شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
"كلمة الأستاذ الأزهري السيد العراقي"
بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فكثيراً ما تتهم القصيدة التراثية بأنها قصيدة "المناسبات" والأستاذ علي حسن أبو العلا شاعر تراثي مبدع لأنه يتمسك بكل ما يتصل بالتراث ثقافة وتاريخاً ولغة حتى العنصر الموسيقي في الشعر.. أجل إنه شاعر مجدد يعيش قضايا مجتمعه وعصره في شعر رائع جميل لا يقل عن شعر الفحول من شعراء العرب.
اخترت له قصيدة من قصائده ومهدت له بقصيدة أخرى أرجو أن يتسع صدركم مركزاً على حسن اختياره عناوين قصائده وهي المدار والمركز دونما تعسف بل تلطف.. وهي تزخر بمفاخر مهبط الوحي والنور نظير "مكة - في رحاب الوحي" ومطلعها:
كم ليالٍ جليل الوحي رُباها
قف سل التاريخ ينبي عن علاها
حيث يخاطبني بقوله: قف.. إنها دعوة للدعاء والخشوع والإخلاص في أرض الحرمين الشريفين حيث ينتمي الشاعر إلى هذه البقعة المباركة مهبط الوحي فهو يتيه فخراً واعتزازاً.
يقول:
يا لها من روحانية شفافة مكثفة، وتآلف حميم في رحاب تموج سعة ويسراً وسماحة.
أمكة يا قبلة الأرض وحسبي
أن بنى الله كياني من ثراها
ذلك أن ثراها هو ذلك الثرى الذي لامس السماء واستمد منها الطهر والنقاء وهكذا تدور معاني القصيدة وأفكارها في ذلك الإطار الروحي الشفاف الذي يتركز ويتكثف حول فكرة الوحي أو كما نمقها الشاعر بقلمه المبدع فأسماها "رحاب الوحي".
وكلمات المقطع هنا تشير بوضوح إلى موضوع القصيدة طالما كانت كل أركانها تلتف حوله، وكل العناصر تتجه إليه واختيار العنوان فن أصيل في صناعة الشعر.. و "رحاب الوحي" هو العنوان الموحي ونظرة متأنية إلى عناوين قصائد دواوينه يظهر لنا حذق الشاعر في اختيار عناوين قصائده في كلمات قليلة لمّاحة إنه يستهل قصيدته بقوله:
كم ليال جلّل الوحي رباها
قف.. سل التاريخ ينبي عن علاها
على أن تأنق الشاعر وحذقه في اختيار عناوين قصائده لا يقف عند حدود هذه القصيدة فحسب بل يطرد في معظم قصائده.
ومن أبرز عناوين قصائده.. حديث مع الزهرة.. رمضان.. جيل الحروب.. مجد العرب.. الطيور تغني.. أنا في أبها.
وتعد خير دليل على ما ذهبنا إليه من أن عنوان القصيدة يمكن أن يتخذ معياراً لترابطها وتلاحمها ما دامت كل عناصرها تحوم حول العنوان، وما دامت كل فكرة من أفكارها تتآلف وجارتيها السابقة واللاحقة دونما تقهقر أو خلل فالعنوان جملة قصيرة موحية.. صاغها الشاعر في حذق ومهارة.. أنا في أبها.. وما أدراك ما أبها المصيف السعودي الرائع الزهو والافتخار.
يقول الشاعر:
عبق الورد، وأعراس الطيور
والمراعي الخضر تكسوها الزهور
في "السراة" الشم ماست زانها
شاهقات الهضب أوكار النسور
تسبح السحب على أرجائها
فيعم الأرض ظل وسرور
فترى أنها معانٍ تشيع الزهو والافتخار، والسرور والغبطة وهو يقول بلسان حاله:
أنا.. بشخصه المتواضع ينعم بأبها ذات السحر والجمال والشموخ والعظمة.
ثم تأتي القصيدة بعد ذلك كمذكرة تأثيرية لتوضيح جوانب تلك الفكرة الموجزة.. أو كتفصيل بعد إجمال.
يقول:
عبق الورد وأعراس الطيور
والمرامي الخضر تكسوها الزهور
إنها شاعرية مبدعة، ومفردات حفل بهيج يزخر بالمراعي والماء والخضرة والزهور والهضاب والأوتار والسحب والأطيار إنها سحب خير وبركة إنها لوحة الشاعر الفنان وزهور تفوح عطراً إنها صورة تأملية تعبدية واضحة.. حيث الصنعة تدعو إلى التفكير بالصانع المبدع سبحانه وتعالى والإبداع يستلزم البحث عن المبدع.. إنها الخضرة التي أبدعها العلي القدير خضرة أبدعها الله القدير لا غير.
وفي جوِّ اقتناعه بعظمة الخالق والاطمئنان إلى قدرته.. يتسرب إحساس إلى نفسه في ضعف المخلوق وضآلته.. فكل ما في الكون رائع وجميل يقول:
كل ما في الكون ظل زائل
وحياة الخلق في الكون عبور
جل شأن الله هذا صنعه
خلق الأرض وأعطانا الكثير
من ثمار وجبال ومياه
يجتني الخلق بها الرزق الوفير
نعمة الله بدت في روعة
تسحر الألباب منها في البكور
لم يترك مخلوقهُ أسيراً لضعفه ووهنه حتى كشف أبواب العلم وأسبابه ليستمد منه بعض طاقته وقوَّته.
عصرنا والعلم قد جمَّله كل عسير.
إنه الأسلوب الشاعري الذي يكشف عن تجربة وجدانية في صورة معبرة موحية.. ولم يكتف الشاعر بهذا الجانب بل دعا الشباب إلى طلب العلم والتمسك بمنهج الدين الحنيف.. لأن العلم طاقة والشباب طاقة تنمو وتتجدد إلى الاقتراب من خالقه والتمسك بدينه الحنيف يقول:
عصرنا والعلم قد جمّله
بمزايا ذللت كل عسير
يا شباب اليوم هبوا قد كفانا
ما نلاقي اليوم من شر خطير
من تفاهات وهدم لكيانٍ
عز بالدين على مر العصور
فهو بالتوحيد صرح صامد
درعه الإسلام والله النصير
وأخيراً يبدأ بضم أطراف لوحته الشعرية الرائعة المتلائمة ليعود من حيث بدأ إلى نادي أبها الأدبي معبِّراً عن غبطته في جمع رفاقه وأحبابه والأقران فيقول أنا في أبها ولقد توقفت كثيراً عند هذا العنوان وانتعاشه بأريج العلم والثقافة والأدب دونما تعسف أو تنافر بل تلطف وتآلف.
فيقول:
أنا في "أبها" وما أسعدني
بين إخوان وبشر وحبور
من ربى "مكة" نهديكم سلاماً
وهي من كرَّمها الله الغفور
كعبة الإسلام مهوى كل قلب
لحمى الكعبة بالحب يطير
و "لناديها" وقد أكرمني
وهو للرفعة والعلم يسير
وتمسك كل فكرة بزمام الأخرى أو تلامسها في انسجام وتآلف دون تنافر أو تنابذ.
تلتف أفكار القصيدة حول عنوانها وتقترب منها.
ويقدم الشاعر عدداً من النماذج الصالحة من قادتهم المخلصين الذين أناروا لهم الطريق ومهدوا لهم سبيل الإصلاح والتقدم علَّني أكون بهذا قد استطعت أن أشرح ما أريد أن أقوله إننا إذا أتينا بقصيدة من القصائد التراثية ووضعنا لها عنواناً يجمع أطرافها كان ذلك دليلاً على أن هذه القصيدة فيها ترابط وتلاحم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :759  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 369 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.