شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مكة الإسلام والحج
أبونا إبراهيم عليه السلام، سماكم المسلمين، فالتوحيد عقيدته، والإسلام ملته الحنيفية، ترك تعاليمها لابنه إسماعيل، في هذا البلد ((مكة)) وحينما رفع القواعد من البيت، إنما رفعه وأقامه، لتقام فيه شعائر الله، ومنها مناسك الحج، في المشاعر الحرام.
الحج سنة إبراهيم… قام به بنوه بعده، أجيالاً تقيم سنته على ما حدد، وأجيالاً حرفت وبدلت حتى علقت بالحج شوائب.. أكبرها ضلالاً الشرك، وأكثرها تضليلاً الجاهلية الحمقاء. وجاء الإسلام فأقر ما دعت إليه ملة إبراهيم من مناسك الحج، وألغى الشوائب التي علقت بسنته.. من فعل المشركين الذين حرفوا وبدلوا شرعة إبراهيم.. وأسس للتوحيد قواعده، بهدم الأصنام التي كانوا يعبدون. وشرعة إبراهيم رسالة رسول من أولي العزم. قد أثرت في دنيا الإنسان تأثيراً كبيراً وفي كل مكان.. كل مسيحي، وكل يهودي، وكل مسلم، ينزع إلى إبراهيم بمنزع من أصل ومن دين.. بعضهم على الحق، وبعضهم بدَّل الحق، وتبع الباطل، تبعوا باطل الرهبان، وهمزات الشيطان: فالرسالتان، رسالة محمد ورسالة إبراهيم، لهما أكبر الأثر في الإنسانية سعة وقوة وتطوراً. أثر لم يحدث من ديانة أخرى، والدعامة التي قام على أسسها بناء الرسالتين، هي عقيدة التوحيد.. التوحيد عقيدة المسلم، وهي بعد عقيدة الإنسان الكامل، يرتفع بها من ذل العبد للصنم، للراهب، للكاهن، للشيطان، للخوف، فلا شيء يبعث العزة في هذا الإنسان، إلا أن يرفع رأسه، وإلى السماء يعبد الواحد الأحد، لا واسطة، ولا مشرف ولا صكوك غفران، ولا الإسلام في المعركة حينما نشأ وبعدما ارتفع، وبعدما تشتت شمل المسلمين، أنه في حرب مع الشرك مع التحريف والتبديل والتأويل، الأعزل، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه (الأنفال: 39).. ومع الصليب في كل مكان - يحرص مبشرو النصرانية على تنصير المسلم الضعيف الجاهل لينقص عدد المسلمين، أكثر من حرصهم على تنصير الوثني لأنهم في أنانية الرجل الأبيض المبشر بالنصرانية، لا يريد أن يضيف لعدد المسيحيين عدداً آخر، وإنما هو يغمض عينيه عن هذه الإضافة ما دام فيها نقص لعدد المسلمين. فالإسلام في أكثر من معركة قد رد كيدهم وحطم غرورهم.
وهذا البيت الحرام، وهذه مكة وهذا الحج، حاجز كبير قهر الصليب بهذا الحشد المتجمع من المسلمين، الحج قوة قاهرة ترد المبشر، إن هو اتخذ مكاناً للدعاية للإسلام. وقد عرف الصليب ذلك، فهو جد حريص على الكيد للإسلام، يقعد له كل مرصد يريد تعطيل الحج، ولكن.. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: 9).. فليهون الصليب على نفسه. وليغمض المتقاعسون أعينهم، فإنهم سيفتحونها على عزة الإسلام. وانتشار الإسلام.
وأول العوامل في سبيل ذلك هو الحج، فالأرقام التي توضح عدد المسلمين في العالم كله، في الهند، في إندونيسيا، في إفريقيا، وفي الولايات المتحدة نفسها، أرقام مذهلة، جعلت الغرب يقف مشدوهاً حتى إن قلم الاستخبارات في الدول الغربية، وفي الولايات المتحدة وقف حائراً أمام هذا الانتشار للإسلام، وفي المواطنين الزنوج، يسلمون ابتغاء الحق يجدونه في الإسلام، وابتغاء العزة، يجدونها في الكلمة النورانية، وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ لا أنتم الزنوج الأسفلون لسوادكم، وما فعله البابا من غسل رجلي الكاهن الزنجي، إنما هو ضرورة، حتمت عليهم هذه المداجاة عليهم يصرفون الزنوج عن الإسلام.. إبراهيم رفع قواعد البيت، ليكون ساكنو البيت، ناشري عقيدة التوحيد، فهل فعلوا ذلك؟ ولهذا كانت مكة مكان البيت، فالإعداد لرسالة محمد صلًى الله عليه وسلم قد جعل منها مصدر الإشعاع ولو كره الصليب، ولو تحامق الجاهلون.
مكة:
قالوا: إن إبراهيم أمر أن يذهب بزوجه هاجر وولده إسماعيل إلى جبال ((فارات)) إلى جبال مكة، فهل كانت مكة قاعاً صفصفاً؟ أم كان فيها البيت من قبل؟
هناك أقوال تشير إلى وجود البيت من قبل، فليكن بنَتْه الملائكة والأنبياء. فإنما جُعل كذلك لتخرج للناس العقيدة الصحيحة، عقيدة الله والنبي، التوحيد ولكن الإنسان يطول عليه الأمد فيحرف الحق، وينحرف إلى الباطل، ومن هنا جاء قولهم أن مكة قبل إبراهيم، وفي الفترة بينه وبين من قبله كانت بيتاً للقمر، يعبد فيها هذا الكوكب.. عقيدة الصابئين الذين نشأ فيهم إبراهيم فحطم آلهتهم، وأنكر عبادة الآفلين من الكواكب التي كانوا يعبدون.
ودليل هؤلاء أن كلمة مكة مركبة من لفظتين.. ماه، وكاه.. أي قمر، وإلا فما معنى مشق القمر، كاسم من الأسماء المعروفة على حرف من قبيس؟.
وهذه الأصنام التي كانت في جوف الكعبة. هل هي أحجار أقيمت هكذا لا ترمز لشيء‍‍!. لا. إِن الصابئين الذين عبدوا الكواكب، كانوا أكثر بني الإنسان: اليونان، الرومان، الفينيقيون، البابليون، الآشوريون، كلهم عبدة الكواكب.. يتخذون منها آلهة، فلا يبعد أن هذه العقيدة الصابئة، انتشرت في جزيرة العرب، في معركتها مع ملة إبراهيم..
وهل كانت بلقيس ملكة سبأ غير أحد العابدين للكواكب ((الشمس))! إنها في عهد سليمان بعد عهد إبراهيم، هذا هبل كبير آلهتهم يرمز للكوكب هو المريخ، مارس ((إله الحرب)) عند الأمم الأخرى، ولعلّه يرمز إلى أبولون ((إله الشعر)) عند الإغريق. ولعلّ وضع المعلقات على الكعبة كان في الأصل تقريباً لهبل، ثم صار له معنى الفخار.
فلعلّ اللاَّت والعزى، وما إليها، ترمز إلى كواكب وآلهة أخرى لم يصلنا خبرها، فقد لا يستسيغ الباحث بعض التعاليل لأسماء هذه الأصنام التي قام بها شراح العرب.
والزُّهرة في أدب العربية، لها معنى الرمز للجمال والحب كما هو في آداب وديانات الأمم الأخرى، فهي عشتروت عند الفينيقيين، وهي هاتور عند قدماء المصريين، وهي فينوس عند الإغريق. فهل جاءت لجزيرة العرب نقلاً عن جيرانهم؟ كما دخلت المسيحية شمال الجزيرة وجنوبها الشرقي، واليهودية شمالها وجنوبها الغربي؟
هي معركة التوحيد انتصر فيها ولا يزال ينتصر على البقية التي تتعاطى استشارة النجوم وما إلى ذلك، مما يتبعه بعض الجاهليين، سواء كانوا من كبار شهوانيين أو من صغار الفاشلين، والعرب كانوا يعرفون عقيدة الصابئة، لهذا كانوا يذمون من خالف عقيدتهم بأنه صابئي.. حتى إنهم سموا المسلمين بالصابئين وحتى إنهم استعملوا كلمة صبأت بمعنى تركت.
وهناك لمحة أخرى ضمن أسماء مكة، التي سميت بها. وجاء نصها في الكتاب المبين كلمة (بكة) فما معناها؟ هل هو كما قال شراح اللغة، إنها مشتقة من البك، الإهلاك والقطع لأنها تبك الجبابرة؟ قد يكون هذا صحيحاً ولكني أميل - وأمام الصراع مع عقيدة التوحيد ولأن فيها بيت الله الحرام - إلى شرح آخر لمعناها. فبكة معناها البيت، فشراح اللغة يشرحون كلمة (بعلبك) أنها مركب مزجي من كلمتين بعل، وبك. فبعل اسم لصنم وبك بيت أي بيت بعل. فلماذا لا تكون كلمة ((بكة)) تعني البيت أي بيت الله؟ هذا رأي يؤيده استقراء التاريخ، وتتبع حوادث الصراع مع عقيدة التوحيد وما ذكره شراح اللغة من الفرق بين اسمي (مكة) تدل على الحرم جميعه و (بكة) تدل على البيت.
إبراهيم يؤسس قواعده ويأتي خلف بعده يحرفون ويبدلون حتى إذا بعث محمد أرسى القواعد للتوحيد، فانتشر وعم دنيا الإنسان ولا يزال قائماً ومنتشراً ومنتصراً إلى يوم يبعثون. إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، سيعود منتصراً من هذا الحرم.. من هذه الأرض المقدسة بهذه الجموع المسلمة تحج البيت الحرام وتدين بعقيدة التوحيد، لا يتاجر بها أحد ولا يحتكرها أحد لأنها العبادة الخالصة للواحد الأحد، وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام ((إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)) وإن الإيمان ليعقل من الحجاز معاقل الأروية من رؤوس الجبال.
واليوم أصبح الحج إلى مكة رخاءً في أمن تحت حماية دولة وحد كيانها الكبير الملك البطل المرحوم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - فكأنما هذه الوحدة في هذا الكيان الكبير أول البشائر لمصداق هذين الحديثين أمن وسلام، ووحدة في الأرض والدولة بعد توحيد العقيدة. وما أجمل ما قال محمد حسين كاشف الغطاء إمام الشيعة في النجف في خطبته في المؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس في أوائل الأربعينيات، فقد قال:
((إن توحيد الكلمة وكلمة التوحيد هما ركنا الإسلام)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :725  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 792 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.