شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أمومة الانابيب؟
وقف ((خالد)) وقتاً طويلاً عند باب غرفة النوم، وهو يتأمل زوجته دون أن تشعر بقدومه.. فكان شرودها يضع علامة استفهام في نظرات ((خالد))، فهي عندما تراه تخف مسرعة إليه، تستقبله وتبتسم في وجهه.. حتى عندما تكون مختلفة معه، أو كان الخصام قد اشتعل بينهما قبل تركه المنزل.. فإنه حينما يعود يجدها في انتظاره تتطلع إليه بعتاب وحب!
أما في هذه الحالة.. فلعله يراها للمرة الأولى، فانزعج!
اقترب منها يحدث حركة لكي تلتفت وتراه.. وما زالت ساهمة. قال ضاحكاً:
ـ إيه.. خبروك بطلاق جدتك؟!
ـ أهلاً يا خالد!
ـ أهلاً يا خالد؟!.. وليه البرود، حصل إيه؟!
ـ بس يا خالد.. اختصر ((الإيه)) حقتك دي.
ـ فهميني.. شوّشتيني؟
ـ ما حصل شيء.. متضايقة وخلاص.
جلس بجانبها، واحتواها بذراعه، وقد جذبها إلى صدره قائلاً:
ـ كم مرة قلت لك شكلك يبقى وحش لما تكوني عابسة، و... الله على شكلك لما تضحكي.. يجنن، قمر!
ـ والله ما فايقة لك.. قوم بدِّل ملابسك.
ـ أقوم كده حاف من غير ما يتلطخ وجهي بمكياجك؟
ـ باقول لك أنت فايق ورايق.
ـ طيب حصل إيه؟ وبعدين لاتنْحلي قلبي، أحسن الشغل أخذ مني كل نشاط.
ـ قلت لك ما حصل شيء.. متضايقة وبس، إنت ما بتقول إنك أحياناً تنكبس من غير مناسبة؟
ـ صح.. لكني أبلم، وما يصير شكلي كده كأنها مصيبة نزلت يا حفيظ!
ـ أمري لله. أحكي لك. عندي مشكلة مع ((فارس))!
ـ فارس؟.. وعى يكون جلاب للمشكلات؟
ـ المشكلة مني.. صرت ألاحظ إني دائماً أصرخ في وجهه وما أحتمله، والولد بدأ يكبر ويفهم، وألاحظ أنه بيتأثر من تغيير معاملتي له!
ـ طيب ما سألت نفسك: ليه اتغيرت معاملتك لفارس؟!
ـ سألت نفسي، وما زلت أسألها، ومحتارة.
ـ إذن.. أبعثي بمشكلتك يا سيدتي إلى بريد المشكلات في مجلة للمرأة؟!
ـ إنت بتسخر، ولا حاسس بمعاناتي؟!
ـ لازم أسخر.. واحدة متعلمة زيِّك، لازم تدرس الأسباب. مثلاً: هل زوجك العزيز- اللي هو أنا- يضايقك يا سيدتي. وأن قبلاته لزوجته أصبحت باردة؟!
ـ دمك تقيل.. ما عندك إلا الكلام في ((المبوسة))!
ـ أيوه.. إضحكي كده. وحيث أنني زوج عظيم وملتزم وفاهم، فلا بد أن يكون هناك سبب آخر.
ـ يا معذبني إنت.. قوم بدل ملابسك ولا تزيد عذابي!
ـ اسمعي.. نتكلم جد. أقول لك ولا تزعلي؟!
ـ قول يا قاضي.. الله يصبرني على أحكامك؟!
ـ بصراحة.. أنا لاحظت شيء، يمكن يكون هو السبب في تغير معاملتك لابننا الوسيم ((فارس)) الفرسان!
ـ قول.. كلي آذان صاغية يا سيدي!
ـ لما رزقنا الله بابنتنا ((عهد))، وبحكم أنها الأصغر، والتي تحتاج إلى رعاية أكثر، فإن اهتمامك بها قد زاد، أو على الأصح.. إن اهتمامك انحصر فيها ولها، وأهملت ((فارس)) والولد شعر بذلك، وأصبح يلح عليك أكثر، ويلفت نظرك إليه، وإنت اعتبرت هذا الموضوع إلحاحاً منه، وهو يشعر بإهمالك له. وأن ((عهد)) أخذت كل حقوقه... فهمت يا ست الحسن والجمال؟!
ـ تفتكر ده هو السبب؟!
ـ ولا شيء غيره.
ـ لكن يا ((خالد)) إنت بتعتني ب ((فارس)) وبتلعب معاه وبتفسحه؟
ـ هذا لا يكفي أيتها الأم.. الأمومة شيء كبير لا تعوضها الأبوة مهما تضاعفت!
ـ عجيب؟!
ـ أصابتك عدوى السخرية؟!
ـ لأ.. بجد أنا مندهشة!
ـ أنت متحيزة!
ـ بتقول إيه؟!
ـ اللي سمعتيه. ولازم تراجعي نفسك.. خاصة وإن ((عهد)) بدأت تمشي وتتكلم.
ـ لكنها صغيرة.. طفلة لا يمكن تعتمد على نفسها؟!
ـ و ((فارس)) برضه طفل، وإن كان بدأ يعتمد على نفسه.. حنان الأمومة لا يقدر بثمن!
دفع ((فارس)) باب غرفة النوم، ودخل بضوضائه يرتمي في حضن أبيه، ويحضنه. ثم نظر إلى أمه باهتمام. ولمس وجه والده قائلاً:
ـ شوف ماما ساكته يا بابا.. يا لطيف لما تصرخ عليّ!
سحبته ((إلهام)) من حضن أبيه، واحتضنته، وقبَّلته، وقالت له:
ـ أنا باحبك يا ((فارس)). أنا ماما.. فيه أم بتكره ولدها؟!
ـ يمكن.. ما هو احنا في عصر الأنابيب!
دفعته في مواجهة وجهها، وحدَّقت في وجهه تخفي إبتسامة، وقالت:
ـ إنت قلت إيه؟!
ـ قال فارس: أنا شفت في الفيلم إنهم في الخارج بيجيبوا أطفال من داخل الأنابيب!
ـ قال والده: بس أنت من داخل أنبوبة أمك.. أنبوبة طبيعية ياحبيبي!
ـ قالت إلهام: إيه الكلام هادا يا خالد؟!
ـ قال فارس: خليه يفهمني يا ماما.. العلم ((نورٌ))!..
ها يا بابا، وكيف يصنعوا في الأنابيب الأطفال؟!
ـ قالت إلهام تخاطب زوجها: خليك تستاهل.. جبتها لنفسك!
ـ قال خالد لولده: لأ.. دا كلام علمي، بعدين لما تكبر شوية تقرأه في الكتب!
ـ قال فارس: كتب إيه ياسي بابا.. أنا سألت ((عائشة)) لما شفت الفيلم.
ـ سأله والده: وقالت لك إيه؟!
ـ أجاب فارس: ما قالت شيء في الأول. وجهها احمرّ وانكسفت.
ـ قالت أمه: ها... وبعدين؟!
ـ قال فارس: ولا قبلين.. لما أكبر ما بدي أتزوج!
ـ سأله والده: ليه ياحبيبي؟!
ـ أجاب فارس: بلا زواج، بلا هم يا عم.. أتصاحب على وحده، وأروح للمستشفى وأطلب منهم يعملو لي طفل في أنبوب، وخلاص!
صرخت أمه مولولة:
ـ يا مصيبتي.. شوف الولد بيتعلم إيه؟!
ـ قال والده: لازم ((عائشة)) عندها ثقافة زايدة في الأمور دي!
ـ قال فارس: إيه؟.. إحنا عكينا وإلا إيه؟!
