الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > صناعة

صناعة

كلمة عن رابغ..؟!

وعجيب أمر هذه الأرض في جزيرتنا، فكل قرية أو مدينة، وكل فدفد أو سهل، وكل الجبل والوادي قد حف بشيء من الثناء علينا، وبكثير من الدعاء بالبركة علينا.. كأنما العربي قبل الإسلام، وقد تغنى بالأطلال، إنما يعرب عن حب الطلل البالي.. كأنما هو يريد أن يكون الطلل القديم جديداً في وجدانه.. وتطور هذا التغني بالطلل والحب للصحراء، والراحة إلى الوادي، والعيش في ظلال النخلة، إلى تعريف مسلم.. فهجر ونجران واليمامة ويثرب قد كانت في وجدان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وهي الأرض ذات النخلة. المكان الذي سيهاجر إليه.. يصف النبق ثمرة سدرة المنتهى بأنها كبيرة كبيرة كقلال هجر.. هجر هي المنطقة الشرقية الآن - ويرحب بوفد نجران، وتعطيه اليمامة بالحصار الذي فرضه ثمامة بن أثال الحنفي. يمنع حنظلة اليمامة عن قريش، فإذا هو عطاء اليمامة، تضيق قريش، بالحصار.. يأتون يستشفعون برسول الله.. أن يأمر ثمامة وهوزه بن علي، ألا يمنع حنطة اليمامة عن مكة.. وكأنما فتح خيبر كان زلزالاً في نفوس المشركين لا يرون إلا أنه السبيل إلى فتح مكة والبركة لوج والعقيق ووادي القرى.. كل ذلك الحب للوطن.. فهل أجد كل أهلي أن يحبوا كل قرية. كل مدينة. بل كان التراب في هذا الكيان الكبير.. نعم، لقد أعطى الملك خالد - أطال الله بقاءه وولي عهده الأمين فهد - البرهان لهذا الحب.. تعمر الجبيل كأنها للفينيقيين.. هناك الجبيل ذهبتم عن الجبيل تحسبونها لا تعمر بعدكم فها نحن العدنانيين من ربيعة الفرس قد بدأنا نبني الجبيل مدينة صناعية.

وكان العطاء لينبع مثل ذلك.. فقد قال لقضاعة (جهينة ويلي) لقد عشتم في أساطير القحطانيين وتعيشون الآن بما نصنع لكم في حقيقة واقعة يصنعها تفوق هذا الكيان الكبير.

وإذا اللفتة الكريمة من خالد وأخيه.. وفي أيام الحج تلتفت إلى رابغ.. يوضع حجر الأساس لصناعة البترول.. لتكون تحلية الماء لتزرع النخلة.. لتكون رابغ ثغراً ثالثاً على البحر الأحمر.. يضاف إليه ثغر رابع وخامس في الليث والقنفذة.. وكأنما التوفيق حالف التوقيت.. أو أن التوقيت جاد به التوفيق. فرابغ الميقات كأنها باب مكة يحرم من سمائها الحجاج، وعلى ثبج البحر إن مرت السنون وكذلك من كل مار بها كأنما رابغ الميقات قد وقت لها عطاء الميقات في هذه المصانع والمصفاة. وكأنما إذ كانت ميقاتاً استصرخت الوفاء للحرم ومن الذين حول الحرم. وهل تستأهل رابغ الوفاء؟ نعم. بل إنه حقها يحتمه التاريخ يلزم به التفوق.. يعطي وحدة الكيان الكبير التمايز بهذا العطاء لا التمييز.. فالدولة واحدة والأرض واحدة، والعطاء واحد. ولن يأتيني رجل لم ينزع الفولة منه بعد.. يفخر بقرية على قرية. وبمقاطعة على مقاطعة. وبواد على آخر.. فخرنا بالجميع وللجميع.

فالدولة الواحدة والكيان الكبير الواحد حتم أن يتوحد كل فؤاد بالحب الكبير والعميق لكل ذرة من هذا التراب.

وهل لرابغ وفاء ساهمت به في دعم هذا الكيان الكبير؟ نعم.. لقد كان ذلك يوم كانت الثغر المستقبل للأرزاق تأتي من الهند ومن بومباي بالذات يرسلها أعيان القصيم ومن أعيان عنيزة الذي رسخت له قدم التجارة في الهند إبراهيم الفضل صالح الفضل كبير بيت الفضل في الهند وفي عنيزة وفي جدة.

وكان هنالك ثلاثة رجال من أبناء المدينة المنورة.. أبناء القصيم. أبناء عنيزة.. عبد العزيز الخريجي يرحمه الله ومحمد الخريجي أحسن الله إليه وناصر العبد الله العقيل كانوا بما لديهم من مال يستقبلون ما يرسله إبراهيم الفضل.. يمدون مكة وجيش الملك عبد العزيز يرحمه الله بالأرزاق.. فإذا كل نجد وكل الحجاز لا يخشون جوعاً من حصار.. ولكن من أرباح لهم أن تكون رابغ كذلك؟ ذلك الرجل الكبير الشيخ إسماعيل بن مبيريك أمير رابغ فقد كانت تحت إمرة آل مبيريك لا يقصيهم منها أحد في عهد الدولة العثمانية وفي عهد الأشراف وحتى هذا العهد الوفي لإسماعيل بن مبيريك.

إن إسماعيل بن مبيريك عرف بنظرة سليمة أن يكون صديقاً للملك عبد العزيز.. ولم يقتصر مسعى ابن مبيريك على أن يضع رابغ ثغر التأمين والأمان.. فحين امتن عليه الملك عبد العزيز يرحمه الله تقديراً لوفائه أن يكون الأمير لقبيلة حرب فهو حربي من الغوانم يستكثر بابن عسب البيت الكبير في حرب.. ولم يستغول بسلطة زبيد.. لم يأخذ هذه أمارة على حرب مأخذ المستأثر بها. الجافي لأشياخ هذه القبيلة.. بل كان كل مسعاه أن يبعد كل وحشة في نفس هؤلاء الرجال. فقد كان يقربهم إلى جلالة الملك عبد العزيز ليستأنسوا بعطفه وليعرفوا من هو؟..

فيأخذ الشريف أحمد بن منصور أمير حرب قبله.. ووكيل أمارة المدينة أيام حكم الحسين بن علي يرحمه الله.. يصحبه للسلام على الملك عبد العزيز فإذا هو يلقى التكريم كما لقي أخوه عبد المحسن من قبل وكذلك فعل مع ناصر بن بنيان أمير اللهبة. كما أنه حين لجأ إليه الشريف عبد الكريم بن بديوي أحد أمراء جهينة وأمير الأشراف ذوي هجار احتضنه فأكرمه وأعز شيبته.. وحين أخذ بيد شيخ بشر ومعبد من بني عمرو من حرب ليقدم السلام على الملك عبد العزيز.. كانت هناك ملحة طريفة أرويها للتاريخ.. فقد تبسط الملك عبد العزيز يرحمه الله.. يؤنس الوحشة في الرجال.. فسأل محمد بن حمادي: (أنت أكبر والا إسماعيل؟) فاستمهل ابن حماد قليلاً كأنما يطلب الرضا عن الإجابة فقال: (إسماعيل أكبر بعطفك، وأنا أكبر بعدلك) فاستحسنها الملك عبد العزيز وما غضب إسماعيل بن مبيريك. فأصحاب الأقدار والقيم يعرفون القيمة لهؤلاء أصحاب القيم.

إن رابغ اليوم ستكون متنفساً لجدة.. ستكون زاخرة بالعمران. وعساني بعد، أن أطلب من معالي وزير الزراعة عبد الرحمن آل الشيخ أن يزور رابغ يبشر السيل فيها لعلّه يستحسن أن يكون هناك سد.

ولعلّي في النهاية أكمل بعض الجغرفة التاريخية لثغرنا الحبيب رابغ.

رابغ: بعد الألف باء موحدة. وآخره عين معجمة: وادٍ يقطعه الحاج بين البرداء والجحفة دون عزور، قال كثير:

أقول وقد جاوزت من صدر رابغ

نهاية غبرا يفرغ الأكم لها

أألحى أم صيران دوم تناوحت

تريم قصراً وأستحث شمالها

أرى حين زالت عبر سلمى برابغ

وهاج القلوب الساكنات زوالها

كأن دموع العين لما تخللت

مخارم بيضا، من تمنى، جمالها

تمنى: موضع، وقال ابن السكيت: رابغ بين الجحفة وودان، وقال في موضع آخر: رابغ واد من دون الجحفة يقطعه طريق الحاج من دون عزور، وقال الحازمي: بطن واد من الجحفة له ذكر في المغازي وفي أيام العرب، وقال الواقدي: هو على عشرة أميال من الجحفة فيما بين الأبواء والجحفة؛ قال كثير:

ونحن منعنا يوم مر ورابغ

من الناس أن يغزى وأن يتكنفا

يقال: أربغ فلان إبله إذا تركها ترد أي وقت شاءت من غير من يجعل لها ظماً معلوماً، وهي إبل مريفة أي هاملة، والرابغ: الذي يقيم على أمر ممكن له، والرابغ: العيش الناعم.