لك الحمد يا ربّاه.. حمداً مُرَدّداً |
حملت لما يسرت عبداً مُوَحِّدا |
تغمدته بالفضل - مذ كان - مُنْعِماً |
وطوبى لمن يَسَّرتَ أن زار أحمدا |
ألا يا رسول الله.. جئتك زائراً |
أحيّيك بل أفديك لو أملك الفدا |
وأنت عظيم دونه كل باذل |
من المال، والجاه اللَّذَيْن هما النَّدى |
وإنك ضيف مُكْرَمٌ عند من له |
يَخِرُّ جميعُ الخلق في الكون سُجَّدا |
وحق لك الإجلال من كل مؤمن |
بك الله أصفاه من الحق موردا |
أمجد ذكراك الحبيبة في الورى |
تشع بآيات من الخير والهدى |
طلعت على الدنيا رسولاً مُبَلِّغاً |
رسالاتِ ربّ الناس، للنّاس مُنْجِّدا |
ليرتدَّ من أمر الحياة وأهلها |
إلى الخير ما قد كان شراً مُؤكَّدا |
وتجمع شمل العالمين بوحدة |
تنظم خلق الله عقداً منضدا |
يؤلفهم حب وغاي ومنهج |
به يستقيم الأمر والعيش سَرْمَدا |
وهل يلتوي درب الحياة إذا مشى |
به الناس - نحو الحق - صفاً مُوَحَّدَا |
وتهدي لهم خير القوانين شرعة |
من الله أوحاها إليك ورشَّدا |
وكنت لهم في ذات نفسك قدوة |
هي المثل الأعلى فمن أفلح اقتدى |
وما جئت تبغي ثروة أو زعامة |
فقد عرضا، لكن تساميت مُصْعدا |
كلا ذين أسمى غاية السعي في الورى |
وأهون ما في الأرض - عِندَكَ - مقصدا |
وما جئت إلاّ منذراً من ضلالة |
تردّى إليها الناس، للحق مرشدا |
وقد أفلح القوم الألى كنت ملأهم |
نفوساً وأبصاراً وسمعاً ومَحْتِدا
(1)
|
فخر إلى أعتابهم كل شامخ |
أبى نهج خير السبل للعز مَصْعَدا |
ومن ينتصر للحق بالحق مؤمناً |
يكن سهمه في الحق سهماً مُسَدّدا |
إلى الله أشكو المسلمين أضلنا |
هوانا على النهج القويم فبدَّدا |
فعاث بنا من كل صوب عداتنا |
كأنا متاع عاد نَهْباً مُبَدَّدا |
وشرَّدَنا في الأرض شعب مُلَفَّقَ |
وقد كان - بل ما زال - شعباً مُشَرَّدا |
وأصبح منا (اللاجئون) كأنهم |
عيال على الدنيا، أَحِقّاءُ بالرَّدى |
يُرى بعضُهم من لفحة القيظ مُحْرَقاً |
وفي زمهرير البرد عَظْماً مُجَرَّدا |
وما ذاك إلا أننا قد هوى بنا |
هواناً، إلى وِرد لقد ساء موردا |
حسبناه - إذ جئناه - صفواً نَغُبُّهُ |
نُروَّى به من شِربةٍ غُلَّةَ الصَّدى
(2)
|
سكرنا به حتى تَعَمَّتْ دروبنا |
علينا وحتى نالنا كُلُّ من عَدا |
فحاق بنا من شهوة النفس غيُّها |
وبعض الأماني دونها لَطْمَةُ العدى |
منى النفس أن أرسلتها من عِقالها |
شياطين حُلَّتْ من عِقال - تَمَرُّدا |
إذا لم يكن للمرء من وازع به |
يشيح - تقاة - عن هوى النفس عامدا |
تضل به أهواؤه في مفاوز |
يَظَلُّ بها أسيانَ وَهْداً ومُنْجِدا |
وما الناس إلا قادة وعشيرة |
إذا صلح الوالي العشيرةَ أسعدا |
ولكن مضى ساداتنا نحو حتفهم |
ولم نَلْفَ من يحتل - من بعد - مقعدا |
وربة أقوام أضلُّوا سبيلَهم |
فكان بها الراعي أضلَّ وأفْسَدا |
وما المرء إلا ما تأدَّب يافعاً |
وإن له من شأنه ما تَعَوَّدا |
وإنا لَمِنّا المفسدون لذاتهم |
وللناس، حتى لا ترى منهمو جَدى |
همو القوم لا للخير مسعى خطاهمو |
ولكنه للشر، ما زال - موجدا |
إذا ما بدت للخير من بارق الرؤى |
ملامح - غشّاها صنيع لهم بدا |
وإنا لَمِنّا العابثون بأمرهم |
وبالناس يفنى عمرهم كلُّه دَدَا
(3)
|
إذا فتنة في مهدها جَدّ جِدُّهم |
لإشعالها حتى لا ترى الشر مُوقَدا |
وإن صلحت أحوال قوم تَسُؤْهُمو |
ومدُّوا إليهم بالأذى منهمو بدا |
وإنا لَمِنّا الناقمون سجيَّة |
على الناس والدنيا وأيامُهُم سُدى |
وإنا لَمِنّا الحاقدون حياتُهم |
بغيرهمو شغلٌ حديثاً وحُسَّدا |
فلم يصنعوا شيئاً وكم ذا يسوؤهم |
صنيع سواهم ما أضلّ وأنكدا |
قُعودٌ عن الأعمال لا يألفونها |
وتلقاهمو في موكب الناس أقْعَدا |
وإنا لَمِنّا القابعون وحظُّهم |
من العيش قلبٌ فارغ قد تَبَلَّدا |
وهم - بعد - يمضي شأنهم غير واحد |
فقيراً غَبيًّا، أو وَريثاً مُعَرْبِدا |
وإنا لَمِنّا العائقون تَقَدُّماً |
به يبتغي الإنسان مجداً وسؤددا |
همو القوم لا يدرون من أمر دينهم |
سوى تُرَّهات لَسْنَ مما به شدا
(4)
|
ومنهم مُراءٍ باء بالخسر إنه |
- على علمه بالحق - قد كان مفسدا |
وإنا لَمِنّا القانطون نفوسهم |
عليها أقام اليأسُ سجناً مُؤَبَّدا |
ومن يُحْرم التأميلَ لم يُمْنَح القِوى |
على الفعل، إن الله بينهما أدى
(5)
|
وكل أولاء الناس في أي صورة |
شكول من الأحياء لكنها صدى
(6)
|
وهل يبلغ العلياء إلا فتى لها |
تحمّل من أعبائها ما تكبّدا |
ولست معافاً من عيوب كثيرة |
ولا أنا في ما بينهم كنت أوحدا |
فلله أشكو المسلمين وأمرهم |
وحالي وإياهم وقد صار أَرْبَدا |
ليكشف عنّا غُمّة طال مكثها |
فما هي إلا نقمة منه أو ضَدى
(7)
|
ولله في ما شاء من أمر خلقه |
تدابير، إن ما قدَّر الأمر رَصَّدا
(8)
|
وما أتعس الأقوام شقّوا طريقهم |
على الوعر، إذ ضلوا الطريق المُعَبَّدا |
فيا ربّ ألهمنا الرَّشاد وكن بنا |
حفياً، ولا تأخذ بما جَرَّ أَعْبُدا
(9)
|
وليت رسول الله قد كان بيننا |
إذاً لاستقام الأمر في ما تَأَوَّدا
(10)
|
أما أنه في حظوة منك ناعم |
فهيء لنا في ما تريد المَراشِدا
(11)
|
* * * |