وأخذ يقلِّد حركات الممثلين في مسلسلة عربية. تطلَّع إليه والده، وجذبه إليه قائلاً:
ـ أفهّمك يا حبيبي.. لما تروح للمستشفى وتطلب من الأطباء طفل في الأنبوب ما يمكن يعملوه لك إلا إذا كان فيه امرأة!
ـ قال فارس: خلاص.. يعطوني واحدة من الممرضات. ويدخلوا الأنبوب فيها!
قفزت ((إلهام)) من مجلسها وهي تحوقل، طالبة من زوجها أن يبدل ملابسه ليتناولوا طعام الغداء!
على مائدة الغداء.. قال ((خالد)) لابنه:
ـ أمّا لك عندي مفاجأة يا ((فارس)) راح تعجبك!
ـ قال فارس: إيه يا بابا.. راح تزوجني؟!
تطلع ((خالد)) إلى زوجته كأنما أسقط في يده، ثم قال لابنه:
ـ لأ ياحبيبي.. العروسة بدري عليها، لما تكبر أنت اللي راح تجيبها!
ـ قالت إلهام: شفت الجيل العربي الصاعد.. ما قلت لك من زمان إن أكبر هَمْ عند الرجل العربي هي المرأة!
ـ قال خالد بخبث: المرأة ككل؟!.. أعرف رأيك.
ـ قالت: لأ.. المرأة كأنثى. مشكلة الرجل العربي شيئين: الفلوس والجنس!
ـ قال خالد: ده إتهام خطر، وفيه تجني!
ـ قالت: والله ما اتجنيت؟. وإلا نوّرني. احكي لي عن رجل عربي اخترع اختراعاً، أو توصل إلى نظرية، أو حتى دق مسمار في حائط بيته؟!
ـ قال: برضك متجنية.. ففي العالم العربي يوجد علماء ومفكرين وباحثين، وحاصلين على درجة الدكتوراه. إنت ما سمعت عن امرأة أخذت الدكتوراه في الملوخية؟! تلاقيها ما تعرف تطبخ!
ـ قالت: أيوه.. خدوهم بالصوت لا يغلبوكم. إنت بتغالط نفسك. درجة الدكتوراه صارت العشرة بقرش، لكن هنا (وأشارت إلى الرأس) مشكوك فيه يا حبيبي
ـ قال: لا... أنت زودتيها جداً!
ـ قالت: وزعلت ليه.. إنت حصلت على الدكتوراه علشان تزعل؟!
ـ قال: وإنت يعني اللي أخذت دكتوراه ولو في الملوخية؟!
ـ قالت: بدأنا نلبخ. على العموم.. اللي أخذت الدكتوراه في الملوخية ما بعدت عن تخصصها اللي بدكم تحبسونا فيه.
ـ قال: لو ما اتزوجتك كنت اتحصلت على الدكتوراه.. على الأقل في علم النفس علشان أعالجك!
تدخل ((فارس)) في هذه الخناقة التي حمي وطيسها. وقال لأبيه:
ـ بابا... أنا بدي عروستي تكون آخده دكتوراه في الرقص!
ـ قال والده: ليه يا ترافولتا؟!
ـ قال فارس: علشان بدل ما نتخانق زيك أنت وماما..
نرقص!
التفت ((خالد)) إلى زوجته ضاحكاً:
ـ عاجبك كده.. قومي نرقص؟!
ـ رقصت معاك أم قويق!
ـ طيب.. ما هو أنا بأدعوك للرقص!
قامت ((إلهام)) مسرعة، وقذفت ((خالد)) بوسادة من المجلس.. بينما استغرق ((فارس)) يضحك بصوت عال، ويصفق قائلاً:
ـ بعد شوية يا بابا تبوس ماما.. بعد شويه يا بابا!
وأطلت ((عهد)) وهي تفرك عينيها من النوم، وقالت لأخيها وهي تتمايل:
الرازل ده حيجنني.. حيجنني!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1170  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 87 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.