شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
آفة النفاق
إن الله سبحانه، ينهي المسلم عن (الفحشاء) و((المنكر والبغي)). والصورة التي ترتسم في الذهن لمدلول كل كلمة من هذه الكلمات تتسع وتترامى لها الظلال، بحيث نجد أنفسنا في مواجهة حاسمة أمام شرور يبلغ من خطرها أن ينهانا الله عنها. وذلك لأنها العوامل الأساسية فيما يمكن أن يطرأ على الفرد أو المجتمع من تدمير لمقومات الإنسان السويِّ.. وبشيء من التأمل المتّزن والمتعمّق لمسار الكلمة، أو مسار الخليقةِ المنهي عنها، نرى كيف تستطيع الفحشاء - على الأخص - أن تكون معول الهدم الرهيب، لترابط الأسرة وتركيبها.. وبالتالي لترابط المجتمع وتكويناته على تنوعها واختلافها.
والفحشاء، وإن كان لها تعريفها أو تفسيرها لجريمة الاعتداء على العرض بالأسلوب القرآني الرفيع المعجز، فإننا نستطيع أن نرى لها النظائر والأشباه، في كل عمل أو تصرف أو سلوك فاحش يمكن أن يقع في إثمه المسلم. ولا شك أن نظرة إلى ما ينخر في حياة كثير من الشعوب من التهتك والاستهتار بالقيم، تتيح لنا أن نرى المدى البعيد الذي يصل إليه خطر هذه الفواحش.. وحسبنا أن نسمع عن تفكك الأسرة، وانفلات الولد أو البنت عن الوالدين وانطلاقهما في مهاوي الانحلال، لندرك الإعجاز والعمق فيما استهدفه الإسلام من مصلحة الفرد والمجتمع، الذي يريد له هذا الدين القيِّم أن يقومَ على أسس قوية من التضامن والتكامل، ليس بين الولد ووالديه فحسب وإنما بين جميع وحدات المجتمع المسلم وعلى أوسع نطاق.
ويمكن أن تختلف النظرة إلى الفحشاء، ليدخل في مفهومها - من حيث خطر الوقوع في إثمها - الكثير من أنواع السلوك المنحرف، التي يبلغ من خطرها أن يكون لها نفس الأثر المدمّر في حياة الأفراد والمجتمعات على السواء. ولنأخذ على سبيل المثال آفة النفاق، التي تفشو وتنتشر اليوم تحت أسماء يراد بها التغطية الغبية المفضوحة، منها - ((المجاملة)).. والاستعطاف.. بل والسياسة.. والوصول إلى الغرض، والتمتع بعين الرضى.. وقد يمكن أن نقتنع بأن النفاق هو ((مخالفة الظاهر للباطن))، وقد يتراءى لنا أن يدخل فيما تضطر المرءَ على اقترافه ضروراتُ الحياة في مجتمعات اليوم وحياة اليوم.. ولكن لا نكاد نتتبع الأثر الذي يتركه فوق النفاق في أمة - أياً كانت - حتى ندرك خطورة أثره، ونرى الحكمة البالغة في قول رسول الله صلوات الله عليه إن أخوفَ ما أخافُ على أمتي، كل منافق (( عليم )) اللسان.. وليس النفاق مداراة وتقية، كما يذهب الذين يريدون أن يبرروا ما يمارسونه من النفاق.. إذ ليس ما يمنع المداراة ضبطاً للنفس، وكظماً للغيظ، وتجنّباً للإحراج والحرج.. ولكن النفاق شيء آخر نراه في قوله صلوات الله عليه وصفاً للنفاق المقصود أو (المنافق) المقصود، إنّه (عليمُ اللسان).. وعليم اللسان هو ذلك الذي يملك القدرة على الكلام والتفنّن فيه، وإلباس الباطل ثوبَ الحق، وتمويه الحقائق، وإظهارها بالمظهر الذي يتفق مع الغرض والهوى.
ونحن نجد في كثير من مجتمعات اليوم، فشو هذا النوع من النفاق، الذي لا يكتفي بالتزام الصمت تجاه ما ينخر في كيان الأمة من علل وأدواء فقط. وهو أهون الشر، وأضعف الإيمان، وأن يذهب إلى حد مسايرة هوى العاملين على ترسيخ هذه العلة أو العلل والأدواء.. بما يزعم لها من ضرورات ومبررات، بل قد يذهب إلى حد الترويج للمنكر وإشاعته وزيادة تفشيه بما أوتي من القدرة على القول أو على النشر بوسائل النشر - وما أكثرها في هذا العصر، بل وما أشد استعدادها للترحيب بكل ما يحقق سرعة الهدم والتخريب، وتحت ستار التقدم والتطوير والتجديد.
إن ما تقذف به المطابع اليوم، وتزدحم به الأسواق من هذا الذي يُنشر، ويتهافت عليه عامة القراء، بل ومعهم علية المثقفين، وقد دست فيه سموم التخريب، والتدمير، بنفاق يروّج للباطل، والظلم، والانحراف، وتبرير الأخطاء.. إن ذلك كله، ضرب من الفحشاء، التي ينهانا الله سبحانه عنها.. ينهى المسلم.. وكلنا مسلمون والحمد لله.. ولكن ما أقل، مانعي، وما أقل ما نأتمر بما يأمرنا به الله وينهينا عنه من الفواحش والكبائر.. ومنها - في تقديري - هذا النفاق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :522  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 100 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.