شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الظل المكسور
كنت أتمدد أحياناً كالظل المكسور..
فلا أقدر أن ألمّ نفسي..
فالإنسان هو ما بين تمزقه بسبب أن يكون وحده في هذه الغابة الأنيقة
- الحياة -
وما بين لحظات التفاهة (الواعية) أو التفاهة المثقفة..
فأغلب الأشياء التي ندور حولها، وتدور حول العمر والجهد..
ليست إلا صغائر الأشياء.. أما أشياؤنا الكبيرة والحميمة،
فهي تلك التي تبقى في الصدر.. تحرق وتحترق!
نحن لا نهرب من شيء..
نحن ننغمس في كل الأشياء التي تسكننا، أو تَعْبُر بنا..
مسافة الحياة قصيرة في الحلم..
ماتعة في التخيل...
بخيلة العطاء
والخطر الرهيب أن يحاول الإنسان تفريغ أعماقه..
فالضياع معناه ليس التبديد..
بل الأقسى أن يكون الإنسان في الوجود كله ليكون
الضياع والتمزق ألماً.
فالوجود هو إحساس بهذا الألم!
* * *
الجميع في ذاتي يدور على أعقابه:
أنفاسي، ونبضي، واختلاجاتي، وزوايا المساء المتشح
بالضباب..
وأراك في كل هذا - الجميع -
واقفة فوق أوجاعنا أنت وأنا..
وفوق قهقهاتنا التي نبتكرها عندما نريد الهرب من بعضنا البعض..
أراك تلمّين كل زخمي وانفلاشاتي وهتافات صدري المنثورة
في طول الزمان!
هل أحسست هذا الظمأ الذي يبدو أقوى من الماء؟!
وهذا الشوق الذي يبدو حارقاً ونحن نراقب انحدار
الزمان كله؟!
ـ فكأنني سمعت من يقول لي: يا أيها ((الشيخ)) العجوز..
وكأنك تسمعين من يقول لك:
ـ إلى متى وحدك؟!
ثم لا بد أن نتعاطف مع ملل أبنائنا منا بعد ذلك!
* * *
كأننا الجنون المسكون بهزائم الناس..
أولئك الذين انتهوا من الحب إلى ممارسة التناسل..
أليست أفكارهم مصبوبة في فكرة:
الأفق يقتاده التعب..
أفق الإنسان..
وأفق الشعوب
وأفق الغد
ليتني - إذن - أتصاعد إلى وجهك..
كل الوجوه في عيني وجهك..
كل يوم يأتي يغيب..
كل يوم لا يأتي يغيب أيضاً..
ونحن في هذا الانفصام أشرعة رحيل لا تستقر داخل ميناء!
* * *
لم أقل أننا أصبحنا قصيدة..
تتجاوز المدارات والطقس لتغيب أصداؤها دوماً في
(سحبة) الكمان..
أو رنة الجيتار..
أو بوح ناي يسيل شجى..
أصبحنا أصدقاء في قمة جنون العشق..
وكنا عشاقاً في قدرة الصداقة على الارتفاع فوق التنكر،
أو فوق النسيان الحضاري!
كأننا - في رحيل الأشرعة المستمر -:
أنت نبتة صبار صامدة،
وأنا الأرض التي أقحل وأعطش..
ولكني أضمك بإصرار!
* * *
استمرار الحياة بواسطة الإنجاب؟!
الصعب..
أن تستمر الحياة اليوم بواسطة الحب..
فلم تعد أسماك القرش تلتهم الإنسان..
بل الإنسان هو الذي يلتهم الإنسان، أو نفسه!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1339  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 188 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.