شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مع شعر أحمد سالم باعطب.. من أدب الشباب
طرحت في آخر المقال الماضي سؤالاً لا أنتظر الإجابة عنه من القراء، بل مني شخصياً، فقد رجوت أن أصل إلى قرار فيما إذا كان ينبغي أن أطاوع رغبتي في معالجة النظر في أدب الشباب، فأمضي مع ديوان هذا الشاعر ناقداً أو دارساً، أو أمضي مع ناقده ومقدِّمه الدكتور محمد بن سعد بن حسين محاوراً.. أم أعزف الخ ما قلت.
وقد فكّرت طويلاً، وفي ذهني بقية من طبيعة الالتزام بالوفاء بما أعد.. وأقول بقية، لأني أشعر أن المتغيرات من حولي، ليس في الأدب فقط، وإنما في الكثير الكثير من المفاهيم التقليدية، التي كنا لا نجد سبيلاً للانفكاك من قيودها قد أصبحت اليوم وللأسف ترغمنا على أن نتوخى المسالك للتسلل من طوقها.
* * *
ويدهشني أني وجدت أن ما يُلزمني بمتابعة الكتابة عن ديوان الأستاذ أحمد سالم ليس شعر الشاعر في ديوانه هذا، وإنما هو المقدمة التي أفضل بها على الشاعر الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين، إذ لم أستطع أن أنسى قوله في الصفحة الأولى من هذه المقدمة: (لأنّي فرضت على نفسي ألاّ أقول في مثل هذا الموقف - أعني موقف الحكم على الأعمال الأدبية - إلاّ ما ينعكس على مرآة حسّي وفهمي عند القراءة، متجرداً من كل ما يربطني من مودة أو نقيضها لكي يكون حكمي على العمل أقرب إلى الصدق، لكونه نتيجة تعاملي مع النص).
ويبدو لي أن الأستاذ الدكتور، بقوله هذا، قد وضع القراء - وأنا منهم - أمام شحنة من احتمالات المواجهة مع النصوص في قصائد الشاعر باعطب، فيها (الحكم) أكثر قرباً من الصدق، لكونه - كما قال الدكتور - (نتيجة لتعامله مع النص نفسه).
ومن هنا، كان لا بد لي - كمجرد قارئ - أن أقرأ هذه المقدمة قراءة متأنية فيها الرغبة في الاستفادة من (حكم) أو (أحكام) الدكتور الناقد على ما لا بدّ أن يجده في قصائد الشاعر مما يستحق هذا الحكم، بالإعجاب والتقدير والوقفة المتأملة عند لمحة الجمال في نبض الإبداع، أو مما يستحق - على الأقل - التنبيه إلى ميكانيكية النظم واتباعيته المفتقرة، ليس إلى التماس الجديد والمُلهَم - وإنما على الأقل، إلى براعة التناول والمعالجة حتى ولو كان المعنى قد اهترأ، لكثرة التداول فيما سبق أن جاء فيما يتراكم في دواوين الشعراء.
وأعتقد أن من حقي أن أتوقّع أو أتوخّى كل هذا أو شيئاً منه في مقدمة الدكتور، ليس فقط من منطلق أنه (رئيس قسم الأدب بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) ولكن من منطلق هذا الذي مهّد به للمقدمة التي سبق أن أوضحت فرحة الشاعر بها.
وحتى هذه اللحظة لم أستطع أن أدرك ما سبق أن ألمحت إليه عن حرص الدكتور على ذكر أبواب الديوان وعدد قصائد كل باب.. وها أنا ذا ما أزال عند (الباب الثاني) وعنوانه (تحيات قلبية للشمس) وعدد قصائده ثلاث عشرة - كما قال الدكتور - وكما جاء في الفهرس.. ويقول الدكتور معرّفاً إنها (ويعني القصائد) قد اشتملت على أحاديث عن حب الوطن.. وبعد أن استشهد بأبيات قلت إنها ربما حظيت باستحسانه دون أن يقف عند أي بيت منها، انتقل الدكتور إلى قصيدة أخرى فقال: (ومن هذا اللون قصيدته (الطائف المليحة الفاتنة).. ومرة أخرى أجد الدكتور يقول: (ولقد جدّدت هذه القصيدة لي ذكريات سالفات في الطائف، أيام الطلب، حينما كنا نغني للحياة بلا قيود.. فلا لوم إن استعدت مع الشاعر باعطب تلك الذكريات..) ثم يذكر الدكتور ثمانية أبيات من القصيدة، مختاراً ما حظي باستحسانه منها.. دون أن يقف ناقداً، ما يمكن أن يستحق النقد أو حتى الملاحظة المتسائلة، عن (صبايا الورد) على سبيل المثال.. هل هن فتيات يحملن القُفَفَ الصغيرة من الخوص، وفيها الورد، يعرضنه للبيع أو يذهبن به إلى بيوتهن.. أم هي شجيرات الورد.. ولا أظنها.. إذ يتعذر أن نتصور لهذه الشجيرات، وهي مسكونة بالشوك، (لَمَى ريانا) أو غير ريان.. كما يتعذر أن نتصور لهذه الشجيرات أعطافاً تدغدغ، أو يدغدغها الندى وقد يؤكد أن المقصود في شعر الشاعر ليس (شجيرات الورد) وإنما الصبابا (الآدميات)، البيت التالي الذي يقول: (هناك الرؤى الأبكار يخطرن فتنة.. معطّرة الأذيال يمرحن خرّدا).. ولا يلام الأستاذ الدكتور إن استعاد تلك الذكريات - كما قال - ولكن ماذا كان يمنعه أن يقف عند هذا الحسن الذي (كم أفرغ دَنّه) وهو لا شك يعرف ماذا يملأ الدَّن أو الدِّنان، مما لا نحتاج إلى ذكره، وأن يتساءل، كيف يهبط الشاعر بالحُسْن إلى هذا المستوى، الذي قد لا يدري أنه لا يليق إلاّ بالخدم ومن في منزلتهم، أما الحُسْن أو الحسناوات، فهن اللائي قد يتنازلن - إذا شئن وطاب لهن - بأن يقدّمن أنواعاً من (المطايبة) الرقيقة ومنها كأس الشاي.
ونأتي في قصيدة (الطائف المليحة الفاتنة) إلى وادي (وُجْ)، الذي استعار له الشاعر كلمة (ضَمّنا)، ليعطيه صفة المخلوق الذي يمارس عملية (الضم) وإلى الصدر.. ونتيجة لـ (الجوى).. وأرجو أن يعذرني الشاعر والناقد الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين إذا قلت إن ذلك الوادي الرحب، الفسيح، والذي نادراً ما خلا من الرّواد والطلاب للترويح عن النفس من أهل الطائف، ومن المصطافين، يصعب أن يضم الشاعر (جوىً) وشوقاً، لأنه لا يعاني وحشة العزلة والوحدة.. قد يرحّب بالذين يرتادونه، شأنه في ذلك شأن كل مربع من مرابع النزهة والترويح عن النفس، ولكنه لا يضمهم جوى ولا شوقاً، وإنما هم الذين يمكن أن تهيج أشواقهم إليه بعد فراق طويل، فيضمُّوا مسارحه ورؤاه ونسيمه العليل، وصفحات تاريخه الطويل، إلى صدورهم وأرواحهم.
وينتقل الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين إلى الباب الثالث من الديوان، وهو بعنوان (بسمات على شفاه دامية)، ولا يستوقفه في هذا الباب إلاّ العنوان الذي قال إنه ذكّره بعنواني ديوانين سابقين للشاعر هما (الروض الملتهب) و (قلب على الرصيف).. ويعلل للتذكّر بأن شاعرنا ربما كان ماهراً في تخيُّر العنوان الذي يضم إلى الجمال صوراً (متطاحنة) من الاكتئاب يقول إنها (قد تكون مفتعلة).. ولا يزيد، مختتماً تعليقه بقوله (والله أعلم). ومع أنه ينبهنا إلى أن الغلبة في هذا الباب للقضايا الاجتماعية وخاصة قضايا الزوجين.. فإنّه لا يقف عند أي قصيدة من هذا الباب، بل يتجاوز قصائده هنا، مكتفياً بهذه الجملة (التعريفية) مع أن معظم الذي قرأته من قصائد هذا الباب من الصفحة 147 إلى الصفحة 193، فيه ديناميكية متوافرة، وطرح حميم وحيوي لقضايا، إذا لم يكن قد عاشها الشاعر وعاناها فما أكثر الذين يعيشونها، في جيله، وفي الأجيال التي سبقته، وليس في المملكة فقط بل في العالم الإسلامي كله. وما أسرع ما انتقل الأستاذ الناقد إلى الباب الرابع وعنوانه (قد يولد الحب من جديد..) فالأستاذ يقول لنا إنه اشتمل على عدة قصائد من الغزل الرقيق، تظلله سحابة خفيفة من الاكتئاب الذي كثيراً ما صحب هذا اللون الطروب، وبخاصة عند أولئك الذين عاشوا فيه تجارب فيها شيء من العنف العاطفي الذي ولّدته القيود التي فتلت حبالها العادات والتقاليد أو الظروف المعاكسة حيناً، ويستشهد أو يقف الأستاذ الدكتور عند أربعة أبيات، هي:
عيناك غابة فتنة عيناك
أبصرت ليلى فيهما وضحاك
عيناك شلاّلان يسبح فيهما
قلبي وتمرح بالفتون رؤاك
ما كنت أحسب أن حبك ساحر
حتى رأيت السحر يعشق فاك
يا حلوتي عودي فإن جوانحي
مشوبة ولَهاً إلى لقياك
ويضيف الدكتور: (وتبدو لك شاعرية الرجل رفافة رقراقة حتى فيما يكتبه من نثر تمليه عليه مناسبة.. من ذلك كلمة الإهداء التي صدّر بها هذا الديوان).
ولكن الدكتور لا يستوقفه أي معنى من المعاني في الأبيات التي استشهد بها على (الغزل الرقيق)، ولم يقل لنا أو يضع أيدينا على تلك السحابة الخفيفة من الاكتئاب الذي قال إنه كثيراً ما صحب هذا اللون الطروب..
لا يستوقفه على سبيل المثال تشبيه الشاعر عيني الحبيبة أو الفتاة التي يشبب بها (بغابة فتنة) أو بشلاّلين يسبح فيهما قلبه.. وأنا أجد في كل غابة أتيح لي أن أغشاها الوحشة والجهامة، وتلك الظلمة الكامنة بين أشجارها، وفيها أو على أغصانها، تلتف الأفاعي وينام البوم في النهار، ليستيقظ بعينيه الرهيبتين في الليل.. أما الشلاَّلان اللذان يسبح فيهما القلب، فصورة غريبة حقاً.. إذ أين هو السباح الماهر الذي يرضى أن يسبح في مياه شَلال يتدفق هادراً، دافعاً كل ما يعترض طريق تدفقه إلى البحيرة التي ينتهي إليها؟
في الصورتين افتعال.. ومحاولة لزركشة ألفاظ، ليس فيها نبض الشعر.
ولكن الأستاذ الناقد لا يقف عند شيء من ذلك وينتقل بنا إلى موضوع جانبي أكاد أقول لا علاقة له بشعر الشاعر، إذا كان الدكتور حريصاً على أن (يقف موقف الحكم على الأعمال الأدبية بتجرد من كل ما يربطه من مودة أو نقيضها).
إننا ننتظر من الدكتور الناقد أن (يعلّمنا) شيئاً، أو أشياء هي التي ننتظرها منه فعسى أن نجد ذلك في غير مقدمته لهذا الديوان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :814  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 19
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.