شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فهد الحارثي.. من ((القرية))، إلى ((السوربون)) !!
شديد (( الغيرة )) في مجال (( التنافس )) يحرص أن يكون في الصورة، رجل علاقات من طراز فريد، طموح، يجمع بين الوداعة، وعكسها !!
اللقاء الشخصي به لأول مرة تم في بداية الثمانينيات الميلادية بعد القرن الثالث عشر في مدينة ((الرياض)) أما اللقاء الأدبي فقد كان قبل هذه المرحلة بسنوات قليلة حين قرأتُ له موضوعاً عن (( التذوق الأدبي )) نشرته له يومها جريدة (( عكاظ )) حين كان ما يزال يحمل على كتفيه ((غبار)) الماضي حسب تعبيره، وأنه لم يقرأ شيئاً من آثار جيل ((الستينيات)) الميلادية.
أهو الميل ؟ أم القراءة التراثية ؟ أم محصلة دراسة معينة لها ((خصوصيتها)) وتوجهها، ومنهاجها ((المحدود)) بأطر ((زمانية))، وظروف ((مكانية))، أم كل هذه الأمور مجموعة، ومجتمعة؟!
مكان اللقاء الأول الشخصي، كان مقر (( نادي النصر الرياضي )) بالرياض، ليس لحضور اجتماع رياضي، أو التعرف على بعض اللاعبين الرياضيين إعجاباً بهم، فقد كنتُ وهو من ((الأميين)) في الرياضة، وشؤونها، وشجونها ـ وما نزال ـ !!
الذي جمعنا الحضور لسماع محاضرة للصديق العزيز الأديب (الدكتور عبد الله مناع) الذي كان ـ وما يزال ـ يمثَّل (( وجه البقشة )) الصفة التي أطلقها عليه (باب عزيز) أو عزيز ضياء رحمه الله.
كانت الأندية الرياضية يومها لها نشاطها الأدبي، والثقافي بحيث أن أي أديب يحلم أن يلقي محاضرة في نادٍ رياضي لكثرة الحضور من الرياضيين، وعشاقها، ومشجعيها، وبعد تلك المرحلة تقوقعت الأندية الرياضية على نفسها، وغاب نشاطها الأدبي والثقافي، وهذه خسارة !!
في الوقت الذي سبق المحاضرة، كان يجلس بجواري شاب أسمر، طويل نوعاً ما، يميل إلى النحافة، يشع من عينيه بريق ((اجتماعي)) حاد قد يظنه البعض أنه بريق ((فضولي))!! رغم أنني لا أفتقر إلى مثل هذا البريق !!
حدَّثني قليلاً فرددتُ عليه كثيراً، أغراه ذلك، بل سرَّه، فهو كما عرفته ـ فيما بعد ـ جيداً لا يحب (( الغموض )) ، لا يميل إلى الأشخاص (( الغامضين )) أو الذين يفتعلون (( الغموض )) ، لأنه حسب رأيه دلالة على (( الغطرسة )) ، أو (( الخواء )) النفسي، والعقلي، فهو بطبيعته (( البدوية النقية الأولى )) قبل أن (( يَتَعَصْرَن )) يتميز بصفاء سماء (( القرية )) ، وبساطة الصحراء، وإذا جدَّ الجد يتحول إلى واحد من الجبال التي تحتضن قريته (المريفق) !!
حين أحسَّ أن الوقت يمضي، وموعد المحاضرة أزف، اختصر الطريق فسألني عن إسمي، حيث عرف الاسم قال: هذا الاسم ليس غريباً عن ذاكرتي، رددتُ عليه بخبث: يخلق الله من الأسماء المتشابهة أربعين !! لم يقنعه ردي لأنه مغلَّف بخبث حاد !!
سأل لعل الأخ كاتب ؟ أستمرأت أسئلته العفوية، فوظَّفت خبثي المفتعل، صرتُ أرد عليه بالقطارة ـ كما يقولون ـ أو بالتقسيط، وكنتُ يومها منتشراً في كتاباتي كالمطر، وبخاصة في مجلة ((اليمامة)) فقلتُ له: نعم !!
وحبكت النكتة معه فسأل في خبث مع التعليل قال: الجو بارد، ويبدو أن أحدنا مصاب بالزكام !!
أعجبني ردّه فابتسمت، وتعارفنا بعد أن عرَّفني على اسمه، وحان موعد المحاضرة، فصمتنا عن الكلام المباح قبل أن يطلع ((الصباح))، وكلانا سعيد و ((مرتاح)) !!
بعد المحاضرة عرف عنوان عملي الرسمي، فزارني في اليوم التالي قبل نهاية الدوام بساعتين، كنت أهاتف صديقاً لي من ((الجنوب)) الذي حين ودَّعته قلت له مداعباً أنت مثل ((امدرين)) !!
ثم ألتفتُّ إلى صديقي الجديد الذي كرَّمني بأول زيارة رغم ساعات التعارف القصيرة قائلاً: حيَّاك الله يا أخ فهد العرابي الحارثي !!
رد: أَشْوَهْ !!
قلتُ: لماذا ؟
رَدَّ: خشيت أنك نسيت اسمي، لقد كنت البارحة بصراحة ((دمك ثقيل)) بينما الآن تبدو لي أنك شخص مختلف تقول النكتة، وتمزح مع أصدقائك الذين تعرفهم، بدليل مكالمتك الهاتفية !!
قلتُ: الأيام القادمة بيننا !!
ردَّ: أهو تهديد، أم وعيد ؟
قلت: سامحك الله، ليس بيننا إلا الود والاحترام، ونحن ما نزال في بداية الطريق !!
رَدَّ: أَشْوَهْ !!
قلت: يبدو أن كلمة ((أَشْوَهْ)) لازمة تجعلني أعرفك بها !!
ثم تحدَّثنا في أمور شتى، كنتُ على طبيعتي أتحدث ببساطة لا تخلو من صراحة لأشعره أنني لست غامضاً، وأنني سعيد بالتعرف عليه، فاطمأن، ثم سألني بجدية عن معنى كلمة ((امدرين)) ؟ ولأنني قد عرفتُ أنه درس في (( دار التوحيد )) بالطائف.. وتلقى دراسته الجامعية في (( كلية الشريعة والدراسات الإسلامة )) بمكة المكرمة، وجاء معيداً في (( كلية التربية )) بالرياض، فقد عرفتُ نوع التعليم الذي تلقاه، لهذا رددتُ عليه:
((امدرين)).. يا عزيزي كاتب أمريكي ساخر مثل ((مارك توين)) !!
تلقى هذه المعلومة، رغم أن نفسه تقول له إنني ربما لم أكن صادقاً، بعدها مباشرة زارني صديقان من الجنوب، فقمتُ بدور التعريف، وفجأة رنَّ جرس الهاتف فإذا بصوت المدير العام يدعوني إلى مكتبه، فأستأذنتُ، وخرجتُ، تاركاً الجميع يشربون الشاي.
بعد غياب نصف ساعة عدتُ فوجدت الصديق العزيز (الحارثي) منتظراً، فهو قد جاء إلى ((الكلية)) بالرياض، ولما يرتبط بمواعيد عمل بعد، فاغتنمها فرصة لإقامة علاقات في مجتمع يأتي إليه لأول مرة، ألم أقل عنه في البداية إنه رجل علاقات من طراز فريد ؟!
قال لي: سأقول لك شيئاً أرجو ألاَّ يغضبك، لأنه صريح، وفيه حدة ومواجهة قاسية تستاهلها !!
رَدَدْتُ: لا عليك، انني بطبيعتي أميل إلى الصراحة، والمواجهة، على شرط أن تتقبَّل رد الفعل !!
قال وهو يحبس أنفاسه خشية أن يكون رد الفعل أقسى: سوَّد الله وجهك !!
أعترف أنني فوجئتُ، واصبتُ بصدمة لم يسبق أن صُدمتُ بمثلها !! قلَّبتُ قوله على كل الاتجاهات الرئيسة، والفرعية، أملاً في أن أجد له عذراً أمام هذه المواجهة غير الحضارية، لكن شكله وطريقة حديثه معي البارحة في النادي، لا تدلان على جلافة، أوعدوانية، تمالكتُ أعصابي مكرهاً، فالرجل كان كريماً بزيارته لي، فهو ضيفي، والضيف له حقوق.
سألته، وأنا أغلي من الداخل: ولماذا هذا، يا هذا ؟
رَدَّ: أسألك عن ((امدرين)) ـ نَطَقَها خطأ لأنها باللهجة الجنوبية ـ فتقول لي إنه ((كاتب أمريكي ساخر))، مثل (( مارك توين ))، وهذا غير صحيح لأنني في غيابك سألتُ زملاءك من الجنوب الذين جاءوا لزيارتك فضحكوا مني ساخرين، ثم أخبروني بعد أن تعرضتُ لهزئهم، وسخريتهم أن ((امدرين)) ـ نَطَقَها خطأ مرة ثانية ـ هو (أبو الحصين)، أو (( الثعلب )) !!
سألته: وماذا قالوا لك عن ((مارك توين)) ؟
رَدَّ: قالوا إنهم لم يسمعوا به، ربما أدباً منهم لأنه قد يكون أسوأ من (أبو الحصين)، فاعتذروا بجهلهم حتى لا أتعرَّض لسخريتهم مرتين، وقد خرجوا وهم يتضاحكون !! أيرضيك أن أكون ((مهزلة)) ؟ لا تنسى أن جذوري قبلية، ونشأتُ وتربيتُ في أحضانها، وما تزال القبلية تسكن أعماق أعماقي، وعاداتها، وتقاليدها ما تزال دماؤها الساخنة تجري في شراييني وأوردتي !!
قلتُ له: أَشْوَهْ !!
قال: ماذا تقصد ؟
قلت: أذكِّرك بلازمتك !!
قال: دعنا في الموضوع الرئيس المتعلق بحكاية ((امدرين)) نَطَقَها خطأ للمرة الثالثة ـ !!
قلت: دعني أرد على كلامك، لقد كُنْتَ على حق بالنسبة لاسم ((امدرين)) الذي ذكرتَ اسمه ثلاث مرات خطأ، لكنني أعذرك لأنك ربما لا تعرف أن أغلب سكان منطقة الجنوب يستعملون (( أم )) عوضاً عن (( أل )) التعريف !!
وكنتُ أمزح معك حين سألتني عن ((امدرين)) فأجبتك أنه ((كاتب أمريكي ساخر)) لأنني عرفتُ من منهاج التعليم الذي تلقيته أنك بعيد عن مثل هذا النوع من المعلومات، و ((امدرين)) فعلاً نطلقه على ((أبو الحصين))، أو ((الثعلب)).
سأل: ومارك توين ؟
رَدَدْتُ: هذا يعكس منهاج تعليمك الخاص، لكنني كنتُ صادقاً معك في جوابي عنه، فهو فعلاً كاتب أمريكي ساخر، ولكن دعني أرد على شتيمتك أملاً في أن تتقبلها بروح رياضية، فنحن لا نقول ((سوَّد الله وجهك)) إلا لشخص يضع نفسه في الموقف الذي وَضَعْتَ نفسك فيه بسؤالك، فَسَأَلْتَ عن شيء لا يعنيك معرِّضاً نفسك لسخرية الأصدقاء فما دخلك و ((امدرين)) أيها الصديق البدوي ؟! وفي امثالنا في الجنوب نقول: من سأل عما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه !!
قال: ألم تقل العرب: السؤال نصف المعرفة ؟
ردَدْتُ: ليس في كل الأحوال، لأن بعضها الآخر ينطبق عليه المثل النجدي ((يازينك ساكت)) !!
قال في كبرياء: سترى ياصديقي حين أنفض عن ذاكرتي غبار الماضي !!
من ذلك الصدام البريء العابر خرجنا معاً، وتناولنا طعام الغداء، والتحق بثلتنا الصحافية الأدبية، وكان كما يقول أهل الشام ((شخصية مهضومة)) بدأ يحرص على قراءة الأعمال الأدبية المعاصرة، وبخاصة الدواويين الشعرية التي لا يكتفي بقراءتها، بل يحفظ بعض أبياتها، لأنه كان يمتلك ذاكرة جيدة للحفظ قبل أن تتوسع طموحاته، وتتشعب اهتماماته، إلى جانب أنه تزوج مبكِّراً على الطريقة التقليدية، فتحمَّل عبء هموم الزواج قبل الأوان، مع حرصه على عدم التظاهر بأنه ((متزوج))!!
ثم تسلَّم صفحات الأدب في جريدة (( الرياض ))، وحاول أن يجرِّب كتابة ((القصة القصيرة)) التي غلب عليها طابع المرحلة ((الكلاسيكية)) ممزوجة بالروح ((الرومانسية)) ابتداء من عنوانها ((فديتك يا أحمد)) إلى نهايتها، ويأبى الماضي إلا أن يكون مرافقاً له، فأورد عبارة وجدتها فرصة لإعادة موقفه من حكاية ((امدرين)) التي رويتها في بداية الموضوع، لأنني أرتاح لمداعبته في الحدود التي لا تسيء لصداقتنا التي كنت أعتز بها لأنه كان أبيض القلب، سليم الطوية، محب للنكة، ولأنني أؤمن أن الصداقة لا تشترى بالفلوس، ومن الحماقة أن يسعى الإنسان لعداوة الآخرين، وأرى أن من لا تستطيع أن تكسبه صديقاً فمن أكبر الأخطاء أن تجعله عدواً لك، هذا مع أني أرى أن بعضهم لا يستحق صداقتك !! وهذه أمور تحكمها الظروف، وأساليب التعامل، والصداقة التي تقوم على نوعية العلاقات، وأسلوب المعاملات، والاختبار في المواقف المختلفة، هي الصداقة التي تبقى، ولا تبلى بالتقادم !!
وأعود لصديقنا العزيز (فهد العرابي الحارثي) لأقول حين قرأتُ قصته وجدتُ في ثنايا سطورها قوله إن البطل (( شرب قدحاً من الجاتوه )) !! ضحكتُ في نفسي قائلاً: لقد وقعت يا فهد في ((المصيدة)) فقد استعمل كلمة ((الجاتوه)) ليظهر أمام القراء بمظهر العصر، وكانت هذه مشكلته معنا، وفاته أن ((الجاتوه)) يُؤْكَل لا يُشْرب!!
بعدها بأيام نشرت استطلاعاً صحافياً في مجلة ((اليمامة)) وجدتُ من خلاله الفرصة للتعريج على قضية ((شرب الجاتوه)) دون أن أذكر اسمه، ففوجئتُ به يقول لي بعد أن قرأ الاستطلاع شبه مهدِّد رغم شعوري أنه يمزح، قال وهو يضع يده على ذقنه على طريقة سكان البادية: سوف أرد لك بدلاً من الصاع صاعين، وسأذكر اسمك، ولن أفوِّتها لك !!
سألته: أجادٌ أنت فيما تقول ؟
رَدَّ: كل الجد، والبادئ أظلم !!
وفعلاً اختزنها في نفسه على غير عادته الطيبة، وسريرته النقية، لكنه فشل في الانتقام لأنه أحسن إليَّ من حيث أراد أن يسيء، فقد أغتنم فرصة سفري إلى ((بيروت)) فنشر خبراً في زاوية يحررها في صفحات الأدب التي يشرف عليها بعنوان (قال الراوي) التي كان يخصِّصها ((للقفشات الأدبية))، أو ((التحرش)) في لطف بزملائه، بعد أن أتصل بأحد أصدقائي من منطقة جازان، وسأله عن أسماء الأكلات الشعبية في جازان، فذكر له اسمين لم يعرف ماهيتهما، ومم تتكونان فنشر ((قفشة)) ـ كما تصوَّرها ـ قال فيها عني رغم أنني أعيش في لبنان بلد الأرز والجمال والزهور إلا أن الحنين يشدني إلى الماضي حين كنتٌ في جيزان آكل (( المغَشْ )) و (( المَرْسَةْ ))!! لم أقرأ الخبر في بيروت، وحين عدتُ حرص على معرفة صدى ما كتبه عني، لكنه حين عرف أنني لم أقرأ ((القفشة)) أحضر لي العدد قائلاً: واحدة بواحدة سواء، والبادئ أظلم !!
حين قرأتُ ((القفشة)) ضحكتُ، وشكرته على النشر !!
فوجئ سائلاً: أأنت جاد ؟
قلت له: كل الجد !!
سأل: ألم يغضبك ؟
رَدَدْتُ عليه: لو غضبتُ لما شكرتك، لقد خدمتني كثيراً، وهو شعور صحيح كأنني كتبتُ لك رسالة حقيقة عن مشاعري، وكنتُ صادقاً معه، فسألني عن ماهية حكاية ((المغَشْ))، ((والمَرْسَةْ)).. ـ نطقهما خطأ ـ أجبته لمعلوميتك فإن أكلتي (( المغِش )) ، و (( المَرسَة )) لا يأكلهما في المنطقة إلا الأغنياء، وسراة القوم، اما الحَنين الذي أشرت إليه في الخبر فيدل على ((الأصالة))، و ((الاعتزاز)) !! فكأنه أصيب بخيبة أمل، وانتهى الأمر، كأن شيئاً لم يحدث !!
قلتُ عنه في البداية إنه شديد الغيرة ((في التنافس))، ولكي يكون القارئ في الصورة سأروي له حكاية لتأكيد ما قلتُ على النحو التالي:
كان حريصاً أن يجعل صفحات الأدب التي يشرف عليها في جريدة ((الرياض)) أكثر جذباً للقراء، وحين شعر أن رسائل ((مسمار)) للأدباء التي كنتُ أكتبها في مجلة ((اليمامة)) تحظى بالاستقطاب، واهتمام القراء، اعتقد ـ كما أتصور ـ أن السر في ((الاسم المستعار)) فأتفق مع أحد زملائه أن يكتب باسم مستعار هو (( القرطاجني ))، وبعد مرور فترة من الزمان لم يلفت ((القرطاجني )) اهتمام الأدباء والقراء، وظل ((مسمار)) هو بطل الحلبة، وسيد الموقف، مستأثراً باهتمام الجميع، بعد تلك الفترة قابلتُ الصديق العزيز ((الحارثي)) فسألته من هو ((القرطاجني)) ؟
سألني من جانبه: ما رأيك فيه ؟
رَدَدْتُ: مش بطَّال !!
سألني: و ((مسمار))؟ رَدَدْتُ: إنه يتخاطب بأسلوب المرحلة الأدبية الراكدة لتحريكها وتفكيك مفاصلها، ويبدو من أسلوبه أنه يدعو إلى التحريض، والتحريك، وهذا ما يناسب المرحلة !!
ردَّ لقد فضحنا (القرطاجني) ـ ذكر اسمه ـ كنا نتصور أنه سيحقِّق شيئاً مما حقَّقَه ((مسمار))، لكنه أتضح أن القضية ليست قضية أسماء مستعارة، بقدر ما هي حظوظ !! ابتسمتُ في وجهه قائلاً: دع الخلق للخالق.
الحديث عن الصديق العزيز (فهد العرابي) لو أردت الاتيان بما أعرف مما يستحق النشر لتمدَّد إلى حلقات، لكنني أختصر ذلك لأنه استطاع بطموحه الكبير أن يذهب مبتعثاً إلى (( باريس )) ليعود إنساناً جديداً في كل شيء، حاملاً أعلى وأرقى شهادة من جامعة ((السوربون)) بباريس هي (( شهادة دكتوراه الدولة )) في الآداب والعلوم الإنسانية بجدارة وهي أعلى من شهادة (( دكتوراه الجامعة )) وأستلم رئاسة تحرير مجلة (( اليمامة )) محقِّقاً لها ((نُقلة)) صحافية إعلامية كبيرة ما تزال بصماته عليها إلى الآن، ثم اختير عضواً في مجلس الشورى لمكانته وجدارته، واستلم جريدة ((الوطن)) ومؤسستها محققاً طموحات الأمير خالد الفيصل الكبيرة، التي لا تتوقف عند حد، كما أصبح مستشاراً في (( مؤسسة الفكر العربي ))، إلى جانب مؤسسته الخاصة الناجحة (( اسبار )).
أصبح الصديق (الحارثي) شخصية عامة معروفة في مجتمعنا، ونجماً متألقاً بعد أن كان لا يعرف ((امدرين))، وأن ((الجاتوه)) يُؤكل لا يُشرب، فأصبح يعرف ((الكافيار)) وغيره من الوجبات العالمية، وهذا هو الطموح الإنساني الذي يستحق كل تقدير، واحترام، وإعجاب، يدعو إلى ((الانبهار)) !!
وما تزال صداقتنا مسكونة بكل ود، وتقدير، وإخلاص، وإعجابي بكفاحه في مسيرته العملية، والإعلامية، والاجتماعية يتنامى مع كل خطوة يخطوها، ويزهر مع كل نجاح يحقَّقه، متمنياً له دوام التوفيق والسداد.
وأنهي الموضوع مشيراً إلى أنني زرته في باريس أثناء دراسته فاحتفى بي احتفاء ((يعربياً)) بحيث أنه قضى برفقتي كل الأيام القليلة في باريس دون أن يذهب إلى جامعته، كان نعم الصديق، والرفيق، طوَّف بي أكثر معالم باريس أهمية، مثل (( جامعة السوربون )) حيث تجوَّلنا في أروقتها التاريخية العريقة، و (( الحي اللاتيني )) ، ومقهى (( سارتر، وسيمون دي بوفوار ))، وبرج (( ايفل )) الذي صعدناه ((لمشاهدة مدينة باريس (المشعلة / المشتعلة) كما يسميها، وقمنا برحلة على نهر (( السين )) التي عرفنا من خلالها أغلب الآثار الواقعة على ضفتي النهر مثل كنيسة (( نوتردام )) التي كتب عنها (( فيكتور هوجو )) روايته الشهيرة (أحدب نوتردام)، ومثل (( متحف اللوفر )) الذي يتكوَّن من عدة قصور، حيث كان كل امبراطور يعتلي عرش فرنسا يضيف بناء قصر جديد إضافة إلى القصور التي سبقته حتى أن دليلتنا التي كانت تتحَّدث إلينا، وإلى بقية السياح بعدة لغات قالت: لكي تزور مدينة باريس كلها، وتشاهد معالمها فإن ذلك يستغرق من وقتك أربع سنوات !!
دهشتُ لما قالته، فسألتها: ومشاهدة كل محتويات وآثار متحف (( اللوفر ))، كم من الوقت يقضيه الزائر للتعرف على ما فيه من كنوز ؟
رّدَّتْ بما جعل دهشتي تكبر، وتتسع لافتراش مساحة وجهي.. قالت: ثلاثة أشهر !!
حتى حين طلبتُ من صديقي ((الحارثي)) زيارة المتحف، قال لي: ألم تسمع ما قالته الدليلة ؟ وإذا أصررت على هذه الزيارة فسنكتفي بأن ألتقط لك صورة أمام بوابته للذكرى فقط، شكرته.
وفي إحدى العصاري أخذني إلى ساحة الرسَّامين، والفنَّانين التشكيلين الذين يقتعدون الأرض إستقبالاً للسياح الذين يرغبون أن ترسم لهم لوحة (بروترية) مقابل (50) فرنكاً فرنسياً، وهذه الساحة تقع على مرتفع، أذكر ـ والعهدة على تقادم الزمن بالذاكرة ـ أن اسمها ((مونمارتر))، ولا شك أن الصديق (الحارثي) يعرف الاسم للسنوات السبع التي قضاها في باريس... وهؤلاء الرسامون يمثِّلون مختلف الجنسيات، بما فيهم من الجنسيات العربية، وقد رسم لي أحدهم لوحة شخصية، ما أزال أحتفظ بها إلى الآن، وهم لا يرسمون في الساحة، بل لديهم كهف كبير يدخلونه مع السياح !!
وبناء على ما قالته الدليلة عن باريس أدركتُ لماذا سلَّمت المدينة نفسها للغزاة النازيين دون مقاومة، وذلك حفاظاً على ما فيها من كنوز أثرية تقدر بعشرات المليارات !!
الخلاصة أن الصديق العزيز الدكتور (فهد العرابي الحارثي)، لم يتركني إلا بعد أن ودَّعني في المطار، وكان في جلساتنا يمطرني بشيء من الشعر الفرنسي الذي يحفظه، ويلقيه بطريقة مميزة، ثم يترجمه لي، وهو فضل لن أنساه، فضل لا يستغرب من رجل فاضل، وما أكثر الرحلات التي ترافقنا فيها، ومنها (طوكيو، وسيؤول)، وهذا يعني أن ذكرياتي معه بما تشتمل عليها من مفارقات طويلة، وطويلة يصعب الكتابة عنها كلها!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :661  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج