شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الموت... والصمت
تفلسفوا، فوصفوا الإنسان بأنه المخلوق (الضاحك). وزعموا أنه تميّز عن الحيوان ((بالكلام))، أي بالقدرة على استعمال حبال الصوت في حنجرته، وعضلة اللسان في فمه... وذهبوا على التوسع في ذكر التفاصيل الكثيرة عن العلاقة بين تلك الحبال في الحنجرة، والعضلة إياها، ومناطق خروج الأصوات بهذه الحروف، ومن أشدها عسراً على غير العربي (الحاء... والخاء والضاد) وربما غيرها مما لا يحضرني الآن... واستَعلَى على جميع هؤلاء آخرون، حين ميّزوا الإنسان عن الحيوان بالعقل وبالقدرة على إدراك ما فوق الغرائز، ورؤية حقائق لا تراها الأبصار، ولكن تدركها العقول.
وليس لي أن أتفلسف أو أن أتعالى مكتفياً بالاتباع، دون أن أشعر بأي حرج في أن أكون في هذا المجال وأمثاله (اتباعياً)... ولكن لي أن أعبر عن إعجابي بما أصبح يبهرنا من عطاء بناتنا... وهو يبهرنا لأنه يكشف عن المدى الذي بلغته الفتاة، في تعمّق الواقع الثقافي ومعايشته، والتعامل معه... والواقع أنه من منطق الأشياء، أن تتطور ثقافة فتياتنا فتنافس الفتيان... وليس ذلك لأنهن (معتكفات في بيوتهن) لا يشاركن فيما يشارك فيه الفتيان من الأنشطة أو من الأُلهيات التي تبدد الوقت، ومنها (البلوت)... وإنما لأنهن أدركن أن للثقافة رسالة يمكن أن يشاركن في أدائها بهذه الإيجابية الرقيقة رغم فعاليتها وجدّيتها، وعلاقة هذا الكلام عن تطور الفتيات الثقافي بما يتميز به الإنسان عن الحيوان ناجم، عن عنوان، وموضوع المقال الذي نشرته مجلة اليمامة الغراء في أوائل شهر شوال للابنة (ليلى إبراهيم الأحيدب). ومع أني أصبحت قليل التوقف عند الكثير مما تنشره الصحف والمجلات، لأنه كثير يضيق به وقتي فقد أحسست بعامل شد غريب، لم أملك إلاّ أن أتوقّف، وأن أتساءل عن هذه المواءمة البارعة بين (موت سباعي عثمان... وصَمْت عبد الله السالمي)... وأبادر إلى الاعتراف، بأني أسمع أو أقرأ اسم (عبد الله السالمي) لأول مرة... ومع الاعتراف أحسست بالخجل من تفاهة محصولي من الاطلاع على عطاء الطلائع من أدباء الشباب فلا أدري عنهم شيئاً.
المهم، على أية حال، هو أن الكاتبة (ليلى الأحيدب) وضعت (صمت) عبد الله السالمي في سرادق الأحزان الذي لا يزال قائماً في أذهاننا ومشاعرنا لموت (سباعي عثمان) رحمه الله... وبلغ من تأثرها لصمت عبد الله السالمي، أنها لم تجد حرجاً في أن تقول:
وتوفي سباعي عثمان - رحمه الله - منذ شهور.
وتوفي عبد الله السالمي - أدبياً - منذ زمن طويل.
وتتساءل وهي تذكر الملاحق السوداء التي ظهرت حزناً على سباعي عثمان... لماذا لم تصدر الملاحق السوداء حداداً على ((صمت)) (عبد الله السالمي)... وتعقّب قائلة: - لا أستطيع أن أسأل سباعي عثمان: لماذا صمتَّ، ولا كيف متَّ... ولكنني أستطيع أن أسألك - عبد الله - كيف ماتت كلمتك ولأني أحب القصة وأعرفها أسألك: كيف يكون الموت... وكيف يأتي إلى الكلمة زمن الشلل؟ وهي سيأتي يوم تموت فيه الكلمة قبل صاحبها.
ومع أنها مضت في طريق الحزن، على صمت عبد الله السالمي، فيبدو أنها نسيت سؤالها القائل (هل سيأتي يوم تموت فيه الكلمة قبل صاحبها؟؟؟) حين أخذت تستعر أو تتذكّر وتُذكّر قراءها بما (قاله السالمي في آخر مقال قرأتْه محاولاً أن يبرر موته) مع مقتطفات من إحدى قصصه في هذا الكتاب الذي قالت إن صورة غلافه ((أرشيفية))... وفي هذه المقتطفات نبض إبداع، يحزننا بالفعل أن يتوقّف... فلقد أثبتت أن الكلمة لا تموت لا قبل صاحبها، ولا بعد موته... وإلا فكيف عاشت مقتطفاتها من قصة (موت الأشياء القديمة)؟؟؟
لقد استغرقني مقال ليلى إبراهيم الأحيدب، بحيث قرأته أكثر من مرة... وتساءلت معها كيف يصمت عبد الله السالمي وهو هذا المبدع الرائع.
ويبقى بعد ذلك، أني لم أقرأ للسالمي حتى هذه اللحظة أي قصة... وأتمنى أن أجد له (مكعبات من الرطوبة)... أو أي كتاب آخر... ولا أهمية عندي لحياة السالمي أو موته - لا سمح الله - لأن الكلمة هي التي تعيش بعد صاحبها... وحسبي شخصياً أني أعايش كلمات الذين غادروا هذه الأرض منذ قرون وقرون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :571  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج