شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فين طريقك.. فين؟
دخل ساعي البريد، وهو يحمل على كتفه حقيبة ملأى، مكتظة بالرسائل من كل بلد، ولون، وبخطوط مختلفة، متعددة.. وعلى ذراعه الطويلة تنام مجموعة أخرى من الرسائل التي يتكفل هذا الساعي بإيصالها يومياً إلى أصحابها.. وهو غير ملمٍّ بما تحويه تلك الرسائل، وبما تحمله من معانٍ.. وأخبار!..
ووقف الساعي أمام مكتب ((عادل كريم)) سكرتير المدير العام.. ينتظر منه التفاتة.. حركة من رأسه المشدود إلى الأوراق التي أمامه.. وطال انتظاره.. والسكرتير منهمك في عمله، لا يحس بأحد معه في الغرفة. وتكلم الساعي:
ـ يا أستاذ.. يا أستاذ عادل.. عندي لك جواب.
وارتفعت جمجمة ((الأستاذ))! عادل، وعليها نظرات متضايقة حانقة مصوَّبة نحو وجه الساعي النحيل الأصفر.. وقال:
ـ رسالة؟.. من يبعث لي رسائل؟!.
ليس لي في خارج هذه المدينة معارف أو أصدقاء أو أقارب!.
ومدَّ يده يلتقط المظروف.. ورسم خطوطاً متشابكة في دفتر البريد.. وخرج الساعي.. تاركاً الأستاذ عادل يقلِّب الرسالة بين يديه في حيرة واستغراب! وقرأ خلفها.. والدهشة تزداد أماراتها على وجهه!.. فتاة.. بنت.. تبعث له رسالة؟! إنه إنسان لا يحب هذه المسالك.. لأنه جاد دائماً في حياته، والمرأة عنده لا تستحق التفكير إلا عندما تكون حقيقة واقعة.. تعيش معه في بيت واحد.. أما الآن..
وفضَّ الرسالة.. وقرأ:
((عزيزي الأستاذ عادل..
تخيَّرت اسمك من بين الأسماء الكثيرة التي تملأ صفحة التعارف في المجلة.. لأنني أود التعرف إلى شاب من بلدك الإسلامي العظيم.. أريد أن أعرف عن بلادكم الكثير.. الكثير، صور البلاد، طباعكم، عاداتكم، أعيادكم.. فهذه رغبتي، أما هوايتي فهي الموسيقى، وسنوات عمري تشارف الثامنة عشرة..
أرجو أن تجد رسالتي هذه.. تجاوباً عندك على الرغم من عدم معرفتي بشخصيتك وميولك، وأهوائك..)).
((دعد))
ووضع الرسالة فوق مكتبه.. وجذبه تفكير طويل عميق!.. وأسئلة حائرة لم يجد أجوبة عن الكثير منها..
من الذي بعث باسمه، وعنوانه إلى تلك المجلة؟.. أي مازح ثقيل أوقعه في هذا ((المقلب))؟..
ثم.. لماذا اختارته هو بالذات، وفي المجلات أسماء لكثير من هواة المراسلة.. من أبناء بلاده الذين يودُّون من صميم قلوبهم مثل هذا النوع من المراسلة؟!
وهل تفاءلت هذه الفتاة بالتجاوب عنده.. عندما بعثت إليه برسالتها؟.. إنها مسكينة لا تعرف آراءه!..
وامتدت يد ((عادل)) إلى الرسالة، وهمَّ بتمزيقها وهو يرسم على وجهه ابتسامة ساخرة.. ولكن أعصاب يده تجمدت فوقها..
لماذا لا يتجاوب معها.. ما دام أنها تودُّ معرفة هذا البلد، واستقاء المعلومات.. للثقافة فقط؟.. إن هذا واجبه كمواطن مثقف!..
وفي غمرة هذه الحيرة، والتردد.. سمع اسمه:
ـ أستاذ عادل.. المدير يريدك!
وبتثاقل ظاهر.. سحب ((عادل)) خطواته إلى غرفة المدير.. ثم عاد في خطوات عاجلة إلى مكتبه، وأمسك بالرسالة.. وأغرق نظراته بين سطورها.. ثم.. كتب:
((عزيزتي دعد..
النساء في أشكالهن، وطبائعهن، وأسلوبهن مثل قوس قزح.. مثل ألوان الطيف السبعة.. كل واحدة تتصرف بكثرة تلك الألوان.. وكل واحدة تظهر بشكلها.. الذي يعطي جميع تلك الألوان.. وكل واحدة تقابل الرجل بعدد تلك الألوان.. ولهذا فإن الرجل يقف حائراً في أغلب المواقف، والظروف أمام قدرة المرأة على إرضاء الرجل، وإغضابه، وإثارته، وصدِّه، وإيقاعه ونفوره!.. وهذه الحقيقة الصارخة أخافتني، وأكون شجاعاً عندما أقول طبعتني على الجدة مع كل امرأة.. وتسببت في تكوين رأي خاص في المرأة عندي.. يقول: إنها لا تستحق التفكير إلا عندما تكون حقيقة واقعة تعيش معي في بيت واحد!..
ولهذا ترددت كثيراً.. وأنا أمسك برسالتك.. هل أكتب لك وأنا الذي وجدت نفسي في حرج.. لأنني - مثلك فوجئت باسمي على صفحات المجلة من هواة المراسلة؟!.. غير أني قررت مراسلتك لأكتب لك عن بلدي.. عن طباع أهله، وعاداتهم، وأعيادهم.. و.. لأتزوَّد بمعلومات جديدة عن المرأة!
لا تغضبي من صراحتي.. واعتبري هذه أول رسالة من مجموعة طويلة.. وإذا أردت معرفة هوايتي.. فلا أهوى غير القراءة.. أقرأ كل شيء.. وربما كان بين القراءة والموسيقى توافق.. وربما انعدم ذلك التوافق.. فأقفل المذياع لأستمتع بالقراءة وحدها..
((عادل))
وأودع الرسالة في صندوق البريد وهو يحدِّث نفسه عن المرأة.. عن رأيه فيها كإنسان مغرٍ.. منفر، غامض.. واضح، صعب.. سهل..
وتحوَّل ((عادل كريم)) إلى إنسان آخر.. بتفكير يختلف كثيراً عن ذلك التعقيد.. والانشغال بموضوع واحد.. يكاد لا يتغير، ولا يخرج عن حدود عمله، وإدارته: ماذا نسي أن يعمل، وما يودُّ أن يقوم به في الغد؟!.
أصبح يعيش بعدة أفكار..
سيعمل في الغد كشوف الحسابات.. ويعقب بنفسه على ورشة السيارات لتنهي إصلاح سيارة المدير!.. ويفكر اليوم في الرسالة الغريبة التي قدمت.. وتعلقت في ذيلها رسالة منه.. بعثها، وهو في انتظار ما تقوله المرأة في رأيه عنها.. وهي لا شك ستدافع عن المرأة.. ستثبت طيبتها وضعفها ومسكنتها أمام كل رجل..
وتتلقَّفه الأيام.. وهو يعيش هكذا، في انشغال ذهني لا يني، ولا ينقطع.. يتشعب به التفكير تارة.. وينحصر به تارة أخرى إلى درجة أنه يصمم على إهمال الفتاة إن هي أجابت، وتجاوبت مع آرائه!..
ولكنه في قرارة نفسه.. كان ينتظر الإجابة.. كان شغوفاً لمعرفة ما ستقوله الفتاة.. فإن رأيه الآخر عن المرأة يقول: إن المرأة تتعلق بالرجل الذي يبدي لها ألوان الإهمال، واللامبالاة بجمالها وشخصيتها!.. كان يترقب موعد قدوم الساعي في كل يوم.. ويستقبله بأعذب الكلمات:
((ـ ها.. يا عم سعيد.. جوابات ما عندك؟!)).
ويسكب الساعي على وجه ((عادل)).. ابتسامة تقليدية، ثم يغادر الغرفة!..
وبعد شهر..
جاء الردُّ إلى ((عادل)).. وفي داخل الرسالة حديث أدب.. ومعلومات واسعة عن بلدها ((لبنان)) عن جباله.. عن سحر الطبيعة فيه.. عن طباع أهله وعاداتهم...
وفي الرسالة الثانية أيضاً هذه الكلمات:
((لقد وضعت على المرأة كتلة من الحديد.. فلم تجعلها تستطيع الدفاع.. أمام رأي وجدت فيه الصلابة، والتعصب لطرف..
أما النساء يا صديقي.. فلم يضعن على الرجال إلا نتفاً من القطن.. قالوا إنه غادر.. غير مأمون.. عدد نظراته فاقت ألوان الطيف التي ذكرتها بأضعاف أضعاف!.. لا يعترف بمنطق الاستئناف بعد الحكم إذا حكم في قضية امرأة.. ومع هذا فإن المرأة تجري إليه مسرعة عند أول ابتسامة يضعها بين شفتيه الغاضبتين!..
لا أزيد على هذا.. وإنما أزيدك معلومات عن بلدي.. وقومي.. وأهديك بطاقة عليها رسمي.. للإحاطة فقط بالقسمات التي تطالع خطوط رسالتك، وتتابع آراءك رغم ما فيها من إجحاف))!..
وتتوثق هذه الصداقة التي كتب أول سطر في فصولها صديق مجهول.. لم يعرف حتى الآن..
ويشتاق ((عادل)) لزيارة ((لبنان)).. البلد الذي لم تقدَّر له زيارته حتى اليوم.. ويعتمل الشوق في صدر ((دعد)) هي الأخرى لزيارة ((الحجاز)) لتتعرف على معالمه التي صوَّرها ((عادل)) في أغلب رسائله.. وترى الناس الذين عرفت عن طباعهم، وعاداتهم الكثير دون أن تعيش في وسطهم يوماً واحداً.
ويتطور اسم الأيام.. إلى سنوات في عمر صداقتهما.. والرسائل تتوالى في غير فتور، وانقطاع.. وبالرغم من تحوُّل الأيام إلى شهور.. ثم إلى سنوات.. فإن الرسائل لم تحمل في يوم.. كلمة واحدة من كلمات الغزل الرخيص!.. وعبارات العاطفة المراهقة طيلة سنوات ثلاث..
وبعد هذه الفترة الطويلة.. تلقَّى ((عادل)) رسالة من نفس البلد ((لبنان))..
لم تعد دعد وحدها هي التي تراسله وتبعث إليه بالمعلومات عن بلدها.. بل كانت الرسالة الثانية من أبيها.. من والد دعد.. تحمل كلمات الثناء.. والإعجاب بأخلاقه، ورسائله إلى ابنته، وثقافته الواسعة التي اكتشفها من خلال رسائله لدعد!..
واصطدم ((عادل)) مرة أخرى بموجة من التساؤل والاستغراب!؟ أي صديق ذلك الذي دفع به وسط ثلاثة أعوام طوال.. يراسل فيها هذه الفتاة.. ويدفعه الآن لمراسلة أبيها أيضاً؟!..
وماذا يقول ذلك الرجل عنه.. وهو يراه يندفع بقوّة إلى مواصلة المراسلة مع ابنته، وقد قرأ آراءه في المرأة، وقوله إنها لا تستحق التفكير إلا عندما تكون حقيقة واقعة معه في بيت واحد!؟..
وتدفعه السنوات الثلاث إلى الكتابة.. إلى مواصلة الحديث بالمراسلة مع صديقته ((دعد)) ومع أبيها أيضاً!..
* * *
وعاد إلى بيته بعد أن وضع الرسالة - كالعادة - في صندوق البريد.. وعند باب منزله.. أخذه والده من يده في حديث رأى أهميته واضحة على وجه أبيه.. وأنصت للصوت الذي يقول له:
ـ أنت الآن يا عادل في سن الثالثة والعشرين.. وموظف في درجة أفتخر بها في المجتمع.. وإلى متى يا ابني؟.. ألا تريد أن تتزوج؟.. إن الشباب الذي يصغر سنَّك قد أنجب أطفالاً.. وأنت بعد تصرُّ على الانفراد؟.. ألم تتغير نظرتك نحو المرأة’؟..
وتطلَّع إلى وجه أبيه..
كان يودُّ أن يقول له: إن نظرتي لم تتغير فقط، ولكنها فنيت، انمحت.. وعدت أنظر بواقع آخر إلى المرأة التي لا تترك الرجل حتى تجذبه إليها!..
ولكنه صمت..
وطال الصمت.. يزيد الموقف حرجاً وتعقيداً مع ابيه..
ـ ماذا قلت.. بل ما رأيك في ((نوال)) ابنة عمِّك، إنكما تربَّيتما معاً، تعرفان من طبائعكما ما لا نعرفه نحن الآباء.. والأمهات.. ومع هذا.. إذا كنت تودُّ غيرها فلا أمانع.. فقط أريدك رجلاً مكتملاً..
وتكلم عادل:
ـ كما تريد يا أبي.. نوال هادئة، ومتزنة، وجميلة!.. ولكن وددت لو كانت هذه الفكرة بعد سنوات أيضاً..
ولم يوافق والده.. قال له:
ـ .. لا بل بعد شهور..
ودخل إلى غرفته يفكر!؟.. لم لم يقل لوالده أنه يريدها.. يريد ((دعد))؟.. وما الذي ألجم لسانه عن الكلام؟!..
* * *
وتفرقت بطاقات الدعوة على الأصدقاء والأقارب،.. ووضع عادل على رأسه ((العقال المقصَّب)).. وسار وسط ضجيج الدفوف..
وفي هذه الليلة.. رأى صديقه ((حسن)) يجذبه من ذراعه وهو يضحك قائلاً:
ـ والفتاة اللبنانية؟. وسنوات المراسلة الطويلة.. أنسيتها؟!
وحدَّق عادل في وجه صديقه.. وقال:
ـ إذن فأنت الجاني!.. أنت السبب في كل ما حصل.. ولكن الذنب تتحمل وزره أنت، والمقلب الذي عملته للمزاح.. لم ينته إلا بغير ما توقعت.. خذ عنوانها واكتب لها الحقيقة بدون كذب!
قال حسن: - بل أتركها للأيام تشرح لها الحقيقة..
وانغمس ((عادل)) في ليالي فرحه واستقبل أيامه الجديدة مع ابنة عمِّه.. زوجته نوال بمفهوم يصوِّر معنى الاستقرار..
ومرَّت الأيام سعيدة.. حلوة..
وتلقّى عادل المفاجأة.. عندما علم بفرحة الجنين الذي ستضعه زوجته بعد شهر.. أول مولود لهما..
وانطلق إلى السوق.. يختار الملابس للمولود الأول..
دفع بقدميه إلى كل معرض للأقمشة والملابس.. ليختار.. وينتقي، وعند باب أحد تلك المعارض توقَّف فجأة.. وتحجرت النظرات تحدِّق في الداخلين إلى المعرض!.
لا شيء.. ليست هناك امرأة صارخة الجمال تسترعي النظر بكل هذه المفاجأة!.. وليست هناك فتاة من بلده.. لم تضع على وجهها ما يستره.. إنما هناك كل شيء..
هذه الفتاة التي تهمُّ بدخول المعرض معه.. وهي تمسك بذراع رجل كبير مسنّ قد يكون والدها.. إنها.. إنها ((دعد)).. يعرفها من الملامح الواضحة في الصورة التي عنده..
ولكن ما الذي وضعها في هذا المكان.. بل ما الذي قدم بها إلى هذه الديار؟!
والتقت النظرات.
واقتربت منه الفتاة بصحبة الرجل المسنّ..
لا.. لا تقترب.. إنه لا يعرفها!!..
وقالت له برقّة وعذوبة:
ـ أستاذ عادل.. عادل كريم؟
ـ ز... ز... نعم عادل كريم..
ـ أنسيت؟.. قوس قزح وألوان الطيف؟!
ـ لا.. لم أنس يا دعد.. لقد عرفتك منذ نظرتي الأولى إلى وجهك.. أنتم في دياركم أهلاً وسهلاً.
وتقدَّم من أبيها يحيِّيه.. ويحضنه،
وسالت عبارات الشوق واللهفة تحضن هذا اللقاء.. وتعبت الأقدام من الوقوف.. دون أن يحس أصحابها بتعبها!.. وترددت لهجة العتاب على انقطاع الرسائل:
ـ لماذا يا عادل يا بني توقفت عن الكتابة.. لقد كنت أحسد ابنتي على صديق عاقل.. متعلم.. فهم معنى المراسلة مثل ما فهمت أنت؟!.
