شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بداية الغرابة!
المرة الأولى في حياة ((إلهام)).. تأتي فيها إلى باريس بكل حقائبها. تعوَّدت قبل هذه المرة أن تحمل معها إلى أي مكان في العالم حقيبة واحدة، ولكنها حينما تعود إلى بلدها تصطحب معها عدة حقائب!
وعندما انتهت إجراءات ختم ((جوازات السفر))، وتأبَّطت ذراع زوجها، وأمسكت بطفليها.. واجهها الزِّحام الشديد حين خروجهم من صالة المطار. كانت تتلفت مشتتة النظر في كل اتجاه.. كأنها تدخل إلى ((باريس)) للمرة الأولى، برغم أنها جاءت إلى هذه المدينة عدة مرات!
لكن شعورها هذه المرة يختلف.. فقد كانت تجيء للفسحة، ولتغيير الجوّ، وها هي الآن تأتي للإقامة الدائمة!
ـ لا شيء مثل الوطن.. حتى لو كان على رأس جبل، أو في صحراء. للوطن جذور متعمقة في قرارة النفس.. حافلة بالجذب، وبالانتماء، وبالذكريات!
ـ قال لها زوجها: ألست تحلمين بهذا الزحام؟.. إذن، جربي!
ـ قالت: الأجمل أن يزاحم المرء فوق أرضه.. لأن صوته مسموع، ووجهه مألوف، وخفقه يغني!
ـ قال خالد: لا بأس من التجربة.. المهم أن لا ننزلق!
ـ قالت: انظر.. الجميع هنا يتساوى: المرأة والرجل.. الإنسان والحيوان... العواطف والماديات.. الهمسة والآلة. ذلك شيء فظيع!
ـ قال: الذي ينظم ذلك كله هما: العلم، والوعي.
ـ قالت: والفوضى؟!
ـ قال: الفوضى أصبحت في الحرية!
وتوقف بهم ((التاكسي)) أمام بوابة الفندق. ولم ينتظر ((فارس)) أكثر من فتح باب السيارة.. حتى ركض إلى بهو الفندق مندهشاً، متلفتاً، ولحقت به أخته ((عهد)) تمشي بتأنٍ واستطلاع، كأنها في مشيتها تشبه ((طائر البطريق)) الذى يحاول المشي على الأرض!
قال فارس لحظة وقوفهم في انتظار المصعد. يخاطب والده:
ـ انبسط يا سي بابا!!
ـ سأله والده باستغراب: انبسط من إيه؟!
ـ قال فارس: شوف... انظر حولك!
ابتسمت ((إلهام)) لأول تعليق ((شقي)) من ابنها. وتطلع ((خالد)) خلفه وحوله، فرأى مجموعة نساء يرتدين ((المايوه))، لعلهن عائدات من المسبح إلى غرفهن. التفت إلى ولده قائلاً:
ـ عيب يا حبيبي.. بلاش شقاوة يا عفريت!
ـ قالت عهد فجأة: ماما.. أنا بدي مايوه!
ـ قالت إلهام: أهلاً.. أول البداية!
في المصعد.. قال ((خالد)) لابنته ((عهد))، وقد أخذت تبكي مطالبة ب ((المايوه)):
ـ نستريح شوية، وننزل السوق نشتري لك مايوه، وآخذك لمسبح الفندق.. خلاص اسكتي يا عابرة المانش!
استغرقت جولتهم على السوق أكثر من ساعتين بعد الظهر. شعر ((خالد)) بعدها أن قدميه ستسقطان منه. حظر على ((إلهام)) أن تشتري شيئاً، ما عدا ((مايوه)) الطفلة عهد، وبنطلون ((جينز)).. أصر ((فارس)) على شرائه ليصبح مثل ((مايكل جاكسون))!
نهاية مطاف الجولة.. كانت جلسة طويلة في ((كافتيريا)) الفندق.. استرخى فيها ((خالد)) وزوجته، بينما انطلق ((فارس)) وأخته ((عهد)) يتجولان في أنحاء بهو الفندق، ومعارض البيع الصغيرة بداخله.
وعاد ((فارس)) مسرعاً نحو أبيه. جلس بجانبه قليلاً، وهو يهم أن يقول شيئاً!
ـ سألته أمه: فيه إيه.. اتكلم؟
ـ قال فارس: اتصاحبت مع واحدة بنت أمريكية.
ـ قال خالد: يا مرحبا!.. أمريكا هنا، وبدها إيه.. تاخدك معاها للقمر؟!
ـ قال فارس: طلبت مني أطلع معاها لغرفتها علشان تعرفني على أمها وباباها!
ـ قالت إلهام: كمان؟.. واتفاهمت معاها بأي لغة يا فالح.. والا يمكن تعرف عربي؟!
ـ قال فارس: بالإشارة. قالت لي: ماما، فهمت، وقالت لي: دادي.. فهمت إنه أبوها!
ـ قال خالد: جدع يا ولد.. إنت عارف رقم غرفتنا وغرفتك أنت وأختك؟
ـ قال فارس: طبعاً يا بابا.
وانطلق ((فارس)) يجذب معه أخته. قالت ((إلهام)) لزوجها:
ـ هذه بداية الولد.. يا عالم كيف تكون بداية الوالد؟!
ـ يا شيخة لاتسيئي بي الظن للدرجة دي. أنا حضرت لباريس للعمل، ولا تنسي إني وافقت علشان أغير الجو لك.. شفتك متضايقة، وطالع في دماغك الشغل.
ـ قالت: ده ما هو سبب.. يعني راح أشتغل هنا؟ أ
ـ قال: لأ طبعاً.. المهم تستغلي وقتك. تخرجي وتتفسحي، وترسمي!
ـ قالت: على الله.. يا خوفي إني أشعر بالملل، على الأقل في بلدنا كان عندي صاحبات.
ـ قال: والله احترت. ابحثي لك عن شغل.
ـ قالت: إنت بتقول فيها.. انتظرني شوية إتعلم فرنساوي وتشوف!
ـ قال: قومي نطلع الغرفة.
في طريقهما إلى غرفتهما.. قالت ((إلهام)):
ـ أنا قلقة على فارس وعهد.. إنت ما صدقت؟!
ـ يعني يصير فيهم إيه؟!
ـ أنا عارفه.. يمكن البنت تاخد الولد للديسكو!
ارتفعت قهقهات ((خالد)) داخل المصعد الذي حملهما إلى طابق غرفتهما، وقال:
ـ للدرجة دي؟.. دول الأجانب حريصين عل أولادهم في هذه السن، بعدين.. البنت طفلة في سن ((فارس))، ويمكن في سن ((عهد)).
-. أنا اتلخبطت من اليوم الأول، ولما الأجانب بيحرصوا على أولادهم.. البنت بتطلع عن طوعهم، وتسكن لوحدها ليه؟
ـ لما تكبر.. يعتبروا إنها أصبحت راشدة، وتجاربها هي تحتملها!
ـ يا سلام... ونعم التربية!
ـ نحن مالنا.. شوية ويرجعوا الأولاد.
انقضت ساعة على عودتهما إلى غرفتهما، ولم يعد (فارس) وأخته. قلقت ((إلهام)) وبدأت تتوتَّر وتلوم زوجها. قالت:
ـ المصيبة إننا ما نعرف غرفة البنت، ولا اسم والدها.
سمعت ((إلهام)) خبطاً على الباب، فركضت تفتحه، وكادت أن تضرب ((فارس)) وهو يدخل عليهما مع أخته. قالت له:
ـ كده تجننا عليك إنت وأختك؟!
لم يجبها ((فارس)). اقترب من والده، يقول له:
ـ لقيت عند البنت الأمريكية صاروخ!
ـ قالت إلهام فزعة: إيه.. في غرفتها؟!
قهقه ((خالد)) واستغرق في الضحك. قال لزوجته:
ـ مالك فزعت كده؟!
ـ قال فارس لأمه: إيوه صاروخ يا ماما.. صاروخ لعبة، وقالت لي إنها راح تصبح رائدة فضاء.
ـ قال خالد: طموح.. شوفي بيوجِّهوا أولادهم لإيه؟!
ـ قالت إلهام: لإيه.. لاستعمار القمر والكواكب الأخرى؟!
ـ قال فارس: مامتها باستني، على فكرة هي حلوة بشكل.. وبعدين يا سي بابا......
ـ قاطعته أمه: ما عندهم إلّا البوس.. في أفلامهم، ومجلاتهم، وحفلاتهم!
ضحك ((خالد)) أمام توتر زوجته، وسأل ابنه:
ـ ها.. وبعدين عملتوا إيه؟!
ـ قال فارس: أعطتنا كيك، وجلست تلعب مع ((عهد)) وسمعتها تقول لها: ماما.
ـ قالت إلهام: وإنت يا مدموزايل ((عهد)) ما شفت أخ للبنت؟!
ـ قالت عهد: باباهم حلو.. لكن بابا أحلى.
طلب ((خالد)) العشاء في الغرفة، واستقرت ((عهد)) في حضن أبيها، ونامت.
ـ قالت إلهام: خلي فارس وعهد يناموا عندنا.. أنا ما أطمئن عليهم في غرفة لوحدهم.
ـ قال خالد: ليه.. ما هم كانوا يناموا لوحدهم في بيتنا؟
ـ قالت: هناك غير.. هنا فندق، وما في أمان.
واستلقت ((إلهام)) بجانب زوجها تتابع برامج التلفزيون، صامتة. سألها خالد:
ـ ملاحظ إنك متوتِّرة؟!
ـ ردت: أبداً.. تعبانة من السفر، ومن جولة السوق.
ـ بجد؟!
ـ بجد.. واسمح لي أنام.
ـ بكره إن شاء الله نروح نشوف شقة، ونستقر، وتتعوَّدي.
ـ والله ما أعرف.. قدامي مجهول خايفة منه!
ـ مجهول إيه.. إنت ليه متخوفة كده؟!
ـ معلش، احتملني حتى أتأقلم.
أخذ رأسها على صدره، وأصابعه تتخلل شعرها. قال:
ـ لي صاحب في سفارتنا هنا.. يفوت علينا في الصباح، ونشوف ((الشقة)).
ـ ليه ما استقبلك في المطار؟!
ـ كان عنده مهمة، وأنا طلبت منه ما يجي للمطار. وبعدين.. نروح معاه مدرسة تتعلمي فيها اللغة الفرنسية، وتشغلي وقتك. مفاجأة.. ها؟!
ـ يعني إنت رتَّبت الموضوع مع صاحبك؟!
ـ صح يا عيوني.. بس ما تزعلي.
ـ وإنت ما راح تتعلم لغة؟
ـ أنا كمان معاكي.. لكن يمكن بعدين تختلف مواعيدنا علشان عملي.
والأولاد؟!
ـ والأولاد رتَّبت موضوعهم.. المهم اهدئي، معقول أول ليلة لنا في باريس ننام متخانقين؟!
غمرت وجهها في صدره، وتشبَّثت به، قائلة:
إطفي التلفزيون بالجهاز من جنبك، وخلينا ننام كده أحلى!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1077  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 94 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.