شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
استيعاب قدرات الشباب
بدا لي في كل مرة أصغي فيها إلى ما يفضي به خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، من آرائه، وملاحظاته، ووجهة نظره، في الكثير من الشؤون والقضايا أن أقول، إنه حفظه الله - أقدر من يتحدّث، الحديثَ المزدحم أو المشحون، بآراء ووجهات نظرٍ، وتوجيهات، والتفاتات، ووقفات عند نقاط معينة في الموضوع الواحد، أو جملة المواضيع التي يستوعبها حديثه، بحيث أتساءل: (ترى هل يدرك المسؤولون حوله من وزرائه ورجاله، أن هذه القدرة الفياضة الرائعة، وهذا الشمول مع التوسّع والدقة، كم سهر، وكم فكّر، وكم عكف على بحث الموضوع الذي يعالجه ويتحدث عنه، وكم هو مستغرقٌ في قضايا أمته وأبناء شعبه، بل وفي قضايا العالم العربي من حوله؟).
لا أشك في أنه، النموذج الفريد بين الملوك والحكّام، في تكريس كل دقيقة من يومه للتفكير في هذه القضايا، وفي مناقشة ما يحيط بها، من قريب أو من بعيد، بحيث تتبلور في ذهنه، نتائج، وأحكام، وقرارات، لا يجد ما يمنع أن يطرحها على بساط البحث بأسلوب أعجب ما فيه، أنه أسلوب الأخ مع الأخوة، والصديق مع الأصدقاء، بعيداً عن غطرسة الآمر، وعنجهية القدرة على الحسم والبت. وليس أدل على هذه الحقائق، والخصائص، في شخصيته، وفي اضطلاعه بمسؤوليات القيادة العليا، واشتغاله بما تقتضيه هذه المسؤوليات من التعمّق في الدراسة، والتأمّل والموازنة بين الراجح والأرجح، والمفيد، والأكثر فائدة، هذا الكثير، الذي نسمع في أحاديثه، إلى أبنائه أو رجاله، من توجيهاتٍ تستهدف من المصلحة العامة، ما نشعر أنه الأشدُّ إلحاحاً، والكثر اتفاقاً وتواؤماً مع الواقع الذي تعايشه القضية أو القضايا المطروحة أو القائمة.
من القضايا التي سبق أن طُرحت، وأخذت نصيباً من الدراسة والبحث، على صعيد الصحافة أحياناً، وعلى مستوى الرغبة في تطوير التعليم في مختلف مراحله أحياناً، قضية سمّاها بعضهم (التجنيد الإجباري)، وسمّاها آخرون (خدمة العلم) بمنطق أنها - أي هذه الخدمة - واجب، يحتم الانتماءُ إلى الأرض، وإلى الأمة، أن يؤدّي دون استثناء من أي نوع إلاّ في حالات يقررها القانون. والقضية، مطروحة على الصعيد الرسمي أيضاً، ولكنها لم تُحسم، أو لم يبت فيها، لأسباب تعذّر إيضاحها، أو فلنقل يتعذّر أن توضّح ما لم يتم استيعاب ظروفها ومتطلباتها.
ولقد كانت ومضةَ إشعاعٍ، أيقظت بضوئها وإضاءتها الساطعة، القلوبَ الغافية قبل العيون، حين، سمع المواطنون، وهم يصغون إلى حديثه القيم والمستفيض، إلى قادة وضباط القوات المسلّحة والحرس الوطني وقوى الأمن الداخلي الذين قدموا للسلام عليه، قوله - حفظه الله - (إذا اعتدى على العقيدة قبل كل شيء أو على الوطن، فكلنا جنود) ثم يضيف: (من المعروف أن التهيئة والاستعداد والتنظيم، يجب أن يكون هو الأساس والقاعدة).
ثم كان الحسم والبت، بأسلوبه الحكيم، وبعد الكفاية من الشرح والتفصيل والإحاطة بمكوّنات الرأي، حين قال: (ولذلك فمن هذا المنطلق - ومن هذا المكان الذي نجتمع فيه، فإني أوجه نداءً إلى جميع خريجي الجامعات، وخريجي الثانوية العامة وخريجي المعاهد أن يلتحقوا بالقوات العسكرية).
ثم، سطع هذا الحسم بإشعاع القيادة التي تدرك الكثير من خلفيات القضية وهو الإشعاع الذي قال فيه: (عندما أوجه ندائي، فإني أعرف أنه محبّب للنفوس، وليس القصد منه إرغام أبنائنا المتخرّجين أن يلتحقوا بالقوات العسكرية.
ليس القصد منه الإرغام..
وهذا هو الفرق، بين مفهوم ((التجنيد الإجباري)) - عند دول تتمسك به - أو خدمة العلم عند دول تستر الإرغام بهذا الاسم - .. الفرق، أن العاهل العظيم يوجّه إلى الشباب ((نداءً)) للالتحاق بالقوات العسكرية، ولكنّه ليس نداءَ الإرغام والقهر، وإنما هو نداء الأبوّة الموقنة بأن التفاف الأبناء حول هذه الأبوة واجب مفروض ومفروغ منه.. الأبوة، التي لا تناديهم في الواقع إلاّ لإيمانها بأنهم يدركون مسؤوليتهم نحو هذا الوطن، الذي آن لأبنائه أن يشعروا، بواجبهم نحو افتدائه، بل افتداء كل ذرةٍ ترابٍ فيه بالروح.. بالدم.. بكل ما نملك، لأنه الوطن.. والوطن دائماً هو الأعلى حتى من الأم والأب.
هل أقول دمعت عيناي، وأنا أسمع نداء فهد بن عبد العزيز.. وهل أقول إني قلت إني شخصياً، على استعداد لأن أقف إلى جانب ابني، في معسكرات التدريب.. لأؤدي واجباً إن كنت قد أديتُه في قوات الأمن، في أيام الشباب، فليس ما يمنع أن أستأنف الخدمة، وأؤديه في القوات المسلّحة.. ومع الأسلحة المتطورة، التي كم أتمنى أن أتمتع بملمسها بين أناملي.
كان حديث الفهد العظيم، واحداً من أروع، وأعظم، ما يمكن أن تسطع به روح القيادة في مستواها الأرفع، ومن منطلق إدراكها لمسؤولياتها نحو الوطن العظيم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :530  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 98 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.