شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كفاح مرير طويل
ما زال الاستعمار يضرب الأمثال للناس على تآلب شيعه وأحزابه، وتكتل دوله وحكوماته، على رعاية مصالحهم بشتى أساليب القوة والمكر والاستهتار وليس أدل على ذلك كله أكثر وأقوى من النتائج التي وصلت إليها قضايا الجزائر وفلسطين في هيئة الأمم المتحدة.
فهذه الجزائر التي ما زال أبطالها يكافحون مكافحة عنيدة مريرة في سبيل الحرية والاستقلال، وقد سلخوا خمسة أعوام وهم شاكو السلاح، يخوضون غمار حرب موت أو حياة، تجاه عدوهم الذي أبى بطغيانه أن يرد إليهم حقهم الذي اغتصبه ويعطيهم استقلالهم الذي سلبه حججاً بأوهى الحجج وأغربها واقعاً ومنطقاً مستعملاً بقية ما يملك من جنود وسلاح وعتاد ويؤازره في غيه من ضلع في ركبه من دول الاستعمار وحكوماته، ولا منطق فيما جنحوا إليه غير المصلحة المشتركة في استغلال البلاد التي ما زالت تحت الاستعمار.
وهذه فلسطين التي سطا عليها فريق من تلك الآفاق. شردوا أهلها، وانتهكوا حرمتها واستهتروا وما زالوا يستهترون بالذي تقرره هيئة الأمم المتحدة في حقها.
فماذا فعلت هذه الهيئة التي لم تتكوّن إلا لتثبت أركان العدالة في الأرض.. وتنهض بالأمم والشعوب المتأخرة لتصل بها إلى مستوى سواها من الأمم المتقدمة في مختلف مرافق المدنية والحضارة. وتفك أسارها من مستعمريها ومستغليها؟
ماذا فعلت هذه الهيئة أمام هاتين القضيتين التي طال الأمد في بحثهما، وتكرر عرض مشاكلهما على منصات لجانها وأعضائها؟ وما زال الملايين من أبناء فلسطين لا موطن لهم يركنونَ إليه. ولا مورد يقيم أود حياتهم غير ما تجود به أمم ظهر أخيراً أنها استثقلت هذا العبء على كاهلها، وأرادت أن تتخلص منها، دون أن تتضافر في حزم وإصرار على إعادة هؤلاء المشردين إلى ديارهم وبلادهم بحكم الحق والعدل. ليعيشوا عيش العزة والكرامة الإنسانية! وما زالت ساحات الجزائر مشتعلة بحرب الإبادة التي تشنها فرنسا على أناس يطلبون بحقهم الإنساني في حريتهم واستقلال أوطانهم!
ماذا فعلت هذه الهيئة إزاء هذا كله في كل دورة من دوراتها التي مضت؟!
نعم فعلت ما أثبت أن الحق إذا لم تسانده القوة فإنه حق ضائع منكور! نعم فعلت ما أثبت أن مساهمة الأمم المستضعفة في الحياة الحرة المستقلة أمر لا يستسيغه أعضاؤها الأقوياء ما لم تنتفض تلك الأمم وتثر في وجوههم.. وتخاطبهم بلغتهم التي لا يفهمون سواها: لغة القوة والكفاح والنضال.. وإنه لكفاح مرير ونضال عنيف قاست أهوالها، وبذلت ما بذلته من الضحايا - جميع الأمم التي استرجعت حريتها ونالت استقلالها..
ذلك ما رأيناه وما زلنا نراه ولا نؤمل أن نرى سواه من تآلب وتكتل الغرب المستعمر ووقوفه صفاً واحداً في هيئة الأمم المتحدة تجاه تحرر ما بقي من الشعوب والبلاد المستعمرة.
ولا نستغرب ذلك منه وكلنا يعلم أنه إذا أفلتت من يده هذه البقية الباقية انهار بناء مطامعه، وأضاع الثروة التي يمتلكها من المنافع والمصالح، وانكمش سلطانه العاتي وسيطرته الباغية على البشرية.. ولكنا نعجب ونأسى لأبناء عمومتنا الأدنين الذين رضوا بأن تكون بلادهم لا تزال مسرحاً لألاعيب الاستعمار وتحقيق رغباته، ولإخواننا في الشرقية والإسلامية الذين أعلنوا في صراحة مزرية تنكرهم للحق الذي يطالب به وإخوانهم، وانحيازهم إلى تأييد العدو المشترك، وهذه لا شك عبرة من عبر الحياة التي تملي علينا مواعظها القاسية وتحتم علينا نحن العرب، بل والمسلمين، بل والشرقيين - أن نغير أسلوبنا في الحياة السياسية العامة - أسلوب المهادنة والرجاء والاستعطاف إلى أسلوب التكتيك الواقعي الحازم، فهذه فرنسا قد لجأت إلى ما لجأت إليه من وسائل إحباط المساعي العربية والشرقية الجاهدة، وأتخذت شتى أساليب المهارة والضغط الشديد، والوعد والوعيد مع حلفائها وسواهم من الدول والأمم. حتى لقد أعلنت ان تقاطع كل من لا يساندها في باطلها وطغيانها. فكان ما كان من نتيجة غير مشرفة لأكبر هيئة عالمية تتجه إليها الأنظار، ويرقب قرارها أحكامها العالم أجمع، وكان أن استعلى الباطل لديها واستشرى، وتطامن الحق واستخذى، وأستغفر الله فإن الحق وإن تطامن برهة من الزمن فلن يستخذي ويستسلم، وسوف يعلو وينتصر، لكن هو كما قيل: ((الحق يؤخذ ولا يعطى وللباطل جولة ثم يضمحل)) ولا يؤخذ الحق إلا بقوة صاحبه وجلده، ولا يتقهقر الباطل إلا بعد قمعه وجلده.
وبعد.. أفلا يدعونا الحق الذي نطلبه وهو جلي صراح، إلى أن نتدرع بالقوة.. وهل تظهر القوة بمظهرها الرائع إلا بالعمل الإيجابي، وإنا لسنا ولله الحمد قلة في العدد ولا في إمكان العمل الإيجابي. فلا أقل من أن نعمد إلى ما كانت ستعمد إليه فرنسا من مقاطعة من لا يناصرها في باطلها ولا نعتقد أن هذا - وهو في نظرنا أضعف العمل الإيجابي - ليس في إمكان العرب والمسلمين بل والشرقيين المستضعفين. فنمنع عن هذه الدولة الباغية الطاغية خيرات بلادنا، ومنافعها التجارية والاقتصادية.. وإنا إن فعلنا ذلك أثبتنا وجودنا الصحيح وأظهرنا أقل ما يمكن إظهاره من مظاهر قوتنا التي ترغم من يناوئنا على أن لا يغمطنا حقنا وحق إخواننا في الحياة الحرة المستقلة، وإننا في هذا لا شك أقوى منطقاً وحجة في مجال القول والمحاجة، وأشد إيجابية وتأثيراً في ميدان التطبيق والتنفيذ. ومن الله نطلب النصر والتأييد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :620  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 141 من 143
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج