شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
البيَّاتي
ـ الجماعة تفرز الأفراد، وتَصِفُهم، وتحكم عليهم،وتفسح لهم المكان... حسب عطاء وإبداع هذا الفرد.. وبمقدار الجماعة عن سلوك كل فرد.. وبعمق انتماء الفرد للجماعة!
إن السلوك... هو: مطلب الجماعة في الفرد!
وإن التربية، والتقدير من الجماعة للفرد.. هو: مطلب الفرد في الجماعة!
وإن السلوكيات ((الخاصة)) من الفرد نحو الجماعة.. هي: تصرفات تؤثر بانعكاساتها على المجتمع، أو على الأمة التي ينتمي إليها هذا الفرد... بينما التصرف ((الخاص)) - في الغالب - هو: صفة سلوكية، أو مرض نفساني، أو طبيعة، أو مؤثرات ترسبت حتى تحولت إلى عقدة!
ورغم ذلك.. فإن (( الجماعة )) تدين الفرد فيها بالخصوصية!
ولا بد أن يرتبط هذا السلوك الفردي بتفكير أو أفكار الفرد... خاصة إذا كان بارزاً من شريحة تتعاطى العقل، وتُسمَّى بـ (( المثقفين )).. بما يعني: بروزه في طلائع الموجِّهين للرأي العام، والمؤثرين على القيادة الفكرية، والمعرفية!
من هنا.. تبلور اصطلاح (الظاهراتية) الذي مَنْهجه ((هيجل))، ونسج من خيوطه فلسفته عن: (ظاهريات العقل)!
ويفترض في هذه (الظاهريات) أن تنحرف، أو تشوَّه، أو تسقط في نقمة الذات ضد مصلحة فردية، أو لمكاسب تلك المصلحة!!
وفي هذه (الفتنة) التي طحنت المجتمع العربي، وعصفت بتطوره السياسي، والثقافي، والتنموي.. لم تستطع تلك الشريحة من المثقفين (الرافضين) أن تتجانس في الجماعة العربية، التي حلمت سنوات طويلة بالوحدة، وبالمؤسسات الفكرية التي تبني أجيالاً من المتلائمين مع قفزات العالم الحضارية، والثقافية!!
وعجزت - كذلك - عن بلورة (المعرفة) التي تعين الإِنسان في المجتمع العربي على تنمية: العقل العارف، وعلى اكتساب مناهج فكرية جماعية، لم تتلوث بذاتية الرفض، أو التمرد.. لمجرد المناوأة لمسيرة البناء العربية في إطار التضامن، أو قيام المؤسسات الثقافية!
بل إن هؤلاء المتمردين، أو الرافضين.. قد حاولوا - بظاهراتية متأزِّمة - أن يوظفوا المهرجانات، والندوات الثقافية في العالم العربي، على شكل تحديات، تدَّعي الأيديولوجية، والمنهجية... ولكنها في حقيقة الممارسة: تنسف ((العقل العارف)) لدى المتلقي العربي، لتحبسه في شعارات، وسخط مريض!
وإذا كانت المرحلة التي سبقت إندلاع (الفتنة) الصدامية... قد شهدت اضمحلال الصراعات الأيديولوجية - كما ذكر الأديب أحمد عباس صالح - حينما اتجه المثقفون العرب إلى (( التخلص من التبعية العمياء لليمين ولليسار.. ومرت نسمات من النضج، والروح العملية والعلمية التي تعيد النظر في كل شيء )) .
فإن هذا التطور في أوساط، بل وعقول المثقفين العرب، كان يفتقر إلى ما يدعمه، ويشجعه، ويقوّيه.. وذلك بخروج الجماعة العربية من الشقاق، والتمزق، والخلافات!!
وفي الوقت الذي تفاءل فيه المثقفون العرب بتطور المعالجة للمشكلات العربية على درب الوفاق.. كانت هناك فجائع قادمة، فجَّرتها (الفتنة) الصدامية، التي خلخلت بوادر الوفاق، والتضامن.. وأفسحت المجال - مجدداً - لشريحة الرافضين والمتمردين، للخروج من جحورهم، ومحاولة العبث بمعالجة الصراعات لتفجيرها، متزامنة مع تفجير (الفتنة)، وإشعال الحرائق في المصداقية العربية، وفي (الوعي) العربي!
* * *
ـ ولعلّنا نفتش عن مقال لصيق، يشير إلى نموذج من هؤلاء العابثين بالفكر العربي، والملوِّثين لإِبداعات المثقف العربي... وقد (تعثَّرنا) حقيقة بعدة أسماء تعامل أصحابها مع (الفتنة) وكأنها هي: قضيتهم الأساسية... فوق قضية الأرض المحتلة، وفوق قضية الأميَّة، وفوق قضية الديمقراطية، وفوق تعريف ((الحرية))!
ومن هؤلاء الذين مثّلوا أدوار المتمردين، والرافضين: الشاعر اللعّان، الشّتام دائماً: (( عبد الوهاب البياتي )).. الذي قيل عنه على مدى أكثر من ثلاثين عاماً:
ـ أن شاعراً عربياً، أو أديباً واحداً.. لم يسلم من قذارة لسانه، وتلويث الكلمة بصديد ذاتيته!!
وليس غريباً، ولا مفاجئاً هذا الصوت الجحود الذي طلع من حنجرة (البياتي) عبر إذاعة بغداد.. ليصب شتائمه بالذات على ((المملكة العربية السعودية)) التي استضافته منذ شهور قليلة في مهرجان (الجنادرية) وكرّمته، وأجزلت له التقدير!!
لقد عرفنا (عبد الوهاب البياتي) جيداً، وتوقّيناه، وابتعدنا عن الالتصاق به، لأنه - في تعريف زملائه الأدباء له -: سامٌّ، مُعْدٍ، موبوء، متلوّن!
ولنا معه جولات كثيرة في أنحاء الدنيا العربية، والأعجمية!
ويبدو أن الوقت قد حان الآن، لنكشف عن خلفية حكاية تافهة من حكاياته، التي أراد (البياتي) أن يجعل منها: الإِلياذة، والأوديسة، وحصان طروادة الذي يعيد دخوله إلى ((العراق)) مظفراً.. من أجل أن ((يحنِّن)) عليه قلب رئيسه الثوري، العلماني مثله: (( صدام حسين ))... وهو المغضوب عليه، والمطارد من قِبَل جلاوزة ومخابرات النظام العراقي.. وهو المحظور عليه أن يشبر أرض العراق، ولا حتى بخياله!
لقد (حَبَك) البياتي قصة... أراد أن يضعني - كمشرف يومها على صفحات الثقافة في مجلة المجلة - كبش فدائه، ليرضى عنه القائد، الرئيس، ويغفر له سوءاته!
وأراد - يومها - أن يوقع مطبوعات (( الشركة )) التي تصدر المجلة في خديعة... أثار من حولها الزوابع، والأعاصير، والهياج، والتهديد والوعيد لنا بالثبور، وعظائم الأمور!
واكتشفنا الحكاية، أو الخديعة.. بعد مرور سنوات على طبخ مؤامرتها، ولعلّه حقق المراد له من ورائها.. فقد سمحت له السلطات العراقية بدخول العراق، ودعوته إلى مهرجان ((المربد))!
وكان ((الثمن)) الذي أهرقه في مقابل هذا الرضا: أنه صار ((بوقاً)) نشازاً للإعلام العراقي الصدامي!
ـ أما خلفية تلك ((الحكاية)) القذرة... فإنها تتلخص في هذا (( السيناريو )) :
ـ كتب ((قصيدة)) هجاء مُقذع في شخص قائده اليوم الذي يدافع عنه: الرئيس ((صدام حسين))، وحشد فيها صوراً بذيئة في قالب من الرمز!
وعندما وصلتني القصيدة من المكتب الرئيسي في لندن، وكان قد بعث بها من مدريد إلى لندن، لم أشُكَّ لحظة أن تلك القصيدة من (إبداعات!) الشاعر الكبير في الشتائم ((عبد الوهاب البياتي))... لأنها تنفث أنفاسه الشعرية المعروفة، و (تتحلى!) بصوره المقذعة، والمغرقة في السفاهة.. وتترسم أبياتها خطَّه الشعري الذي يصفه بالتجديد!
وبادرت إلى نشر تلك القصيدة في ملحق ((الثقافة)) بالمجلة... وفوجئنا بالشاعر ((البياتي)) يقيم الدنيا، ولا يقعدها!
وهذه الثورة المفتعلة.. كانت هي الفصل الثاني في السيناريو الذي كتبه!
لقد أنكر كتابته للقصيدة، وإرساله لها، وفرض على ((المجلة)) نشر إعتذار ((مبجّل)) لسيادته، ولقائده!
وبذلك.. كسب (( البياتي )) الموقف لصالحه... وقد أراد أن يبلغ القيادة العراقية أنه مجني عليه، ويحاربه الكثير، وولاءه للقائد لا غبار عليه!!!
ـ ويومها قال لي: إن القصيدة مدسوسة، أراد الذي دسِّها عليكم وعليّ أن يورطني سياسياً في موقف مضاد ضد بلدي العراق (!!)
ومرّر علينا - أيضاً - هذه الخدعة، أو أنه اضطرنا للوقوف بجانبه.. مع قناعاتنا أن من يمارس مثل هذا الدس، هو: جبان، وموتور... ولم نعرف أننا ندينه، يوم كتبنا ندافع عنه، إلا بعد أن تكشَّفت لنا اللعبة.. ورضي أن يوصف بالجبن!!
* * *
ـ لقد كان دور القصيدة العربية في الخمسينات، وحتى انتهاء الستينات.. دوراً بارزاً، ومؤثراً!
لكنّ ما حدث بعد ذلك، وفي تعاقب الأحداث، وتراكم الأوجاع في النفسية ألعربية... يُشبه ((الإمتقاع)) في وجه القصيدة العربية، وفي مضمونها، وبنائها!
وتُذكِّرنا مقولة الأديب، والمفكر الفرنسي (( ريجيس دوبريه )) بما يجسِّد هذا الامتقاع، ويظهر البثور التي تزايدت.. حينما قال:
ـ ((لا بأس أن نترك فرصة للشعراء، كي تمتقع وجوههم قليلاً، وربما كلماتهم أيضاً.. أمام هذه الفوضى في أمريكا اللاتينية التي تصنع القصائد من الخشب الدافئ!
لقد حدثني نيرودا عن الأشجار التي تطلع في الدم كالوصايا العشر))!!
لكنَّ هذه الشرائح من أمثال (البياتي) صارت تتحدث عن الدم، وتحرق الأشجار، وتكسر أغصانها!!
إنه (الفرد) الذي تراكم على انتمائه لجماعته، أو لقومه: هذا الصدأ، أو الطحالب التي أعاقت تنفسه القومي، في غربته الطويلة، وانفصاله بمشاعره، وبمعرفته!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :696  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 398 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.