شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار بين المحتفى به والحضور ))
ثم فتح باب الحوار بين المحتفى به معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف وبين الحضور وكان أول السائلين هو الأستاذ محمد العروسي المطوي الذي تقدم إلى الضيف بسؤالين هما:
- كيف كان حوار معالي الدكتور عبد الله نصيف مع أولئك الذين كانوا يعتبرون الإسلام دين تخلُّف ويعتبرون المسلمين مجتمعاً متخلّفاً؟ وسؤالي الأخير هو: ما مستقبل العلوم الصحيحة وعلوم التقنية بالنسبة للعالم الإسلامي؟ مع الشكر.
 
وقد رد الدكتور عبد الله نصيف على هذين السؤالين بالإجابة التالية:
- بالنسبة للفقرة الأولى من السؤال: الحوار مع الغربيين، طبعاً من المعروف لديكم أن كتب التاريخ وكتب المناهج الدراسية كلها في الغرب تسيء إلى الإسلام إساءة ظاهرة وباطنة، وكان يرمز للمسلمين بالتخلف والبربرية وغير ذلك، لكن عملية الانفتاح التي حدثت والنعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على هذه البلاد خاصة وعلى كثير من الدول الإسلامية وظهور البترول وانطلاق النهضة الاقتصادية المعاصرة، كل ذلك جعل الاتصال بالغربيين أيسر وأصبحوا ينظرون إلينا نظرة مختلفة عن الماضي، ولذلك لا نجد صعوبة في الحوار معهم، كما كان الحال منذ ثلاثين سنة، ولكننا نندهش أن كثيراً من العلماء والأساتذة الكبار الذين وصلوا إلى مراكز متقدمة في المجال العلمي منذ زمن طويل ما زال إدراكهم ومعلوماتهم عن الإسلام ضئيلة جداً، بل هي أشد ضآلة من ذلك فيما يتعلق بجغرافية عالمنا الإسلامي المعاصر والتوجهات الموجودة فيه، وهناك بدون شك مراكز للتخطيط باستمرار من أجل السيطرة والهيمنة على العالم الإسلامي، ومع ذلك فنحن لا نجد صعوبة في الحديث معهم وإقناعهم بأن المسلمين هم على حق عندما يسعَون للبحث عن هويتهم والاستغناء عن ظاهرة التبعية التي سيطرت عليهم أكثر من مائة سنة، ولكي نكون منصفين فقد وجدنا تفهّماً من كثير من الناس ممن حاورناهم.
- أما بالنسبة لمستقبل العلوم، وخاصة التكنولوجيا، فأنا أرى أن المسلمين لم يبدؤوا بعدُ حركة جدية لتغيير أوضاعهم مما وصفته قبل قليل من التبعية العلمية في كل شؤون العلم والمعرفة إلى الأصالة والإبداع، وإيجاد حقول يمكن أن يبرزوا فيها، سواء في العلوم والتكنولوجيا أو في العلوم الإنسانية، أو غير ذلك: إما بإحياء ما قدمه أجدادهم أو بإنشاء نهضة علمية حديثة، هذا لم نبدأ فيه بعد، وما زلنا في جامعاتنا ومعاهدنا وخططنا - غالباً - مقلّدين ولسنا مؤصّلين لما مضى، حتى في مجال الحديث عن التراث العلمي الكبير الذي تركه أجدادنا، نتحدث عنه من باب المتعة الفكرية والفخر، ولا نسعى إلى البحث عن المُثل والمبادئ والأسس التي بنى عليها هؤلاء الأجداد نهضتهم، وبرزوا في كل العلوم بشتى فروعها وتخصصاتها، حتى هذه المبادئ من الإخلاص والتفاني وبذل الجهد والتضحية وغيرها من الصفات الحميدة، والمعاني السامية غير متوفرة فينا، ولا نربي أبناءنا عليها، فينبغي لنا أن نبعث هذه الروح العلمية في نفوس أبنائنا ونهتم بالتربية والتوجيه إلى جانب العلم حتى تكون لنا نهضة علمية وتكنولوجية بالذات وفي غيرها من المجالات، وشكراً.
ثم أبدى المحتفى به رغبته في أن يتقدم السائلون بأسئلتهم واحداً تلو الأخر ثم يجيب عليها إجابة مفصلة تأخذ نفس التسلسل الذي وُجِّهت به، وعلى ضوء ذلك تمت كتابة الأسئلة التي رغب بعض الحاضرين تقديمها عبر اللاقط، ثم ضُمّت إليها الأسئلة التي تقدم بها أصحابُها مكتوبة على قُصاصات من الورق، وفيما يلي النص الكامل لكل الأسئلة المقدَّمة، ثم الإجابة الكاملة التي تفضل بها المحتفى به.
كان السؤال الأول موجهاً من الأستاذ عبد الله رجب حيث قال:
- هل تواكب صحافة الرابطة المرحلة الدقيقة من حياة أمتنا العربية والإسلامية، وهل تعمل بالشكل الذي نتمناه ونرضاه لها؟ ولماذا لا يزال الناس يتداولون أعداد "مجلة الأمة" وهي مجلة لم تعمِّر طويلاً في حين لا يذكر أحد مجلة الرابطة؟
 
أما السؤال الثاني فقد وجهه إلى المحتفى به الأستاذ عبد الحميد الدرهلي حيث قال:
- هل بالإمكان تطوير هيكل رابطة العالم الإسلامي من أجل تحسين وضع المسلمين في تلك البلاد التي توجد بها أقلّيات إسلامية تعاني القهر والتمييز والمعاملة غير الإنسانية، لا سيما أن هناك رجالاً على مستوى المسؤولية.
 
والسؤال الثالث تقدم به الأستاذ مصطفى عطار وملخَّصه فيما يلي:
- إن الدعوة الإسلامية مهمة مقدسة، ومسؤولية جسيمة، وربما لاحظتم في تجوالكم في العالم الإسلامي أن بعض الدعاة ضررهم أكثر من نفعهم، فما هو المنهج الصحيح الذي يراه معاليكم للعمل على إعداد الدعاة إعداداً جيداً يحسنون به الدعوة إلى الله في أقطار العالم الإسلامي؟
 
وتقدم بعد ذلك الدكتور محمود زيني وطرح السؤال التالي وهو الرابع في سلسلة الأسئلة:
- ماذا أعدّ المسلمون لاسترجاع حقوق المسلمين التي هدرت في كثير من البلاد والتي كانت عامرة بالإسلام مثل بلغاريا ورومانيا ويوغوسلافيا، لا سيما ونحن نشاهد تسابق الكنيسة والصهيونية إلى احتواء تلك الأماكن؟
أما السؤال الخامس فقد قدّمه سعادة السفير التونسي محمد جنيفان مكتوباً وهو:
- يعاني العمل الإسلامي من تعدد المؤسسات التي تتنافس أحياناً على المستوى الدولي بدوافع ليست دائماً خالية من الأهواء، فما هي خطة الرابطة في التعامل مع هذه الظاهرة حتى لا تقع في الصراعات غير المجدية؟
 
والسؤال السادس أرسله الأخ محمد ياسر عبد الله مؤكداً به ما جاء في كلمة معالي الدكتور محمد عبده يماني حول إسهام رجال الأعمال والطلاب وهو:
- ما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به رجال الأعمال، وطلاب الجامعة، والأدباء في المساهمة في دعم الرابطة؟
 
أما السؤال السابع، وهو الأخير، فقد قدمه الأخ عبد العزيز محمد ملائكة وجاء فيه قوله:
- إن الجهاد الأفغاني قد حقق الكثير من الظفر والنجاح، وبقي القليل ويحاول أعداء الإسلام التشكيك في قدرات المجاهدين وقياداتهم بهدف منع المعونات عنهم أو إيقافها، فالمرحلة التي يمر بها المجاهدون الآن حرجة جداً، ولذا فإن الدعم المادي والإعلامي بالنسبة لهم لن يكون أقل أهمية عن ذي قبل، فما هو دور الرابطة في هذه المرحلة؟
 
وبعد أن استمع المحتفى به إلى جميع الأسئلة أصغى الحاضرون إلى إجاباته، حيث قال:
- الإجابة على السؤال الأول، وهو المتعلق بصحافة الرابطة، فأحب أن أقول إن الصحافة مهمة جداً وهي إحدى وسائل الإعلام، والإعلام لا يقل أهمية عن التعليم، سواء في الدفاع عن قضايا المسلمين، أو في نشر الدعوة الإسلامية، أو في نشر الثقافة العامة أو في غير ذلك، هذا أمر لا يخفى على أحد، وأعترف أن الصحافة في الرابطة ذات تأثير محدود، لأنها مهما أوتيت من مال فلن تستطيع أن تصل إلى ملايين المسلمين (ألف مليون مسلم)، وإنما تركز اهتمامها على مراكز التأثير في هذه المجتمعات من مؤسسات إسلامية ومراكز، ومدارس، وجامعات، وغير ذلك، وتبعث إليها إصداراتها من المجلة، الجريدة الأسبوعية، والمجلة الإنجليزية، والمجلة العربية، والكتاب الشهري.
