شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ أحمد السلطان ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه حفظه الله.
الأخوة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما دعيت إلى هذه المناسبة وعلمت أنه ستتاح لي الفرصة لأتحدث أمام هذا الجمع المبارك تنازعني تياران - فمحبة ومقام إبراهيم البليهي يدفعان بقوة للحديث وضعف إمكانات المتحدث يدفع بالاتجاه الآخر.
فكيف إذا كان الحديث في اثنينية عبد المقصود خوجه حيث صفوة الصفوة، إلا أنني بعد الشكر لله ثم لمن أتاح هذه الفرصة قررت أن أتحدث طالباً العون منه عزّ وجلّ. مطمئناً إلى نبل أهل الحجاز ومروءتهم وتسامحهم مع كل قادم إلى أرضهم المباركة. فأبدأ بسم الله الرحمن الرحيم قائلاً لعلّ من الأفضل أن ننظر إلى شخصية إبراهيم البليهي في أبعاد ثلاثة: الإنسان والموظف والمفكر وهي من وجهة نظري متداخلة ومترابطة.
فأهم ما يميز البليهي الإنسان.. هو نجاحه في تجاوز الأنساق الاجتماعية السائدة في بيئتنا، فما نعلمه من حياته الشخصية يبين عن منهج جاد يستهلك العمل والبحث والكتابة والقراءة كل رصيد يومه من الوقت فليس لمجالس المجاملات واللهو حظ من هذه الثروة ولا ازجاء الوقت في التافه من الأمور ولا انتفاشات زائفة في المناسبات العامة.
(وأؤكد لكم أيها الأعزاء أن البليهي أصلاً لا يستطيع الانتفاش فلم ينبت له ريش رغم مكثه في البلديات قرابة خمس وثلاثين سنة قاوم خلالها كل محفزات نمو الريش).
يتمتع أبو عبد الرحمن بحساسية مفرطة تجاه حقوق الآخرين تصل إلى حد الوسواس وتفسد عليه أحياناً صفو اللحظة.
كما يدهش المتأمل في شخصه من تمكّنه من بناء حسّ بيئي مذهل تسامى فوق ظروف البيئة وثقافة المجتمع ليشكل ذوقاً جمالياً وبيئياً يندر أن ينبت في الصحاري.
حقاً إن أبا عبد الرحمن يعيش غربة اجتماعية كبرى يشفق عليه من آثارها أسرته ومحبوه.
أما البليهي الموظف.. فسيودعنا في غرة رجب القادم تاركاً لنا تجربة فريدة في إدارة البلديات والتنمية الحضرية يصعب أن تستعرض في مناسبة كهذه غير أن أهم ملامح هذا الجانب يمكن تركيزها فيما يلي:
- الدعوة إلى مراجعة قدرة الصحاري على استيعاب التنمية البشرية واستحضار عنصر الماء كمحدد رئيس في التنمية وله في ذلك مبادرات مكتوبة.
- تبنى برامج الإصحاح البيئي بكل أبعاده وخصوصاً تلك المتعلقة بنشر الاخضرار ورعايته وحمايته.
- إدراك الأهمية البالغة لموارد البلديات في وقت مبكر جداً وله حول ذلك طروحات قبل أكثر من خمس وعشرين سنة.
- إدراك أهمية برامج التشغيل الذاتي في إدارة المدن ودفاعه عنها في فترة ساد فيها اتجاه التعاقد مع مقاولين، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع قابل للجدل إلا أن الإيجابيات التي أظهرتها برامج التشغيل الذاتي لا زالت قوية ومؤثرة ومن المفيد أن تبقى كبديل.
وعلى العموم، فأكثر تجارب البليهي في إدارة المدن ثراءً كانت في منطقة حائل حيث فترة التوهج التي سبقتها بدايات مهمة في الحوطة وخميس مشيط وتلتها ممارسات ناضجة في المنطقة الشرقية والقصيم، وقد دون البليهي تجربة حائل في إصدارين رائعين.
أما البليهي المفكر والفيلسوف.. فهو من وجهة نظري أهم جوانب هذه الشخصية وأبقاها وربما يكون أبعدها أثراً وهو السبب الرئيسي كما يغلب الظن في حضورنا اليوم هذه المناسبة.
والمهتم بما يكتب أبو عبد الرحمن يلحظ أن مشروعه الفكري يهدف إلى تتبع مكامن القوة في الحضارة الغربية، وتفكيك بنية الضعف في الواقع الحضاري للعالم العربي والإسلامي.
وبدلاً من أن يقف البليهي من الحضارة الغربية موقف المسلوب المندهش أو المستهلك الأبله أو الجاحد المكابر أو الساذج المسطح، شرع في دراسةٍ جادة ومثابرة باهتمام مستغرق امتد على طول وعرض ربع قرن من الزمان نتج عنه عمق واتساع معرفي مذهل، ومقدرة تحليلية وملكةٍ فلسفية أوصلته إلى جذور هذه الحضارة ومكامن قوتها.
لم يقتنع البليهي بالإجابات السريعة ولم تستخفه تلك الانطباعات والانفعالات التي يعود بها المسافرون كما لم ينشغل كثيراً بنفايات الحضارة الغربية أو عوادمها.
كان هـمه الأكبر هو اكتشاف البناء الفكري والخرائط الذهنية التي تحكم تلك المجتمعات، والتي
مكنتها من السيطرة على كوكبنا طيلة القرون الخمسة الماضية.
دحض البليهي بقوة دعاوى الارتباط العرقي بين الحضارة وجنس معين في بحوث فلسفية تحت عنوان "العقل والأعراق" فليس من طبع هذا المجاهد أن يستسلم لإغراء حل كسول كهذا.
قد نتفق مع أبي عبد الرحمن في صحة النتائج التي وصل إليها وقد لا نتفق، لكن المهم هو ذلك المنهج العلمي الجاد الذي سلكه في بحثه عن الحقيقة وولاؤه المطلق لمخرجات البحث التي يقوم عليها البرهان.
وفي المقابل وبعد دراسة متأنية لتراثنا تلت مسيرة أكاديمية شخّص البليهي واقعنا الحضاري العربي والإسلامي، وهو يرى أن هناك بنية لهذا التخلف والضعف، لا بد من تعريتها وتفكيكها حتى يمكن بناء قواعد انطلاق جديدة، وصدر له في هذا الموضوع كتاب الرياض المسمى (بنية التخلف).
وبشكل عام.. فعند قراءة ما يكتب البليهي من طروحات فلسفية يتملك القارئ إكبار شديد لهذه الأعماق الفكرية المتجردة من الأهواء ساعد على الغوص إليها قدرة تحليلية وتأملات لا تكل ومخزون وافر من المعرفة، فكما يقول هو هناك تلازم حتمي بين العمق والاتساع في المعرفة الإنسانية. كما أن القارئ المتابع سيكبر للبليهي ترفعه عن الاحتراب الفكري والشللية السائدة في المشهد الثقافي، ولهذا الأمر بخصوصه مدلول هام هو أن البليهي ليس له قضية مع أحد من الناس، أو توجه معين، أو مع موقع جغرافي، وليست له غايات شخصية من وراء الكتابة، فقضيته قضية أمة وفكر.
سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه مبادرتكم بالاحتفاء بالشيخ إبراهيم البليهي تشيد بمروءة نادرة وحس صادق تجاه المبدعين لا تشوبه نفعية شحيحة ولا إقليمية بغيضة، فالله نسأل أن يكرمكم كما أكرمتنا بتكريم أبي عبد الرحمن ألبسك الله لباس العز والعافية إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عريف الحفل: الكلمة الآن لسعادة الأستاذ أحمد العرفج الكاتب والصحفي المعروف.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :477  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 138 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج