يا صديقي المتباعد: |
كأنك توقظني من غفوة. |
لا أعرف متى كان إبتداؤها! |
كأنني في أصداء ما تركت لي من كلمات وتحريض.. |
أفقد الدروب وأتشرد، |
فذكرتني بالجنة والنار.. |
بالحب والضنا.. |
بالتعاسة، ودفء الاحتضان! |
فكّر الإنسان - وما زال - في مواجهة الأشواك.. |
لكن هذا الإنسان فينا ينشغل بتنظيف قدميه، |
بينما الأرصفة منثورة بالأشواك. |
بينما الصدور مبثورة بالأشواك.. |
وهو يسرع الخطى.. |
بينما داخله يحتاج إلى تنظيف! |
* * * |
حكيت لك مرة: |
أن ((سنونو)) صغيراً. |
أراد ن يختبئ في حضن حمامة. |
أغراه منها بياضها الناصع، |
فكان عليه أن يقنعها أنه ((سنونو))، |
وإنه يحب حضنها، ويهدأ فيه، |
وما زالت نظراتنا تتابعه وهو يقترب من الحمامة.. |
ثم تركناه بعد ذلك لنتساءل: |
ـ هل يستطيع إقناعها.. |
ـ وهل توجد مشكلة، |
ـ أم أن أكثر مشاكلنا أسبابها الخوف، |
أو التردد، أو عدم الثقة؟! |
(حتى لو كان الخوف من النصاعة)!! |
كنا نضحك في ذلك الزمان السهل، |
ولم نكن قد فكّرنا بعد.. |
في قدوم الزمان الصعب! |
كانت خطوات الليل تأخذنا. |
إلى أوجه عديدة من الفلسفة.. |
عن الإقناع، والاختباء، |
والوفاء، والملل، |
والاكتشاف، وهرم العاطفة، |
ثم يكون ذلك الضحك الساقط.. |
في بقايا فنجان القهوة!! |
وخرجنا مرات لنعود.. |
هكذا كل مرة كانت تعبر الذكريات فيها إلى عقولنا، |
وتنفذ من صدورنا.. |
مختبئة في فلسفة التخلي عن كل ما فات، |
والجري وراء أكثر ما يلوح.. |
حتى ولو وجدنا سراباً! |
كان الزمان واحداً.. |
فأصبحنا عدة أزمنة في رغبة واحدة! |
ودائماً يتحدث الناس - يا صديقي - في الذكريات، |
ولم يكن حديثهم مللاً، |
لكنه الهروب إلى الحلم الجميل.. |
حتى ولو كان اجتراراً.. |
حينما يتجسد.. يذكّر الإنسان بالمد والجزر!! |
* * * |
ذكّرتني بتلك العبارة التي رددناها معاً ذات مساء: |
ـ ((ما أكثر الذين يرددون أغنية متوحشة، |
وأكثرهم روعة في الأداء والانسجام: |
درويش متجول ينام على رصيف الحياة.. |
يرى أن الحياة لا تستحق الإدراك الكامل، |
وقليل جداً من الإدراك.. |
يكفي الإنسان زاداً لاجتياز هذه القنطرة التي أسمها الحياة))!! |
إنهم يرددون الآن - يا صديقي - أغنية متوحشة. |
وأنت أصبحت مثلهم تردد.. |
نفس الأغنية المتوحشة! |
حقاً - يا صديقي - |
لم أنس الزمان الذي ابتكر فيه شاعر ((قصيدة لا تموت)). |
فمن الذي وجد زمنه، |
ورضي البقاء درويشاً متجولاً على أرصفة الشوارع؟! |
حتى الشاعر نفسه المازال يتغرب.. |
يتمرغ في شجنه، وكأنه قد خرج تماماً من زمانه. |
واختفى في أحراش الحياة! |
* * * |
حقاً - يا صديقي - |
إن الحقائق لم تعد تهم، |
والحب لم يعد يهم.. |
المهم الآن هو الموت.. |
ذلك أن الموت في عصرنا.. |
أصبح هو الاختيار، |
وهو الأغنية المتوحشة.. |
هو - يا صديقي - أوان الطلوع والاقتحام!! |