- وفيما يتعلق بالتطور، فقد حدث تطور نسبي، ولكن دون المستوى المطلوب، إلا أن هناك وسائل إعلام أهم تتمثل في: استخدام الفيديو واستخدام التلفزيون والإذاعة، وهذا أهم وأكثر تأثيراً، ونحن عاجزون في الوقت الحاضر عن ارتياد هذه الوسائل بسبب العجز المالي أو المتطلبات المالية التي تتطلبها مثل هذه الأعمال، والمفروض في الحالة المثالية أن يكون للرابطة عدة مجلات وصحف بعدة لغات في هذه المجتمعات المختلفة، فمخاطبة المسلمين في غرب أفريقية تختلف عن أمثالهم في شرقها وفي جنوبها وفي شمالها وغير ذلك من أنحاء العالم الإسلامي. وعلى أية حال فنحن بصدد عملية التطوير واستكتاب ومساعدة المجلات التي تصدر في تلك البلاد، ونعتقد أن الأولى والأهم من أن نركز جهدنا ومالنا على الصحافة في الرابطة والتي كما ذكرت ذات تأثير محدود هو أن ننشط عدداً كبيراً من الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي نمولها في الوقت الحاضر والتي تحتاج إلى المزيد بدون شك، فذلك خير وسيلة لجعل الإعلام فعّالاً في عالمنا الإسلامي اليوم. ولا أدافع عن الإخوة المسؤولين في الرابطة فهم يبذلون ما يستطيعون ويطالَبون بالمزيد لتحسين أوضاعهم، ونحن نحاول قدر الإمكان.
- أما موضوع الأقلّيات المسلمة التي تحدث عنها الأستاذ عبد الحميد الدرهلي فأحب أن أطمئن السائل بأن المسلمين الذين يعيشون في بعض البلاد كأقلية، وضعهم أحسن بكثير من سكان بعض البلاد التي تسمى إسلامية، من ناحية حرية العمل ووجود الإمكانات والتنظيم وغير ذلك، أما في البلاد الشيوعية أو التي كانت شيوعية حتى قبل أيام فالمسلمون في أسوأ وضع، فقد مورست ضدهم كل أنواع الاضطهاد والضغط إلى حد القتل والتشريد، والبعث بهم إلى معسكرات الاعتقال. ولكنا سمعنا أن الحكومة في بلغاريا قد غيرت النظام وألغي القانون الذي كان الرئيس مُصراً على تطبيقه، ونتمنى أن يكون هناك تغيير جذري.
- أما في الاتحاد السوفيتي فهناك نهضة والحمد لله، وحركة لا بأس بها والمسلمون لديهم عزيمة ونشاط منقطعا النظير، وكذلك في الصين، ورومانيا فإن وضع المسلمين أحسن مما كانوا عليه وإذا كان هناك عجز فالعجز من أنفسهم، في المجَر نسبة المسلمين قليلة يقدر عددهم بستة أو سبعة آلاف مبعثرين في القرى وليس لديهم تنظيم، وكذلك تشيكوسلوفاكيا أعداد المسلمين بها يسيرة جداً، وفي بولندا يتمتع المسلمون بحرية منذ عشر سنوات تقريباً.
- وعلى كل حال فأوضاع المسلمين الذين يعيشون أقليات تستدعي أن يمد إليهم إخوانهم يد العون والمساعدة، وهذا يجرني للإجابة على السؤال الذي يستفسر فيه سائله عن جهود الرابطة تجاه الكنائس وما تقوم به في أوروبا الشرقية وغيرها. إننا لا نستطيع أن ننكر أن الكنائس موجودة في كل مكان وتتمتع بالتنظيم والتخطيط، وكثرة المال، فالمال عندها ليس مشكلة على الإطلاق بل يفيض عن حاجتها ويستثمر في كل أنحاء العالم فهي تدخل في كل بيت.
- عندما ذهبنا في الزيارة الأخيرة إلى الاتحاد السوفيتي وجدنا بعثات تنصيرية في طاشقند وسمرقند، وهي بلاد ليس فيها نصارى مطلقاً وليس فيها وثنيون، كلهم مسلمون بحمد الله، غير أن المبشرين قد تمكنوا في سمرقند نفسها من تنصير أسرة نظراً لحاجة هذه الأسرة للمال، وكما لا يخفى عليكم فإن مخططات الاستعمار واستخداماته للتنصير واردة، وما علينا إلا أن نبذل جهدنا في جمع المال، ووضع خطة محكَمة لمساعدة المسلمين في تلك البلاد، ومنع خطر التنصير، لأن الكنائس كلها قد جمعت شملها، ونهضت لإحياء النصرانية مرة أخرى في أوروبا، وهي لم تمت رغم أنها كانت مضطهدة في بعض البلاد مثل بلغاريا ورومانيا، إلا أن الكنائس ظلت محتفظة بمقوماتها وبإمكاناتها، بل لقد رأينا في بلغاريا أن خروتشوف تبرع للكنيسة البلغارية بستين مليون دولار في الستينات لجعل القباب في الكنائس فيها من الذهب، فالشاهد أن هذا الجانب يحتاج من المسلمين إلى جهد كبير لكي يُعينوا إخوانهم في هذه البلاد، ولدينا خطة بالتعاون مع الدكتور محمد عبده يماني وبعض الإخوان لوضع خطة عمل وتوجيه نداء للمسلمين في كل مكان لكي يعينوا إخوانهم في البلاد التي خرجت توَّها من الحكم الاشتراكي.
- أما في إفريقية فالآفة والمشكلة مختلفة بعض الشيء، ولكن بصفة عامة فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذا التنصير من آفات المسلمين، ولكنه أيضاً تمحيص لهم، واستنهاض لهممهم، لإنقاذ إخوانهم من خطر الكفر، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في رابطة العالم الإسلامي، وقد منَّ الله عليها سبحانه وتعالى بفضله في السنوات الأخيرة، تقوم بدور كبير، وتلقى دعماً من المحسنين كلهم بدون استثناء، ولكنها في حاجة إلى جهود كبيرة.
- وهذا أيضاً يجرّني إلى سؤال الدكتور محمد عبده يماني، عن الدور الذي يمكن أن يقوم به رجال الأعمال والطلاب وغيرهم في أعمال الإغاثة وغيرها، وإنني أحب أن أؤكد أن المسلمين الذين نشروا الإسلام في جنوب شرق آسيا بالذات وفي غرب إفريقية هم التجار، لم تمنعهم تجارتهم من أن يكونوا دعاة متحركين ينشرون الإسلام بجهودهم وفكرهم ومالهم، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، والملاحظ الآن أن هناك نهضة كبيرة إسلامية بين رجال الأعمال وأعني بذلك اهتمامهم بالعمل الإسلامي من خلال التبرعات ومن خلال الزيارات، وأعني بذلك مشاركة رجل أو اثنين من رجال الأعمال مع وفد من الرابطة مما يفتح أمامها آفاقاً، لأن الحكومات عادة تطمع في الاستثمارات، وتريد من رجال الأعمال في البلاد العربية أن يزوروها حتى يبحثوا عن مجالات الاستثمار فيها، فهذا المجال حتى وإن لم يكن فيه إلزام أو تبرع، فإن المشاركة في حد ذاتها مع وفود الرابطة يعتبر عوناً ومساعدة. كذلك بالنسبة لكل التخصصات كالأطباء والمهندسين والأساتذة فبإمكانهم أن يساهموا بعمل الدراسات الميدانية والدراسات العملية والدراسات النظرية وأن يعينوا الرابطة بالمشورة، والحمد لله فإن لدينا الآن عدداً كبيراً من المتطوعين الذين يمدون الرابطة بمدد لا يُقدّر بثمن، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيهم على ذلك خير الجزاء، وباب الدعوة لمساعدة الرابطة ما زال مفتوحاً.
- نسيت أن أذكر أن التطوع سمة أساسية في نشاط الكنيسة، فجميع طلاب الجامعات بدون استثناء يذهبون إلى أفريقية من الولايات المتحدة للخدمة تطوعاً، ومن ذلك فرق السلام، فهي عبارة عن متطوعين من كل التخصصات وكل المستويات العلمية يقضون سنة كاملة أو جزءاً من السنة في أفريقية، يعيشون في الأدغال وفي الغابات، بينما يحجم المسلمون عن هذا ويشترطون لذهابهم أن تهيّئ الرابطة لهم فنادق درجة أولى، مع ما يتبع ذلك من وسائل الراحة، ولكن هذا لا يعني أنه ليس بإمكان المسلمين أن يحدثوا تغييراً في منهجهم من التواكل والتخاذل وعدم المبالاة إلى المساهمة البناءة في خدمة العمل الإسلامي بما أتيح لهم من الإمكانات المادية والمعنوية والإنسانية.
- أما بالنسبة لموضوع السؤال عن الدعاة، والذي تقدم به الأستاذ مصطفى عطار، فلقد أشرت إشارة عابرة إلى أن المسلمين لا زالوا في حالة تحفّز وتحرّك، ولكن مستواهم العام إذا أخذنا عامة المسلمين نجدهم متخلفين حضارياً وسلوكياً، لم يصلوا بعد نكستهم إلى نور، إنني أُعبِّر دائماً عن الإسلام بأنه الضوء الذي أتى وأنقذ من سار فيه من الضلال، والمسلمون في تاريخهم الطويل كلما ارتفعوا إلى مستوى هذا الضوء كانوا قادة للأمم وكلما هبطوا ونزلوا دونه ضاعوا وسقطوا في متاهات كثيرة، منها العلمانية وغيرها.
- والدعاة هم قطاع من المجتمع، إننا نبذل قصارى جهدنا في اختيار الداعية، وذلك بالبحث في الجامعات عن كل طالب يحصل على امتياز أو جيد جداً ونبحب إليه العمل كداعية ثم لا نقتصر على ذلك بل نسأل أساتذته ومُربيه عن سلوكه، ونتيح له الالتحاق بدورة في مكة ومن ثم يذهب إلى المجتمعات لأداء مهمته، لكن التمحيص يأتي عندما يخرج هذا الشاب إلى المجتمع الذي يعمل فيه. كيف يستطيع أن يعمل بحكمة؟ وكيف يستطيع أن يقاوم مغريات المادة؟ ومغريات المناصب؟ هذه هي الآفة، أنا لا أنكر أن الداعي بعد أن يخرج للميدان قد يتعرض لانتكاسة - لا سمح الله - أو عجز أو تقصير، وهذا هو الذي نشتكي منه، ولكننا في الفترة الأخيرة ومن خلال المعهد الذي أُنشئ في مكة، ومن خلال الدورات التدريبية والتثقيفية التي تقيمها الرابطة على مدار السنة في أنحاء العالم، عملنا على تحسين في النوعية وتخريج أفواج من الدعاة أصبحوا يؤلفون القلوب، ولا يدخلون في الخلافات المذهبية، أو الطائفية أو غير ذلك. وأصبح لديهم تصور أكثر من ذي قبل، ولكننا لا زلنا دون المستوى المطلوب، على أنني أكرر بأنه إذا صلح حال الأمة، واتجهنا جميعاً بأقوالنا وأعمالنا لتحسين الأداء فسيتحسن أيضاً مستوى هؤلاء الدعاة.
- وفيما يتعلق بالسؤال الأخير، وهو موضوع الجهاد في أفغانستان كما ذكر الأخ عبد العزيز محمد ملائكة، فأحب أن أقول:
- إن الجهاد الأفغاني كان إحياءاً حقيقياً للجهاد وكثير ممن تخصصوا، وكثير من الذين جعلوا رسالاتهم في الدكتوراة وكانت عن الجهاد، عندما ذهبوا إلى أفغانستان قالوا: لم نكن نتوقع أن الجهاد الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين لهم بإحسان، يعود مرة أخرى بنفس القوة والصفة، فقد كان جهاداً إسلامياً حقيقياً، بهر المسلمين واجتذبهم إلى ساحته ولقد لقي المجاهدون ولله الحمد دعماً لا بأس به، غير أن هذا الدعم قد أيقظ حفيظة الصليبية مرة أخرى، فبدأت تنعقد اجتماعات على مستوى عال في كل الدول الأوروبية بدون استثناء لمناقشة الطرق الكفيلة بوقف هذا الجهاد، لأنه أحيا عزيمة المسلمين الميتة، وأحيا في نفوسهم حب التضحية والبذل، وكان من نتائج ذلك اجتماعهم وتمسكهم بضرورة انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، وكان للمسلمين هنا ما أرادُوا، وكان كذلك أن عملت تمثيليات كثيرة وانسحب الروس، وإنه وإن كان انسحاباً شكلياً لأنهم استمروا في إمداد عملائهم داخل كابول بالسلاح بطريق مباشر وغير مباشر، غير أن بركة الجهاد التي عمت وانتشرت ستحقق النصر إن شاء الله.
- إن الدور المطلوب الآن هو دعم وحدة هؤلاء المجاهدين، ولا ننسى أن الصحافة الغربية وبعض الصحف العربية تقوم بنشر معلومات غير دقيقة، بل تصل حدّ المبالغة في كثير من الأحيان، وذلك لخلخلة تماسك قوة المجاهدين، لتنقطع من جراء ذلك مساعدة إخوانهم عنهم، لكن القادة السبعة في الخارج، والقادة الميدانيين في الداخل، ما زالوا كما كانوا من ناحية عزيمتهم، وقوتهم وإمكانية استمرارهم إلى ما شاء الله، غير أنهم في حاجة إلى دعم بالمال الذي توقف كثيراً وقد وصل إلى درجة الصفر في بعض المؤسسات، فالدعم المادي يعينهم على شراء السلاح والغذاء أيضاً، فهم محرومون حتى من الغذاء، وكذلك الوضع في باكستان لم يعد مشجعاً كما كان في الماضي، فقد انخفضت المعونات التي كانت تقدم لهم كثيراً.
- ولذلك ينبغي أن لا نترك هذه الفرصة، وألاّ نجعل الإخوة يفقدون آخر مرحلة من مراحل الدخول إلى داخل كابول، والحصول على الحكم، وخاصة أنهم أعلنوا عن رغبتهم في أن تكون لهم دولة حيادية تعترف بالحقوق الدولية للعالم، وتعترف بالاتحاد السوفيتي كجار صديق، وغير ذلك من الأشياء التي تبين أن لديهم وعي سياسي كبير، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمم لهم هذا النصر، وأن يوفق إخواننا من المحسنين ومن العاملين إلى زيادة تبرعهم وعدم الإحجام عن فعل الخير في هذه المرحلة الحرجة التي يتطلع إخوانهم فيها إلى مساعدتهم، فهم في حاجة ماسة لكل ما يقدمونه من عون.
- وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يُحبه ويرضاه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأشكر مرة أخرى أخي الأستاذ عبد المقصود خوجه، وإخواني الذين أكرموني بالثناء علي، وأشكركم جميعاً، وأسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والسلام عليكم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :493  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .