شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خَواطر مجنحَة
ـ الزهد حلية الأتقياء والمال قيمة الكرماء، ونبل النبلاء، وبطر السفهاء، وذل البخلاء!
ـ إذا كان الجفاء طبعاً فهو خليقة، فليعذر. وإذا كانت الجفوة تبطر فهي خلق، فلتحذر.
ـ بيروت السروق.. فقد ركبت الطائرة من طوكيو أعود إلى جدة عن طريق بيروت، ولكن وقد فاح الشذى فإذا بي لا أسرع إلى بلدي، بل أقيم في بيروت أياماً، لقد سرقت، أوليس الحب سرقة عاطفة لعاطفة؟!
ـ وهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ذو الخلق العظيم، كان جالساً فمرت جنازة فقام واقفاً، فقالوا له:
إنها جنازة يهودي، فقال صلَّى الله عليه وسلم: ((أوليست نفساً؟)) فأي رحابة اتسعت تعلن حرمة نفس الإنسان من هذه الرحابة؟ إنها قدوة، فإذا ما احترمنا أنفسنا كان ذلك خيراً لنا، واحترام النفس لن يتأتى إلا إذا اتسعت النفس لأية نفس نعيش معها في موطن واحد، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، أما من تعدى الحد فسيجري عليه الحد.
ـ والإنسان حيوان لا يجتر طعامه، ولكنه بأحلام اليقظة يجتر أحلامه. فلا أدري كيف سقطت عليّ هذه الصورة في لمحة خاطفة وجدتني أراها تضحك كلها، وما كنت في أيامي الأولى إلا واجداً الضحك وابتسامة تنفرج بها الشفتان، ولكني في هذا الحلم جسّده واقع، رأيتها كلها تضحك، فإذا بي أرى العينين تبتسمان. فهل العيون تبتسم؟!
نعم.. إن بريق الشعور بالجمال والشعور بالحب والأمل بالفرحة كل ذلك يعطي بريق العين قوة الابتسام.
لم أر عيناً قبل عينيها يشع عليها نور البسمة، كأنما كل ذلك أصبح الجديد في عاطفتي، أشعل الحريق في وجداني، أيقظ الغفلة يوم كنت لا أعرف البسمة في العينين.
ـ وأمسكت وأنا أجتر أحلامي أسأل بائع الرطب: ما هذا؟!..
أليس عندك رطب مناصف؟ فإذا جرس يضحك.. يقول: (إنه تمران) فقلت: (لا.. أقول تمر) فقالت: (أنا لست من الفصحاء). قلت: (كل ما فيك فصاحة.. تتكلمين بالصمت ليكون أنطق خاتمة أحلام اليقظة التي أجترها، تجرني إلى بعيد، فقد بعد عليّ أن أكون القريب).
فما أحلى أحلام اليقظة حين يستطيع المحترق أن يعبر بها عن الواقع.
ـ قالوا للإمام علي رضي الله عنه: هل تقاتل الخوارج على الكفر؟ ذلك يوم النهروان.
فقال الإمام بكل السماحة والصدق: (هم من الكفر فروا).
ـ وحين أعد نفسه لقتال أهل النهروان وقف لا يجرد سيفه (ذو الفقار)، فقال: (فتشوا عنه).
فرجعوا إليه يقولون: ما وجدناه، وهم يعنون بذلك ذراع فتنة الخوارج.
فقال الإمام: (فتشوا عنه، والله ما كذب ولا كذبت) يعني رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.
فرجعوا إليه لا يجدونه فقال: (فتشوا عنه، والله ما كذب ولا كذبت).
وفي المرة الثالثة وجدوه فإذا هو (حرقوص بن زهير) الذي قال لرسول الله الكلمة الفاسقة النابية (اعدل يا محمد).
فقال النبي: (ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟).
ثم أعلم الرسول أصحابه بعلامات زعيم الخوارج وهو (حرقوص بن زهير).
فالإمام أراد التثبيت ليعرف الحق فلا يخوض الباطل. وهكذا ينبغي لكل إمام، ألا يرزأ الناس بشهواته ونزواته.
ـ وليست المرة الأولى التي أنشر فيها هذه الصورة ولكن الشيء بالشيء يذكر، فحين احتل الفرنسيون البلد المسلم العربي (الجزائر) وهزم الأمير عبد القادر الجزائري، يخرجونه من أرضه أخذ الإنجليز كنوع من الحرب على فرنسا التي كانت مشتعلة بين الإنجليز والفرنسيين حينذاك، فعرضوا على الأمير المجاهد أن يتوّجوه ملكاً على سيناء، فلم يجدوا في الأمير المجاهد إلا كلمة الإيمان ونظافة العقل.
لقد قال لهم: هل أنتم تملكون سيناء؟ أهي أرض بريطانية تمنحونها لي؟ إني أرفض هذا العرض!.. وهكذا ما زال استعمار الأباطرة الأوروبيين يفعل بنا الأفاعيل إن زال اسم الاستعمار فقد بقي الاستغلال والاستقطاب.. استعمار الأباطرة الأوروبيين.
ـ ترجم العرب كلمة قالها هتلر بكلمة قالها عبد الملك بن الزيات: (الرحمة خور في الطبيعة).
ولم يكن ابن الزيات فيلسوفاً وإنما كان أديباً. ولكن هتلر قال هذا المعنى عن فلسفة روزينبرج ونيتشه.
وهكذا نسبت الكلمة إلى هتلر بعد ابن الزيات: (الرحمة خور في الطبيعة).
فقلبناها على هتلر، حيث نقول: (إن القسوة طبيعة الخور)!
ـ وأمنيات الشباب متعة ولو كانت من أحلام اليقظة، فقد تقسو المادة حتى تقهر الحب، لا يصل إليه حين يظل في برج غير عاجي يبهرج حياته بالأماني، وتمضي هذه المتعة حتى إذا اكتهل أو شاخ تجمعت لديه كل الفرص، يستحوذ على هذه الأماني حقيقة بين يديه، فإذا هو لا يطيقها، يرفضها، لأنها فقدت المتعة ولو أصبحت حقيقة.
فلقد قلت في (صورة) نشرت: كنت أرجو أن تحقق أمانيّ، يلعب بها عليَّ الطموح، فإذا أنا الآن أرفض كل هذه الأماني، ولو استطعت نيلها، فلم أعد قادراً على التمتع، وهناك مثل قاله (دزرائيلي) اليهودي أحد صناع الإمبراطورية البريطانية، فحين شاخ منحوه اللقب الكبير (لورد) فقال وهو يصعد الدرجات حين تعب:
ـ والآن؟ ماذا يفيد هذا اللقب؟ لما لم يكن وأنا في شرخ الشباب؟
ـ متعة أن ترى الجمال، وشقوة ألا يراك الجميل، ولكن المزيج من المتعة والشقوة يصنع لك متعة جديدة، فالشقوة ألم، والألم متعة حين تمتد به الذكرى إلى بعيد.. ومن رؤية هذا القريب الذي تكلم أمامك فإذا وجناته تضحك، وإذا عيناه تبتسم، وإذا أنت تسير على عكازك قوياً عضل نفسك، يشتد به عضل جسمك.
ما سألتها ولا سألتني، وما عرفتها ولكنها عرفتني، فالمعرفة منها زادت المتعة متعة، وملأتني شقوة حين ضاعت فلا أراها مرة أخرى، وإن كانت ماثلة في الرؤية الحالمة.
ـ في القاهرة تذكروا إبراهيم عبد القادر المازني، صديق العقاد، ومن ميزاته أنه لم يكن مسخراً لحزب، وإنما هو سخر مجلة (السياسة) الأسبوعية ميداناً لقلمه.
قلت مرة لحمزة شحاته: سننسى المازني، لأنه كاتب مصري بحت ليس كالعقاد، عربي مصري أو مصري عربي. قال: وسننسى الكثيرين ولكني وإن نسيت المازني كاتباً فلم أنس له مجيئه مع خير الدين الزركلي وأحمد باشا زكي شيخ العروبة لا يسأل عن موقف القصر مع المملكة العربية السعودية، فقد جاء وهو المصري يحضر الاحتفال بذكرى جلوس الملك عبد العزيز تغمده الله برحمته في اليوم السابع عشر من شهر الجدي عام 1346هـ.
لم أسأل إلا عن الوفاء يصحبه خير الدين الزركلي يرحمهما الله. فمن الوفاء له أن نذكره بخير ولو على طريقة (أذكروا محاسن موتاكم).
ـ الذين يملكون قوتهم الذاتية بالزعامة الصادقة والقاعدة الملتفة حولها.. لا يتوقحون.
أما الذين يستمدون قوتهم من ساداتهم، فهم الذين يتبجحون بالوقاحة ويتوقحون حتى على شعوبهم!
ـ حيث لا تكون حرية القول تنتشر حرية الفعل، فإذا الوعي ينتهي إلى لا شيء، لأن وعاء الفكر استحال إلى معدة.. إلى شهوات!
ـ ليس الحرمان ألاَّ تجد، وإنما الحرمان أن تفقد ما وجدت!
ـ الحزن: سكينة النفس المطمئنة.
والألم: تحركه.. يطارد الأمل، إن تحقق أو لم يتحقق.
والقلق: هزيمة النفس الأمّارة.. يثبطها أن تتحرك، تتعثر بين يديها الآمال، لتجد أنها في فراغ.
ـ كان الأباطرة يحتكرون الموبقات، فأصبح السماسرة أباطرتها!
ـ قالت أرنب لديك: أيُّنَا أشهى طعاماً؟!
ـ قال الديك: أنت لمن صادك، وأنا لمن اشتراني.
وكان الغراب على الشجرة، فقال:
ـ وأين أنا؟
ـ قالت الأرنب: أنت لا تباع ولا تصاد.
ـ فقال الديك: لا.. ولا، إنه قد يكون أشهى طعاماً حينما يكون جيفة لجائع!
ـ لكي تكون نظيفاً في أعين الذين أمسكوا بالترف بطريق السعار.. ينبغي أن تتسخ من قمة الرأس إلى أخمص القدم، لتكون واحداً منهم.. أما إن كنت غير ذلك فسيقتلك سعارهم!
ـ الزنجي: لا ينظر إليه في الشارع، ويطرد من الصالون، ويستقبل في المخدع! هذا هناك.. في شعوب باعت نفسها لحرية الفوضى، وفوضى الحرية.
ـ تكلنز الإنسان بالذهب فاستعبد، وتأمرك بالدولار فجن، وتبلشف بالرغيف فجاع.. فهل الإنسان اليوم إلا ولادة غير طبيعية لهذه الأحوال؟!
ـ عجز الإنسان أن يجعل الحجر ذهباً، واستطاع أن يجعل الذهب حجراً.. يبني العمارات.. يقرط الذهب في قراريط يشتريها من بيوت اليتامى، تعمر بها نفسه الخربة، وتخرب بها نفوس الذين يفتشون عن السكنى فلا يجدونها.
ـ شعور الجميلة بالجمال، يكسوها الجلال، يعطيها من الغطرسة سلطاناً تفرضه على الحبيب، فسلطان الغطرسة منها ليس تكبراً وإنما كبرياء.. في باطنه عطاء التواضع مغلَّفاً بالجلال!
ـ إذا خطب رجل لرجل امرأة فقد افترض عداوته..
وإن قاد رجل لرجل امرأة فقد فرض صداقته!
ـ كرة القدم: لعبة استحالت إلى تعصب، فأحالت العصبية الأسمى إلى لعبة!
ـ البخل: شحك بما تملك..
والحسد: شحك بما لا تملك.
تمنع ما ملكت يكسبك الحسرة، وتمنع أن يملك غيرك نعمة من الله فيصلى وجدانك بالحريق، فقد قالوا: الحسد نار تحرق الجسد!
ـ أسعد أيام الضعف، ما كان يصدر عن قوة الحب.
وأتعس أيام القوة، ما كان يصدر عن ضعف الكراهية!
ـ قال له أستاذه: احذر يا بني القاتلين - البطر والفرح - لأن بهما يتبعثر العزم ويهلك الحزم.
ـ كان (حمزة شحاتة) يضيق بالعيش أحياناً، وتضيق به الحياة أحياناً، فكتبت إليه:
ـ تريد أن تكون عدماً في الحياة، وأنت حياة في العدم؟!
ـ الأنثى الأمومة تحترم الذكر الفحل.. لأنه الأبوة!
وترحم الذكر الطفل.. لأنها الأمومة.
ـ في عصر يوم من أيام الربيع، وفي المدينة المنورة كنا ثلاثة نجلس على قنطرة يسيل فيها الماء صافياً، كان له لون أبيض: محمد عمر توفيق، طاهر زمخشري، محمد حسين زيدان، وسكت كل منا.. تتكلم العيون كأنها تناغي بعيداً، كل غنى على ليلاه، فقلت:
ـ ما أجمل هذا المكان.. فاحت فيه رائحة ((الفاغية)) كأنما هي قد كستنا الحب المضاعف لمن تمنينا أن يكون معنا. هذا رائع.. ينقصه الذي ينغصه، فقد ضاع جمال المكان في صمت التمني، فلو جاء الحبيب لذهب التنغيص فتضاعف الحب مرة ثانية.. الحبيب والمكان.
ـ الشيطان أنكر نفسه منذ عرف الإنسان، والإنسان عرف نفسه منذ أنكره الشيطان. قصة الخليقة بين الشر والخير.
ـ وقال الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإن أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
ـ وكتب سعد زغلول للأستاذ الإمام محمد عبده كتاباً أطنب فيه، فقال: أعذرني عن الإطناب فليس لدي وقت للإيجاز!
ـ قال طه حسين يجيب من سأله: ما رأيك في أدباء اليوم؟
ـ فأجاب: إنهم يكتبون أكثر مما يقرأون!
ـ وقف طه حسين حين زار المسجد النبوي يقرئ السلام بعد النبي وأبي بكر على عمر، فقال:
ـ أما أنت يا عمر فسلامي عليك.. أذكر موقفك في ((الحرة)) تسل سيفك، فتقول: لن يبقى في هذه الجزيرة يهودي أو نصراني.
ـ كان ((أحمد عبد الغفور عطار)) ذا علاقة بالدكتور طه حسين.. يزوره في مصر كما هي علاقته مع العقاد، وحين أقام محمد سرور الصبان حفلة تكريم لطه حسين ورفاقه في بيته بجدة، ألقى ((العطار)) كلاماً ما حمل فيه على مصر.. قال: ضاع أدبها وحل في لبنان، فاغتاظ طه حسين وقام يقول:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
إني أخاف عليكمو أن أغضبا
قال هذا البيت وجلس، البيت لجرير، فما أسرع بديهة طه حسين، وما أشد الملابسة!
ـ وفي الحملة - أثارها مصطفى صادق الرافعي على طه حسين - وضع عنواناً لفصل من كتابه ((تحت راية القرآن)) يصف طه حسين:
ـ خنفساء ذات لون أبيض!
ما كنت أريدها من الرافعي، وما عيب بها طه حسين، ولكنها كلمة براقة!
ـ وفي خصومة الرافعي للعقاد عرّض به في ((كلمة وكليمة)).. يلوم الوفد أن احتضن العقاد ويشير إلى انقلابه على الوفد:
ـ إذا اتخذت سفيهاً ليسافه عنك فاحذره في اليوم الذي لا يكون فيه سفيهاً إلا عليك!
ـ وقرأنا لطه حسين كلمته المؤمنة:
ـ دع عنك العلم عندما تفكر في الله، الله موجود في منطقة عذراء من نفسك، فلا يخدعك العلم، وإن شئت فقل ترهات العلم.
ـ وقال أحد أصحاب التوقيعات من العباسيين حين سألوه عن مصير أحد الأمراء، فأجاب:
ـ لقد زرعته الطاعة.. وحصدته المعصية!
ـ الثقة عطاء من الواثق ومن الموثوق به، فإن انقلبت إلى حظوة، فإن العطاء من الواثق يضيع ليكون الأخذ دون عطاء من الموثوق به، فالحظوة تدمير للثقة!
ـ في زحمة القلق يطغى سلطان العاطفة على من يعيش القلق، فيصبح إنساناً بين أمرين: الشماتة بالفاشلين، والحط من قيمة الناجحين!
فالشماتة متعة لديهم، وإسقاط النجاح ردة العزيمة وسفاهة الشتيمة!
ـ قال لي: هل أحببت؟!
ـ قلت: سؤال فضفاض.. فهل تخلو الحياة المركبة من زوجين من كل ما هو ممتّع بالحياة - إنساناً أو نباتاً - من الحب؟!.. لكنك تسترت.. تسأل عن الحب، بينما أردت أن تقول: هل عشقت.. فهناك فرق بين الحب والعشق؟!
الحب هو الإطار كحياة للحياة، أما العشق فهو انتماء الإنسان.. أحب نفسه أولاً، فعشق الجمال من أجلها.. فالعشق ليس بتضحية من العاشق وإنما هو ذروة الأنانية فيه، فالتضحية لها في التزاوج بين عشق الذات - الأنا - يتجه به عطاء لأخذ من المعشوق. فالعشق - قبل أن يكون ذوقاً وقبل أن يكون مفاجأة - هو نداء المعشوق للعاشق وإن كان الإعلان عنه طلب العاشق من المعشوق.
نعم لقد عشقت.. لكن بَعُد منالها حين اضمحلت العزيمة مني.. لا أهابها وإنما أرهبتني ظروف أحاطت بي، حتى إذا احترقت لم أزل أعيش الحريق الحي في فؤادي.. كأن النار حين اشتعلت تحرقها تزاوجت في فؤادي ناراً تحرقه ونوراً يهديه!
ـ قال لي: إذا ابتعدت عن طريق ما تكره أو من تكره، استراح بالك، ولكن.. حذار أن يكون هذا الابتعاد خدعة، فالكسب - كل الكسب - أن تصر على الابتعاد عن ما تكره ومن تكره، وتفرض عليه ألا يكسب منك ثغرة.. ثغرة يدخل عليك بها!
وإن ابتعد عنك من تحب، أو ما تحب.. فتلك خسارة ينبغي لك أن تحاول الاقتراب من الإنسان والأرض والتراث لتعطيك القوة لأن تنتصر على من ابتعد كارهاً لك أو من بعد وأنت كاره له!
ـ ألم أن تكون اليد العليا عطاء وعوناً ومجالاً لفسوق الكلمة!
فلم تعد الأوضاع العربية تطيق الجحود.. حتى أن بعضهم يتبرأ من فضيلة أن يكون أخي.. أن أكون أخاه، إن رذيلة فسوق القلم، تحطم وشائج القربى.
إن كثيراً من حرب السلاح بين عربي وآخر قد اندملت جراحها، ولكن قسوة الكلمة هي الحرب التي لا تلتئم جراحها!
ـ إسرائيل - وعلى لسان وزير خارجيتها - قال: إنه لا خلاف بيننا وبين الولايات المتحدة من أجل بيع السلاح للعرب.
إنه بهذه الكلمة قد أوضح أن كل الضجة التي تثيرها إسرائيل حين تعلن الولايات المتحدة عن بيع صفقة من الأسلحة لدولة عربية وتأخذ إسرائيل بالصراخ والاحتجاج فإن ذلك يعني أن كل ما تثيره إسرائيل ما هو إلا إعلان وإغراء ليتمسك من يشتري السلاح بإتمام الصفقة، كأنما تدعو العرب بهذا اللجاج إلى أن يشتروا الأسلحة.
بلطجة في الإعلان!!
ـ نزار قباني:
ـ واستقرأت قصيدتك مرتين، فبكيت أنت وأبكيت، وحزنت أنت وأحزنت، وأسقطت القناع عن الظلم فما استنار الطريق.. ثم غضبت فأغضبت، حملت العرب كلهم أن يكونوا هم قتلة ((بلقيس)).. فدعني أدير حواراً معك عن الغضب والإغضاب.. فلعلّني أحد الأوائل الذين بكوا معك على بلقيس، كأني أمثل أرضي - أرضك أنت - أرض الشيح والقيصوم والخزامى والفاغية والنخلة وعطر الورد الطائفي.. أرض المشرق للشعر يوم كان في ((عكاظ))!
أحاورك.. أسألك.. لو أن ((بلقيس)) كانت في أرض سبأ، أكانت تقتل؟!
ولو أنها كانت تكشف ساقيها في القصر غير الممرد على شاطئ الخليج، أكانت تقتل؟!
ولو أنها كانت جنوب كاظمة في أرض الأنباط وطسم وجديس واليمامة المشمخرة، أكانت تقتل؟!
ولو كانت شرق السويس - من الخليج إلى الدار البيضاء - أكانت تقتل؟!
إذن.. فقد كانت ((عراقية)) شامية.. فما قتل بنت بابل، إلا ابن بعلبك.. عراقية قتلها شامي.. لبس نحلة الخميني، كأنما بردى قد عق الفرات!
ألم تعلم عن شامية أخرى قتلها مواجهة شاميون دخلوا عليها بيتها في ألمانيا؟! تلك أختك الدمشقية - طنطاوية عطارية!
إنك قد استطعت الكلام فلم تفصح، وأخوك ((علي الطنطاوي)) ما استطاع الكلام فأفصح!..
لا تظلم العرب، واسأل عن الدمعة البيضاء في عيون الأمهات والبنات العرب الأتراب.. بكوا معك على بلقيس!
أعطني إحصاء لعدد القتلى من العرب.. تجدهم شاميين قتلهم شاميون!!
ـ هل ننتظر من توفيق الحكيم كتاباً رديفاً لـ ((عودة الروح)).. أم سيكتب كتاباً عن ((فقدان الوعي))؟!
اللَّهم لا شماتة!!
ـ قالت دجاجة لمرقدها: ما أسعدك إذ أبيض فيك!
ـ فقال لها: وأي سعادة في ذلك.. تبيضينها فيأخذونها؟!
ـ فقالت الدجاجة: أوليس من السعادة أن تكون مكاناً مقصوداً.. تقصدك الدجاجة، ويقصدك آكل البيض؟!
ـ المنّ من القوي استعلاء، ومن الضعيف استجداء، ومن القرين بلاء!
ـ يسخر الإنسان من نفسه إذا تبجح بما ليس فيه، قبل أن يسخر منه سامعوه.. كأنما ينطبق عليه معنى هذه الآية: وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ (آل عمران: 133).
ـ ذهب إلى الصيد، فتاه في البيداء.. فأغاثه إنسان يأوي به إلى بيت من الشعر. كاد يموت عطشاً، وفتش في جيوبه يريد أن يكافئ المغيث ببعض من المال، ولم يكن معه، فتذكر دفتر الشيكات.. أخذه من الحقيبة، كتب شيكاً بعشرة آلاف ريال، ودل المغيث على متجره في المدينة.
ووصل المغيث إلى المدينة، فطرده حراس المليونير، وسمع الضجة فشارك خدمه في طرده، كأنه لم يعرفه، وأخرج المغيث الشيك يبصق عليه، يمزقه.. فإذا المليونير يقهقه، ثم يسقط على الأرض في أزمة قلبية!
ـ قال الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: الناس ثلاثة.. عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق!
ـ وصفق المأمون ينادي خادمه، فجاء الخادم يقول للمأمون: يا غلام.. يا غلام، أما يستريح الغلام؟!
فأنكر السامعون سوء الأدب من الخادم. فقال المأمون:
ـ هكذا.. إذا حسنت أخلاق السيد، ساءت أخلاق الخادم!
ـ وقال المعتصم يسأل أحمد بن أبي دؤاد: ما بال أخي المأمون أحاط به رجال أربعة أثمروا، ودعموا ملكه. أما أنا فصنعت رجالاً أربعة لم يثمروا؟!
فقال أحمد بن أبي دؤاد: إن أخاك المأمون اصطنع الأصول فأفرعت وأثمرت، وأما أنت فاصطنعت الفروع، ولن تثمر الفروع إذا لم تكن نامية على الغصون.
كأنما ((أحمد بن أبي دؤاد)) قد أخذ ذلك من الحديث الشريف: ((الناس معادن.. خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام إذا فقهوا)).
ـ قال هتلر: الرحمة خور في الطبيعة.
فقلبناها عليه حين قلنا: والقسوة طبيعة في الخور، فكل الطغاة جبناء، وكل الفرسان الشجعان لم يكونوا من سافكي الدماء.
ـ هبت عاصفة والحجيج في عرفات.. تساقط البرد، واكتسحت العاصفة الخيام، فإذا الناس قد ضاع منهم رشدهم، فتعذبوا مرتين.. من العاصفة، ومن ضياع الرشد. وسألني الأستاذ أحمد قنديل: ما هذا؟!
قلت له: عاصفة جعلت القادرين في عجز من قدرتهم، والعاجزين في قدرة من عجزهم.. ذلك أن أصحاب الصواوين والخدم والفراش والرياش قد أصيبوا. فكسرت ساق محمد سرور الصبان وكاد يهلك غيره!
ونقل قنديل هذه الكلمة في تخابث إلى محمد سرور الصبان، فسألني: ماذا قلت؟!
فأعدتها عليه، فقال:
ـ لقد فاتك شيء واحد: إن الله كتب على نفسه الرحمة في ذلك اليوم، فتجلى سبحانه وتعالى، فلم يجدهم يستأهلونها، لما اقترفوا في ذلك اليوم، فتجلى عليهم بالعذاب يستغفرونه، فرحمهم!
ـ قلت: كأنك حفظت قصة قوم ((يونس)) عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
ـ قال لي: ما بالها قد انقلبت، فلم تفقد الحب، بل إنها فقدت الرحمة وحتى الاحترام لمن يستأهلونه؟!
ـ قلت: دعني مما هي فيه، ولأكون معك بما أنت فيه.. فأنت أعطيتها ما حرمت منه، وحين شبعت بك جاعت لتكون شرسة، كأنما هي تطوعك لتعطيها مذلة الذكر أمام عطاء الأنثى فهي في وضع: أن تأخذ فلا تعطي، وأنت في وضع: أن تعطي وإن لم تأخذ!!
ـ قبل أن تستحوذ على رضا الناس عنك، بأسلوب أو بآخر، ينبغي أن تحرص على رضاك عن نفسك.
إذا ما فقدت رضاك عن نفسك لا تنتفع برضا الناس عنك.. فحين يبدأ وخز الضمير يكون إضمار السخط عليك منك، هو إظهار السخط من الذين خدعوا بك!
ـ مأساة..
أن تكون بكل ما تملك من عقل وعاطفة وثقافة المنتمي لترابك ولتراثك.. ثم لا تجد نفسك إلا المبعد عن الانتماء، يقصيك: اللامنتمي.. لأنه قد ملك الوسائل التي ترضي الشهوات وتطغى بها النزعات!
ـ وللمتنبي صورتان رسمهما بالحرف، كلمات فيهما عمق السخرية، كأنه قد سبق عصر ((الكاريكاتير)).. فالصورة الأولى في هذا البيت:
وأسود مشفره نصفه
يقال له أنت بدر الدجى!
والصورة الثانية في هذا البيت:
يستخشن الخز حين يلمسه
وكان يبرى بظفره القلم
فالصورتان رسمهما لـ ((كافور)) - أبي المسك - !
ـ قلت لـ ((محمد مصطفى حمام)) يرحمه الله وهو المسلم مائة في المائة، والمصري والعربي والظريف والشاعر مائة في المائة، ولكنه الفقير ألف في المائة. قلت له:
ما بالك وأنت الفقير لا تملك شروى نقير تلعن الشيوعية وتكفر بالاشتراكية، وأنت غير خاضع للتأميم والمصادرة؟!
فقال: لقد سلبوني أعز ما أملك: الأماني، والآمال.. سلبوني حتى أحلام اليقظة!
ـ وكم كان شوقي عظيماً في هذا البيت.. صاغ من كلمات ثلاث هذا البناء الضخم في بيت واحد:
الأماني حلم في يقظة
والمنايا يقظة من حلم
- الفضيلة قد تنقلب إلى رذيلة حينما تكون فخاً يتصيد بها صاحبها الذين يثقون به، فكثيراً ما دمعت عيون من قسوة ازدواج في السلوك، كأنه القط الذي تنسك يأكل العصافير عندما جاءت لتهنئته، أو لتتبرك به!!
والمسؤولية قبل أن تكون عقاباً بقانون، أو ثواباً بقرارات هي قبل ذلك وبعد ذلك تقوى ضمير!!
ـ الوطنية حين ترفض العقيدة، وتطرد التراث وتعلن ((القرف)) من الماضي وترضخ لزخارف مجلوبة تسلب نفسها كل قوام لها لأنها حين تفعل ذلك تكون قد باعت كل قيمة لها، إن الوطنية ليست سلعة تباع إلى سلطان جاء بمذهب بهر بالقوة، أو خدع بميثاق الوطنية.. بل هي إيمان بكل ما للأرض من قيم، من حبة التراب إلى ذلك الموقف الباهر في غار حراء!!
ـ حين يصبح التعامل بقيم الرجال كالتعامل بأي سلعة يخضعونها للعرض والطلب.. فحين ذاك تتساقط المروءات في شهوات المعدة فيعلو سماسرة يجيدون الزخرفة لما هو مطلوب منهم.. مغلفة في علبة ليل، وحينئذ تذوب كفاءة الرجال في أوحال التعليب!!
ـ حين تصل دولة ما إلى قوة قاهرة تستطيع أن تقهر بها غيرها، فإنها بالتالي لن تقهر إلا نفسها.. كأنما القوة الجبل.. تقف عاجزة أمام ما تصنعه الرياح.. تأكل التضاريس، أو تصنع التضريس!!
ـ كل أنثى لا بد وأن يكون لها ذكر، من ذكر وأنثى خلقكم. ولكن الاختيار في ظاهر الأمر هو الاضطرار في عمق العواطف.. تزعم أنها تختار زوجها بينما ذلك هو الإغراء. هي لن تكون إلا لرجل واحد.. ذلك هو اضطرارها. هي لن تكون إلا لرجل واحد.. ذلك من تعطيه شفتيها!!
ـ طردوا الزنوج اليهود من إسرائيل لماذا؟ إن إسرائيل تريد أن ترضي العنصريين في الولايات المتحدة!!
ـ المؤتمرات الثلاثة التي عقدت قبل هذا المؤتمر الرابع لدول عدم الانحياز كانت متهمة بشبه الانحياز للاتحاد السوفياتي. من هنا قال الروس: من ليس علينا فهو معنا. وقال دالاس: من ليس معنا فهو علينا!
أما هذا المؤتمر الرابع، فلا أحسبه بعد إلا أن يكون انحيازاً ضد الانحياز، فإن سياسة الوفاق قد حتمت ذلك، لكن هنا سؤال: فهل بعض الدول التي حضرت المؤتمر، أو حتى بعض مؤسسيه يعتبرون غير منحازين بحق مع أن بينهم وبين الاتحاد السوفياتي معاهدات وهل موقف كاسترو إلا انحيازاً ضد اللاانحياز؟!
الإجابة تظهرها الأيام!!
ـ قالوا: إن خروشوف حين ألقى خطابه المشهور يسلخ جلد ستالين قال أحدهم: ألم تكن أنت من أعوانه؟.. فسأل خروشوف: من تكلم؟.. من سأل هذا السؤال؟!.. فلم يجبه أحد، قال: لقد كنت مع ستالين مثل هذا السائل معي الآن.. منعني الخوف ويمنعه الخوف!!
ـ العقاب على الجريمة قد يكون فيه بتر يشوه الجمال، ولكن فيه جمال آخر من جلال الحفاظ على المجتمع. لئن فقد الجمال الشكل فهناك إعطاء الجمال للمعاني.. في الاطمئنان على حياة الجمال في المجتمع، حين ينتشر الرعب تفقد النفس مشاعرها لأنها شغلت بذاتها، وحين يستقر الأمن تجد النفس مشاعرها.. تبصر بذلك الجمال، والجلال والكمال!!
ـ إن ما صنعه رئيس النمسا ((كرايسكي)) لم يصنعه مجاملة للعرب، ولا طلباً للأذى من إسرائيل ومن وراءها، وإنما هي مشاعر إمبراطورية ((ماري تريزا)) ومأساة ((أنطوانيت))!!
دمر الإمبراطورية فساق كاليهود، وقتل الإمبراطورة خطرون كاليهود، وما يدرينا أن اليهود كانوا وراء ذلك، فامرأة يهودية هي التي حملت الإمبراطور ((سليمان القانوني)) أن تصل حوافر خيله إلى فيينا. إن ((كرايسكي)) لا ينكر على ((ستيفان زيفايج)) يهوديته، وما كان ليطرد ((اميل لدفيج)) ليهوديته.. إنهما لم يمثلا حضارة اليهود، وإنما مثلا حضارة الغرب كلها وحضارة النمسا على الأخص. إن عمل ((كرايسكي)) ليس فيه خذلان اليهود فحسب.. بل هو جرس الخطر قرعه لأوروبا كلها، بل هو لطمة من يد على وجه ((ترومان))!!
ـ قال أحدهم: لأن أكون الرجل المحسد خير من أن أكون المشفق عليه، الإشفاق كلمة من لسان باسم الصداقة، وهي في الوقت نفسه مؤلمة لأنها تحدد الوضع بين صديقين، النافر من الإشفاق يبتعد عن المذلة، والمتبرع بالإشفاق يقترب من الاستعلاء، فأي شيء أخطر من شيء يحدد العلاقة بين صديقين؟!
ـ صحابي أنصاري اسمه ((محيصة بن مسعود)) واسم أخيه ((حيصة)). الأخ الكبير ((حيصة)) لم يسلم حين قتل ((محيصة)) التاجر اليهودي ابن سنية، فما هي القصة؟!
هي.. بعد أن قتل محمد بن مسلمة رأس اليهودية كعب بن الأشرف قال رسول الله محمد صلَّى الله عليه وسلم: (من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه).. يأمر النبي بتطهير الأرض المسلمة.. دار الهجرة.. بل الجزيرة كلها من دنس اليهود، فوثب محيصة بن مسعود المؤمن المطيع على ابن سنية فقتله، فغضب أخوه ((حيصة)) وأخذ يضربه ويقول له بلسان المشرك: (أي عدو الله قتلته؟.. أما والله لرب شحم في بطنك من ماله)..
فقال محيصة المؤمن: (أما والله.. لقد أمرني بقتله من ولو أمرني بقتلك لضربت عنقك)؟! وعجب حيصة، ثم قال: (والله إن ديناً بلغ هذا المبلغ لعجب) ثم أطرق فأسلم. هكذا أمرنا بقتل اليهود.. لا تقتلهم ذميين، وإنما نقتلهم (إذا حاربونا وقتلونا وأخرجونا من ديارنا!).
ـ نشرت ((الحياة)) كلمة لكريم، كاتبها المبرز.. جاء هذا النص في مقدمتها: ((سخر كاتب بريطاني في مجلة الأيكونوميست من حملة شاركت فيها الصحف الأمريكية حول اختيار العرب يوم عيد الغفران لشن هجومهم على القوات الإسرائيلية فقال)): ((إن الأمريكيين يعرفون أن جورج واشنطن بطل استقلال أمريكا اختار في هجومه عبر نهر يوتوماك على القوات البريطانية في واشنطن في حرب التحرير - يوم عيد الميلاد عندما كان البريطانيون يتناولون ظهراً طعام الغداء.. وحرب التحرير الأمريكية لا تختلف في ظروفها ولا في موضوعها عن الحرب التي يشنها العرب لتحرير الأرض المحتلة)) أنشره، وليس في حاجة إلى تعليق!!
ـ نكتة رواها أحدهم.. قال: إن جولدامائير حين ذهبت إلى فيينا قالت لكرايسكي: لا تحسب أني جئتك لأطلب منك العدول عن منعك لهجرة اليهود.. يمرون بالنمسا، وإنما جئت أطلب منك أن تهاجر أنت إلى إسرائيل!
فقال كرايسكي ضاحكاً: أنا يهودي ومواطن نمساوي.. لست من الصهيونية ولا من إسرائيل. أعيش في بلد لم يقتل اليهود، أعيش في بلد يقتل يهودي نمساوياً. إني زعيم هنا، ولا أريد أن أكون صعلوكاً هناك!
وخرجت مائير، ولو لم تعاجلها الحرب المسلمة لطلبت من الحاخام طرد كرايسكي من ملة يهود!!
ـ مستر ويلسون طلب بإلحاح أكثر من مرة أن تعدل بريطانيا عن حظر الأسلحة لإسرائيل ولم يضع في اعتباره أن دولاً عربية تتأثر بهذا المنع كالأردن مثلاً التي احتجت على بريطانيا، ولم يضع في اعتباره حماية الاقتصاد البريطاني. أهدر صداقة العرب ويهدر الاقتصاد البريطاني، فأي رئيس لحكومة ظل يفعل ذلك؟.. لا نطالبه بالحفاظ على صداقة العرب، ولا نلومه على صداقة إسرائيل وإنما اللوم سيقع عليه لأنه أهدر الولاء لمصلحة بريطانيا، وأهدر الرواج لاقتصاد بريطانيا!!
ـ صنفان من القراء: أحدهما يقرأ ليسرّ بالصواب، وليعدل الخطأ.. ويقوّم الانحراف.. فكأنه قد أخذ موقف القيّم لا يستعرض عضلات القوة وإنما يعرض إشراقة النفس تحب الحق وتحارب الباطل!
وصنف لا يقرأ لك إلا إذا افترض الخطأ حتى إذا لم يجده فرضه فرضاً في كل ما تكتب فأخذ يرسل المكيدة، تأولاً، كأنه قد كشف الخطأ من مكنون صدرك لا من مكتوب سطرك!.. يقول: ما أراد كذا، اللفظة حلوة لكنه وضع المر في داخلها، وهناك سماعون للكذب!
ـ قال لي: لماذا تركته يذهب منك؟!
قلت: لقد تركته لأذهب عنه، لأني لم أعد أطيق تطاوله علينا دون أن يطولنا بطول نحن أعطيناه له، ولم أعد أثق به إنساناً ينظر إليك، على أنك ((تحت)) بينما هو لم يكن ((فوق)) إلا على أكتافك.. فلقد أعطيته الكثير حين تحملت أوضاره، وغفرت أوزاره وعذرت أعذاره، وأغفلت تجنيه يظهره ولا يخفيه، وسترت توافهه فإذا أنا ثقيل اللفتة.. أعجز عن الالتفات حين أفتش عن مثال. فالتفتّ ذات يوم فإذا بي حين تركته أشعر بأني قد طرحت الغم وإن بقى الهم!!
ـ قال: أي الفصول أحبها إليك؟!
قلت: ذلك الفصل.. يشغل الناس عن الناس بزحمة الحياة فيه عن الفضول في التقصي عن أحوال الناس، هو فصل الصيف.. شهر الحاصلات والرحلات.. يجني الناس ثمار الحاصلات ويرتاح الناس من ألسنة الناس. أما الشتاء ففصل نشط ومكسال في آن واحد.. يكون الفراغ فيه مشغلة تستهلك ثمرات اللسان.. ترى لها لوناً أبيض ومساء أسود كليل الشتاء!!
ـ أتشكو من فشل الحب لأن الصداقة معه لم تدم لك على هواك؟!
إن شكواك عجز عن تحمل أثقال الفؤاد كأن مطالب الجسد قد تغلبت على مثالية العاطفة. أو كأن الفكر - لا التفكر - قد تلهى بشيء تملكه اليد حينما فرطت به العاطفة. القوة للحب بالحب هي في صدق الحب.. أما الصداقة فإضافة قد يحلو بها الحب؛ ولكنها إن زالت لا يزول.
ـ إن الذين يذهبون عن صدق الحب لفشل الصداقة ينكرون على أنفسهم صدقهم.. ينكرون أنهم أحبوا، ولا ينكرون أنهم أذنبوا في جانب الصدق تجافياً عن الصدق، وتلاحياً مع الصداقة. الحب صدق، والصداقة ظاهرة. الحب الفاشل لم يصبح خالداً لأنه فاشل كما يقول أنيس منصور، وإنما كتب له الخلود لأنه كان صادقاً. ولم يكن فاشلاً إلا بالحرمان من الصداقة.. أما الحرمان من الصدق فيعني أنه لم يكن حياً!!
ـ الاحتواء.. قد لا أكسبه تملكاً، وقد يحتويني امتلاكاً.. فسيان عندي أن يكون الاحتواء انتصاراً لي، أو انتصاراً عليّ..
بهذا أكون قد وصلت إلى هدف، هو اليقين بأنك تفعل ما تريد بالصبر.. لا بالقدرة!!
ـ قال لي: وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟!
قلت: لا، لا يستوي هؤلاء مع أولئك في عرف المثل.. أما ما نراه واقعاً فإنه يقول لنا قد يتفوق الذين لا يعلمون بعلم جديد اسمه: علم الحظوة!!
ـ قالوا: إن مكتبة أنيس منصور تضم 70 ألف كتاب!
قلت: من المؤكد أنه قد استحال إلى حرف.. يكتبه سبعون ألف عالم!!
ـ قال جمال الدين القاسمي، وهو يفرق بين السنّة والبدعة: وكم من فكرة مبتدعة سقيمة دكت سنّة قويمة!!
ـ من هو الزنجي اليوم؟! هو في عرف البيض حيوان ناطق.. يرفض في الشارع، ويطرد من الصالون، ولا يعفى من التجنيد.. تفرض عليه الواجبات، وتسلب منه الحقوق. وعلى وجه آخر.. تصفق له الشقراوات، وترفع لتحيته القبعات في ((لاس فيجاس)) ويستقبل بالترحيب وراء السجف وفي المخادع!!
ـ قلت له: لماذا تلقي بثقلك على فلان.. أتراه قادراً على تحمله.. ألا تظن أن من الضعف - كل الضعف - أن يرتكز قوي على ضعيف، ومن القوة - كل القوة - أن يعف الأقوياء عن الضعفاء؟!
ـ صائغ الكلمة البيانية يمسك بسنان القلم كأنه ريشة من جناح نسر يحلق بالمجنحات.. يضرب بها على الوتر في ((عود)) الموصلي أو زرياب، أو أمين المهدي، أو نشأت. وإذا أرسلها من فمنه يرسلها رنانة الجرس كأنه الأشدق لا يمرض الكلام في فمه.
وناطق الكلمة الصبيانية كأنه ذلك البدائي من حوض ((الزمبيزي)) أو دلتا الكونغو.. يعزف رقصة على الطنبرة.. يهتز من جلاجلها المصنوعة من أظلاف الغنم أصحاب الأعصاب المرهقة أو الذين افتقروا إلى أذن سمّاعة، أو ثقافة لماحة!!
ـ المبدأ حق، فلا توسط للحلول فيه.. إما هو وإلا فالباطل. أما المصالح فمنافع يمكن التصالح عليها بقبول الحل الوسط، فإما الحل الوسط وإلا فطرف غانم وطرف غارمُ!
ـ صاحبْ من ينسى معروفه عندك ويذكر معروفك عنده، إنه حين ينسى معروفه لا يثقلك بالإشفاق ولا يرهقك بالمن، وحين يذكر معروفك فإنه يعطيك المتعة ليأخذ متعة أخرى. يعطيك قيمتك عنده ليأخذ قيمته عندك. الشكران في وجدان الرجال علامة تعلن أنهم يطيقون صنع الجميل كما يحملون الشكر لمن يصنعه معهم!
ـ ليست القوة في القوي، أو القوية.. هي التي تسوقني إلى العبودية وإنما هو الضعف يستعبدني بقوة قاهرة.. يشعرني بإنسانية الإنسان لا بوحشية الظفر والناب!
إن الضعف - أعني السقام - في وجه عليه لون الياسمين قوة في الجمال. ما أحلى الصفرة الخفيفة على بياض ناصع!.. أحسب أن كلمة ((ناصع)) لم تأخذ صفتها للبياض إلا بهذه الصفرة.. تعلن السقام لتفعل بالقوة!!
ـ لم تكن إنسانة تلك التي قتلت عواطفها من أجل غضبة أغضبها بها زوجها، ولم يكن إنساناً ذلك الزوج الذي يحرق عواطف زوجه بما يغضبها وليس هناك ما يغضب الحليلة إلا الخليلة!!
ـ إذا كنا نقرأ، وكنا نفهم ما نقرأ فإن الولايات المتحدة - كما اتضح لدى الإنسان اليوم - هي الخاسرة في صفقة الوفاق. هكذا هم في كل الغرب يخافون حتى إن بعضهم لم يخف تحركه ضده. أما في الشرق الأقصى فهم لا يبالون لأنهم سيحاربون بنجاح كما يقولون!!
ـ قال ابن زياد لجاريته رابعة العدوية حين عصته أن تشرب وأن تغني: سأريك كيف تخدمين السادة يا هلوك. هات السوط يا مبروك، وما درى أنها تعيش العذابين، فلقد فرغت من عذاب العصيان مسلطاً على الأبدان، وشغلت بعذاب الطاعة تتسلط الرحمة بها نعمة على الوجدان. ما درى أن هذه الهلوك أصبحت لا تعرف إلا الله ملك الملوك.
العارفون يشغلهم عذاب الرحمة في الوجدان، والجاهلون تلهيهم المعصية عن الشعور بالعذاب على الأبدان!!
ـ قال: أتكره أحداً؟!
قلت: لا.. لأن الكراهية، وإن كان لها مظهر السلب في المعاملة، والمعايشة، فإنه في الحقيقة عطاء، فانشغال النفس بها عطاء، وإني لأربأ بذي كرامة أن يعطي الخبث من نفسه.
قال: والحقد؟!
قلت: إنه تجسيد لعمل الكراهية، فهو ليس عطاء بالاختيار، وإنما هو أخذ منك بالقسر.. كأن تحقد عليهم وقد سلبوا منك الغوالي: الحب، التسامح، الرضا، وحتى التفوق لا تذوق له طعماً مع الحقد!
ـ قال: والسرف؟!
قلت: خذ هذا المثل، أو هي الحكمة تجد جوابك فيها:
لا خير في السرف، ولا سرف في الخير!!
ـ ((الفيتو)) في هذه الأيام.. ليس حماية لإسرائيل. إني أحسبه دفاع المحترفين عن مواقفهم.. من هنا تجد الأمر فيه على صورتين: صورة الاعتراف بالانحراف عن العدل لأنه دفاع عن موقف، وصورة الانحراف وراء احتراف الغطرسة واكتساح الفضائل.. كأن كل فضيلة قد أحالها ((البزنس)) مغلفة معلبة في حانوت اليهودي شيلوخ!!
ـ الشيطان اليوم يفتح شدقيه يلتهم الرحمة من أفئدة الناس لأنه قد وصل إلى فهم عميق في ((الشيطنة)) عرف به أن سلب الرحمة من قلب إنسان يعني استسلاماً لكل مفاسد الشيطان!!
ـ كلمات مسلمة.. أصبحت اليوم سلاحاً للسلاح، شعار المقاتل في الجبهة، ونداء المتحدث.. لأن المعركة معركة الإسلام هي: بعون الله.. بإذن الله.. إن شاء الله.. باسم الله.. الله أكبر.. هذه الكلمات المسلمة تهز الأرض المسلمة لتقاتل، وتهز المجاهد ليستشهد، وتبعث الرعب في أفئدة الأعداء. إن الأعداء يعرفونها، ويعرفون القوة التي تنفعل نفوسنا بها ومنها ولها.. فسلّطوا على غرار منا أن يتركوها وألهم الله الأخيار منا ألا يستحوا منها فكانت سلاحاً في يد السلاح وما زالت جالبة النصر!!
ـ شهداء المعركة المسلمة في عبور القناة قد بلغوا المائتين ولا أكثر. ذلك عون الله أخلف تقدير البشر. كان البشر قدروا أن يقتل في هذا العبور الصعب خمسة عشر ألفاً، فإذا عناية الله أخطأت حساب الحاسبين وقالت: هأنذا أصنع لمن آمن بي النجاة والنصر.
ـ قالت مائير: إن خط بارليف ما هو إلا جبنة هشة لا قيمة له!!
نصدق اعترافها.. نقبله عليها لنقول: إن كل إسرائيل أصبحت جبنة هشة، فما دامت قد اعترفت بأن هذا الخط القوي الذي كلفها أكثر من مائتين وخمسين مليون دولار قد أصبح جبنة هشة، فإن ما هو أقل منه من كل ما تملك ما هو إلا جبنة هشة. إننا أمة نتفاءل. من قولها هذا نتفاءل كما يتفاءل سيد من ساداتنا من قبل، هو ((عاصم بن عمرو)) أراد أن يهينه كسرى فحمله كيساً من تراب، فأخذ يزف نفسه.. يقول لأصاحيب القادسية: أبشروا إن الله أعطانا تراب أرضهم!!
ـ هل جن مستر ((ويلسون))؟!
لا.. لكن العمالة ليس فيها صراحة الجنون، ولا عقل المجنون. عمالة ويلسون جعلته يلومنا إن قاتلنا ((اليهود)) في يوم عيد. إنه يعرف أن اليهود ما احترموا أعياد أحد.
هل نسي ما صنعوا للمسيح.. أي عيد يعادل قيمة المسيح؟!
هل نسي ما صنعوا بالحواريين؟!
أحسب أن روح القديس بولس قد لعنت ويلسون من أجل هذه الكلمة. أي عيد يحترم لهؤلاء الذين جعلوا من المساجد مواخير، ومن الكنائس زرائب؟!
لكنها العمالة تفعل البلادة ولا تفعل الجنون!!
ـ سيدي.. بقية الناس ((سعيد بن المسيب)) رضي الله عنه تجهز للجهاد فقالوا له: إنك عجوز لا تقدر على الحرب. عينك عوراء تعجزك، فقال: دعوني أذهب أكثر سواد المسلمين.. دعوني أذهب أخدم مجاهداً لا خادم له.. أعلف خيل المسلمين.. أحرس محارمهم!!
ذلك سعيد بن المسيب، ومن مثل سعيد؟!
رضي الله عن سعيد!!
ـ البعض يرسخون مكانتهم بما تفيض به القلوب..
والآخرون يزرعون مكانتهم بما تمتلئ به الجيوب!
ـ الأمانة حب.. فالأمين يحب نفسه، فهو في هذا مفرط الأنانية التي ترتفع إلى فوق، فلو لم يحب نفسه لما صانها عن الخيانة، ولو لم يحب من حوله لما صان حقوقهم. والحب أمانة فنفس الألفاظ التي عرفنا بها الأمانة تصلح لتعريف الحب كأنما الحب والأمانة شيء واحد!
ـ المروءة.. أعني خلق الجنتلمان.. أعني رفعة القيمة.. أعني العظامية.. تزداد بالتربية.. فإن فقدت التربية تنقلب إلى ضراوة.. فإن لم تكبح بالعقاب تعش في العذاب.. عذاب الضمير.. عذاب النظرة المحتقرة من المجتمع. تستحيل هذه النظرة إلى عقاب!
والسراوة.. ما أجملها حين تكون اكتسابا.. التربية صنعتها:
نفس عصام سوّدت عصاما
وعلمته الكر والإقداما
وصيرته رجلاً هماما
حتى علا وجاوز الأعلاما
فالعصامي عظامي بما اكتسب!
- امتلاك الحب - أي الاستحواذ على الحبيب - يقتل الشوق ويبعد الزهوة ولربما أرهق التذوق، من هنا.. عاش الذين ملكهم الحب ولم يملكوه. عاشوا الألم، وامتلكوا الحياة بألم اللذة.
امتلاك الحب قد لا يكون امتهاناً له، ولكن قد يكون مجلبة الهوان للذين لا يملكون من أنفسهم العبودية لسيادة الحب!
ـ موسيقى الزنوج قد أتعبوها حين رحلوها إلى مواطن كل الحياة فيها صخب. حين كانت في موطنها كانت ترفيهاً لأهلها الذين يقتلهم الفراغ، وتكسلهم الأمراض.. فالصخب في آذانهم حياة لهم وطرب. أما الذين سرقوها منهم فإنها تسرق منهم راحتهم بصخبها.. فهم في واقع حياتهم يعيشون توتر الأعصاب فلا تزيدهم إلا إرهاقاً.. هي على منابع النيل وعلى نهر الهدسون همجية الحضارة!
وهي في حوض الكونغو حضارة البداوة..
ـ الجغرافيا عطاء..
والتاريخ أخذ..
ـ في دنيا الإنسان خوف من المجاعة.. فمن أين جاء هذا الخوف؟
أهي الأرض شحت، أم السماء بخلت، أم الإنسان تكاسل عن الإنتاج؟
لا.. كل ذلك لم يكن.. فالذي هو كائن الآن أنهم في ألمانيا يهرقون آلاف الأطنان من الحليب في النهر وفي بلد آخر يحرقون آلاف الأطنان من الحنطة بالنار، وفي مكان آخر يقولون لزرّاع الحنطة: لا تزرعوا الحنطة هذا العام، ويسلمون إليهم قيمة ما ينتجون، حصار ضربته الدول الغنية لتكسب من ارتفاع الأسعار، وليكن من بعد ذلك الطوفان!!
ـ قلت: أنت تصنع النجاح لذاتك بهذا الأسلوب.. أسلوب الندادة.. تتعامل به مع الرجال الذين يعملون معك.. أنت تعطيهم سيادة أن يملكوا التصرف فيما تكلفهم به، وهم يعطونك السيادة طواعية.. عطاء لعطاء!.. أما الآخر الذي يتخذ من العاملين معه أتباعاً فإنه يسرقهم في ظاهر الأمر. ليس هناك عطاء منه ولن يكون هناك عطاء منهم. الإيجاب في أسلوبك يصنع النجاح وتبادل السلب مع أسلوبه يصنع الفشل!
الندادة لمعطيها.. قيمة لمعطاها، أما العبودية فتسخير.. لن تأتي إلا بالسخرية، هو يسخرهم، وهم يسخرون!
ـ فرحت حين قرأت أن الدكتور (وحيد رأفت) يكتب في مجلة مصرية وفرحت أكثر حينما قرأت أن الأستاذ (مصطفى مرعي) أصبح عضواً في المجمع. فرحت لرد الاعتبار، ولصيانة الأخيار. فرحت أن مصر لم تعد هرة تأكل بنيها!
ـ قلت له: مالك تمدح البغل، وتعلفه أكثر مما تعلف البقرة؟ أليست البقرة أفضل وأنفع من البغل؟
ـ قال: أنت ما تعرف.. رسول الله ركب بغلة ولم يركب البقرة!
ـ قلت: ولكن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد أحل لنا لحم البقر، وحليب البقر، اسمع.. البقرة والجمل هما أعانا الإنسان على بناء الحضارة أما البغل فيكفي أنه بغل. لا حليب ولا لحم ولا شيء!
ـ إفريقيا تجوع؟! ذلك عجيبة العصر.
إن حيوان الغاب في إفريقيا يموت من التخمة، خصوصاً الحيوان النباتي، يشبع من الغابات.. بينما الإنسان الإفريقي يشكو من المجاعة مع أن بلاد إفريقيا بلاد الأنهار، بلاد الأرضين الخصبة، لكن العجز هو من فعل الإنسان.. فما أقوى الإنسان الإفريقي على احتراف العجز.
إن نهر الكونغو، والنيجر، والزمبيزي، والنيل يعطون إفريقيا كلها انتصاب القامة بالتحدي لأوروبا، حين تزرع إفريقيا القمح والذرة والموز والكركدي. لئن كانت إفريقيا في حاجة إلى ما تصنع أوروبا وأمريكا، فإن هؤلاء أشد حاجة إلى ما تنتج إفريقيا.
إن البيت في أوروبا وأمريكا يتلمظ على الكاكاو، فلو زرعت إفريقيا لأخضعت معدة الغربيين الذين ما استعمروا إفريقيا إلا من حاجتهم إلى الزبد والرغيف، وما أكثر الزبد والرغيف لو كان الإفريقي كالياباني، كالأسترالي، إن اليابان ليست أرضاً مدرّة لأي إنتاج ولكن إنسانها قد أخضع إنتاج الدنيا كلها لقيمة ما يصنع، وكل ما يصنعه من إنتاج الآخرين لا من إنتاج اليابان.
إن ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ورث شعبها الخراب والدمار لكل شيء فيها، ولكن الإنسان الألماني قد استطاع أن يرتفع إلى فوق بما يصنع، وحين تلقى العون من الولايات المتحدة لم يشتر الألماني خاتماً من الماس، ولم يلبس بدلة من الصوف المستورد من لندن، ولم يتحل بربطة عنق واردة من باريس، لأنه كان في ثورة على الدمار، والثائرون لا يعبأون بالزينة، وإنما كل احتفائهم بأن يتزين تاريخهم بالتضحية في سبيل أن ينقذوا شعوبهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1367  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 761 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .