شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أول التعارف.. فاكس!؟
[ • ياربِّ.. إن لكل جرح ساحلاً.
[ وأنا جراحاتي بغير سواحل.
[ كل المنافي لا تُبدِّد وحشتي.
[ مادام منفاي الكبير: بداخلي!!
[ • عندما كان الشاعر الكبير يسترخي أمام النهر في لندن، يتابع قطرات غير متلاحقة من المطر الذي ينقر زجاج نافذته... كتب إليّ أول رسالة أودعها "الفاكس"، بعد أن فرغ من قراءة مقالي عن تاريخه الشعري في عمودي اليومي بصحيفة "الحياة "!!
[ ذلك اليوم.. كتب إلّي الدمشقي الذي احترف الهوى حتى فجّره الحزن، فاخضوضرت لغنائه الأعشاب.. أمير اللون المطلق الذي يختزن في داخله حباً كبيراً.
[ هذا الصباح 5/6: فتح عليّ "نزار" شبابيك التأمل، حين فاجأني بـ "فاكسه" الحب... فما أحلى "فاكسات" الحب، لتواجه تدفق "فاكسات البزنس"، وشتائم الضعفاء فكرياً وعاطفياً!
[ رسالة "نزار" إليَّ ذاك الصباح: مجنونة بالحب.. مجنونة بروعة التجارب مع الهمسة، والقبلة، والخفقة... فإذا رسالته خفقة لتهوية القلب، حسبتها هذا الطائر الغريب الذي يحمل في شكله كل سمات الطيور: الوديعة، والصاخبة، والناعمة، والشرسة، والحالمة!
[ جاءت إليّ الرسالة النزارية - من لندن إلى جدة - طائر فكر جريح في اللوحة، وهو ينظر إلى طائر حب حزين.. وكنت أعتقد أن مسابقات العشق قد انتهت عند حدود عرض التلفاز الفرنسي لوقائع مسابقة أطول قبلة في العالم، إلى أن قرر: "نزار" / الذي يشكو بالنثر، ويبكي بالشعر.. أن يسكب في قلبي حليب النهار في أقصر رسالة حب.
[ لكن الرقيق "نزار": غسل يده مني حين طلبني أن أبدأ في سداد فاتورة الزمان.. وكأنني زهرة قُطفت ووضعت على قبر قصة عشق احتضرت... ووجه لي هذه التهمة الجميلة:
(الجنون) الذي استنشقنا فيروسه معاً، وأعلن قلة حيلته تجاه نوبات صبابتي، وصرعي، ونوبات الكتابة عندي... وهو يعلم أننا - هو وأنا ومن يشبهنا - لابد أن نظل في كامل اتزاننا أمام القبيلة، ونكتم العواطف والأحزان.. وننبجس من الداخل!
[ كأنّ العزيز "نزار" يطلب مني التقاعد مع الورق، ويلومني: كيف أرفض الحبوب المهدئة، ولا أسمع كلام الأطباء... وكأنه لا يعلم أن تلك الحبوب لم تُقدم لي ملفوفة بالإبتسامة والمناديل الناعمة، وأن دائي لايملك علاجه طبيب... فمن يعرف حدود عينيه، لا يعرف حدود أحزانه!
[وهذه رسالة العزيز "نزار" / خفقاته التي امتزجت بكلماتي / خفقاتي... يحدثني عن حلم الانسان العربي المجروح بالشوك وبالأحزان، ويُطلع من كلماته "صبار" الحب، فقال:
[ • (رسالة من نزار قباني الى عبد الله الجفري - جدة / لندن 24 ديسمبر 1994:
[ - أخي عبد الله/ ما أجملك حين تكتب عن التاريخ.. تاريخي.
[ وما أقوى ذاكرتك حين تستحضر تفاصيل رحلة "الهولندي الطائر" بحراً بحراً.. مرفأً مرفأً.. عاصفة عاصفة.. امرأة امرأة!!
[ ثم ما أصدقك حين تقول: إنني أدخلُ الأشياء ولا أخرجُ منها أبداً!!
[ لماذا أخرج؟؟
[ إن أهم القصائد هي تلك التي لا تحمل تأشيرة للعودة.. فأنا لا أؤمن بكاتبٍ يطالب ببوليصة تأمين على أصابعه قبل أن يكتب، ولا بقصيدة تلبس قميصاً واقياً من الرصاص، ولا بعاشقٍ يدخل بحرَ العشق، ومعه طوق نجاة.
[ أما قبيلتي فلا أزال أحبّها، وأحنُّ إلى عُيُون عفراء وكُحْلٍ عفراء.. وخلاخيل الفضة في قدمَيْها... ولكنْ ماذا أفعل، إذا كان أبو عفراء لا يُحبني، ولا يحبّ شعري، ولا يريدني صهراً له؟؟
[ ماذا أفعل، إذا كان أعمامي وأخوالي: طردوني من خيامهم.. حتى اضطررت إلى نصب خيمتي في حديقة (هايد بارك) في لندن؟!
[ ماذا أفعل إذا كان عمي (أبو عفراء) يرفضُ تغزّلي بابنته.. ويحرّضُ كلاب الحيّ على عضّي.. ويصرخُ بي كلما اقتربتُ من باب خيمته:
[ "إمْضِ قيس.. إِمضِ
[ هل ترى جئت تطلب ناراً..
[ أم تُرى جئت تُشْعِلُ البيت ناراً؟؟..")
• • •
أول لقاء.. في المستشفى:
[ • وتواصلنا بواسطة "الفاكس"، والهاتف، وكان اللقاء بيننا صعباً بسبب قلة زياراتي لعاصمة الضباب/ لندن... غير أن الظروف لم تحسن توقيت اللقاء بيننا، وإذا كانت هناك (حسنة) فهي "رؤيتي" لهذا الشاعر المميز الذي أطلقت عليه صفة: (الشاعر/ العصر)... فهو عصر كامل بدأ بظهور شعره، وانتهى بأفول شخصه.
[ وفي مستشفى "سان توماس" بلندن، دخلت عليه، وكان مسترخياً في كرسي بقرب النافذة الزجاجية بعرض الحائط المطلة على النهر، أراه لأول مرة، ويفاجأ "بشكلي" لأول مرة وهو يقول لي ضاحكاً:
[ • تخيَّلتك "ختياراً" ياعبد الله!!
[ - أجبته ضاحكاً: وأنت يا شاعرنا مازلت فارس القبيلة وشاعرها.. يضحك الشباب بضحكتك، وتتجمل الحياة ببياض شَعرك وقلبك!
[ • قال: مائتا مليون عربي - يا عبد الله - جاؤوا إليَّ هنا، وجلسوا على حافة سريري، وذلك من خلال هواتفهم وفاكساتهم وزياراتهم الشخصية للإطمئنان على صحتي... فماذا أعطيهم؟!
[ الآن... أنا أبحث عن ماهو أجمل من الكلام، فالحب الأخير يعطي حباً أكبر بعشرات المرات، وبحجم كل الدنيا... وما سأكتبه الآن هو حبي الأخير!
[ وتابعت اتصالي به.. حتى قيَّض الله له مفارقة سرير المرض، وعاد إلى بيته.
[ طفرت دمعة من عينيَّ حين شاهدته وسط زهرتيه: هدباء، وزينب.. وفي هذه الخميلة الدمشقية بعبق الياسمين، كان فرحاً بتعبيري له عن مشاعر قرائه وقارئاته في وطني/ المملكة العربية السعودية.. وأطلق على محبي شعره: مطر العافية الذي غمره بالحب.
• • •
مطره.. يهطل وطناً:
[ • ولقد جلست على طرف الليل أتصفح مفكرتي الصغيرة التي اعتدت أن أدون فيها كل شيء.. تنبهت على صوت ديك يؤذن، فأدركت أن الوقت فجر.. لحظتها: حط على كتفي اسم نزار قباني وأمامه يوم ميلاده، قلت في نفسي: منذ متى أحلام الفجر تصدق معي؟!..
لكم اشتقت لك - يانزار كمطر جائع للشجر في زمن الطحالب التي ترمي ظلالها الطوال على الحدود.
[ كان الاسم معجونا كالعادة بالندى والشوق والعشق والعسل والرقص فوق هاويتين.
[ آخر تحية بيننا كان لها زمن، ووقعت كزر ثوب فوق الرمال، وكقبلة فوق الجبين المهاجر،
وختم على الريح.. تذكرت أن الوقت مناسب لأن يركض الزمان القديم إليه، وكانت - حينئذٍ - تنقصني امرأة جميلة لإثارة الدمشقي الذي اخضوضرت في عينيه الأعشاب، فتناولت قلمي وكتبت له أقول:
(الحبيب الشاعر نزار قبّاني - موسيقار تنويعات الكلمة على مقام العشق:
[ منذ ال (21) مارس، وأنا أحاول الكتابة إليك بلغة تخص (مقاماتك) ومقامك في نفوسنا، وتطلع سنبلة أمنياتنا لك بمزيد من غرسات العشق في عمرك المديد، وتغرد طيور رباب!
[ وشَت بعيد ميلادك عندي: حسناء لا شبيه "لوشْيِها"، ولا أظن "لوشْمها"، فزادتني إمتاعاً بمقاماتك.
[ كل عام وأنت "موَّالنا" وبحور شعرنا، وموسيقى شجونا.
[ في عيد ميلادك الناي... أليعزف أبحدية حبنا وشجننا.. كلماتنا: قبلات تهنئة لك أيها الشاعر/ التاريخ/ النشيد الوجداني لخفقنا.
إسلم لبوحنا، ودُم مواسم ياسمين لنا)!!
• • •
[ • وجاءني رده كالسنابل البرتقالية... يكفي مرور نزار بألفاظه وصولجانه اللازوردي على الورق كي تلد الروح ألف طفل من العشق، ويسيل الحليب على السجاد والعشب والروح
وينتشر ضوؤه حولي كالفجر... رد نزار يقول:
[ - (يا عبد الله، أيها الأكثر من رائع:
[ كنت أظن قبل - فاكسك/ القصيدة - أنني وُلدت في 21 آذار فقصُّوا حبل مشيمتي،
ولفلفوني بالقماطات البيضاء.. ووضعوا في رقبتي خرزة زرقاء، وآية مَا شَاء اللّهُ، وانتهى الأمر!!
[ ولكن.. اكتشفت بعد كلماتك المسكونة بالعسل والعشق، أنك دخلت بملابس الأطباء إلى غرفة الولادة/، لتخرجني مرة أخرى من بطن أمي، وتدهن جسدي بالمسك والكافور، وترشّني بماء الشعر.
[ فيا عبد الله، كيف تحولت من كاتب جميل إلى (قابلة قانونية) تتولى إخراج الشعراء من بطون أمهاتهم إلى فضاء الحرية؟!
[ كم أنا سعيد بولادتي الثانية على يديك.
[ وكم أنا سعيد أن تكون طبيبي، وشاهدي، وعرابي.
[ وكم أنا سعيد أن أترعرع على حليب حنانك (الكامل الدسم).
[ أما السيدة التي وشت بعيد ميلادي لديك، فيجوز أن تكون أمي، أو أختي، أو حبيبتي.. لأن أي أنثى على ظهر هذا الكوكب العربي لا بدّ أن تتذكر ماذا فعل نزار قباني من أجل أنوثتها، ومن أجل حريتها وعنفوانها.
[ يا عبدالله... الذي تحدّرتُ من ينابيع عشقه، وسلالات كلماته، ونمنمات حضارته:
[ سلام عليك يا أبي
[ سلام عليك يا أبي
[ سلام عليك يا أبي)!!
[ • وبعد... لا شيء عندي - يانزار الجميل - أقدمه لك في عيد ميلادك، غير تعري شجاعة قلب يحبك... ليتك أي هوى أهواك!!.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :722  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 493 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.