لقيته منقبض الأسارير.. متجهم الوجه. فبادرته بالتحية فردَّ علي وهو شارد الفكر.. يحملق في عيني وهو معي كما أراه لكنه لم يكن معي في الواقع.. فلقد سيطرت على ذهنه سحابة سوداء من الأفكار.. حجبت عنه المرئيات.
وبحكم الصداقة.. أخذت أستدرجه لأخفف عنه بعض ما به. لكنه كان منطوياً على خبيئة نفسه.. يريد الاحتفاظ بأسرار ما يعانيه من الحالات النفسية.. وأخذت طريقي إلى قلبه شيئاً فشيئاً فتنفس الصعداء وقال يا صديقي.. إنه ظلم ذوي القربى! ولم يزد حرفاً. وهنا كان من واجبي التحفظ وعدم الاسترسال في أخذ التفصيلات منه لعدم إحراجه.
قلت له: تحمَّل يا صديقي وتجلَّد واصبر وأحسن إلى من أساء إليك منهم سواء كان أقرب قريب أو أبعد قريب.. ولا شك في أن ظلم ذوي القربى كما قال الشاعر العربي أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند. ولكن تنبّه وتذكر أن الله سيهبك الأجر إن صبرت.. وستكون من بين من امتدحهم الله تعالى من عباده بقوله: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (فصلت: 35). صدق الله العظيم.
عندها ابتدأت الغيوم تنقشع عن أسارير وجهه.. وأرسل من بين شفتيه كلمة (أشكرك) مغلَّفة بابتسامة فاترة ودعا الله طالباً الصبر والاحتمال. فودَّعته وأنا أستشعر ما يعانيه أمثاله من أمور جسام قد تحدث في كل بيت وبين أفراد كل عائلة أو أسرة.