شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خصام الحب!
* تعود ((خالد)) أن يغفو قليلاً بعد الإفطار في رمضان. حاولت ((إلهام)) أن تثنيه عن هذه العادة. استفزته مازحة وهي تخبره أنها عادة الكبار في السن! سلَّطت عليه ((فارس)) يدخل عليه غرفة النوم ويشده من يده، ويدغدغه في قدمه!
لم تفلح كل المحاولات. خضعت ((إلهام)) أخيراً، وأصبحت تضع ابنها بجانبها وتتابع برامج التلفاز.
فجأة قرع جرس الباب، وتطلعت ((إلهام)) إلى ساعة الحائط. وجدت الوقت مبكراً، إذ لم تبلغ الساعة الثامنة مساء بعد. ترى من يأتي في هذا الوقت؟!
أسرعت إلى باب ((الشقة)) تفتحه.. ففوجئت ((بأم خالد)) تقف أمامها في حالة من التوتر. سألتها:
ـ خير إن شاء الله.. مالك يا ماما؟!
ـ أجابتها: خليني أدخل الأول.
أفسحت لها الطريق، وعلى وجهها علامات الدهشة. رمت ((أم خالد)) عباءتها على الأرض، وبدأت حركات الجلوس البطيئة، نظراً لترهل جسمها وتخنه، ثم فتحت حقيبة يدها وأخرجت سجائرها وأشعلت لنفسها واحدة، ويدها ترتعش.. وإلهام، تنظر إليها قلقة، تتساءل في صمتها عن حالة حماتها.
وانطلق ((فارس)) إلى جدته، فارتمى في حضنها، يتساءل هو الآخر:
ـ إنت بتبكي ليه يا ستو؟
احتضنته بدموعها تنزلق. أجابته:
ـ أبكي حظي المايل.. ربنا يحسن حظك يا ولدي!!.
انسحبت ((إلهام)) في هدوء إلى غرفة النوم توقظ زوجها. فتح في وجهها عيناً واحدة ليرى زوجته في ظلال ضوء ((الأباجورة)). سألها: ما الخبر؟!
ـ قالت: أمك متوترة وبتبكي.. قوم شوف إيه الحكاية!
ـ قال: معليش.. هدئي من انفعالها.
ـ قالت: يا برودك يا أخي.. أمك بتبكي.. اتحرك، أنت قلبك إيه؟
ـ قال: حالاً.. الحكاية معروفة، لازم اتخانقت مع أبويا مثل العادة!
ـ قالت مندهشة: ليه.. في السن ده وبيتخانقوا؟!
ـ قال مبتسماً: يعني إيه السن ده، أنا الولد البكر لأمي وأبويا، وأنا صغير، و......
وضعت يدها على فمه، حتى لا يستطرد. قالت له:
ـ ما هو وقت تحديد السن.. أنا راضية بك. المهم.. قوم شوف أمك.
* * *
عادت ((إلهام)) إلى حماتها. رأت ((فارس)) يتعلَّق في صدرها. نهرته قائلة:
ـ تعال هنا يا ولد.. ستو تعبانة شوية. خليها ترتاح.
ـ قالت أم خالد: أتركيه.. ((فارس)) هذا عيوني المركَّبة، والسبب الوحيد اللي أحب الحياة علشانه.
ـ قالت إلهام: تلاقيكي ما شربت شاي.. أقوم أعمله.
ـ هوّ أنا اتسممت شيء؟.. كفاية أبو خالد سمَّمني من الكلام اللي يوجع.
ـ خير يا ماما.. إهدئي الآن، وإنت عارفة المعدة بتتخانق مع بعضها.
ـ أقول عليه إيه بس؟.. الله يسامحه.
ـ كده إنت عظيمة، المسامح كريم، واحنا في رمضان.. بعدين عمي ((أبو خالد)) برضه راجل طيب، لكنه عصبي شوية، وتلاقي الموضوع بسيط!
ـ دايماً ينكد عليَّ، وإيه.. في السن ده. أقول له: إحنا كبرنا يا ((بو خالد))، ولدنا الكبير جاب ولد، أنت أصبحت جد، لكنه... راجل مجنون وأناني.
دخل ((خالد)) إلى غرفة المعيشة، وهو يضحك بصوت مرتفع ويخاطب أمه:
ـ مين المجنون هادا يا أمي؟!
ـ قالت له: أبوك.. هوّ فيه غيره، مُورِّيني نجوم الظهر!
أقبل عليها. أخذها في حضنه وهي جالسة، ووجدت دموعها جاهزة من جديد.. بكت، و ((خالد)) يربت على ظهرها، ويهدئ من انفعالها ويبتسم. التفتت إليه قائلة:
ـ إنت بتضحك؟.. كلكم رجال زي بعض!
ـ يا ماما.. لازم الموضوع زي العادة بسيط.
ـ طبعاً.. بسيط في رأيك كرجل، ويمكن تقول عليه تافه بعد شوية.
ـ يا ماما.. خلاص إنت وأبويا كبرتو. كل واحد صار جد، والعشرة اللي بينكم طويلة.. تصوري إنك وبابا زوجين من ستة وعشرين سنة.. يعني عمر. ولازم تحتملوا بعض!
ـ لكن أبوك ما يحتملني.. ما يطيق كلمة واحدة مني.
ـ معليش.. خليكي إنت المتسامحة. لكن... حصل إيه تاني، ما هو إنتوا اتصالحتوا من شهر؟!
ـ معجون التمري يا ولدي.. قال إيه؟ هو صائم وما يحتمل كلمة، وأنا يعني اللي فاطرة؟!
ـ معليش.. احكي لي حصل إيه؟
ـ والله ماني عارفه، لخبطني وقلب مزاجي.
ـ شايفه إن الموضوع تافه؟
ـ برضك تقول تافه؟!
ـ إذا كان إنتو الكبار في السن وفي التجربة، وفي العقل تعملوا كده.. أجل احنا الصغار نعمل إيه؟.. أهو عندك ((إلهام)) مثلاً بتحتملني لما انفعل!
ـ قالت إلهام: أيوه اعترف.. سامعة يا ماما، من فمه أدينه.
ـ قالت أم خالد: ربنا ما يغيِّر عليكم.. الزوجة يا بنتي ستر وغطا على زوجها.
ـ قال خالد: بس... إنت قلتيها. يعني يمكن بابا منرفز من الشغل، متضايق في نفسه.
ـ قالت أمه: والله يا ولدي أحرص إني أريحه في البيت، إنما أبوك.. أف منه!
ـ قال خالد: طيب هدي نفسك بس.. نعرف حصل إيه؟
وحكت ((أم خالد)) الموقف الذي أثار الخلاف مع زوجها.. فقد عاد من عمله. وصلى العصر، يدخل إلى غرفته لينام، ولم تمر ساعة حتى قام، وأخذ يدور في أرجاء البيت.. دخل المطبخ وسأل عن الأكل. خرج إلى الشرفة، وعاد. سألته زوجته عن الذي يقلقه، ولماذا استيقظ بعد ساعة. صرخ فيها: وانت مالك؟!
وتشعب الكلام بينهما. واستطردت ((أم خالد)) تروي الحكاية وهي تبكي:
ـ بس يا ولدي.. كلمة منه، كلمة مني.. حتى قال: إنت عيشتك زفت. رديت عليه، أيوه أنا أعترف. قلت له: وأنا ما شفت معاك يوم طيب!
ـ سألها خالد: شفت إن الكلام عادي؟
ـ قالت: صحيح.. لكن أبوك طوّل لسانه علي. عمره ما قال لي في حياتنا مع بعض: إنت عيشتك زفت!
ـ ضحك ((خالد)) واحتضنها. قال لها:
ـ خلاص. أتركيه يعيش لوحده كم يوم ويعرف قيمتك. اجلسي عندنا معززة.
نظرت إليه باستغراب. قالت:
ـ وي.. يفطر كيف في رمضان. مين يجهِّز له الفطار والسحور؟!
ـ قال خالد: حنّينا يا ست الحبايب.. ما هو ده بابا اللي ماشفت معاه يوم طيب!
ـ قالت: أنا عارفة.. العشرة ما تهون يا ولدي.
ـ قال: خلاص.. ما وحشك ((فارس)).. له كم يوم ينادي على ستو!
ارتدى ((خالد)) ملابسه، وخرج بعد أن طلب من زوجته أن تعد سحوراً جيداً.
ذهب إلى والده في البيت. قال له.
ـ وبعدين في انفعال الشيوخ؟!
ابتسم والده وهو يقول له:
ـ كنت عارف إنها راحت لك في البيت. أمك عصبية جداً، وأنا كنت زعلان من شغلة كده، وما احتملتش. بسيطة، إنت عارف أمك وتصرفاتها، إنما المفروض تعقل خلاص!
طلب منه ((خالد)) أن يذهب معه إلى البيت لتناول السحور معاً. و ((خالد)) يضحك مع أبيه، وهو يحدثه عن طبيعة البشر، وعن تصرفات المرأة في بيتها. قال له أيضاً:
ـ كنت أعتقد أن زوجتي نظراً لصغر سنها تعمد إلى المناكفة، كنت أظن أيضاً أن المرأة حين ترزق بأطفال تتريَّث، وتفكِّر.. لكننا كرجال لا بد أن ندلِّع نساءنا حتى لو بلغن من العمر سن الشيخوخة!
ـ قال والده: بس يا ولد.. أمك ما هي كبيرة، دي جابتك وعمرها سبعة عشر عاماً!
ـ قال خالد: إنت راح تقول لي.. وإنت صغير السن أيضاً. فرحت بمولدي وعمرك تسعة عشر عاماً.
ـ قال والده: أنت بتسخر يا ولد؟!
ضحكا من أعماقهما. وارتدى والده ملابسه، يذهب مع ((خالد)) إلى البيت، هناك رأى زوجته ((أم خالد))، قال لها:
ـ أهلاً بالمجنونة الظريفة!
ـ قالت: والله ما مجنون إلا أنت.. بعد العمر ده كله، تقول لي: عيشتي زفت!
ـ قال: على أي حال.. أنا وحشني ((فارس)) وجئت أشوفه.
وارتمى ((فارس)) في حضن جده، وأخذ يعبث بذقنه ضاحكاً، ويضربه على خده!
ولم تكن تلك الليلة هي الأخيرة في ((موال)) الخصام بين زوجين كبرا وأصبحا يفرحان بحفيد.. ولكن ((خالد)) وزوجته ((إلهام)) بعد أن خرج الجد والجدة... جلسا يتحدثان عن الحياة الزوجية، بفلسفة الحب كلما امتد الوفاق والعشرة في حياة الزوجين!
وأراحت ((إلهام)) رأسها على صدر زوجها، وأغمضت عينيها للحظات، ثم قالت له:
ـ تفتكر لما نكبر... تتكرّر الصورة نفسها معنا!
ـ قال: إذا استمر حبك لي!
رفعت رأسها من فوق صدره، قائلة:
ـ ليه.. هو الخصام حب برضه؟!
ـ قال: الخصام ملح الحياة الزوجية.. بشرط أن لا يتحول إلى مقايضة ومناظرة بين الزوجين، وطبيعة الحياة تقوم على السالب والموجب.. على الخصام والعتاب والصلح.
ـ قالت: أهم شيء أن لا نزرع الكراهية، لأن الكراهية تدمير!
أخذ رأسها مرة أخرى، وأراحه على صدره.. ولفهما الصمت الذي يتحدث بدقات القلب!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1111  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 81 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.