شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فقط...قضيتها‍!
ضحكت طويلاً، وأنت تسألني هذا الصباح بنبرة جادة:
ـ ما هي قضيتك؟!
فاجأني سؤلك بالفعل، وهمست لنفسي في اقتحام السؤال:
ـ صحيح.. ما هي قضيتي؟!
لم أفكر من قبل في مضمون هذا السؤال مباشرةً، ولكن.. لا بد أن تكون لكل إنسانة وإنسان قضية، يدافعان عنها دائماً.
كأنك تريد أن تفتش رأسي. أن تشق صدري. أن تطوِّح بأفكاري الهادئة بعد أن عانت سنوات طويلة من الدوار، ومن الأسئلة الأكثر قلقاً.
لا شك أن لي قضية، وإلا... ما كنت إنسانة، وكياناً، وفعلاً، ووجداناً، وأفكاراً، وهدفاً.
أحياناً... نحن نهرب من هذا السؤال برغبتنا، لئلا نسقط في مزيد من التعب.
لماذا أردت أن تتعبني بهذه القسوة؟!
هل تسألني عن قضيتي كامرأة؟
كل امرأة تحيا قضية في عمرها، مهما كانت بسيطة، تدافع عنها، وتنادي بها، وتحارب من أجلها.
دعنا من الصراع التقليدي بين المرأة والرجل.. ولو أن الرجل في طبيعته يحاول أن يسيطر على المرأة، والمرأة في تكوينها وعاطفتها لا تستطيع أن تلغي مساندة الرجل لها، ولا تقدر أن تنسف عاطفتها المصبوبة في قوة الرجل.
لكنَّ التكوين الإنساني ينطلق إلى ما هو أشمل، وهناك قضايا عديدة في رابطة هذين الكائنين- الرجل والمرأة- لعل من أهمها: بناء الأسرة، وتقديم الأطفال للمستقبل كأعضاء فعالين ومؤثرين، والمشاركة في توفير نكهة للحياة.
دور المرأة كبير في اتساع الوعي، وبلورة النضج والتعليم، والثقافة والأمومة..
هل تريدني أن أحاضر أمامك؟!
تراك ((مصَّختها)) عاد... لماذا تحاول أن ترميني في الضجر من جديد بافتعال حوار لم تتعب المجتمعات من أن تلوكه باستمرار؟!
لقد ضجرت من السأم، ومن سؤالك السخيف هذا!
إذن... فقضيتي- كامرأة عربية- هي السأم.. كأنني أحمل نعشي وأتثاءب!
كأنني ركبت سيارة فارهة جداً، وانطلقت بي إلى طريق مسدود، في نهايته حاجز!
فهل أنادي على الراحة التي تخلصني من الأشياء الصغيرة؟!!
أم أنادي على الأفكار التي تغذي تلك الأشياء الصغيرة.. فتجعلها قضية؟!
لا أريدك أن تسألني عن راحتي!!
ـ تسألني: ولماذا؟!
ـ أجيبك: ببساطة.. لأنها راحتي أنا، ولأنك رجل لا يمكن أن تصل إلى تلك الأشياء الصغيرة والحميمة في أعماق المرأة.
أرجوك... لا تعتقد أن الزواج، أو الرابطة بين الرجل والمرأة قيد، أو تبعية. كثير من الأزواج يصرون على ذلك!
أنادي على حريتي. أقصد أنني ((قررت)) أن أبقى حرة.
ـ ((تعرف ليه أنا بطّلت أعزف موسيقى))؟!
الموسيقى هوايتي المحببة، ولكني ضجرت... استحوذت عليّ الأشياء الصغيرة، والالتزامات الأسرية والمنزلية.. ما عدت استمتع بهوايتي هذه، لأنني- ببساطة أيضاً- تزوجت ذات يوم!
لا تضحك- كرجل- فأنا بالفعل لم أعد أمتلك حريتي الشخصية، بينما أنت الرجل. وكل رجل يمتلك هذه الحرية، بل ويعبث بها أحياناً!
لا تتفلسف وتقول لي: الموسيقى خيال. الشعر خيال. الرسم خيال. لا... كل هذه الفنون حياة، لأنها الهواية المحببة للإنسان.. تسعد روحه فتصبح هي الحياة!
حياتي تبدلت في فقدان حريتي الشخصية.. ولا أدري، كيف أتمكن من إصلاح حياتي؟!
لقد لذت بك، وطلبت منك أن تعينني على ذلك.. لكن لا تطلب مني ما يشعرني أنه صيغة أمر!
أيضاً لا تطلب مني أن أعزف لك على البيانو الآن.. دعني أرتاح. أتركني لراحتي!
حينما تطلب مني شيئاً.. فكأنك تقول لي: لا تفعليه ((حتى لما يكون عندي نفس... أبطل لما تطلب مني))!
أنا لا أعاندك. صدقني، ولا أخالفك.. فقط، أريد أن تعترف بحقوقي، برغبتي، باستعدادي النفسي.
لذلك.. أرجوك دعني في سلام، وفي ألم أيضاً.. مع الموسيقى، مع الشعر، مع القراءة، مع الرسم، وحتى مع ((الهلس)).. لا بد أن أكون حرة.
قضيتي- إذن- هي حريتي الشخصية!
لماذا تريد أن تسافر إلى نفسي بهذا السؤال، ثم بهذا الاستحواذ الدائم منك؟!
* * *
أحس أن الحياة تضيع من بين أصابعي كما قبضة رمل، وأنني أمارس الحياة بالتقسيط.
حتى التقسيط دخل إلى عواطف الناس، ونخلها.
بماذا تريدنا أن نحتفل؟!
أنا أسألك في زمن تخلى الناس فيه عن مراجعة الذات، فأصبح الكثير من الناس: مجرد حالات نفسية.
لا تقل إني متشائمة. بالعكس.. إنني أحب الضحك والمرح. لا أطيق الكآبة، ولكني عندما أخلو إلى نفسي، ومع حريتي الشخصية.. أرغب في البكاء. قلت لك ذلك مراراً.
دعني أروي لك حكاية:
ذهبت عند صديقة لي، دعتنا بمناسبة زفاف أختها. كنت مع مجموعة من صديقاتي نضحك، وننتقد حركات البعض، مثل كل الناس. الكثير يضحك على البعض. الاحتفالات الجماعية مظاهر، والاحتفالات النفسية هي الأعمق، ولكنها تبدو هستيرية أحياناً عندما تفيض عواطفنا فوق حفافي النفس!
صرت مثلك أتفلسف... لاحظت؟!
نحن في مجتمع استهلاكي... يستهلك حتى الحب!
وكلما أغمضت عيني، أضاءت شاشة كبيرة، يمر فوقها شريط طويل اسمه: حياتي، واكتشف في النهاية: أن كل الذي اختزنته فيها.. هي أعوام شبابي الأول- الأحلى- حينما كان الفرح فيها بلا موعد ولا بطاقة.
وفيها أيضاً أعوام أخرى قصيرة.. كان فيها ((أبي)) هو ملجئي وبوصلتي وتعويذتي.. منحني حُبًّا لا يقدر مخلوق أن يطبع منه نسخة أخرى.
كنت في حياته هذه السنديانة الريانة.. لو لمح الحزن في عيني فزع.. لو رآني متوترة اغتم. كانت أبوته لي وطناً أخضر!
الآن... أشعر أن وجودي مزيف بعد رحيله، لعمق ما ملأني حبٌ، وحشد فراقه في نفسي حزناً!
أطالع النجمة... فأجدها لا تستقر في حدقتي!
أطالع القمر.. فأشعر أن الغيوم التي تطارده أحياناً، ويدخل فيها أحياناً أخرى.. قد شاعت في نفسي!
لا تظن أنني أمارس الخوف مع نفسي.. ربما أمارس بنفسي الخوف من الوحدة، والفراغ، والوحشة، والخذل من الناس، والتسابق مع الزمن.. فأحاول أن أجلي صورة المستقبل المجهول لأبنائي على الأقل.
فهل هذه قضية أيضاً.. أم ماذا تسميها؟!
* * *
أنا مازلت طفلة.. وأعظم قضايا الإنسان هي طفولته!
لا أعترف بالفشل.. رغم أن بدء حياتي- كامرأة- كان الاختيار فيها مزاجاً، أو رغبة عنيدة في الدخول إلى عالم النساء، والأمومة.
فهل هذه قضية أخرى؟!
ربما كانت الأمومة قضية مهمة.
ربما كانت المحافظة على بيت وأسرة: قضية!
صرت أخاف على أطفالي من ظواهر خطيرة، أهمها: الطلاق، والمزاج، وأفلام الرعب، والمجتمع الاستهلاكي.. الذي يستهلك حتى الحب!
ربما كانت ((أحلامنا)) التي تعاكسها المواقف المضادة، والتجربة: قضية، ضائعة!
ربما كانت القضية في سؤالي الدائم إلى نفسي، كلما خلوت معها:
ـ ماذا أريد بالضبط؟!
ربما كانت تناقضاتنا قضية.. حينما تراوح هذه التناقضات ما بين الرفض والانصياع، وما بين الأخذ والعطاء، وما بين الحق والغمط!
أقول لك شيئاً آخر يذهلك؟!
أشعر أحياناً أنني لا أمتلك اسمي. اسمي ليس لي. ولكنه للروابط.. للزواج.. للنظام الاجتماعي.. للتقاليد.. للمظاهر.. للأمومة.. للبيت الذي أصبح فيه سيدة.. كأنه تُهمة.. يا أنت يا تهمتي!
اسمي لي.. أخفيه متى أريد، وأعلنه متى شئت.. وهذه- في رأيي- قضية!
لا أقصد أنني مشهورة.. بل أحياناً أجوع إلى شهرة اسمي بما أفعله، وليس بما أطلب من الناس أن يفعلوه لي، أو يطلبون مني أن أفعله.
أريد أن أشعر بنشوة الفعل الذي أريد إعلانه... فهل فهمت؟
* * *
الآن.. هدأت قليلاً، بعد أن جعلني سؤالك أشيط.
خيل بلي أنني أشم رائحة الحريق تتعالى من قلبي الذي أحبك بدون فلسفة. يا حُبَّكْ للفلسفة!!!!
فتحت رأسي بسؤالك، أترك رأسي لو سمحت... ألا يكفيك قلبي؟! الآن... ينجب قلبي آلاف الخفقات، شوقاً إليك.. ولا أسأم!
يأتيني صوتك إنشاداً في أصداء الليل:
ـ آه... لو تعرفين كم أحبك؟!
يريحني كلامك... يهدهدني.. ينغل في شراييني!
أستطيع الآن أن أسترجع رائحتك.. حنانك.. همستك.. جنونك الأسطوري.
أستطيع أيضاً أن أتنسم عطرك المميّز.
فهل تراني أتخلص منك؟!
هل أصبحت أنت الآخر: قضية في حياتي؟!
أنت الذي دعوتني أن أشاركك الصعود إلى الأفل.. أدخلتني صاروخاً، وانطلقت بي نحو الحلم.. وفي طريقنا الذي تصعد عبره، هناك مراحل عديدة: انعدام الوزن. الضوء. الشمس. الظلمة. السحب. الفضاء المخيف واللانهائي. الخنادق الترابية على سطح الكواكب.
أين تريدنا أن نسكن معاً؟!
لا بد أن نسكن فوق الأرض.. وأن تكون لنا قضية.... ها؟!
أرجوك... أنا الآن ((هلكانة)).. وِدِّي أصرخ في سمعك:
ـ آه يا نفسي.... آه يا أنت!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1214  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 133 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

زمن لصباح القلب

[( شعر ): 1998]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج