شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اهتماماتي الأدبية (1)
في صدر الشباب
شاء الأستاذ صاحب ((المنهل)) أن يختار هذا الموضوع، وهو بهذا الاختيار الصحفي البارع قد أرادني على الكتابة - ولكن بصورة لبقة - لأنه قد توخى أن يغريني بالإشراف من قمة الهرم التي كدت أبلغها إلى عهد الشباب النضير المفعم حيوية ونشاطاً، ذلك العهد الذي كنت ودعته وبكيت عليه قبل بضع سنوات في قصيدة طويلة أذكر منها الآن هذين البيتين:
واهاً على زمن مضى
وعلى أمانيه العذاب
كانت تفيض لذاذة
أحلى من الشهد المذاب
والواقع أن الأستاذ الأنصاري قد أصاب الهدف وبلغ الغاية.
* * *
كان أول اهتمامي بالأدب، يتمثل في مطالعة الكتب الأدبية والدواوين الشعرية، وذلك في سنة 1335هـ وكانت لغة الكتابة المتداولة يومئذ مهلهلة سقيمة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى، يغلب عليها السجع والمحسنات البديعية التقليدية والاستعارات الركيكة الباردة، فهي لغة لا غناء فيها ولا قوة كالمسْخ الذي يُجمّلُ بأحسن الثياب ولكن ذلك لا يكسبه أية صورة من صور الجمال وكل محاولة لتجميله تذهب سدى، وكل محاولة لتحسينه غناء وغثاء، إن تجرد منه ظهر على حقيقته، صورة شوهاء تصطدم بها العين وتتقزز منها النفس..
أدركت وضعية الأدب المنحطة يومذاك، وأدركه معي نفر قليل من الأخوان ممن كانت تؤلمهم هذه الحالة وتثير في أنفسهم كوامن الحسرة ولواذع الأسى، حيال أدب هذا البلد الذي هو مهبط الوحي، ومهد البلاغة والتبيان ولكن كيف السبيل إلى الإصلاح والنهوض بالبيان، والمدارس محدودة البرامج، مقيدة بنظم لا يمكن تخطيها أو تجاوزها. بيد أن العزيمة الصادقة والإيمان العميق من شأنهما أن يذللا الصعاب، والحاجة أم الاختراع. وهكذا اتفقنا - معشر روّاد الأدب الحديث في هذا البلد الأمين يومئذ - على أن يتخذ كل واحد منا الطريق الذي يراه صالحاً للوصول به إلى هدف الجميع فكان كل منا يذيع على الآخرين ما يكتب من نثر أو نظم (2) ، كلما اجتمع بزملائه أو ضمهم مجلس سمر، وهؤلاء يذيعونه على غيرهم. وهكذا دواليك واكتفينا بهذا الصنيع لأن تأليف نَادٍ مثلاً، للاجتماع المنظم وللدراسة والمطارحة والمساجلة والنقاش، فيه خروج عن المألوف، وفيه نوع من التجمهر لا ترضى عنه حكومة ذلك الوقت، وهي حكومة في بدء نهضتها وتخشى من اجتماعات الشباب لاندفاعه وتهوره وعدم معرفته مواطن الخير. والخروج عن هذه القاعدة معناه التمرد وعدم إطاعة أولياء الأمر وفي هذا استهداف للأذى والشر.
أخذ كل منا ينادي بآرائه، كل والطريقة التي يراها صالحة، ومضى على هذا ردح من الزمن غير قليل نضجت فيه الفكرة ونمت وصار لها مشايعون وأخذ هؤلاء يدلون بدلوهم، فصرنا بعدئذ نجتمع في دار أحدنا وجعلناه (شبه ناٍدٍ) نتبادل فيه الآراء ونتساجل ونتقارض الشعر ونتطارح النثر وكل ما يمت إلى الأدب بصلة.
وفي هذا النادي وضعت اللبنات الأولى للأدب في الحجاز، برغم أن طريقنا لم يكن مفروشاً بالورود وبالرياحين، بل كنا نسير على الحسك والأشواك بما نلاقيه من شيوخنا من عنت وازدراء وتثبيط.
أذكر أن والدي رحمه الله - وهو طالب علم محيد، يتذوق الشعر ويعجبه الجيد منه ويقرضه أحياناً، وإني أطالع ديوان ((ابن أبي ربيعة)) فأخذه مني في لباقة بأن طلب أن يطلع عليه في رفق وقال من ضمن ما قاله وبعد مقدمة طويلة: إن في مطالعة الشعر مفسدة للأخلاق ومضيعة للوقت، لأن الشعر يتناول الخير والشر، وقد رَغَّب الرسول عليه السلام عنه في حديث معروف.
وأذكر أن أحد أساتذتي رآني اقرأ مجلة - لا أذكر - أهي الهلال أو المقتطف فأخذها مني بعنف ونهرني وقال: إن سنك ومعلوماتك لا يؤهلانك لإضاعة وقتك في قراءة هذه الأشياء وإنه من الأجدر بك أن تعتني بدروسك التي تنفعك.
رحم الله أبي.. ورحم أستاذي.. فما كانا ليعلما أنهما مهما حاولا فإنهما مخفقان لأن حرفة الأدب - كما يقولون - كانت قد ملكت كل شعوري وتفكيري فسرت في طريقي بحذر وهدوء وكان أن بلغت ما صبوت إليه والحمد لله.
ولعلّ ما لاقيته من عنت لاقاه إخواني، ولكننا برغم ذلك مشينا في السبيل الذي رسمناه لأنفسنا. ومن سار على الدرب وصل.
وبعد فهؤلاء النفر الذين اكتفيت بالإشارة إليهم هم الذين وضعوا اللبنات الأولى في صرح النهضة الأدبية بالحجاز وهم الروّاد الأول في هذا البلد الأمين وإنه ليسعدهم أن الأدب الآن قد بدأ يصل إلى الكمال، أو في طريقه إلى الكمال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :775  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 37
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج