شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عناصر قوات إسرائيل في لبنان ((جثث محتملة))
هذا ما عبّر به واحد أو أكثر من قادة إسرائيل عما أصبح مصيراً ينتظر عناصر قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. وهو لمحة فقط عن واقع مشاعر الشارع الإسرائيلي تجاه إصرار حكومة شامير على استبعاد أو رفض فكرة الانسحاب من لبنان. ولا شك أن شامير وعصابته الحاكمة لا يجهلون عمق المستنقع الذي تورطوا في اقتحامه. ولا شك أيضاً في أنهم يتمنون أن يخرجوا من النفق اللبناني بأي ثمن، وفي أي وقت، ولكن كيف يمكن أن تحقق أي حكومة مثل هذه الخطوة بينما حبر اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة لم يجف بعد... لقد سحبت أميركا قوات مشاة البحرية بعض قطع الأسطول السادس عن مياه الساحل اللبناني، لأن استمرار بقائها رغم تلك الخسائر التي منيت بها كان مغامرة يجب أن ينساها الشارع الأمريكي والرئيس ريجان ينوي أن يرشح نفسه لانتخابات الرياسة الثانية، ولكن هذا لا يعني أن تنفض أميركا يدها من لبنان بعد أن استهدفته خطوة أولى نحو مخططها طويل المدى لاحتواء قضية الشرق الأوسط وإغلاق مداخلها في وجه الاتحاد السوفيتي الذي أحست أنه - في أواخر عهد يوري اندروبوف - وجد طريق التسلل إليها عبر الدعم المكشوف الذي قدمه لسوريا إضافة إلى تعزيز حوافز الأعضاء عن زحفه إلى مواقع أخرى كانت علاقاتها بالولايات المتحدة تجعلها تتجنب على الأقل الارتياح إلى هذا الزحف لا ضير في أن تسحب قوات مشاة البحرية، وأن تظل ما أمكن من ظهورها على المسرح اللبناني، فهي مطمئنة تماماً إلى ما تضمنه لها إسرائيل بمقتضى اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي استهدفت أساساً، أن تضطلع إسرائيل بمهام محددة تمارسها في لبنان، وفي أي موقع من المواقع التي يمكن أن يمتد إليها ظل الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط.
ومن هذا المنظور، تجد حكومة شامير وأي حكومة أخرى، نفسها مرغمة على استبعاد فكرة الانسحاب أو الجلاء عن الجنوب أو عن أي موقع آخر يمكن أن تعود إلى احتلاله من لبنان... وذلك إلى أن تظهر نتيجة الانتخابات في أميركا، فيتاح لإدارة الرئيس ريجان، إذا نجح كما هو الأرجح، أن تعود إلى متابعة مخطط الاحتواء، ولا شك أنها ستعود بإيقاع أسرع وأكثر حسماً في محاولة سدّ الثغرات أمام الاتحاد السوفيتي، الذي استطاع في فترة الشهور التي انقضت من هذا العام، أن يطرح مشروعه المعدل للحل السلمي في الشرق الأوسط وأن يفتح أبواب ترسانة أسلحته واسعة وبسخاء أمام العراق، وأمام دولة الكويت وقبل ذلك أمام الأردن... فإذا لم ننس أن مصر أيضاً تستعيد علاقاتها معه، فإننا ندرك ليس فقط دقة موقف أميركا في المنطقة، وإنما قبل ذلك تعقيد وتحرج موقف إسرائيل في جنوب لبنان حيث لا تملك أن تسحب قواتها، ولا تعرف كيف تحمي أو تنقذ عناصر قواتها، وقد أصبحت جثثاً محتملة تصرعها العمليات الفدائية التي أجمعت وكالات الأنباء أنها قد تجاوزت سبعين عملية خلال شهر.
جثث محتملة - دفعة من الثمن الذي لا بد أن تتقاضاه أميركا، لقاء الكثير الطائل من الدعم الذي ابتزته منها إسرائيل.
* * *
الأضواء التي تسطع بها أجهزة الإعلام في إنجلترا وأوروبا وأمريكا عن الانتخابات في إسرائيل ثم بعد ذلك عن تشكيل الحكومة الذي لا يزال لعبة متقنة ودقيقة بين شامير وبيرز... تعطينا الدليل على أن الدول التي تتحيز لإسرائيل وتعنى بأخبارها ليست أميركا فحسب وإنما جميع دول الغرب...
وقد نتساءل من الذي يدفع الأموال الطائلة التي لا بد أن تتقاضاها أجهزة الإعلام هذه لقاء ما تملأ به الصحف من الأخبار والأضواء؟؟؟ ولا ننتظر الرد طويلاً فإن رؤوس الأموال اليهودية التي تملك نسبة كبيرة من أسهم كل صحيفة تقريباً. إضافة إلى المبالغ الطائلة التي تدفع للإعلان عن شركات الخمور وعلب الليل وغيرها من مرابع اللهو والفجور. كلها تتدفق من رؤوس أموال يهود أوروبا وإنجلترا وأميركا إلى كل جهاز من أجهزة الإعلام.
قد يصعب أن نزعم أن أرصدة العرب من الأموال التي في بنوك أوروبا وأميركا لا تقل عن رؤوس أموال اليهود وأن مما لا تعجز عنه الأموال العربية في بنوك الدول الصناعية عن أن تلعب دوراً إن لم يضارع الدور الذي تلعبه رؤوس الأموال اليهودية، فهو يغطي ولو جزءاً من ألف مما تغطيه الصهيونية بأموال شركاتها ومؤسساتها وأسهمها في كبريات الصحف ووكالات الأنباء وشركات الراديو والتلفزيون.
المضحك بعد ذلك أن إسرائيل لا تزال تتغنى وتعزف أنشودة السلام والأمن التي لا تزال تسمع ويرحب بها الكثيرون في مختلف دول العالم... ومع أن شامير يقول (لنا الحق في أن نعيش في كل جزء من بلادنا) وبلاده في منطقه ومفهومه، هي أرض فلسطين بل وأي أرض عربية تصل إليه حركة التوسع الصهيونية... مع ذلك فإنه يردد أنه لا يطمع أو أن إسرائيل لا تطمع في شيء سوى تحقيق أمنها وسلامها... وذلك طبعاً في مواجهة العدوان العربي الذي يطوقها مع جميع الجهات... يقول هذا مطمئناً إلى أن العالم لا يدري حتى اليوم أن أعداء إسرائيل أولئك لم يستطيعوا بعد أن يستردوا شبراً واحداً من الأرض التي اغتصبتها خلال ثلاثة عقود من السنين.
لقد طرحت قمة فاس مشروع السلام العربي الذي أجمعت دول العالم، ومنها الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية، على أنه مشروع إيجابي ومتكامل وليس ما يمنع أن يعالج بالتنسيق مع مشاريع السلام الأخرى، وأن يوضع موضع التنفيذ... وها قد انقضت فترة تزيد على سنتين دون أن نسمع شيئاً جديداً أو حتى محاولة لمتابعة مشروع السلام العربي هذا بما ينبغي من الأضواء والأصوات... كأننا قد تخلينا عنه وأفسحنا المجال لأغنية السلام التي ترددها إسرائيل.
أعاجيب ما لها نهاية، ولا تزال الأيام حبلى بهذه الأعاجيب.
* * *
مع حرب الألغام التي لا يزال الذين وراءها طي الخفاء، ومع الضجة الإعلامية التي تتنامى في أجهزة الإعلام العربية عن هذه الحرب في البحر الأحمر، يواصل بعض الإعلاميين حملتهم على احتمالات تدخل القوى الكبرى في منطقة مياه البحر الأحمر، وهم يتوجسون خيفة من هذا التدخل، ويحتدمون إصراراً على رفض هذا التدخل بجميع أشكاله، وفي نفس الوقت يتنادون بأن مسؤولية الأمن في هذا البحر يجب أن تظل مسؤولية الدول على ساحلية الشرقي والغربي.
مفروغ منه أننا يجب أن نرفض تدخل القوى العظمى فيما يعتبر مياهاً داخلية من هذا البحر، لأن الدول القائمة على ساحليه وعلى امتداده من خليجي السويس والعقبة إلى مضيق باب المندب دول عربية مستقلة ذات سيادة ومن هذا المنظور لنا أن نرفض أي تدخل في الواقع، ولكن يظل السؤال الذي يطرح نفسه هو:
كيف يمكن تجاهل مسؤولية جميع الدول التي يستفيد من هذا الممر الدولي، والحيوي في نفس الوقت بالنسبة للاتصال بين الغرب في أقصاه وبين الشرق في أقصاه. أيضاً وكيف يمكن أيضاً حجب واقع حرب الألغام في البحر الأحمر وخطرها عن الدول العظمى الخمس في مجلس الأمن وهي المسؤولية عن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين... كيف يمكن حجب هذا الواقع عن مسؤولية هذه الدول تجاه أخطار تهدد الأمن والسلام الدوليين ليس في البحر الأحمر فقط وإنما في العالم كله.
من المفروغ منه أننا نرفض وجود قواعد ولأي دولة غربية أو شرقية على ساحلي البحر الأحمر أو في المياه الإقليمية من الدول القائمة على ساحليه، ولكن ليس لنا على الأرجح أن نرفض تحركات هذه الدول العظمى أو غيرها في البحر بغرض كسح الألغام من جهة وغرض رقابة خطوط المواصلات فيه وهي خطوط دولية تنطلق فيها السفن من الشرق والغرب على السواء.
أعتقد أن القياس يختلف والمقارنة بين البحر الأحمر والخليج غير واردة إطلاقاً، فإذا كنا قد استطعنا أن نخمد حرب الناقلات في الخليج ووفقنا في نفس الوقت إلى منع تدخل القوتين العظميين فإننا نذهب بعيداً إذا فكرنا في أن نأخذ على عاتقنا مثل هذه المسؤولية بالنسبة لحرب الألغام في البحر الأحمر.
* * *
في زحمة تخلخل صف الدول العربية، وتفرق كلمتها وتنافس توجيهاتها بالنسبة لجميع قضايانا المصيرية تستوقف النظر ظاهرة الترقب والمتابعة، والتشوف، والتكهنات، وعملية مراجعة الحسابات التي حظيت بها منا إسرائيل طوال الأسابيع الماضية التي لم يبق ما يشغل الصحافة العربية خلالها إلا قضية، تشكيل حكومة إسرائيل، ولعبة شد الحبل بين حزب العمل وتكتل الليكود... حتى انتهاز فرصة الخلاف بين الاثنين لم تخطر لنا ببال... مع أن ممارسة الضغوط على المجتمع الدولي وبالأخص على الولايات المتحدة التي تعصف بها حمى الانتخابات لتحقيق بعض المكاسب، مهما كانت محدودة، كانت ميسورة والطريق إلى النجاح إن لم يكن مفتوحاً فلم يكن مسدوداً على أي حال.
والعجيب بعد ذلك أننا نعلم ولا نشك أبداً في أن رياسة بيريز لحكومة إسرائيل لا تختلف عن رياسة شامير بالنسبة لقضايانا كلها... لن يتغير شيء في الخطوط العريضة بالنسبة لهذه القضايا... لن تنسحب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من لبنان، إلا عندما يطيب لها أن تنسحب... ولن يتوقف بناء المستوطنات ما دامت هذه المستوطنات تنتظر أفواج القادمين إلى إسرائيل من أوروبا، وأميركا وعلى الأخص من الاتحاد السوفيتي... أما الضفة الغربية وقطاع غزة، والجولان، وحتى (طابا) فقضايا متروكة للزمن... ربما لعقود أخرى من السنين... لأن سياسة إسرائيل التقليدية، هي عدم انسحاب قواتها من أرض تحتلها إلا بثمن... هو الحرب، أو الاتفاق مع الدولة التي تحتل أرضها، على فتح الحدود وتطبيع العلاقات، بمعنى السماح لتسلل فيروس السرطان إلى جسم الدولة عبر جسور تعرف الصهيونية كيف تمدها على المدى الطويل.
لقد انسحبت إسرائيل من سيناء، وكان من أساسيات اتفاقيات كامب ديفيد تطبيع العلاقات... وفي اتفاق انسحابها من لبنان الذي باركته أو شاركت فيه أميركا ثم (بلته وشربت ماءه) تطبيع العلاقات...
وهذا التطبيع في الواقع احتلال ناعم الملمس... لا بد أن يشارك فيه عنصر الشقراوات العاريات اللائي اكتفين بمياه البحر في طابا تأهباً لمسيرة الدعارة واللهو عندما تتراجع مصر - يوماً ما - عن موقفها الحاسم... وهو انسحاب إسرائيل من لبنان.
يحدث كل هذا... وتظل الصفوف العربية على تخلخلها، والكلمة على تفرقها... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :603  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 162 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.