شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة ))
ثم يتحدث سماحة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإِسلامي فيقول:
- بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- في هذا البيت العامر الكريم وفي رحاب هذا القصر اجتمعنا ونجتمع كل مرة بإخوان كرام لنا وذلك بفضل ما يتيحه لنا على الدوام أخونا معالي الشيخ عبد المقصود خوجه من أسباب اللقاء بهؤلاء الأفاضل الأكارم الذين ننعم بصحبتهم ونستمع إلى الفوائد تصدر عنهم، ونعيش في كل "اثنينية" أمسيات طيبة عامرة بالخير وبالآراء النيّرة وبالفكر الوضيء الذي يُمهّد السبيل إلى عمل جديد متواصل في سبيل تحقيق النفع للمسلمين عامة، إن "الاثنينيات" التي عشتها في رحاب هذا القصر تختلف كل مرة عن سابقاتها، فإذا كنا نلتقي مرة بأديب وأخرى بمفسّر وثالثه بمحدّث، ورابعة بشاعر وأخرى برئيس جامعة، وهكذا بعِلية القوم من المشرق والمغرب الذين يفِدون هذا البيت ويُدعون إليه، ثم التقينا في رحاب هذا البيت برجال من الساسة وقادة الفكر، يرأسون منظمات عالمية لها أهميتها مثل الدكتور حامد الغابد الذي احتفلنا به في الاثنينية الماضية، فإن في هذه المرة مع المحتفي أكرم الله جزاءه وأناله من فضله وخيره نحتفل لا بشخص ولا بمنظمة ولكن بثلة كريمة من العلماء أتَوا من المشرق والمغرب يمثلون الفكر الإِسلامي والعقل الإِسلامي والتشريع الإِسلامي والاتجاه الإِسلامي الذي يُنير للصحوة الإِسلامية الطريق الصحيح لبلوغ الأهداف التي نطمع إلى تحقيقها وتشرئب أعناقنا إلى بلوغها، وإنا فيما تفضل به الأخوان الكريمان معالي الشيخ أحمد جمجوم وسعادة الأستاذ أحمد جمال لما يغنينا عن القول ويكفينا مؤنة الحديث، ولكني أشعر بهذا الدَّين في عنقي نحو الشيخ عبد المقصود خوجه، فلا بد أن أقول كلمة تعبر عما في نفسي وعما في نفوس حضراتكم جميعاً لأن الشيخ عبد المقصود خوجه قد احتفى واقتبل هذا المجتمع من سنتين في بيته العامر في داره الأولى وهذه المرة يحتفي بكم من جديد لأنه يرى رؤوساً جديدة، وعقولاً جديدة وفئات جديدة قد انضمت للأعضاء الأولين، تتكون من هؤلاء الخبراء ومن أولئك العلماء الذين انضموا إلى مجمع الفقه الإِسلامي ليدلوا بدلوهم في تحقيق الآمال المنشودة.
- وحين نحتفل أو نحتفي جميعاً، الشيخ عبد المقصود وأنتم في هذا البيت الذي هو بيتكم، كما قال الشيخ عبد المقصود في كلمته التي استمعنا إليها، نحتفي بحقائق جليلة أولها أن روح التشاؤم التي استمعنا إليها لا ينبغي أن تُسيطر علينا، فإن ما قاله الشيخ أحمد جمال هو حقيقة واقعة ولكنه لون من التشاؤم ينبغي أن نتخلص منه، لأن هذا العسر الشديد الذي يطغى على عقولنا وقلوبنا يضعنا في ضيق وحرج ولا يدعنا نتحرك كما نريد، ولكني أريد إذا أردت أن أتتبع الحقائق الواقعة التاريخية فإن عصراً طويلاً كان فيه الحكم الأجنبي والاستعماري لبلاد المسلمين قد منع الناس من أن يستعينوا بالتشريع الإِسلامي وبالفقه الإِسلامي على معالجة القضايا التي يحيَونها والمشاكل التي يجدونها في مجتمعاتهم، ولكن بفضل الله وبعد أن تحقق الاستقلال للبلاد العربية والإِسلامية وتخلصت كثير من الشعوب من الهيمنة الغربية، وبدأت الصحوة الإِسلامية تظهر في الآفاق وفي مختلف البلاد، عاد الناس إلى كتاب ربهم وإلى سنّة رسولهم وكان من توفيق الله أن بداية الصلاح أخذت تظهر، أخذت تظهر لأن القمة الثالثة كوَّنت هذا المجمع وهي إرادة، وإرادة سياسية عليا، وهي تريد أن تُحقق الخلاص من الأوضاع التي يتخبّط فيها العالم الإِسلامي عن طريق إيجاد مؤسسة كهذه. وأما العلماء فإنهم ما كانوا يحلمون في الأيام الماضية بأن فقههم ما زال يصلح لشيء، فقد رأيت ثُلة من رجال الفقه والعلم الإِسلامي يتحولون عن هذه الاتجاهات الفكرية إلى غيرها لأنهم لا يجدون رزقاً عن طريق الفقه الإِسلامي ولا حقيقة يعيشونها أو تمثل انتسابهم الأصيل إلى هذا التفكير الإِسلامي، فكانوا يتظاهرون بكونهم متغربين ويريدون أن يتشبهوا بالذين حكموهم مُدة طويلة، وإذا لزم أن يلثغ بالراء كما يلثغ الفرنسيون فإنه يفعل، لأنه لا يريد أن يكون فصيحاً وعربياً، فهذا الاستيلاء الغربي على أذهان الناس والتحكم الذي كان للاتجاه الفلسفي والفكري للمسلمين قد تخلصوا منه، وعندما تخلصوا أصبحوا يفكرون ويبعثون الحقائق الإِسلامية، بدأت مع الصحوة، فقلنا إن كتاب الله خالد، وليس هذه دعوة، وإن كتاب الله صالح لكل زمان ومكان ونحن نؤمن بهذا، وقلنا: إنَّ السنة هي الحكمة التي تبين هذا الكتاب وتفصله كما نص على ذلك القرآن، وهكذا مددنا أيدينا إلى الحبل المستقيم وإلى الطريق الذي يؤدي في غايته إلى رضا الله ورضاء رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق بيننا إلا أن نتمسك بهذين الأمرين اللذين قال عنهما صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وسنة نبيه". فهذا كتاب الله وهذه السنة النبوية بأيدينا تنير طريقنا المطلوب منا، والذي هو أمر ضروري، ولا بد منه أن ننتبه إلى ثلاث نقاط:
- النقطة الأولى: إذا كنا نحن مقتنعين بهذه القضايا مؤمنين بأننا على رُشد وأننا نسير على هدى من شريعتنا، ونطبق المبادئ التي تقوم عليها ملَّتنا، فإن ذلك لا ينبغي أن يظل مغلقاً وفي أوساطنا الضيقة، بل ينبغي أن ينتشر حولنا، ينبغي أن ينتشر حولنا بتأييد الصحوة الإِسلامية، بتوجيه الصحوة الإِسلامية، بتوعية الناس من دنا منا ومن شحَطَ، من قرب منا ومن نأى، نكتب نحاضر نتصل الاتصال المباشر، ندعو إلى الله، نبين هذه الحقائق بياناً كاشفاً للمنهج السويّ الذي اختاره الله لنا. فإذا قمنا بالتوعية على الوجه الرشيد وحققنا هذه الخطوة، فإنه لا سبيل ولا أظن أن مسؤولاً أو قائداً أو حاكماً أو تابعاً يبقى متردداً في الاستجابة للخير لأن هذا يحتاج منا إلى إقناع له، وقد أوتينا الحكمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، فلا بد أن نبلغ هذه المعاني وأن نكون قادرين على إقناع المسؤولين بها.
- النقطة الثانية: إن هذا العمل المجمعي الذي تحوزونه، وهذه الجهود الموفقة الكبيرة التي تبذلونها وتقدمونها للناس، ولا أقول هذا المجمع فقط بل كما أشار أخواي من قبل، هذا المجمع وغيره من المجامع، هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات، هذه المنظمة والمنظمات التي تلتقي معها في الغاية، لا بد أن تتناسق وأن تتعاون، وأن يتكون منها جميعاً منهج قويم يتفق عليه أهل المشرق وأهل المغرب، لأنه ينبع من عقيدتهم ومن كتاب ربهم ومن سنة نبيهم، فإذا اجتمعنا على ذلك خططنا للعمل اليومي وللعمل المستقبلي، ونقول إذ ذاك: لِمَ يُقبل الناس على القانون الوضعي في البلاد الإِسلامية مع إقبال الغربيين على قوانينهم وعدم التفاتنا والتفاتهم إلى القوانين الإِسلامية؟
- والإِجابة على ذلك هو:
أن هذه القوانين اشتهرت بالسلطة وبالسيادة وبالقوة وبالسياسة. إلى جانب انتشارها والتزام المسؤولين بإلزام الناس الأخذ بها.
- على أن هناك شيئاً آخر هو أن المحامين والمتقاضين وأصحاب الحقوق يعرفون هذه الأشياء معرفة دقيقة، يعرفون المجلة ويعرفون أحكامها ويعرفون الأحكام المدنية والأحكام الجنائية، ويعرفون الأحكام التجارية والقانون البحري وما يتصل بذلك من ألوان الأحكام التي توجد في مجلات القانون الوضعي، فهل المسلمون يعرفون أحكام فقههم وشريعتهم ودينهم هذه المعرفة؟ لا، وعندئذ عملنا يتمثل في إبراز هذه الثروة التي نتغنّى بها، وحق لنا أن نتغنى بها، ولكن إلى جانب التغنّي لا بد أن نضعها بين أيدي الناس ليستفيدوا منها، أنا أستغرب في هذا الجو وفي هذا الوقت كيف يجوز لبعض الناس حتى الآن أن يقولوا: لا سبيل إلى وضع مجلة للأحكام في القانون المدني والقانون الجنائي والقانون التجاري والقانون الدولي، هذه أمور ضرورية حتى نقول لأولئك الذين يحكموننا تلك أحكامكم التي وضعتموها، وهي من صنعكم وصنع البشر تغيرونها في كل يوم، وتطلبون تنقيحها، وتستخلصون أحياناً كثيرة الأشياء التي لا تليق بتطورات العصور فتحذفونها وتضعون أشياء أخرى، أما قانوننا وأحكامنا فهي ثابتة لا تتغير وهي من الله الذي كوَّن الأكوان، وخلق الإنسان، وهو يعلم كل ما يصلح له وما يليق به، ولذلك فهي موضوعة من لدُن الخبير الحكيم العليم، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذا استنبطت هذه القوانين أي إذا أخرجناها ووضعناها في مجلات أصبح كل الناس قادرين على الاستفادة منها.
- وأضيف أن القوانين وحدها لا تكفي، بل إن النظريات الفلسفية الإِسلامية، النظريات التشريعية، القواعد الكلية، القواعد الأصولية التي أصبح الناس الآن يتطلبونها ويتطلعون إليها، وبالنسبة للغربيين يعرفون كثيراً من النظريات، لكني أُراهن على أن كثيراً من هذه النظريات كان مُستوحى من النظريات الإِسلامية، فعلينا أن نكشف لهؤلاء وأولئك هذا التراث العظيم الذي تبلغ فيه تلك النظريات العامة درجة من الكثرة ومن الرقي ومن العمق ومن الخير لا توجد في غير هذا القانون الإِسلامي وفي غير الشريعة الإِسلامية.
- هذا الأمر يحتاج منا إلى أن نعكف، كل واحد منا في بيته في صومعته إن كانت له صومعة، في مسجده بين طلابه، في معهده على خدمة الفقه الإِسلامي والتراث الإِسلامي خدمة يكون سبيل التنسيق بينه وبين إخوانه فيها، ليأتي هذا العمل متكاملاً ولتصبح تلك الثمار يانعة تؤتي أُكُلَها وتحقق الخير للمسلمين.
- والنقطة الثالثة، وهي ختام قولي ولا أريد أن أطيل قوله سبحانه وتعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، فإذا قمنا بهذا الواجب نحو المِلَّة ونحو الدين ونحو المجتمع الإِسلامي، فإن غدنا سيكون غداً ناصعاً ومشرقاً وجميلاً وخيّراً، لا كما نُعاني منه اليوم وهذا هو الجهاد العلمي الذي يتحقق بفضل الله وبفضل الاستنجاد بقدرته وعونه على أيديكم إن شاء الله، وشكراً لكم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :749  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 194 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.