شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الثاني الشاعر فاروق شوشة ))
بعد أن انتهى الدكتور محمد رجب البيومي من إلقاء كلمته وقصيدته الرائعة وما تبعها من تعليقات أعلن مقدم فقرات الأمسية عن موعد اللقاء مع الضيف الثاني وهو الشاعر فاروق شوشة فقال:
- أما الآن فقد حان موعد اللقاء مع ضيفنا الثاني في أمسيتنا لهذه الليلة الأديب والإذاعي الشاعر الأستاذ فاروق شوشة:
 
وتقدم الأستاذ فاروق شوشة وأمسك باللاقط وقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم. أيها الإخوة الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الليلة أرى أني محظوظ مرتين، أما المرة الأولى فلأني أشرُف ثانية بأن يُتاح لي أن أكون ضيفاً على "الاثنينية" للصديق الأخ الكريم المضياف الفنان الأستاذ عبد المقصود خوجه، وإني لأذكر أن المرة الأولى التي سعدت فيها بهذه الضيافة، ومن خلالها بهذه الوجوه الكريمة من أبناء هذه الأرض الطيبة كانت منذ خمس سنوات، وكنت في ضيافة النادي الأدبي الثقافي لجدة ولرئيسه الأستاذ الكبير عبد الفتاح أبي مدين، وسعدت دون تدبير بأن أقابل وأستمع إلى صوت اليمن شعراً ولغة، وحِكمة وسياسة، الأستاذ الكبير أحمد الشامي، كان ليلتها فارس "الاثنينية" وشاء كرم الضيافة إلا أن أطل على القوم دقائق من وقت تلك السهرة الحافلة التي ما تزال أصداؤها في وجداني، وعدت إلى مصر وقد أحسست أن ثمة أماكن تعبق بالخير، قد لا تُسمى نادياً أدبياً، وقد لا تحمل اسماً اصطلحنا على أنه مكان لتجمع الأدباء والشعراء، لكنه في حقيقته وفي جوهره يُزاحم الأندية الأدبية، ويُزاحم المنابر الثقافية، ربما لأنه يربطه بالناس خيوط لا تُرى من محبة، وربما لأن الناس تسعى إليه سعيها إلى النور وإلى العطر وإلى الأريج، وإلى كل معنى نبيل كريم.
- الليلة يتجدد لقائي ثانية مع "الاثنينية" وقد انتقلت إلى هذا الموقع الجديد المبارك، الذي ما أظنكم جميعاً تتصورونه إلا قصيدة جميلة، اكتملت لها كل فنون الإبداع الشعري، وأبدعها شاعر ذوّاق، فجاء كل سطر من سطورها وراء كل حجر من حجارتها ينطق بفن وإبداع وعبقرية. وأعتقد أن هذه الدارة الجميلة العامرة هي قصيدة صديقنا عبد المقصود التي سيُباهي بها الشعراء ويقول لهم: أتحداكم أن تأتوا بواحدة مثلها، وسيصبح دائماً شاعر القصيدة الواحدة التي لا ثانية لها من بعد هذه القصيدة، إما لأنه قد أبدع قصيدته وإما لأنه افْتَنَّ في تشكيلها، وفي صوغها وفي أن يسبغ عليها من ذوقه، فكثيراً ما نعرف القدرات عند أصحاب القدرة، ولكننا كثيراً ما نفتقد الذوق والإحساس والسلاسة واكتمال النظام إلى النظام، كما تكمل حبات العقد، وقد وفقه الله لأن الناس تحبه، وحُب الله وحُب الناس وجهان لعملة واحدة يكتملان معاً عند العبد عندما يحمد ويشكر ويكون مستحقاً للمزيد، ولا أظن أنه بعيد عن قول شاعر العربية الكبير أبي تمام الذي أحب أن يقدم ذات يوم صورة شعرية وصفية جميلة لإنسان تصور أنه الإنسان فقال:
هُذِّبَ في جِنْسِهِ
ونالَ المَدَى بنفسِهِ
فهو وحدَهُ جنس
ضُمِّخ من لونه
فجاءَ كأن قد
صُبغت من أديمه الشَّمْسُ
يشتاقُهُ من نهارِ غدُه
ويُكثرُ الوجدَ نحوه الأمسُ
 
- هذا هو صاحبنا الذي قال فيه أبو تمام هذا الكلام وأنا أستحضر صورته لأنه إلى جواري حي بيننا يُظللنا ويملأ علينا هذا المكان.
- أما سبب سعادتي الثانية فهو أني أجيء هذه المرة في موكب أستاذ كبير، وعالم جليل وشاعر مبدع، ولذلك أحسد نفسي أنْ قد أصابني بعض قطر من سحاب تكريمه، وسعدت ببعض شميم من أريج ذكره العاطر، وأعتقد مخلصاً أن هؤلاء الذين أفاضوا علينا الليلة من ثنائهم ومن نفحات قلوبهم قد أضافوني إليهم لأنهم أحسوا أن ثمة زهرة صغيرة لا بد من أن نضمها إلى الروضة الكبيرة وأن نقول لها أنت في مكان تستظلين فيه بالشمس وبالعطر وبالهواء، فأنا أشكرهم مرتين، لأنهم كرموه، ولأنهم كرَّموني مرَّتين، عندما كرَّموني وكرَّموه..
- وأقول شعراً وأنا في رحاب قصيدة عظيمة جميلة كما قلت، كيف نتحدى هذا الشعر، كيف نَصل إلى بعض صوغه وفنه وإبداعه الآيات القرآنية الجليلة من حولنا وفوق رؤوسنا تملأ المكان ونحن على مسيرة ساعات من ذكرى الإسراء والمعراج، ونحن قريبون من أرض تمتلئ عبَقاً وذكرى لا تنتهي أبد الدهر، وقد كنت في المدينة المنورة منذ أقل من شهرين وفي رحابها العطرة كتبت آخر ما كتبت، ائذنوا لي أن تكون تحيتي لهذا المكان ولصاحبه ولكم ولهذه الأرض الطيبة قصيدة عنوانها "محمد":
للهوَى أن يُحيلني كيف شاءَ
وأنا عابرٌ إليك الضياءَ
صاعداً والفضاء حولي مسافات
سماءٌ تطوي إليك سماء
أتملَّى طرفاً وأطرق إجلالاً وأصفو ورداً وأدنو رجاءَ
وأُدير البُشرى التي تملأ الدنيا وأروي بها القلوب الظماء
قاصداً ساحَكَ الطهور المرجى
ذائباً خشية له وحياء
تلك مشكاتك التي تتجلى
تجتليها عيوننا لألاء
سجد الضوءُ عند بابك واهتزت
قلوب تلهفت إصغاء
واستبدَّ الشَّوقُ المُلحُّ وفاضت
جَلوةُ الروح صَبْوة وانتشاء
لهفة تسبق الخطى وارتعاش
حين أدنو وألمح الأضواء
ونشيد في مسمعي عزفته
ساجعات الدُّنا وفاضت غناء
موْكبٌ في الوجود ينتظم الكوْن
ويُزجى العطور والأصداء
لمحته عرائس النور فانسابت
لمرآه فرحة واجتلاء
أقْسمت لا تَقَر منهُن عينٌ
لم تُصافح جبينَك الوضاء
أي نجم له كمثلك أفق
حين أشرقت تدحضُ الظلماء
فيغطي شعاب مكة سمتٌ
من شُعاعاتك التي تَتَراءى
وتَمِيسُ الهضابُ نشوى من البشْر
خفافاً تعانق البيداء
وتفيض الوديان من بعد جدب
سلسبيلاً يرف طيباً وماء
والرياحُ الهوجُ التي كم أقضَّت
مَضْجع الليل كيف سالت رُخاء؟
والقِفارُ الجرداء تخضلُّ بالخصب
وتَندى ظلالُها أفياءَ
والبوادي تناقلت عن تباشيرك
فجراً ورددت أنباء
ثم نُودي يا أرضُ هيَّا استعدي
إنه المصطفى من الخلق جاء
للهوى موعدٌ فيا عينُ بُشراك
ويا شمس عانقي البطحاء
النفوسُ الغِلاظُ قُدَّت من
الصخرِ عناداً واستحكمت كبرياء
ما الذي مسَّها فسالت حنانا
حين ناديت دعوة ودعاء
أدركت أن في حماها أمينا
خبرته مُصدَّقا معطاء
وفتى لم يقارف الإثم يوماً
عَرفَتْه تطهُّراً ونقاء
وَرسولاً مُبلغاً وشفيعاً
وسراجاً وهادياً مُستضاء
ورحيماً بهم وقد جاء كالفتح
وقد قلتها: اذهبوا طلقاء
حَاملاً دعوة السلام إلى الدنيا
تجلَّت عقيدة سمحاء
وسعت في الآفاق كل بني
الإنسان فاستمسكوا هدى وإخاء
وإذا الجمع حول وردك أحباب
يودون من نداك ارتواء
وإذا الكل يا محمد لا يألوك
حباً وطاعة واقتداء
يا عظيماً قد جاوز العظماء
يا نبياً قد توَّج الأنبياء
ما الذي غيَّر الزمان فصارت
أُمةُ الحق أمةً عسراء
بعُدت عنك حين ضاقت عقولاً
واستشاطت قلوبها أهواء
لم يراعوا هَدْيا حَمَلت ولا
صَدْراً نقياً لم يعرف البغضاء
لم يراعوا سماحة فيك
كانت تجمع الأصفياء والأعداء
أمة غالها المرابون في الأرض
وودوا ابتلاعها أشلاء
نصبوا حولها شِراكاً وراحوا
يوقظون الجهالة الجهلاء
صنتَها باسمك الكريم فما
هَانَتْ ولا ساء يومُها أو ساء
وكأني بصوتك اليوم يعلو
أيها الناس قد خُلقتم سواء
بين أيديكم الذي لن تضلوا
إن وعيتم آياته الغرَّاء
يا نبيّ الإسلام إنَّا على عهدك
نسعى جنودك الأوفياء
نرفع اليوم مشعلاً من سجاياك
مُضيئاً وعَزْمةً ومضاء
ونصُون العِرض الذي لم يُدنسه
بغاةٌ تصوروا أشياء
ونصُونَ الأرض التي كرمتها
صَنْعةُ الله نفحة ورُواء
ونصون الشَّمل الذي يرجعُ اليوم
نظيماً وكان قبل هباء
ونصون النفوس في موقف الهول
ثباتاً وهمة واقتداء
ونرى ساحة النضال على الدرب
طريقاً بالتضحيات مُضاء
في فلسطين كل حبة رمل
كبَّرت حُرة وصلَّت إباء
واستحالت حجارةً تصرع البَغْيَ
ويَرمي سجِّيلها الدُّخَلاء
ونضالاً مُقدساً ليس يرضى
بسوى حقه العتيد انتهاء
- القصيدة الثانية والأخيرة عن "الحب والحرية":
تبدأ الأشياء في حسباننا أصغر مما نتصور
ثم تمتد وتكبر
تبدأ الأشياء في حياتنا أصغر مما نتصور
ثم تمتد وتكبر
فإذا عيناك في الدنيا اتجاهات شمالي وجنوبي
وإذا اللحظة فيما بيننا عمر من الأزمان يطوينا
ولا ندري بأنَّا نتغير
تبدأ الأشياء منك، ثم ترتد إليك
وأنا بين البدايات التي تُصبح من بعدُ ارتدادات أرانا
قد تجاوزنا حديث القيد والقضبان والقهر
وأحزان المدينة
واخترقنا الحاجز الماثل ما بين ارتعاش الظل
والنفس الحزينة
فإذا نحن صغيران كبيران بحجم الكون نجتاز على الشوك
ونعبر.
ألِأني حين أحببتك أحببت جناحين يطيران
فلا تكسر ريح أن تقاوم
لا ولا عاصفة مسكونة بالرعد يوماً أن تُصادم
لا ولا قضبان هذا العالم المملوء جوراً وقتامة
أن تُزاحم
ألأني حين أحببتك واجهت جحيمي وتنفست نسيمي
مُسْلماً عُمري إلى ريح الصبا وشميم من عرار وخُزامَى
فيك عاينت سمائي ونجومي فتعرَّى كل ما في الأرض
من قُبح كريه ودمامة
باحثاً عن جلوة الحُسن الذي يقطُر من ذوبي ابتسامة
وعن الدفء الذي يكسو محيّاك وسامة
عندما ينْهَلُّ هذا الموكب الأسْنى فأنشق حجازاً وتهامة
برزخي أنت وفي دربك من عمري علامة
كيف ألقاك هروباً وانهزاماً
وأنا الضارب في الأرض بهذا الحب أقوى
وبهذا الفيض أبقى
سارياً في عبَق الطين دماً صاعداً في العد الجو غمامة
ذائباً في النيل شطَّاهُ امتداداتي نداءاتي موجات سجينات
ورُوحي في قيود الأسر تحليقٌ مُدمَّى وارتطامه
داخلي ذر من الصحراء ممزوج بطمى النيل مَقْذوف بهذا الكون
أجتاز على كره زحامه
وليكن، ما الذي يبقى من العمر إذا ما كان هذا
العمر سجنا
والمدى المسدود جُبنا، والربيع الطلق حُزناً
وليكن، ما الذي نصنع بالحب إذا كان اغتيالاً للخلايا
وانطفاء للذي يلمع في عين الصبايا
وانغماساً في سراديب الحكايا
دون أن يرتج فينا كل بركان الحنايا
فنرى الميلاد في قلب المنايا
والمَدَى المنسوج من عزف الشظايا
والغد الطالع من عُرس النهار
ساطعاً سيان، أو منكسراً فوق المرايا
ما الذي يجعل صحراء إذا امتدت حوالينا بساتين فرح
ما الذي يجعل هذا الأفق العاريَ ركباً من حكايا
ومُويْجات نغم.. وعناقيد تِلال نسجت بُرد التجلي
واستكنت في الحنايا
أمْطرت في حَبة العين مواعيد انعطاف
ما الذي يُطلق في وجهي أعاصير الطريق
عاصفاً مشتعلاً بالصبوات يتخطى كل ذرات الرمال الهوج
مدفوعاً إلى عينين غاصت فيهما ومضة حب وانخطاف
تعبت أسئلتي فلتتوقف.. إنني أعرف ما بعد لماذا
ولهذا كلما امتدت ذراعاي وأوشكت تناءيت
تناءى الحُلم وازداد الغدُ المأمول بُعداً
آه لو تدرين آه
إن كيمياء الشرايين تَزيد القلب جهداً
أمطري يا غيمتي ناراً وشهداً
إن لي في مُقبل التاريخ وعداً
إن لي في فحمة النيران وقداً
وأنا المشدود كالأوتار كالإعصار كالتيار شدّاً
ولقد قاربت جَدَّاً
إني قاربت جَدَّاً
أشكركم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :693  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 165 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.