شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإجازة ووقت الفراغ
في الفترة التي أفرزتها خطط التنمية السخية، وسميناها (فترة الطفرة)، كانت الإجازة بالنسبة للشباب هي السبيل للاستمتاع، ليس فقط بالرحلات والتنقل بين عواصم أوروبا وحواضر أمريكا، وجنوب شرق آسيا بل بالكثير الذي لا يقع تحت حصر. والاستمتاع بمفهومه عند الشباب لا يستلزم تخطيطاً ولا تفكيراً. يكفي أن يرتفق أحدهم الطائرة ومحفظته عامرة بالوفير من الدولارات أو الشيكات السياحية، وأن ينطلق إلى حيث يشاء، وفي كل عاصمة أو حاضرة أنواع لا حصر لها من مرابع الترفيه والأنس، والترويح عن النفس.
ولكن الصورة تغيّرت في هذه الأيام. لأن فترة الطفرة تلك قد انتهت. والباقي من رصيدها - إن وجد - لم يعد من السهل تبديدُه في رحلاتٍ من ذلك النوع الذي كان يستهلك الألوف من الدولارات دون حساب.
ومن هنا، أعتقد أن الشباب عندنا أصبح يواجه مشكلة ملء وقت الفراغ في هذه الإجازة الطويلة التي لا يجد فيها سوى الترحال بالسيارة مثلاً إلى المصايف والمدن السياحية الداخلية، أو التجوال ساعة أو ساعتين على شاطىء البحر في المنطقة الغربية أو في المنطقة الشرقية، ثم السهر ليلاً أمام الفيديو الذي يمكن أن يعرض عليه عدداً من الأفلام، منذ يبدأ السهرة إلى أن ينام.
واضح أنه يواجه بعد أخذ كفايته من النوم ومشاهدة أفلام الفيديو، وقت فراغ طويل يمكن القول إنه مُمل ومرهق للأعصاب إلى حد بعيد.
وليس مما يتفق مع منطق الأشياء، أن تُطالب أجهزةُ التعليم على اختلافها، بأن تبتكر وتخطط وتنفذ برامجَ لشغلِ أوقات الفراغ هذه التي لا يشك أحد في أنها خطيرة المردود على نفسيات الشباب، وأحياناً على سلوكياتهم أو تعاملهم مع الأسرة في البيت أو مع الرفاق إن وجدوا في المجتمع. ولكن واقع المشكلة يهيب بجهات الاختصاص، وعلى رأسها الرئاسة العامة لرعاية الشاب أن تُعني بالتخطيط والبرمجة لأشغال أوقات فراغ الشباب من الجنسين، وليست لدي أفكار محددة عن أنواع البرامج التي يمكن أن تحقق الهدف، ولكن لي أن أقول - بشيء من العشوائية التي أرجو أن تغتفر - إن وجود معسكرات، أو مخيّمات، أو ما في حكمها، للتربية العسكرية الخفيفة، إلى جانب التدريب على ممارسة بعض ما يسمى (حرفة) من الحرف التي تشتد الحاجة إلى من يعرف معالجتها أو ممارستها في كل بيت من بيوتنا، ونضطر إلى الاستعانة بغير السعوديين، للتعامل معها، مثل تصحيح تسليك كهربائي، أو تنسيق الإضاءة في الحديقة، أو حتى تنسيق أحواض الزهر أو إصلاح رافعة الماء الكهربائية... وندفع للعملية التي قد لا تستغرق أكثر من خمس دقائق المئة أو المئتين من الريالات. ولا أطلب أو أفكر في أن يعمل الشباب من أبنائنا، لقاء أجور في البيوت، ولكني أطلب أن يقوم ابن الأسرة - في بيته - بهذه الأعمال الخفيفة البسيطة، وهو ما يقوم به الأبناء، وحتى البنات، في أوروبا وأميركا. وفي ذلك، شغل لوقت الفراغ، وتحريك للدم الراكد، ومتعة الإنجاز والإنتاج.
والمواظبة على حضور أوقات هذه المعسكرات أو المخيّمات، لن يكون إجبارياً، بطبيعة الحال. ولكن أعتقد أن مجرد إحساس الشباب بوجود التجمّع، في المعسكر أو المخيّم سيحفزهم على الحضور، بل وسيغريهم أو يُحبِّب إليهم التربية العسكرية والتدريب على ممارسة هذه الحرف البسيطة... وعلى الأخص إذا وجدت، في المعسكر بعض الأنشطة، الترفيهية، مثل السباحة، وسباق الدراجات، وكرة الطاولة، ورياضة الشيش، بل وحتى ركوب الخيل، وكذلك الموسيقى، والتمثيل الخ...
أعلم أن الكثيرين يضيقون بهذا الاقتراح، لأنهم لا يزالون يعيشون وهمَ أو حُلمَ ارتفاقِ الطائرة، والجيب العامر بالدولارات، ولكن لا بد أن يواجهوا الحقائق، وواقع اليوم... وهو أن الأرصدة الباقية - إذا كانت لا تزال باقية - لم تعد تسمع بأن تبدد في الهواء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :568  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 113 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.