شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زمن "الصوت"أم زمن"المعنى"؟!
للشاعر "أودن" هذه العبارة:
ـ استقامة الكاتب مهدَّدة من دعوات ضميره الاجتماعي، ومن اعتقاداته السياسية أو الدينية... أكثر مما هي مهددة من دعوات طمعه أو طبعه!!
(1)
• عندما أرسل "صوتي": ينبش، ويشير إلى ظاهرة أعمق.. لا يعني هذا أنني أنتمي إلى زمن "الصوت"، أو أنني أؤكد على: "أن العرب ظاهرة صوتية"!!
لقد أردت أن أدقق، وألتصق بزمن "المعنى"... وذلك من خلال عناية العرب، بترسيخ اللغة - أولاً - داخل الوطن العربي!!
وأستمد شواهدي من "واقع" الحال، الذي أهدرنا فيه الالتزام بقواعد اللغة، وبتراثنا، وبجذورنا!
ولا بد أنَّ تَواصُل اللغة العربية.. في انتضاء سيفها في وجه هذه الظاهرة التي تُغيِّبها في "التغريب".. لتنبلج من المشرق والمغرب العربيين: لغة أصيلة.. رسَّخت تراثاً، وأقامت حضارة وشيّدت قيماً!
إن دور اللغة.. يُمثِّل استجابة عظيمة للانتماء، وللمقوّمات، وللإبداع الإنساني.
والسؤال الذي يتطلّب وضوحاً، ومصارحة.. يُلح على استفهامين:
• الأول: هل نحن في زمن "الصوت".. أم نربط الصوت بتأثير المعنى؟!
• الآخر: إطلاق صفة "الظاهرة الصوتية" على العرب.. هل هو استخلاص لسلبية الفعل.. أم تمرُّد على ظروف فرضتها الإمكانات المتواضعة على العرب؟!!
إن "العرب" لن يبقوا "ظاهرة صوتية" في المعاناة، والقهر، وتألّب القوى العظمى عليهم.. لأن "حقوقهم" ستدفعهم إلى "المعنى"!
و "العرب" لن يكونوا "ظاهرة صوتية"، يهتمّون بالثرثرة والكلام، ويطعنون في لغتهم: قواعدها، وصورها، ومعانيها، والحلم فيها... بل إن هذه "اللغة الشاعرة" - كما وصفها العقاد - هي: لغة حضارة.
إنها اللغة التي لم نقترفها، ولكننا نغترفها... والأصالة في هذه اللغة: قد تعاقبت على مدى قرون.
والتشريف لها: أنها جاءت لغة لدستور آخر الرسالات السماوية: القرآن الكريم!
وبهذه اللغة الرائعة.. استطعنا أن نمتلك حقوق النهوض، وأن نؤكد - عَبْرها - ذاتنا الحضارية!
وعندما حاول بعض الطاعنين للانتماء، مثل: سعيد عقل، وأدونيس، ولويس عوض، أن ينالوا من اللغة العربية.. فقد سقطوا في الكراهية المزدوجة!
• ويبقى "سعيد عقل": بقية من عملاء التبشير، ومن المناوئين لعروبة وتراث الأرض!
• أما "أدونيس": فهو يوظف التراث نفسه لمحاربته، ويستخدمه للتشكيك!!
• و "لويس عوض": أصدر كتابه "فقه اللغة العربية" الذي احتجَّ عليه الأزهر، وصادرت الجهات المسؤولة في مصر ذلك الكتاب/ القيء... بعد أن كتب عبارته/ الصديد:
ـ "إن مصر قطعة من الغرب، ولا لزوم للغة العربية.. وعلينا أن نكتب باللهجة العامية"!!
بذلك الانحراف... يمكن أن يكون "بعض" العرب: ظاهرة صوتية!!
وقد تعرّض المشرق العربي، مثل المغرب العربي، لهجمات الاستعمار الذي حاول طمس اللغة العربية/ الأم، وتغريبها... وظهر العملاء، والجاحدون لأرضهم، ولغتهم.. وما زالت المحاولات مستمرة للنَّيل من اللغة بدعوى: التحديث، والتطوير!!
وفي مواجهة هذا التخريب لأصالة العرب، وفي تراثهم، وجذورهم... ارتفعت أصوات تدافع عن اللغة لحمايتها، حتى على مستوى قادة الأمة العربية.
فقد ارتفع صوت الملك فهد بن عبد العزيز، منذ عدة أعوام، وفي عدة مناسبات.. منادياً (بالمحافظة على اللغة العربية، وتحسين نشرها، وحمايتها من التغريب).
وكان لا بد أن تجد هذه الدعوة أصداءها الإيجابية، وأن تنشط المؤسسات الثقافية، والتعليمية، والجامعات، لخدمة هذه اللغة.
وكان الدكتور "حسين نصار" قد نشر قبل أعوام قريبة: سلسلة مقالات، عنوانها: "قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا" وقرأناها في صحيفة "الأهرام"... قال فيها:
• "... لكن الأمر المؤسف: أن لغة المتعلمين، قد أصابها تدهور كبير.. فبعد أن كنا نستمع إلى المحامين، والممثلين المسرحيين، والإذاعيين، وكبار العاملين في الدولة.. فلا تصطدم الأذن بخطأ، صارت الأخطاء تصكّ المسامع من الجميع، إلا القليل.. سواء الأخطاء في النحو، أو اللغة، أو الصرف، أو الأصوات... بل الأمر الأشد إثارة للأسف: أن المخطئ في كثير من فئات المتكلمين، لا يحاول السعي إلى الصواب.. بل قد يصل الأمر به إلى الاستهانة بالصواب، أو احتقاره، دون أن يدري أنه حينئذٍ، يحتقر ذاته"!!
حتى عناوين الصحف الكبيرة - المانشيتات - غزتها الأخطاء بشكل مثير!
• لقد قيل: "إن اللغة.. هي المقوّم الذي يعتز به كل عربي، إذا اتسعت لثقافة قلَّ أن اتسعت لمثلها لغة من اللغات القديمة.. وهي رمز وحدتنا، وداعية وحدتنا المرجوّة"!
وإذن... فإن وسائل الإعلام - أيضاً - مسؤولة مع المؤسسات التعليمية، والثقافية، عن تفشِّي هذا التغريب والإهدار لقواعد اللغة.. فنحن نحرص على نشر التراث، واحترام لغتنا التي تمثّل: الانتماء، والأرض، والتراث، والحضارة!!
(2)
• في داخل هذا العالم العربي، وعلى امتداد سنوات لم تبعد كثيراً.. تموّجت فيها الكلمة العربية كثيراً، وتموّهت، وأدغمت، وعُجِّمت، وعُرِّبت، وانحرفت، وتقوّمت... ودائماً تأخذها موجات القلق النفسي، مما يجعلها "ظاهرة صوتية"... وأحياناً تشوّهات انحرافات الزيغ العقلي، لكنها تبقى: قوية، وقادرة على البقاء والوقوف!
وفي العالم العربي: عُقدت مهرجانات للكلمة، وأقيمت مؤتمرات أدبية، وفكرية، وفنية - سنوية ودورية - حيث كان المطلوب من فرسان الكلمة: أن يرتفعوا بمؤتمراتهم إلى قمة آلام أمَّتهم، ومحنتها.. لتكون تلك المؤتمرات: إيجابيات يحققون بها قدرة الكلمة على الفعل في ضمير الإنسان وسلوكياته.. ويؤكدون بها "زمن المعنى" الذي يحافظون به على انتمائهم للأرض، وللغة!
• ونتساءل بعد كل مؤتمر: يلتئم فيه عدد من الأدباء الذين يمثلون كل الأمة العربية.. وبعد كل دورة يعقدها "مجمع لغوي":
ـ ما الذي فعلته الكلمة في الكفاح، وفي التوعية، وفي تثبيت هذا الإنسان العربي بأرضه، وتراثه، وفي محافظته على لغته؟!!
كنا، وما زلنا، نفتش - بالكلمة - عن الإرهاص الذي يبعث الانتفاضة في حوافز أمة العرب.. لتستلهم قدرها، وتحكم مناعتها، وتمتلك قدراتها... فتنتقل باللغة، وبالكلمة من مرحلة "الصوت"، والخُطب، والافتتان بالغرب.. إلى مرحلة "الفعل"، والمعنى، والموضوعية، والفكرة.. وتبدأ عهداً يختلف عن كل ما عرفته الشعوب، وجرّبته، وهو عهد: حضارة الحرية بالكلمة!!
وما زلت أذكر كلمة (قديمة) قالها الرئيس التونسي السابق "بورقيبة" وهو يفتتح في أحد أعوام وعيه: مؤتمر الأدباء العرب بتونس، فأشار يومها إلى نقطة هامة، وجوهرية... حينما قال:
• إن الصراع بين العرب والصهيونيين.. هو - قبل كل شيء - مشكلة عدم تكافؤ، من الناحية العلمية والتكنولوجية.. وينطبق ذلك على الكوادر الفنية!
ـ وأضاف: إنني أمام هذه النخبة من المثقفين العرب.. أحرص على توجيه الأنظار إلى الخطورة البالغة التي تمثلها هذه المشكلة، بالنسبة لمستقبل الثقافة العربية، ومصير الأمة بأسرها... ومن بين أسباب التدهور، والضعف: ما نحن فيه من ركود، يكمن في انعدام روح البحث في المجالات كافة، وعلى جميع المستويات"!!
ووقوفاً عند هذه النقطة الهامة.. لا بد لنا أن نتساءل:
• ما هو دور الجامعات في كل بلد عربي.. وهل يقتصر دورها - فقط - على التعليم في نطاق المناهج الموضوعة، والتي هي أيضاً تحتاج إلى إعادة نظر، ليتحصل الطالب على البكالوريوس، أو الماجستير، أو الدكتوراه؟!!
وماذا غير ذلك... مما هو مطلوب خلال الدراسة الجامعية، ثم بعد التخرج؟!!
تلك علامات استفهام خطيرة... تتطوح حتى الآن في الفراغ، والصمت!!
(3)
• هدف كل "كاتب"، أن يصل إلى قارئه، صوتاً واضحاً، وفكرة ناطقة متجددة، ووعياً قادراً على التعبير والمصارحة، ووجداناً متفوقاً بالبوح أيضاً!
وفي بعض الأحيان.. يصدمني صوت يقول لي:
ـ بعض ما تكتبه.. لا أفهمه!
ـ وسألته: حتى الآن؟!
ـ أجاب: فقط.. عندما تكتب عن مشكلات المجتمع، ومطالب الناس.. وأقرأ لك ما تكتبه في الأدب، والفن، والحياة... لكنني لا أفهم كثيراً في الرؤية الفلسفية!
ـ قلت: وكيف تريد أن تفهم؟!
ـ قال: من أول ما أقرأ!
ـ قلت: أكثر القارئين اليوم "سندوتشيون"... يقرؤون وهم وقوفاً.. وربما كنت واحداً من هؤلاء المتعجّلين، أو الملولين!
ـ سألني: وكيف تريدني أن أقرأ؟!
ـ أجبت: أريدك أن تجلس أولاً، وتهدأ عندما تريد أن تقرأ، حتى تستطيع أن تستوعب!
إنني لست كاتباً متعجلاً، وليس في الذي أكتبه خبر منقول، ولا أكتب بطريقة "الأتوستوب".. بل إن كل "عمود" يستغرق ساعة كاملة في كتابته!
وربما كان عيبي (صحافياً) أنني أتأنّى في اختيار الكلمة، والعبارة، وتظهير الصورة، والمعنى... فأرجوك أن تقرأني: جالساً!
وضحك... ولعله كان يسخر، وتذكرت حكاية رويت عن الكاتب الأمريكي "هادلي كانترل"، الذي كان يحاضر عن وظيفة الإنسان في الحياة، ودوره في مجتمعه.. فقام واحد من الحضور، وكان شاباً متحمساً، وسأل "هادلي" بحدة واستفزاز:
• وأنت - أيها الكاتب والعالم العظيم - ما هي وظيفتك في الحياة، وما هو دورك لإسعاد الناس بالكلمة، أو باللغة التي تجيدها؟!!
ـ فأجاب الكاتب: "أسعدتني حِدَّتك هذه، لأنها تذكرني بطموحي، وأحلامي، ورفضي عندما كنت في مثل سنك.. أما وظيفتي التي سألتني عنها، فإن الناس يا بني يملكون القدرة على الفهم من خلال حضورهم النفسي، وتقبَّلهم لما يسمعون، ويملكون إثر ذلك: القدرة على الاختيار، والرغبة في ممارسة هذه القدرة... ودوري معك، وأمثالك: أن أمنحك القدرة على الاختيار، والرغبة، والرفض.. حتى لو كانت هذه القدرة تعني: رفضك لما أكتبه أو إسقاطك لدوري بالكلمة في إسعاد الآخرين"!!
وهكذا... إن الناس يحاولون - شعورياً، أو لا شعورياً، أن يدركوا العلاقة بين ما يمكن أن يقوموا به من أعمال، ترتبط بالفهم.. وما يرمون إليه من أغراض تفرُّ عنوة من الفهم!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :890  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 467 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.