شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرسالة الخامسة عشرة
ـ ((نمت.. فحلمت أن الحياة هي الجمال..
واستيقظت .. فوجدت أن الحياة هي
الواجب))!
ـ سيدتي:
يا حبيبتي ((المعتادة))!
أناديك بهذا النداء، أو بهذه ((الصفة)).. كأنني بالتعوّد عليك، قد تجاوزت الحب لك، والعشق، والمطاردة.. وعبرت ذلك كله إلى الإحساس بالاحتياج لك دوماً.. دوماً!
فهل ترين أن ((التعوّد)) بهذا الإحساس.. قد فاق الحب والوله، ويمكن أن يكون تأثيره أشد وأعمق؟!
والبعض يسمي التعوّد: ((عِشرْة)).. فنقول: عِشْرة عمر!
وهي المرتبطة بالذكريات، وبالمواقف، وبالتجارب!!
أو أن هذه ((العِشْرة)) تعني كذلك: المشاركة في الحلو والمر.. في الفرح والترح.. في المكسب والخسارة.. في الدمعة والابتسامة.
وهكذا.. يكون ((التعوّد)) حافلاً بكل هذه الشؤون والشجون، وبكل جوانب الحياة!
وأنت - يا حبيبتي - شاركتني في معاينة الوان الحياة، وكانت أصداء مشاعري تلتحم مع مشاعرك.. رغم الزمن القصير الذي ضمّنا، لكني أحسست بك تملأين دلوك من بئري، وتتركين دلوي يمتح من بئرك!
كانت المشاركة بيننا: حلماً ويقظة.. جمالاً وواجباً.. شؤوناً وشجوناً! فكيف لا أعتادك إذن؟
ولكن هذا ((النداء)) الذي وجهته إليك في بدء رسالتي.. قد أصبح في بعض التعامل والاعتبار: جملة.. ليس شرطاً أن تكون مفيدة في لغة عربية فصيحة، أو بمشاعر إنسانية حميمة!
إن ما يلوح لي - أحياناً - يأتي وكأنه السؤال العريض، أو الاستفهام المذهول.. كما فوهة بئر!
ولكني أطرح هذا ((النداء)).. كلما عاودني الحزن الروحي!
أطرحه.. كلما جرّحني نوى الإخلاص للمعاني، وللقيم، وللتطلعات المشرقة!
أطرحه - كذلك - بصيغة سؤال، ربما.. ولا أجرؤ أن أضعه في جملة مفيدة!
لأن النداء.. هو بحث عن ((عزيز)) فقدناه، أو عن أمنية أضعناها، أو عن رجاء.. طال انتظارنا لطلوعه.
وأنت - يا حبيبتي - العزيز الذي فقدته. أجدك معي ولا أجدك!!
أصداؤك تملأ لحظات عمري، وساعات نهاري وليلي. ضحكاتك. تحديقك الذي يطول كأنه تأمل يحيرني في أكثر الأحيان. مشاكساتك لي.. واعتراضك على ((تصرّف)) ما، ربما أعجبك في قرارة نفسك، ولكنك ترفعين شارة الرفض للعناد!
آه.. لتلك الأيام!
لقد ((اعتدت)) فيها على مخالفاتك، واختفاؤك الأحياني الذي يرفض كل استفسار مني عنه!
اعتدت على إثارتك واستفزازك.. حتى تصفينني أحياناً بـ ((السادي))!
وأضحك، وأقول لك: لعلّني ((ماسوشياً)) ولست ((سادياً)) إذا عرفت أنك أنت نفسي.. فلو قصدت تعذيبك، فذلك يعني أنني أعذب نفسي!
وتضحكين.. وأنت تقولين لي بعد تبدد غبار معركة الخصام اليومي:
ـ مشكلتي أنني أحبك.. لقد أحبني الكثير، ولعلّي عذبتهم دون قصد.. لكني لم أحب أحداً منهم، وأحببتك أنت بكل ذرة في مشاعري وكياني.. وأعرف أنك تحبني، ومزهو بهذا الحب إلى درجة الغرور.. الغرور... الغرور حتى علي أنا!!
* * *
أسترجع هذه الأصداء القادمة من ذكرى أيامنا!
كأنني أعيش الآن في فلاة جدباء قاحلة من مطرك، ونسمتك، وعشبك!
كنتُ - يا حبيبتي - أشعر بك: صديقة أيضاً!
الصداقة التي عزّ منالها في أيامنا هذه، وأصبحت خسارة ((صديق)) وفقدانه: عذاب يكوي الإنسان بالوحدة، وبالحسرة، وبالحزن الصامت.
إذا تحولت ((الصداقة)) إلى حب.. فهذا هو الامتزاج الذي يصنع تلاقح ثمرة ((العِشْرة)) الطويلة، وثمرة الفهم، وثمرة: وحدة الروح والفكرة.
وقد حاولت أن ابدأ ((المعرفة)) معك وبك فوق جسر ((الصداقة)).. فجمعنا عشقناً معاً للكتاب، وللكلمة الجميلة والنافذة، وللموسيقى المريحة.
تبارك ((حب)) ينمو في تربة الصداقة والمعرفة، ويطلع من جذور الفهم، وتلاقي الفكرة، وتوحّد التفكير!
وذكّرتك يوماً بالمأسوف على رموزه ((ديل كارنيجي)) مؤلف الكتاب الشهير الذي لم يطبقه أحد: ((كيف تكسب الأصدقاء)).. وقلت لك مازحاً، أو جاداً:
ـ لقد كتب ((كارنيجي)) هذا الكتاب.. بعد أن فقد كل أصدقائه!
ـ وسألتني: ولكن.. هل تفسد الصداقة التي يأتي بعدها الحب؟!
ـ أجبتك: بل تستحيل الصداقة.. إذا جاءت بعد الحب!
ولكنني ناديتك، وواصلت النداء عليك.. منذ عرفتك وحتى الآن، وقلت:
ـ يا حبيبتي ((المعتادة)).. يا اعتيادي الصديق!!
وقد قلت لك: إن هذا النداء، ربما يتحول في بعض مواقفنا معاً إلى سؤال!
والسؤال - يا حبيبتي - في طبيعة هذه الكلمة التي تنادي.. تأكدي أنه لم يُطرح تأثراً بنظرية ((بيكون)) عن الاستقراء، ولم ينجذب إلى النتيجة التي توصَّل إليها ذلك المعروف في الأسطورة باسم: ((ميدوس)).. عند حديثه عن التجارب الروحية!
لكن السؤال طرح.. بأثر الاستنباط السقراطي، الذي تأتي نتيجته يقينية!
وهكذا.. تبصرينني - يا حبيبتي - منذ طلوع زمان الحرائق، والجحود، والانشغال: أصرخ في بيداء الحياة، منادياً:
ـ يا حبيبتي.. يا صديقتي.. يا إنسانتي ((المعتادة))!
فهل تراك نسيتِ هذه الصفة التي ألبستك إياها: ((إنسانتي)) مع كل الذي أشعلتِ فيه نيران النسيان كالأسمال البالية؟!
لعلّك لا تعلمين أنني أحاول من سنوات.. أن أتوصَّل - بغباء - إلى تلك النتيجة اليقينية، بأثر الاستنباط السقراطي!
قلت ذلك - أيضاً - لأصدقاء الحفافي والهوامش.. فآثروا الصمت، أو لعلّهم آثروني بالاجترار الذي يفعله ((الجمل)).. كميزة جميلة، اسمها: الصبر!
ولو كانت كل أمور الحياة التي تقلق النفس، وينفلش بسببها الضمير، ويتصدع بأثرها الوجدان.. كلها تذوب وتتلاشى ((بحكة رأس))، أو بابتسامة الأقنعة السائدة في أيامنا هذه.. فإنك ستجدينني أنقب كل لحظة عن قلق، وعن ذبذبة، من أجل أن ((أحك)) راسي، وأبتسم بتلك الطريقة.. فقد تعني هذه الحركة في الرأس: ((الإفاقة)) وقد تعني: التنويم!!
ألا تذكرين، ونحن صغاراً، كيف كانت أمهاتنا ((يحسّسن)) رؤوسنا بأصابع تتقطر حناناً، بينما أصابع الأمهات اليوم منشغلة في الأظافر الطويلة، وطلاء ألوان الموضة.
أما أصابعنا نحن الرجال.. فقد زادت خشونة من كثرة ((الهرش))! في رؤوسنا لنخرج بفكرة ضد شيء.. حتى ولو كان ضد أنفسنا!
إن لحظاتنا المؤلمة - يا حبيبتي - هي هذه التي نمارس فيها ((حك)) سيرة الآخرين، أو سيرة الأصدقاء، أو ((سيرة الحب))!... فكأن ذلك يعني: الحك، أو ((الهرش)) في رأس الحياة كلها!
وليس الذي نكتشفه في نفوسنا وشخصياتنا ((الحضارية)) اليوم هو الغموض.. فلو كان غموضاً، لا بد أن يخضع للاكتشاف... حتى عواطف الإنسان، وميول قلبه، وحتى ارتياحه لإنسان يحبه، أو التحم بـ ((عِشرته))، ولم يعد يطيق البعاد عنه.
لكن ما نكتشفه - في الأقرب - يصبح هو: الشروخ، وتصدع الحميمية.. كأن ما أمام الإنسان في المقابل: أرض يرتع فوقها آدميون من مجاهل العصور، أو الغابات.. أو كأن هذا الإنسان الواعي، والناضج، والمتعلم.. لم يزل هو تلك الأرض البور.. نكافح - ما استطعنا - لنزرع فيها، ومن داخلها: زهرة واحدة، تتفتح وتكون لها أغصان حانية تمنح الفيء والظل!
ولست أقصدك هنا بهذا التشبيه - يا حبيبتي -
فالأرض البور لا تعطي.. وأنت في حياتي تبقين هذه الأرض التي أطلعت: الزهور، والأشجار الوارفة التي أسقطت ثمارها الناضجة.
عطاؤك كان غذائي، وروائي..
ولكنك في كل مرة.. كان إلحاحك على ((التوحّد)) يحرجني، ويدفعني أن أطرق الضياع هروباً منك!
وهروبي ليس من ((حلم)) التوحد بك، وتوحدك بي.. فإذا كان ((حلماً)) كما وصفته، فلا بد أنه كان في نفسي أغلى أماني العمر.. وكان - حتى في أحلام يقظتي - يحملني من واقع الماديات، وصخب الحياة، وطعنات التجارب، وأقنعة الناس.. إلى ذلك العالم الجميل الذي طالما تخيلته يضمنا، ويدعنا نحلّق في سمائه بأجنحة السعادة، والمحبة!
لكن هروبي كان من أجلك.. ولم تفهميني، لم تفهميني!
وحاولت أن تطعني صدقي بمدية غطاها صدأ الغضب والظلم.
وحاولت أن تنسفي ((أصالة)) مشاعري نحوك.. فرميتني بمشاعري في أتون الحقد، وجنون أنانيتك!
هربت منك.. لأجلك!!
وستفهمين بعد الموت.. بعد أن تذبل الورود، وتجف الأنهار!
ستفهمين صوت هروبي.. لأنك ستكونين آخر أنفاسي في العمر!!
وأعرف أنه لم يكن لديك الوقت الكافي للصبر.. ولكن كان لديَّ - بك - وبكل أصدائك، وبقاياك، وذكراك، ووجهك الذي يعاودني: صبر آخر على أن أحبك من بعيد، وأحضنك في ضوء شمعة، وأحفظك من تشردك في جنوني!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :975  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 215 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.