شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((من فقه التاريخ)) (1) العربي المسلم والمسلم العربي
وهذا العنوان أكتبه لأني أعرف الفرق بين عروبة المسلم وإسلام العربي، وما كان ذلك عن الشكل والموضوع، فهما بهذا لا يختلفان وإنما هي النظرة إلى استقراء التاريخ والمناظرة بفقه التاريخ، فالعربي المسلم منذ جمع الله شمله في وحدة نواة أمة، وعلى عقيدة دين أمة. فمنذ دخل الناس في دين الله أفواجاً كانت مسيرة العربي المسلم أن طهّر أرضه من الجاهلية الجهلاء، ومن الوثنية، من الفرقة. وكم هو عظيم هذا الوصف للعرب أن كانوا هم الناس.
العربي حرر أرضه وإنسانها، فنخوة العروبة وحماية الإسلام سار بها العربي بعد أن قتل الشقاق، وأعاد الله الوحدة، سار إلى الفتح على صورتين: عربياً مسلماً أزاح الاستعمار الروماني عن الشام كلها وعن الأرض غرب السويس كلها. فالسيف كان عربياً مسلماً، والجيش كانوا العرب المسلمين، فاجتمع لهؤلاء الذين هزموا الروم في اليرموك نخوة العروبة وهداية الإسلام، فاليرموك عربية مسلمة، بينما القادسية وما بعدها المسلمة العربية.
فتحرير العرب للأرض نخوة وجهاد، ومسيرة الفتح إلى الشرق جهاد ونخوة، ولعلّ الأمر يحتاج إلى أمثلة كثيرة في الجهاد النخوة، وواحدة في النخوة الجهاد، فتحرير الأرض العربية من الرومان موضوع واحد، أما تحرير الأرض من الفرس والفتح العظيم بعد ذلك، فالأمثلة كثيرة.
لقد كان العربي في الجاهلية لا يتحرك ضد الروم؛ لأن دمشق لم تكن محكومة الحكم المباشر من قبل القيصر فما زال السلطان عربياً، ملك أولاد جفنة، سلطان غسان وبهراء وكلب، فتراخى العربي لا يتحرك ضد الروم بينما هو وفي الجاهلية كان يتحرك ضد الفرس، أو مع الفرس، فالمعية كانت في اليمن وكانت في الحيرة، غير أن قبائل الصحراء تحركت في أكثر من مرة ضد الحيرة، عدناني يحارب قحطانياً، ولم يكن ذلك حرب العرق للعرق وإنما كان الحرب على سلطان الفرس، حتى أن عمرو بن هند ملك الحيرة لجأ إلى مضر حرباً على ربيعة الفرس، فإذا هو زوج المتجردة بنت زهير بن جذيمة سيد غطفان، بل كان السيد الأول في مضر خارج الحرم. أراد ابن هند أن يختلف العدنانيون، ولكن وائلاً ببكرها وتغلبها وشيبانها ما انصاعت له، وما تناولتها غطفان بشرّ، وإنما كان هناك الحساب للعواصف بين مضر وربيعة.
ورغم سلطان المناذرة في الحيرة انتصر الشيباني من وائل في وقعة ذي قار على الفرس، لأن الفرس كمستعمرين أعجزوا المناذرة أن يتحركوا لهم، فإذا هانئ بن مسعود الشيباني ينتصر في ذي قار، يستبشر بهذا النصر خاتم الرسل محمد بن عبد الله فقال: اليوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا.. وتم لأبي بكر الصديق بعد أن أعاد وحدة العرب أن ينعم الله عليه بنصرين على الفرس، فتح الحيرة على حدود كاظمة، فزال الاستعمار الفارسي عن الحيرة، وأما النصر الثاني فكان في ((ذات الخنافس)).
إن فتح الحيرة مهد له المثنى بن حارثة الشيباني، وتناوله سيف خالد. وذات الخنافس كانت بين خالد بن الوليد وجيشه وبين الفيروزان الفارسي وجيشه على حدود البحر الأزرق خليجنا العربي، وكان مع الفرس عرب هم نصارى تغلب، ما زالوا يحلمون بمجد كليب وتناسوا مجد العروبة بالإسلام.
وسار خالد فإذا الفيروزان يكلف ((عقة)) التغلبي ليلقى خالداً بن الوليد، وليكون هو ردءاً لعقة، فقال مرازبة الفرس: ((كيف تبعث هذا العربي يحارب العربي؟)) فقال لهم: ((نصره لنا، وهزيمته عليهم، عربي يأكل عربياً)) ولكنه أبو سليمان سيف الله، فقد برز عقة يحسب أن خالداً من هنيئاته، فإذا سيف الله يخطف عقة من فوق السرج، يرضخه رضخاً على الأرض، تنهزم تغلب، فإذا خالدا لا يمهل الفلول، يسير وراءهم، فإذا الفرس في ذات الخنافس على موائد إفطارهم، فأنامهم أبو سليمان بسيف الله، وأقبل جيشه على الغنيمة، فراعهم وافر الطعام، الفالوذج وما إليه، فقال لهم خالد: هذا رغيد العيش، والله لو لم نحاربهم على هذا الدين لحاربناهم على هذا الريف! وأرسل خالد البشير إلى أبي بكر الصديق، فخرج ثاني اثنين إذ هما في الغار، خرج لا يملكه الزهو وإن ازدهى وجدانه بنصر الإسلام، فأقبل على قريش في المسجد، وعلى الأنصار، ولكنه خاطب قوم خالد لأنه ولدهم، فقال أبو بكر: ((يا معشر قريش، عدا أسدكم على الأسد فأجلاه عن خراذيله، عجزت النساء أن يلدن مثل خالد)).. وخالد يعد سيف الله قائد اليرموك أثنى عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وأثنى عليه أبو بكر واعتذر إليه عمر، فأي شأن لآخر في شأن خالد رضي الله عنه!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :946  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 962 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.