وتقول له دعد:
ـ لقد ظننا أنك مريض.. ثم فكرت أنك تراجعت، وعدت إلى رأيك الأول في المرأة.. وآثرت أن تنهي ما استمر سنوات ثلاث..
وأسقط في يد عادل.. لم يعرف ماذا يقول، وكيف يتصرف!.
ولم يملك إلا أن دعاهما إلى زيارته في بيته.. وامتدت الأيدي تتعانق مرة ثانية. ثم تفترق إلى لقاء.. واتجه عادل بخطى عشواء إلى سيارته الصغيرة.. وألقى بجسده داخلها.. وضغط على البنزين بقوة متوجهاً إلى البيت.. ليستقبل الضيوف بعد ساعات!
وفي طريق عودته.. كان يتصارع مع عدة أفكار وهواجس، و..
هل يقول لامرأته؟.. هل يحكي لها سرَّ السنوات الثلاث؟ وكيف يقف أمام الفتاة القادمة.. التي تظن أنه يعيش وحيداً... مع نظريته الأولى عن المرأة!؟
وكيف يكون وقع المفاجأة بالنسبة إليها؟..
* * *
وصرخ الجرس في فناء الدار الصغيرة.. وخرج عادل ونوال يستقبلان الضيوف - بعد أن عرفت زوجته كل ما حدث..
ومع خطوات الأقدام.. كانت نظرات ((دعد)) مشتَّتة.. حائرة تتطلع إلى أثاث البيت، وإلى وجه المرأة التي استقبلتها!!؟
ترى من تكون هذه المرأة؟.. أخته؟ ولكنها حامل.. في شهرها الأخير؟..
وتقدَّم منها عادل وأشار إلى نوال قائلاً:
ـ نوال.. زوجتي!!..
وارتسمت ابتسامة باهتة صفراء على وجه دعد، وهي تحاول تصوير الفرحة على وجهها..
وانتهت الزيارة بعد دقائق.. وهي التي كانت في ذهن دعد ساعات تطول.. وابتعدت خطوات دعد عن سمع عادل.. وكأنها خطوات الحارس الليلي وهو في طريقه إلى بيته بعد طلوع النهار!!
وانقضى شهر..
وفي أعقابه كانت أصابع عادل تفضُّ رسالة من لبنان.. من ((دعد)).. وكانت نظراته تقرأ:
((عزيزي الأستاذ عادل..
لقد كانت مفاجأة لي بلا شك.. بل سمِّها صدمة!.. وقد أحسست ببوادرها وأنا أرى رسائلك تنقطع عني!
كنت إنسانة معك.. ولم أكن امرأة أمامك؟!
قد أعترف لك الآن.. بأن قلبي كان ممتلئاً باسمك وشخصك وصورتك.. أنت فقط، ولم أصرِّح لك.. لأن هذا هو المفروض - كما أعتقد - وما ينفع التصريح في تلك الأيام.. وكلانا بعيد عن الآخر مسافات طوال!؟..
لقد كنت أجلس في أيام الانتظار لرسائلك.. يوماً بكامله في البيت أعلِّل نفسي بوصول رسالة منك.. حتى يغطي الشفق الأحمر وجه السماء.. حتى أسمع صوت العصافير تغني بدون صوتي.. كنت أقول:
ـ أين أنت الآن.. كنت أغني لعبد الوهاب ((فين طريقك))!!؟
وأعترف يا صديقي.. أن تلك التصرفات كانت تصرفات فتاة غضة.. لم تعرف، ولم تعِ..
ولكني سعيدة الآن..
سعيدة لأنني ارتحت لراحتك واستقرارك في بيت الزوجية، وهذا منطق الإخلاص يا صديقي..
وسعيدة لأنني عرفت الطريق إليك، وعدت منه وأنا أتمنى لك الحياة الهانئة..
أما طريقي أنا.. فقد أصبح بعيداً بعيدً!!.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :838  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.