شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ذكرى موكب الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة
إضافة إلى القليل الذي قيل ونشر عن سيرة الراحل العظيم، كبير الأسرة السعودية الحاكمة، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، فإني أعتقد أن الكثير عنه يرحمه الله، لا بد أن يقال بدوافع كثيرة، في مقدمتها ما عرف عن سموّه من خصيصة الكرم والنجدة، إذ ما أكثر ما سمعت عن مواقف النجدة التي وقفها من الذين يستنجدون به - بعد الله - فيما نزل بهم من كوارث، لا يخفف من وقعها عليهم، وأثرها الممتد في مستقبل حياتهم، إلا موقفه الشهم الكريم... وذلك إلى جانب خصائص أخرى عرفها الكثيرون من الذين عايشوا مسيرة حياته وأتيح لهم بسماحة نفسه ونبل خلائقه، أن يعرفوا الأكثر والأهم الذي أحاطه بهالة متلألئة، من الحب والتقدير يكنهما له، ليس فقط أعضاء الأسرة، وإنما شرائح كبيرة من عامة المواطنين أيضاً.
وفي اللحظات التي أذيع فيها نعي سموّه من التلفزيون، عادت بي الذاكرة إلى لحظات من يوم لا ينسى، من أيام الطفولة التي قضيت معظمها في مسقط رأسي، رحاب الأرض الطاهرة، التي شرّفها الله سبحانه، بمثوى رسول الله، سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
لحظات من أُمسية، قبيل غروب الشمس، قيل لنا في البيت وفي الشارع من ضاحية الساحة... إن (الأمير محمد بن عبد العزيز)، سيدخل المدينة المنورة من (باب الشامي) وهو الباب الذي ينتهي إلى منطقة ساحة شهداء موقعة (أحد).
كان ما قيل، بالنسبة لنا نحن الأطفال مفاجأة لا نعلم شيئاً عن خلفياتها وظروفها ولكن، كنا نعلم أن دخول سموّه، هو يوم النهاية، لما ظلّت المدينة تعانيه من الحاجة إلى الطعام... إلى القمح والدقيق والأرز والسمن، طوال ما يقرب من تسعة شهور وبضعة أيام.
وكان الشارع الذي نسكنه، ومعنا مجموعة من الأطفال بين سن السابعة والعاشرة، قريباً من (باب الشامي) هذا الذي يدخل منه الأمير... فما أسرع ما تجمهرنا، وتجمّعنا - وأذكر من أترابي أيامها الصديق (أنور بصراوي) وإخوانه الصغار ومنهم فريد، ثم قد لا أنسى (محسن برّي، وغازي جدّوع، وربما (حليت مسلم)... وهرعنا إلى ساحة (باب الشامي)، حيث وقفنا أمام باب منطقة - لا أدري الآن إن كانت موجودة أم ذهب بها التنظيم - اسمها (السلطانية) وهي عبارة عن مجموعة من الدور الأنيقة، تشرف على (بستان) اسمه (السلطانية) أيضاً، وكان الشيخ (يوسف بصراوي) والد أنور وإخوانه يسكن في واحد من هذه المنازل الأنيقة.
7 أيام
وقبل أن تمضي دقائق في موقفنا، ونحن ننتظر دخول (الأمير محمد) رأينا أفراداً من جنود الشرطة يهرعون لإفساح الطريق، بحيث يقف الناس على الجانبين... ولم نكن في حاجة إلى أن يبعدنا أحد فقد كنا - نحن الأطفال - قد وقفنا على باب السلطانية، وربما وقف بعضنا على قاعدتين من الحجر الأسود، وضعت عند مدخل الباب... ليتاح لنا أن نتجاوز بأنظارنا أولئك الذين وقفوا أمامنا من الرجال.
ولم يطل انتظارنا فقد رأينا كوكبة من الفرسان، يتوسّطهم من أدركنا أنه (الأمير) بعقاله القصب (على الأرجح)، وإلى جانبه قائد القوة العسكرية (عبد المجيد باشا) كما كان يلقب أمثاله من القادة في تلك الأيام - في بزته العسكرية وعلى حصانه... ولعلها كانت المرة الأولى التي نرى فيها هذا القائد، وإن كنا نسمع اسمه يتكرر على ألسنة الكبار، بعبارات فيها السخط، والضيق، إلى جانب الإعجاب والتقدير.
كان الأهل يرسلوننا إلى الأسواق بحثاً عن رغيف أو أرغفة من الشعير، أو عن حفنة من الأرز، ومثلها من السكر... وبالنسبة للذين يدخنون من الكبار، كان البحث دائماً عن (الورد الجاف) الذي لا يوجد إلا عند (العطارين)... يدخنه الناس بعد أن انعدم تماماً وجود (الدخان) وحتى ورق اللف، فكان هؤلاء يلفُّون (الورد الجاف) في أي نوع من الورق، فكان أعجب ما لا يزال عالقاً بذاكرتي، هو أنهم أرسلوني كالعادة في صباح اليوم التالي لدخول (الأمير محمد المدينة المنورة) إلى السوق التماساً للأرغفة من الشعير وقليل من تمر (الحُليّة)... فإذا بي أسرع بالعودة إلى البيت، وأرفع صوتي عالياً من الدهليز أقول لأمي... (الدقيق... الرز... العيش الصامولي... السكر... والدخان...)... وتسألني أمي رحمها الله... عن السبب في هذا الصياح، وذكر هذه الأغذية... فأقول لها: (كلّه... كلّه... مليان في السوق... هاتي الفلوس، أجيب لكم اللي تبغوه).
والسؤال حتى اليوم: (من أين جاءت كل هذه الأرزاق؟؟؟ أين كانت؟؟؟ كيف ظهرت في الدكاكين... وعلى الأخص منها العيش الصامولي... والسكر والدخان؟؟؟)
وعندما انتهى مشهد العزاء والصلاة على جثمان (الأمير محمد) كما رأيته في التلفزيون عشت لحظات هذه الذكرى البعيدة... وأنا أقول (يرحمه الله ويتغشّاه بغفرانه ورضوانه)...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :635  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.