شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الغربة
فجأة وجد نفسه من جديد،
وفجأة - أيضاً - أضاعها!
أضاعها في ذلك الشعور المكثف بالتواجد..
أضاعها في ذلك الردع الغامر الذي تمليه عليه أشياء
عمره الحاضر.
كان يمثل الفرح المتفجر.
وكان يغرق في الألم النازف..
ضدان اجتمعا في لحظة اكتشاف واصطدام..
في عودة روح، وفي عجز عن امتلاك الأمل..
في مواجهة حقيقة صادقة، وفي شحوب انتباهه!
كأنه سيد الزمان حينما يشعر بالتواجد..
وكأنه ثمالة الكأس حينما تأخذه الحقيقة!
والذكريات المستقرة في القرار لا تقدر على التلاشي.
والعمر الجديد يطلع في الوقت، ويهدر في النبض!
ولكن الحقيقة لا تتغير..
* * *
إنه الغريب الذي أمضى سنوات العمر جوالا.
يزرع الحياة، ويفتح أبواب الليل بحثاً عن ((جنية)) توأم.
ترضعه استقرار الشعور..
وتهدهده في أرجوحة النشوة، فأضناه تعب البحث.
وكادت الأيام أن تهرم وتشيخ به..
لكنه في اعتراكه بالضنا..
عادته الأصداء من البعيد..
وكأنما انتصبت في حدقتيه أشجان صوت يشرق بالغربة.
ينجرح بالأسئلة التائهة..
يبحّ بالنداء الذي يبحث عن قرار.
كان الصوت القديم يتجدد، بينما الزمان يوغل في
الشيخوخة!
صوت ينزف الوجه والحزن والآهة..
يفتش في نداءاته عن كل ما يفجّر التذكر!
وكطفل خطفه الزحام.. بكى!
وكقلب تراكمت عليه تشوهات السنين.. ارتعش!
وكعين كادت الأضواء الجديدة أن تعشيها..
حدّق في الظلال وانكسار الضوء!
فإذا به - بكل ما فيه - يقترب من الصوت القديم وهو يتجدد يمتزج به.. ينغمر..
كأنه هو. كأنها حنجرته. كأنه يردد أمانيه التليدة،
وأشجانه الغريقة.
وأفكاره الراحلة، وسخافاته، وكل حزنه!
* * *
وجاءت الكلمات تمحو التذكر، وتقتلع غرسة التناسي.
وإذا الماضي كله كالأرض البكر التي تستقبل أول غرسة فيها.
لتزرع الغد!
عاد ((الغريب)) يتمنى، ويحلم.
ويتصور، ويجسد الخيالات،
فإذا الجراح خفق، والحزن شجى، والغربة لقاء.
ولكن.. كم يطول عمر الأماني؟!
إنه بعمر الكلمة التي تفر من تيه النفس..
إلى تمنيّ الأحلام القديمة..
إن الأحلام القديمة لا يمكن أن تتجدد..
فالزمن الذي انبجست فيه قد ولّى..
والزمان الحاضر لا أكثر من صدى حنون.. حنون فقط..
فكيف سيكون الغد؟!
إنه بعمر الخفقة الأولى التي كانت تكبر في الحس.
حتى تصبح وجوداً لا بديل له.
لكن الخفقة الأولى تأتي غريبة الآن.
يتيمة في زحام خفقات الآخرين، الذين استعمروا مكان
الخفقة الأولى.
وأقاموا المستوطنات الغريبة عن هذا الوعاء!
عاد ((الغريب)) يصغي ويتعذب!
* * *
كان الأسى يسيل صبراً.
ويهرق بلادة، ويغور في رمال السنين!
إنه الدمعة.. في لحظة اصطدام الصدى بالواقع المفروض!
إنه البسمة.. في لحظة الخروج من الزمن المعاش..
إلى عالم رحب من الروح!
فهل يعود غريباً كما كان؟!
يبحث عن المستقر لمعانيه.. وهي ما تبقىّ فيه!
ويبحث عن الهدوء لروحه.. وهي وحدها التي لم تشوّه
داخله!
يجعل في صدره وفاء للنفس التي وجدها يوم أضاعها.
فوجد فيها نفسه وأفكاره ورؤيته، وحسه الحميمي، وفقد
ذلك كله في لحظة!
* * *
دمعة رحيل هو.
تحتشد اللحظات والمواقف وأصدق الكلمات في حدقتيه.
ثم يواصل السفر. كأنّ الملامح دوائر صغيرة..
على سطح البحيرة.. تتسع وتتسع ثم تتلاشى!
كأن أصداء ما سكن إصغاؤه يصطدم بالشمس وبالنجوم..
وبتعاقب الليل والنهار.
باليوم، وبالأمس.. وليس في الغد مطمع،
لكنه مدعوُّ بالضرورة للوقوف وللترقب.
في انتظار فرصة التعرف على الغد الذي سيرحل فيه بكل غربته.
الغد.. كل آماله: أن نواصل الوفاء للأنبل وللأعمق!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1250  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 182 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.