحهم، ولباسهم، ومطعمهم ومشربهم، وسائر شؤون حياتهم.. إنها مرآة العرب والمسلمين، وموئل الحب والخير، التي يتطلعون من خلالها إلى تحقيق أحلامهم في الازدهار والنمو والتطور والانعتاق من التخلف والتبعية.
ويسعدني أن أنهي إليكم ما أنجزته اثنينيتكم من مساهمة ـ مهما كانت ـ فهي قليلة في حق مكتنا الحبيبة بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، فقد تم بحمد الله إنجاز مشروع طموح يتمثل في طباعة سبعة عشر عنواناً، ضمن أربعة وخمسين مجلداً، هي أمامكم، بقي منها عنوانان هما: الأعمال الكاملة للأستاذ الأديب الشاعر علي حسن أبو العلا، في مجلدين تأخر صدورهما نظراً لمرضه ـ شفاه الله ـ والأعمال الكاملة للأستاذ الشاعر الكبير أحمد قنديل في ستة أجزاء.. والتي سوف تصدر بمشيئة الله بعد استكمال رصد جميع كتاباته في الصحف توثيقاً لكل ما لم يسبق نشره في كتاب.. وهذا العمل ثمرة ثلاث سنوات من الجهد المتواصل للاحتفاء بهذه المناسبة العزيزة على نفوسنا جميعاً.. وتم نشر كل إصدارات سلسلة وكتاب الاثنينية، وعددها مائة وواحد وعشرون مجلداً، في ثلاثة وخمسين ألفاً ومائتين وثمان وأربعين صفحة، أكرمنا الله أن تكون في قرص مدمج CD تسهيلاً لتداولها، والاستفادة منها، ونسخها، خدمة للعلم والعلماء، وجاري العمل على رصدها في موقع الاثنينية على الإنترنت، رُصِدَ الكثير منها وبقي القليل، على ما أعتقد رصدنا حتى الآن ما يقرب من خمسة وأربعين ألف صفحة، وألفي صورة، والباقي إن شاء الله سيتم رصده في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر القادمة إن شاء الله.
سعيداً أن نلتقي الأمسية القادمة مع الأخوين الكريمين معالي الدكتور سهيل قاضي، وسعادة الدكتور عاتق بن غيث البلادي، لنواصل احتفالنا بمكة الخير، مهبط الوحي، وموئل النور، ومهد الحضارات الإنسانية.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم، وبكل من يتعامل مع الحرف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عريف الحفل: السادة والسيدات.. يسرني الآن أن أحيل لاقط الصوت لأصحاب السعادة المتحدثين وسنبدأ بسعادة شاعرنا الكبير والأديب الأستاذ محمد بدر الدين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1484  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 30 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.