شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاستشفاء والعلاج في المملكة
وبداية أجد نفسي أقول: (سبحان مغيّر الأحوال..).. سبحان من أعان وأغدق علينا من فضله، فإذا بنا بعد تسكع الطوابير في ردهات (حوش) (مستشفى باب شريف)، انتظاراً لفرصة مراجعة طبيب، لا نكاد ندخل عليه ودون أن يرفع رأسه ليرى من الواقف أمامه تكون يده قد كتبت وصفة العلاج، يلقيها ويرفع صوته قائلاً: (غيرُه!!) والوصفة التي آخذها منه أنا، تكاد تكون هي نفسها التي أخذها المريض الذي سبقني وهكذا.. وسبحان من أغلق العشرات مما كان يسمى (مخزن أدوية)، يديرها ويبيع الأدوية فيها مجرد مخلوق يعرف قراءة أسماء الأدوية، وفتح لنا في كل شارع، وفي مختلف الأحياء هذا العدد الوافر من الصيدليات يديرها صيادلة مؤهّلون، يستطيعون أن يقولوا لك: (هذا العلاج لا يصرف إلاّ بوصفة من طبيب..) (وهذا يجب أن يستعمل بحسب أمر الطبيب الذي وصفه فقط الخ..).
سبحان من أعان وأغدق فإذا بنا يُضربُ بنا المثل، بالمستشفيات المُفندقة، وكبار الإخصائيين من الأطباء، الذين يفاجئوننا يوماً بعد يوم، بإجراء عمليات، جراحية.. عمليات صعبة، وخطيرة، ومتنوعة، من القلب، والكلى إلى الدماغ، والعمود الفقري، والبنكرياس والكبد، ناهيك بالعمليات الصغيرة - أو التي أصبحت تعتبر صغيرة تافهة كالكسور البسيطة أو المركبة، ولا ننسى العيون التي أبصر فيها من كانوا لا يبصرون طوال سنين الخ..
وأكتب هذا الكلام، بعد أن قرأت في السنداي تايمس، عن أزمة الطب والاستشفاء والعلاج في بريطانيا.. أجل وفي لندن وغيرها من كبريات مدن المملكة المتحدة.. بعد أن قرأت أن في هذا البلد المتقدم، الذي (كنّا) نسافر إليه، ربما لإجراء عملية (بروستاتا) (2000) ألفا مريض ينتظرون دورهم لإجراء عمليات منها مئتان وخمس (عمليات قلب). وستة وعشرون مريضاً منهم ينتظرون منذ أكثر من سنة.. وبلغ التزاحم حدَّ، أن لا يظل السرير في المستشفى فارغاً أكثر من 50 إلى 60 دقيقة فقط.. أما مأساة مرضى حوادث الطوارئ، فإنها المأساة حقاً.. إنهم يظلون تنتقل بهم سيارة الإسعاف من مستشفى إلى آخر.. وكل مستشفى يفرض عليه القانون أن يفسح للمصاب، وقتاً للعلاج، وسريراً.. ولكن الذي يحدث، أن يظل المصاب ينتقل أو ينقل في عربة الإسعاف فلا يجد من يقبله، إلى أن يموت وفي عربة الإسعاف..
والتحقيق في السانداي تايمس، كتب بغرض المقارنة بين هذه الحال في بريطانيا، وبينها في ألمانيا الاتحادية.. ففي بريطانيا كان ما تم إنفاقه على الطب والعلاج (400 و 22) مليون استرليني بتكلفة لا تزيد على 400 جنيه للمريض الواحد. بينما الذي نفق في ألمانيا الاتحادية يصل إلى (78،8) بليون استرليني.. بحيث ما يتكلفه علاج المريض الواحد يبلغ (1279) جنيه استرليني.
وهناك ملاحظة أخرى، وهي أن المريض في مستشفيات ألمانيا لا بد أن يقضي فترة راحة واستجمام بعد العملية أو العلاج، يمكن أن تستمر عشرين يوماً أو أكثر.. في منتجعات مخصصة لهذا الغرض.. بينما في بريطانيا، لا يكاد المريض ينتهي من العملية، ويلتئم الجرح، حتى يدل على طريق الباب للخروج.. وعليه أن يراجع يوماً بعد يوم أو أسبوعاً بعد أسبوع.. ولا تنسى المواعيد وما يتعرض له المريض من المتاعب في التردد على الطبيب.. وما يتكبده في انتظار موعده الذي قد يطول ساعات.
ونحن في المملكة كما قلت: (سبحان مغير الأحوال)!! هذه المستشفيات الخاصة أو المفندقة، وقبلها مستشفيات الدولة، ومنها المستشفى التخصصي في الرياض.. ومستشفى الملك خالد للعيون، وكلها أقرب إلى مستوى الفندقة، بل قيل إن التخصصي أرقى كثيراً من أي فندق.. ولم يحدث - على حد علمي - أن رُفض مصاب في حادث، في عيادات الطوارئ.. والطوارئ عندنا، نماذج رائعة للعناية والرعاية، حتى في المستشفيات الحكومية.. وهذا مع وفرة الأطباء والطبيبات المتخصصات.. إلى جانب الممرضات اللائي رأيت شخصياً أنهن يتمتعن بمستوى علميٍ متميّز فعلاً، فإذا لم ننس مستشفيات القوات المسلحة والحرس الوطني، وكلها مفتوحة الأبواب لمن يحتاج إليها من المواطنين.. وأعجب أو ربما أعظم ما فيها أنها على أرقى مستوى، ليس من الفندقة، والتخصصات الدقيقة فقط، وإنما في العناية والرعاية البالغة التي كم سمعت أن من الذين يقدمون إلى المملكة من غير السعوديين، يقدمون لغرض العلاج فقط.
ترى ما الذي يمنع، وقد منَّ الله علينا، بكل هذا، أن نأخذ نحن في المملكة، تلك المكانة التي كانت لبريطانيا وفرنسا وأميركا؟ وأن نجتذب إلى مستشفياتنا الخاصة والحكومية، المرضى من الشرق الأوسط، ومن العالم.. إنها الفكرة التي أرجو أن يتوافر على دراستها المختصون في المستشفيات الخاصة، ومستشفيات القوات المسلحة، والحرس الوطني.. ومن المفروغ منه أن الغرض ليس المال.. بقدر ما هو هذه السمعة، التي كانت تتمتع بها لندن ونيويورك.. وآن الآوان لأن نتمتع بها نحن.. وعن جدارة واستحقاق.
* * *
ليست المرة الأولى - وقد لا تكون الأخيرة - التي يضيع فيها فلذات الأكباد، ويفقدون أرواحهم الغالية، نتيجة لغفلة لا تغتفر، أو جهل يستحق الحساب والعقاب، يقع فيهما الآباء والأمهات، أو من في حكمهم من الأخوال والأعمام.
أذكر منذ سنتين تقريباً، الطفلين، اللذين أغلق أبوهما عليهما أبواب السيارة أمام أحد المساجد، ليدرك صلاة الظهر مع الجماعة - والدافع الواضح أنه كان يستثقل تجديد وضوئه في المنزل، وإذ سمع الآذان ووجد نفسه بالقرب من المسجد، أسرع يصلّي، وقد أغلق أبواب السيارة على الطفلين، ولا يدري أحد كيف شب حريق في داخل السيارة، فامتلأت إن لم يكن باللهب، فبالدخان، ولم يجد الطفلان سبيلاً إلى الخروج.. فماتا اختناقاً أو حريقاً.. وإذا لم تخنّي الذاكرة، فقد نشرت الصحف بعد فترة حادثاً مماثلاً تقريباً.
أما حوادث غرق فلذات الأكباد في البحر، أو في حمامات السباحة، فإنها لا تزال تتلاحق.. ولعلّي لا أستطيع أن أنسى مشهد طفلين، ارتفق كل منهما قارباً (لعبة) من المطّاط وانطلقا في عرض البحر.. ورأيتهما يبتعدان عن المكان الذي تجمّع فيه الأهل، إلى الحد الذي ينذر بالخطر المحقق.. ولست أدري بأي غريزة أو إحساس وإدراك للخطر الذي يتعرض له الطفلان، سخّر الله لهما كلباً كان يرافق أسرة أوروبية إلى جانب موقعنا.. انطلق الكلب، إلى البحر، فلفت أنظارنا إلى الطفلين على قاربيهما.. حقق هذا الكلب بطولة حين ظل يسبح، إلى أن بلغ موقع الطفلين.. فأخذ يهاجمهما، مما اضطرهما إلى العودة إلى حافة المكان الذي كان الآباء والأهل يستمتعون فيه بتدخين الجراك، أو لعب البلوت، أو الاستغراق في نقاش تافه.. انتبه الجميع في النهاية، وتعالت صيحات الإعجاب بالكلب.. الذي كر راجعاً - وسابحاً - إلى مكانه و إلى أصحابه.
أما ما حملني على التعليق، أو نبش الموضوع اليوم، فهذا الحادث الذي نشرته جريدة عكاظ الغراء، على الصفحة الأولى بعنوان (ضحّى بنفسه ومات غرقاً بعد إنقاذ طفلين) وللقارئ أن يعود إلى قراءة التفاصيل التي تتلخّص في نفس الصورة التي تتكرر مع هؤلاء الآباء الحمقى، الذين يلهون بالتفاهات، تاركين أطفالهم يلعبون على قارب صغير (لعبة من البلاستيك). في عرض البحر.. أبعدوا، وأخذ الموج يهدد بابتلاع الطفلين على قاربهما.. فلم يسع الرجل الشهم (سعيد علي الأخطم) إلا، أن يندفع سابحاً، لإنقاذ الطفلين.. بينما الأبوان لا يفعلان شيئاً - وهما أصلاً لا يستطيعان أن يفعلا أي شيء - واستطاع الرجل الشهم أن ينقذ الطفلين، بعد أن ظل يسبح مسافة تبلغ كيلومتر (1000 متر).. ولكن، كان الموت يتربّص به بعد جهد يبدو أنه لم يبذل مثله. منذ عهد طويل.. إذ فارق الحياة ربما بالسكتة القلبية أو - كما قال الخبر - بتوقف جهازه التنفسي.. وهو نفسه أب لسبعة أطفال صغار.
ولم تغفل الدولة في الواقع عن أمثال هذا الحادث، إذ نجد رجال خفر السواحل، على استعداد لتقديم العون.. والإنذار بالخطر في أماكن ومواقع معيّنة من الشاطئ.. ولكن لا ننتظر منهم طبعاً أن يقفوا تحت أمر الآباء الذين ينسيهم الجراك والبلوت، أن أطفالهم على القارب ((اللعبة))، في عرض البحر الذي يطيب له هو أيضاً أن يلعب بالأرواح البريئة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :435  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج