شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
البوينج تعبُر الخليج إلى الهند!
.. وانطلقت بنا البوينج السعودية في رحلتها الأولى من مطار الظهران الدولي متجهة صوب بومباي لافتتاح الخط الجوي وامتطت السحاب.. وكان يشكل تحتنا مناظر مختلفة أبدعها الخالق سبحانه وتعالى وعندها ساورتني بعض أفكار وهواجس..
لا أدري هل كان يبعثها الخوف أو التفكير في الرحلة.. أو في البرنامج الذي أعدته مؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية.. والذي كان مقرراً أن يوزع على أعضاء الوفد في الطائرة.. ثم أفاد مندوب الخطوط السيد زين توفيق أنه سيوزع من قبل مندوب الخطوط في بومباي.. وقلنا لعل فيه مفاجأة.. لست أدري لماذا أصبحت في حالة نسيان تماماً. وأنا في الجو، بين السماء والأرض ونحن على ارتفاع يقارب الثلاثين ألف قدم.. فأنا لا أفكر في الموت فهو مقدَّر محتوم.. في اليوم الموعود.. لكن طريقة الموت.. في حوادث الطيران.. مفزعة مخيفة.. خلاف ما هو على الأرض إلا ما ندر.. وعندما مر بمخيلتي ما سمعته وما قرأته وما شاهدته من صور عن حوادث وضحايا الطيران في العالم.. لكن التسليم هنا بالقضاء والقدر يخرج بي من دائرة هذا الشعور.. بإلقاء نظرة من نافذة الطيارة إلى أعلى.. إلى السماء.. إلى الله فهو قريب منا.. كما هو قريب دائماً من كل مخلوق في الأرض أو السماء رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (الممتحنة: 4).. وتشاغلي عن التفكير.. وبدأت أسرِّح الطرف في هذا الأفق الفسيح الذي لا تعكره أدران البشرية.. فهو البعيد.. البعيد بكل ما في هذا المعنى من بعد.. عن كل ما ضاقت به الأرض من آثام البشر.. من تكالبهم.. تحاقدهم.. من تنازعهم.. من نفاقهم.. من الرياء.. وحب المادة.. أي نعم ففي هذا الأفق تجد النفس صفاء في صفائه.. وفي بعده ارتفاعاً بها وبعداً عن المنغصات.. وفي زرقة السماء أو البحر.. راحة للأعصاب.
خلال ذلك أبصرت مياه الخليج العربي.. بعد انقشاع السحب.. ونحن نطير عبر أجوائها. فاسترجعت التاريخ الغابر.. وما كان عليه شأن هذا الخليج يوم أن كان حلقة الاتصال التجاري بين آسيا.. فمنه تنقل المنتوجات العربية.. اللؤلؤ.. والأسماك والتمور.. والحبوب إلى مختلف أنحاء العالم.. واليوم هو.. هو.. لا يزال مصدر الخير والنماء.. لهذه الجزيرة العربية الفتية منبع القداسات. ومنازل الوحي.. ومواطن العروبة الفذة.. حيث تتدفق من أراضيه ينابيع الزيت..
في الطائرة:
كان عدد الزملاء في الرحلة ستة وعشرين شخصاً.. من جدة والرياض والمنطقة الشرقية وكلهم يعلم أنه ضيف مؤسسة الخطوط. لكنه قد لا يعرف اسم وعنوان أكثر زملائه.. كان ينقصهم أن يتولى فرد من كل مجموعة مهمة التعريف ببعضهم البعض.. أسماءهم وشخصياتهم وأعمالهم. لكن شيئاً من هذا لم يحدث واندمجنا جميعاً في الرحلة وأكثرنا لا يعرف عن الآخر إلاَّ مجرد الاسم.. والزمالة.. ثم انكشفت الحواجز عن شخصية كل زميل لزميله.. وبدأ التعارف على الطبيعة.. خلال الكلام. وعند التجمع للجولات.. ولو أنه كان يحسن أن يقوم بهذه المهمة مندوب قسم الدعاية بمؤسسة الخطوط، المرافق لنا في الرحلة فهو أعلم بأسماء الضيوف وشخصياتهم وأقدر على تسهيل مهمة التعريف.
من مطار "بومباي" وبدأت الطائرة تهبط، وانكشف أمامنا شاطئ الهند وبدت المدينة - وكأنها غارقة في مياه المستنقعات والجداول.. تتخللها المزارع والمساكن والجبال. وكان منظراً رائعاً فكلما اقتربنا من الأرض. ازدادت الرؤيا وضوحاً وظهرت المدينة على حقيقتها وقد امتدت على الشواطئ التي تطلُّ على مياه الخليج العربي.
وهي عبارة عن عدة مدن يفصلها عن بعضها مرتفعات وخلجان. بينما تتصل ببعضها بطريق "الكورنيش" ومن خلف الجبال والمرتفعات من جهة البر.. لتشكِّل في مجموعها مدينة "بومباي".. ميناء الهند العريق على المحيط العربي. والذي يعتبر من أهم المراكز التجارية في هذه المنطقة من الشرق.
في مطار بومباي:
بعد أن دارت بنا الطائرة فوق مدينة بومباي.. هبطت أرض المطار.. وأخذت طريقها على المدرج.. ثم توقفت محركاتها.. وأمرنا بمغادرتها.. وفتح الباب.. وكانت مفاجأة أن المطار يكتظ بالمستقبلين يتقدمهم سعادة السفير السعودي.. الرجل الشهم ومن خلفه أعضاء الجالية السعودية والعربية في الهند.. وعدد كبير من المسلمين.. يرحبون بالبوينج السعودية.. يرحبون بعلم التوحيد.. الذي انطبع على هيكلها.. يرحبون بوفد قادم من الجزيرة العربية منبع الإسلام ومهبط الوحي.. ويحييون في افتتاح هذا الخط الجوي وفي الوفد القادم.. شخصية "الفيصل" الذي كان ولا يزال عهده عهد يمن وخير وبركة على البلاد العربية وسكانها. كان المستقبلون يحملون قلائد الزهور والورود.. يضعونها في أعناق أعضاء الوفد.. وهي عنوان الودِّ والتكريم هناك.. وكانت تسهيلات عظيمة للوفد في إجراءات الجوازات والصحة والجمارك.. وهو أمر فوق العادة.. هيأها لنا سعادة السفير الشيخ محمد الشبيلي الذي بذل من وقته وماله الشيء الكثير من أجل راحتنا وتنقلاتنا.. إنه رجل مثالي بحق.. بل هو جوهر نادر وجوده في عصرنا هذا.. ينطق بهذا كل من عرفه من رجالات العرب والمسلمين هناك.. فهو دائماً بأخلاقه وكرم طباعه.. يعطي العنوان الطيب لبلاده، والمثل الصحيح للعربي الصميم.
وتركنا المطار إلى الفندق..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1012  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 326 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

زمن لصباح القلب

[( شعر ): 1998]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج