شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من اين جئت
دخل ((فارس)) راكضاً إلى الصالة وهو يبحث عن والديه.. يقتحم الغرف منادياً:
ـ بابا... ماما.
كان يلهث من الجري، وما إن رأى أمه تقف في المطبخ حتى انطلق إليها، وضربها على مؤخرتها بعصبية ملحوظة، وهو يقول:
ـ لولو.. لولو، جابت فارس!
ابتسمت أمه، وأشارت له نحو غرفة النوم، قائلة:
ـ روح لبابا وبشِّره.. يمكن يقوم معاك ويعمل ((قابلة))!
وانطلق ((فارس)) إلى والده يسحبه من يده مهتماً، وهو يقول:
ـ قوم معايا.. لولو جابت فارس. ماما تقول لك تعال معايا!
ـ ماما هي اللي قالت لك.. أعمل ((داية)) قطط على آخر الزمان؟!
ـ قوم يا بابا.. دي لولو مسكينة!
مر ((خالد)) من أمام باب المطبخ ينظر شزراً نحو زوجته، ولم يتخطَّها كثيراً حتى عاد إليها وهي تضحك، وسحبها من يدها. لتحضر معه ومع ولدهما ((فارس)) حفل ميلاد ابن لولو!
وشاهدوا قطَّتهم البيضاء الرومية مستلقية، وبجانبها فرخها الصغير تلحسه وتحنو عليه و ((فارس)) يجلس على ركبتيه الصغيرتين مندهشاً ومتأملاً هذا المشهد الذى يراه للمرة الأولى.. ثم التفت نحو أمه قائلاً:
ـ أنا كنت كده يا ماما.. قد هادا القط الصغير؟!
ـ قالت له: لأ يا حبيبي.. كنت أكبر منه بكتير. الأطفال من البشر غير الحيوانات!
ـ قال: وعملت معايا كده زي لولو.. كنت تلحسيني؟!
ـ قالت: لا دي كمان. البني آدمين ما يلحسوا أطفالهم.
نظر ((فارس)) إلى والده، وهزه من يده بسؤال آخر:
ـ بابا.. فين أبوه؟!
ـ أبوه؟!.. أبوه آه، لازم راح يجيب أكل لزوجته!
ـ قالت أمه: لا تكذب على ((فارس)) يا خالد.. هادا يفهم أحسن مني ومنك!
ـ قال: ما فيش لزوم.. الولد صغير.
ـ قال فارس: ليه يا ماما.. هو أبوه مات؟!
شعرت ((إلهام)) بالإحراج.. فما تدري كيف تجيب، والتفت نحوها ((خالد)) قائلاً:
ـ يا الله.. خلصي نفسك من المطب!
ـ قالت: القطط ياحبيبي يختلفوا عن البشر.. يعني كيف؟ أقول لك.. الأب ما يسكن مع الأم، إنما يلتقي معاها مرة واحدة، أو اثنين، وبعدين خلاص.
ـ قال فارس: بابا.. أنا من فين جيت؟
ـ من بطن ماما يا حبيبي.
ـ كيف دخلت بطن ماما؟!
ـ قالت أمه: إنت ما دخلت بحجمك هادا.. أنت بدأت بذرة صغيرة، كبرت، وكبرت. حتى صرت في شكل إنسان.
ـ قال فارس: ومين اللي حط البذرة الصغيرة في بطنك يا ماما؟!
ـ قال والده: أنا يا حبيبي.
ـ قالت إلهام بفزع: خالد.. إنت اتجننت؟!
ـ قال خالد لولده: أنا يا حبيبي اتزوجت ماما، وبعدين....
ـ قاطعه فارس: بس.. فهمت!
ـ قالت أمه: فهمت إيه؟!
ـ قال فارس: لما أكبر.. آخذ بذرة من الزرع، وأحطها في فم أختي عهد!
ـ قالت أمه: لأ يا ((فارس)).. تحطها في فم زوجتك.
ـ قال: طيب مين هي زوجتي؟!
نظرت ((إلهام)) إلى ((خالد))... وكل منهما يتطلع في وجه الآخر. وقام ((خالد)) واقفاً، وحمل ابنه بين ذراعيه، وهو يقول:
ـ ندخل الفيلا، ونشرب الشاهي، ونلعب مع بعض.. هيا.
ـ قال فارس مصمماً: أنا بدي أتزوج بنت خالتي.
ـ سأله والده: ليه بنت خالتك بالذات؟!
ـ قال فارس: أصلها حلوة، وتضحك دايماً!
جلس ((خالد)) أمام التلفاز، وبجانبه زوجته.. بينما انطلق ((فارس)) من جديد إلى فناء ((الفيلا)) مشدوداً إلى القطة التي ولدت ((قطاً)) وهو يصر أن يسميه باسمه!
التفت ((خالد)) يتساءل.. يفتش عن ابنتهما ((عهد)).. عرف أنها نائمة.
ـ سألته إلهام: بتسأل عنها ليه.. ناقصين أسئلة من ((عهد)) كمان؟!
ـ قال: دي لسه ما اتكلمت!
ـ قالت: راح تتكلم، ونوقف نفس الموقف.. أنا اتصببت عرق، في حياتي مامر علي موقف زي ده!
ـ قال:كله منك.. إنت السبب.
ـ قالت: ولله الأمهات مظلومات مع الآباء. مسؤوليتك أنك تفهم الولد بأدب، ما هو بالطريقة المباشرة.
ـ قال: أنا ما كلمته مباشرة، ولازم يفهم. والموقف ذكرني بقصة فيلم أجنبي عن طفلة واجهت أمها ووالدها بأسئلة شبيهة، وما صدقت الأم مع طفلتها وأفهمتها أنهم وجدوها تحت شجرة، ولما كبرت البنت بعد عشر سنوات كادت تحدث كارثة مع ولد في سنها!
ـ قالت: يعني الأم مسؤولة.. مصمم؟!
ـ قال: الفائدة الرئيسية المباشرة من تعليم المرأة.. إنها لما تصبح أم تعرف كيف تتعامل مع أطفالها، وكيف تجيب عن الأسئلة الحرجة.. تقرأ لهم القصص قبل النوم، وتفتح مداركهم.. وأنا قرأت مرة خبراً عن نقابة مديري وأساتذة المدارس في بريطانيا.. النقابة صرحت أن أمهات اليوم ما عندهم الرغبة ولا الصبر للحديث مع الأطفال، وقالت النقابة: إن علاقة الأم بأطفالها انحصرت في اللقاء حول مائدة الطعام، أو ساعة النوم، وطبعاً.. النتيجة انعكست على الأطفال.. صار عندهم خجل من مواجهة الآخرين، والكبار بالذات، وصار عندهم فقدان للاعتماد على النفس لأن الأطفال لم يجدوا من يوجههم!
ـ قالت: ما شاء الله.. وهذه الأشياء كلها من مسؤولية الأم، وفين دور الأب؟!
ـ قال: الأب له دور بلا شك.. لكن مرحلة الطفولة الأولى من مسؤوليات الأمهات. الأم ما عادت تتكلم مع طفلها كثيراً.
ـ قالت: طيب ما هو إحنا كبرنا، وأمهاتنا ما قرأوا لنا، بعض الأمهات غير متعلمات، كيف عرفنا وطلعنا كده؟!
ـ قال: التعليم صهرنا وشذبنا.. إنما لا تنس إن كل واحد لا بد في داخله نقص، أو عقدة.. شيء من آثار التربية القديمة، إما من الضرب أو العنف، وإما من الجهل!
ـ قالت: ومشكلتنا اليوم؟!
ـ قال: هي مشكلة أطفالنا.. إنهم يعانوا من تسيُّب الأم، وانشغال الأب.
عاد ((فارس)) إلى والديه وهو يضحك، ويتقافز، ويخاطب والده:
ـ بابا.. لولو اختفت، وولدها ((فارس)) القط، نايم لوحده.
ـ لازم راحت تاكل يا حبيبي.. لا تخاف، الأم ما تترك طفلها أبداً.
ـ لكن ماما بتتركني في البيت مع ((عائشة)) وتخرج.
ـ لأنك كبرت شوية، لكن لما كنت طفل قد ولد ((لولو)) ما كانت تتركك أبداً، دايما أنت في حضنها.. لما أنا ملّيت!
ـ قالت إلهام: ملّيت إيه كمان؟.. كفاية مع الولد.. نجلس مع أطفالنا تقولوا مقصرين في حق الطفل.. نحن احترنا!
ـ قال خالد: لما تتركي طفلك، ما بتروحي للأب، إنما تخرجي!!
ـ قالت: يعني ما اشم نفسي.. أنحبس في البيت؟!
ـ قال: لأ... التنظيم مهم.
تصاعد بكاء ((عهد)) من غرفة النوم المجاورة. قفزت ((إلهام)) ركضاً نحوها، وهي تقول لزوجها:
ـ اتفضل.. أنا صرت داده!
احتضن ((خالد)) ابنه وهو يبتسم لانفعال زوجته، وقبَّله، ثم طلب منه أن يذهب إلى غرفته ويلعب، وينام، واتجه ((خالد)) نحو غرفة النوم.. ليجد ((إلهام)) تهدهد ابنتهما لتعود إلى نومها.. بعد أن سقتها من عطشها.
أحاط ((خالد)) زوجته بذراعيه، وهو يهمس لها:
ـ قدمت لك خدمة عظيمة.. اقنعت ((فارس)) يروح ينام علشان نجلس مع بعض وحدنا ونتكلم!
ـ قالت: أنا تعبانة من ولدك وبنتك، والنوم في عيني.. نام إنت كمان، ما تعبت؟!
ـ قال: لسه.. نفسي أتعب شويه!
ـ قالت:. اجلس اقرأ كلمتين تفيدك.. يمكن تعرف تجاوب على أسئلة فارس. وبعدين ((عهد)).. بدل التَّلبيخ في أجوبتك.
ـ قال: عهد.. إنت اللي تجاوبى على أسئلتها لأنها زيك.
ـ قالت: خلاص.. اتفقنا. روح نام.
ـ قال: وأنت؟!
ـ قالت: تحب إني أهدهدك وأنومك زي أطفالك؟!
ـ قال: يا ريب.. أتعود شعر رأسي على جولة ليلية لأصابع يدك!
ـ قالت: الشعر في الليل بس.. إنما في النهار تطلق قذائف.يا ساتر!
ـ قال: الليل وعاء الشعر والموسيقى والحب.. والليل من غيرك يصبح غابة موحشة وكئيبة!!
ـ قالت: أنا ما عندي طفلين.. عندي ثلاثة أطفال، إنما الثالث متعب بشكل!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1124  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 85 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج