شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فرق بين تحريك الصخور... وإثارة التراب
تحريك الصخور عمل يتقنه العامل القوي، وقد يستعين على ذلك بأكثر من أداة يعرفها ومارس التعامل معها... أما إثارة الغبار... أو التراب، فتصرف يمكن أن يمارسه الصبية في ساعات لهوهم ولعبهم... كما يمكن أن تُحدثه الرياح حين تذروه من موقع في الأرض إلى آخر.
والكُتَّاب في كثير من الصحف في العالم العربي، يمارسون في تعاملهم مع قضايا مجتمعاتهم المهتمين... أعني تحريك الصخور أحياناً - وإلى أن أقول (نادراً)... وإثارة التراب في معظم الأحيان... والمسألة في الحالين مسألة ملء بطون هذه الصحف من جهة وأفواه أو بطون الكتّاب من جهة أخرى.
والصخور كما لا يخفى أنواع... بعضها ذلك الجلمود الذي يحطه السيل من عل وبعضها هش أقرب إلى الطمي المتماسك أو المتحجر... ومع ذلك فإن تحريكه لا يستغني عن جهد يختلف تماماً عن إثارة التراب، أو الغبار... وهو ما يمارسه الصبية في لهوهم دونما جهد يذكر.
والمجتمعات في العالم العربي، فيها الكثير من الصخور، التي تحتاج إلى التحريك... ومنها على سبيل المثال، العادات التي نلتمس الأعذار لرسوخها في حياة هذه المجتمعات بأنها مما انحدر إلى أجيالنا، عبر سلسلة من الآباء والأجداد... كإصرار أهل الفتاة تخطب لمن طاب له أن يختار الزواج منها... على البذخ، وليس في المهر، والشبكة وما يسمّيه إخواننا في مصر (الجهاز) فحسب، وإنما في حفل عقد القران، أولاً ثم حفل الزفاف ثانياً... وهو بذخ قد لا يعجز ذوي الثراء الضخم والجاه العريض، ولكنه يقصم ظهور الآباء ويفتح بيت الزوجين لعواصف الفاقة والحاجة، فالعجز... فالطلاق تطلبه الفتاة الدلوعة أحياناً، ويضطر إليه الفتى الذي لا يزال في درجات السلم الوظيفي أياً كان أحياناً أخرى.
ويطول ضرب الأمثال للصخور التي تقع على الكتاب مسؤولية تحريكها واقتلاعها من محجرها... وتمتلئ الصحف بالكلام عن البذخ وأضراره ونتائجه السيئة على كيان الأسر النامية، ولكنها تمتلئ في نفس الوقت بأخبار حفلات عقد القران أو الزفاف، في ذلك الفندق الفخم والعدد الكبير من المدعوين، وما انبهروا به من مظاهر الفخفخة والأبهة... وفي ذلك بطبيعة الحال استفزاز لغير القادرين، والمتحسّرين، أو المنتظرين للمعجزة قد لا تأتي إلاّ بعد عدد من السنين.
أما عمليات إثارة الغبار أو التراب، فما أكثر ما نجدها في مجال النقد الفني والأدبي... ولا أدري شيئاً عن (الكروي) إذ أسمع أنه يدخل في نفس الإطار... في مجال الفن، عندنا الموسيقى والغناء، ثم الأعمال التشكيلية. والذين يتصدون للموسيقى والغناء يثيرون الكثير والعَفِن من الغبار... والمحرر الذي يصفونه بأنه (محرر فني) في صحيفة من الصحف أو مجلة من المجلات، يتخذ من الغمز واللمز وسيلة لتجريحٍ ملفوف لهذا المطرب، أو ذلك الملحّن، فإذا وصل إلى فنّانين من البلدان الشقيقة فما أكثر ما ينحني تقديراً، فيه رغبة التقرب أو التواصل عندما تتاح له فرصة قضاء الإجازة في البلد الشقيق.
أما الذين يتصدون لنقد الأعمال التشكيلية، أو الفن التشكيلي، في المملكة فإن معظم محرري الصفحة الفنية، يعتقدون أنهم نقاد فنون تشكيلية، ويا ويل الفنّان أو الفنّانة التي يظهر لها عمل فنّي، في معرض من المعارض... ما أسهل أن يتصدى (المحرر الفني) للعمل بالإعجاب والتقدير بكلمات بالغة التفاهة لمجرد إرضاء الفنان أو الفنّانة... وما أسهل أيضاً أن يملأ مساحة من الصفحة، تجريحاً لعمل، لا يفهم منه إلاّ أنه (سرقة) يحاول إثباتها بكل وسيلة، وبتعبير جارح لا يليق.
فإذا جاء فنان ملتزم، وأصيل وكبير، كالأستاذ محمد السليم، يصحّح الخطأ الذي وقع فيه المحرر الفنّي، أو تعمّده بروح حاقدة، فإن السليم بكل أستاذيّته، يعود تلميذ يعلِّمه المحرر الفني الهمام، أصول النقد أو أصول الفن، أو ماذا كان عليه أن يقول.
وقد يسألني القراء... أيهما الذي تحتاجه المجتمعات العربية، أو الصحف العربية في هذه المجتمعات... فلا أجد ما أقوله سوى أن إثارة الغبار والتراب هو العمل الذي يملأ بطون هذه الصحف... كما يملأ أفواه وبطون الكتّاب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :739  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الغربال، قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 1999]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج