شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشوفينية في مستقبلنا (CHAUVINISM)
بدايةً لا بد أن نتقبّل التعريف الذي نجده في القاموس، لمعنى الكلمة في اللغة الإنجليزية وهو: (النعرة الإقليمية.. والمغالاة والتعصب المفرط للقومية). ولا أجد تحت يدي ما يساعد على أن أعرف الأصل اليوناني أو اللاتيني الذي جاءت منه الكلمة في اللغة الإنجليزية والفرنسية، ولكن الذي يستحق التنويه أو التنبيه، أن الكتّاب السياسيين العرب، قد درجوا على أن يستعملوا الكلمة بلفظها في الإنجليزية، فنقرأ - على سبيل المثال - أن بعض عناصر حزب معين، تتمسك بشوفينية هي السبب في الخلاف بينها وبين قيادات هذه الأحزاب.
المهم، أن (الشوفينية) هي ظاهرة المغالاة والتعصب المفرط للقومية. وليس مما يستحب أن نستنكرها في شخص ما أو في شريحة من المجتمع يتنامى في مشاعرها الاعتزاز بالقومية العربية، وغالباً ما يكون السبب رد فعل لسلسلة من الأحداث وتطوراتها على امتداد مراحل من الزمن استوعبها التاريخ المكتوب، أو المروي، كان فيها الحدَثُ اعتداءً أو عدواناً، أو اضطهاداً فوقياً لا يخرج عن مفهوم الاعتداء والعدوان.. ولكن يبدو أن الظاهرة أنواع، أو أنها تتنوّع، فمنها التعصب للقومية، التي قلنا إنها يمكن أن تقبل، فلا تستنكر، وقد تكون طبيعية، حتى ولو لم تكن هناك ردود أفعال من أي نوع، إذا لم تتجاوز حداً معقولاً. ولكن منها، التعصب للإقليمية المحدودة الضيقة، التي تُجذِّر نوعاً من الانفصال عن مجموعة الأقاليم في الأرض الواحدة، أو الدولةِ الواحدة. هذا النوع من (الشوفينية) هو الذي أتوجّس وأتحسّب لوجوده وشيوعه أو انتشاره في نفوس شرائح من الشباب في المملكة. وقد أستغني عن التحديد، بالنسبة للإقليم، أو عن التعيين بالنسبة لإعمار هذه الشرائح من الشباب، لأن تنامي الظاهرة وانتشارها، لم يعد يفتقر إلى هذا التحديد والتعيين. والمؤسف، بل والمنذر بما يتعارض مع الأسس التي قام عليها الكيان في المملكة، هو أن الحبل متروك على الغارب، بحيث، أصبح من المألوف، أن تعلن الشوفينية عن نفسها بمناسبة وبلا مناسبة، في التعامل، بين الأفراد، وفي الأسواق، وفي المدارس وربما في الجامعات أيضاً، بل وحتى في خطوط السير وحركة المرور، إذ تبلغ الشوفينية الإقليمية الضيقة، حد الإصرار على التعبير عن نفسها، بأن تكون الأسبق، وفي السيارة الأفضل ومع النظرات الشزرة، وسيل الشتائم القذرة.
وللإنصاف، والتزام جانب النظرة العادلة، يمكن القول، إن الدولة، إذا كانت لم تلجأ إلى الأخذ بزمام المبادرة، لمقاومة هذه الشوفينية الإقليمية الضيقة فإن السبب هو اعتمادها المطلق على الأسس القوية التي قام عليها الكيان. وهي أسس كانت عبقرية المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله، قد وضعتها من منطلقين، هما: عقيدة التوحيد بكل مضامينها الخالدة أولاً، ثم دمج أو هو (صهر) جميع أقاليم المملكة في بوتقة خرجت منها هذه (السبيكة) الفريدة التي يجب أن يتعذّر أو يستحيل أن يتميّز فيها إقليم عن غيره بأي خصيصة من خصائص التميّز. ويضاف إلى هذه الأسس، في موقف الدولة، حرصها البالغ والدقيق والمشهود، على أن تظل السبيكة كما هي، فلا تمييز أو تفريق، في أي نوع من الخدمات، أو في أي مجال من مجالات التعامل، والأخذ والرد. ويعتبر التعليم الموحَّد في المناهج والمقررات، والمعلومات التاريخية، قديمِها المتوارث، وحديثِها الذي بُدِئ بالتأسيس والمؤسس وإلى اليوم - سيعتبر التعليم - واحداً من أهم وأنجح الوسائل التي يفترض أن تكون لها القدرة على مقاومة أي اتجاه شوفيني إقليمي، لا أجد ما يمنع أن أصفه بأنّه (بغيض)، وخطير إلى الحد الذي لم يعد يحسن السكوت عليه.
والتوجّس والتحسّب، ثم محاولة المقاومة الجادة، بجميع الوسائل المتاحة أو التي يمكن أن تُبتكر أو تَتواجد لدى المؤمنين بالأمس التي قام عليها الكيان، مطلبٌ أصفه بأنّه (مستقبلي)، وأعني أن بقاء (السبيكة) على تماسكها، هو السبيل التي لا سبيل سواها لبقاء الكيان نفسه، كما أراد الله له أن يكون، وأن يظهر على الساحة الدولية، دولةً يجب أن يكون الاعتزاز بها (كُلِّها)، وليس بإقليم من أقاليمها، هو الإحساس المتجذّر في نفس المواطن، أينما وجد أو يوجد من هذه الأرض.
لقائل أن يقول، في نبرةٍ يغلب عليها التسامح، والتهوين، ((إنها نعرة شباب يغلب عليه الغرور، والطيش، وإنها لا تلبث أن تتلاشى مع السن))، وأحسب أن من يقول ذلك، يحسن الظن، أو التقدير بالنتائج التي تترتب على البادرة أو الظاهرة، ويصعب عليه أن يرى حقيقة هامة. وهي أن هذه الشرائح من الشباب، هي التي ستكون لها قيادة المسيرة في المستقبل القريب والبعيد على السواء. ولنتصور على ضوء هذه الحقيقة ماذا يمكن أن يتمخض عنه التعلّق بهذه الشوفينية التي لا أشك في أنها آخذة في النمو السريع، والانتشار الأسرع، الذي لا أزيح الستار عن سر، إذا قلت إنّه أصبح حديث المجالس في البيوت.
وبعد، فما أكثر وأعظم ما يعمر قلب عاهلنا العظيم، الملك فهد ابن عبد العزيز، من مشاعر المواطن العربي المسلم، الذي يرتفع ويترفع عن الانغماس، في زحمة الشعارات الزائفة، وليس ببعيد عن الأذهان، ما أقضي به في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس، ممّا ألقى أسطع الأضواء على روح هذا العربي المسلم في شخصيته.. إذ كان مما قاله: (إذا ما نظرنا إلى اقتصاد الشعوب الإسلامية، نجد أن كثيراً من البلاد الإسلامية، تعاني من زيادة السكان والبطالة والتضخّم.. وهذا الوضع يدعونا للنظر (بجدّية) في إقامة (سوق إسلامية مشتركة)، ومنح الأفضلية والأولوية في التجارة وتشغيل العمّال والاستثمارات بين الدول الإسلامية. وسيكون لذلك إن شاء الله أثر مهم في تخفيف المشكلات الاقتصادية في الدول الإسلامية. وزيادة المنافع بين المسلمين، وتقوية الروابط الإنسانية بينهم، وتقليل الاعتماد على الآخرين.
هنا، نرى خادم الحرمين الشريفين، ينطلق من الأساس الإسلامي، الذي كان الأول والأهم في بناء الكيان، على يد المؤسس العظيم.. وفي ذلك ما يؤكد أن سياسة الدولة، وهي اليوم في يد فهد بن عبد العزيز يوجّهها في المسار الأصيل، بعيدة كل البعد عن تلك الشوفينية الإقليمية الضيقة، بل بعيدة حتى عن الشوفينية المتعصبة للقومية العربية، التي لا تزال ترفع شعاراتها رغم جميع ما تواجهه من انتكاسات وهزائم.. إنها السياسة التي تحرص على قوام (السبيكة) الفريدة، التي أفرزتها بوتقة المؤسس الملهم رحمه الله.
وخادم الحرمين الشريفين، هو (القُدوة).. ومنه يجب أن تستمد المسيرة عنصر انطلاقها نحو مستقبل ليس فيه مجال إلاّ للوحدة، انصهرت فيها الإقليمية، لتظهر المملكة يمثلها الإنسان النموذج للوعي الوطني بمفهومه الواسع العريض.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :555  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 103 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج