شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رسَائل خطيَة وتليفونيَة
ـ وكتبت خاطرة عن الهدا، عن رؤية عابر في طريق.. تغزلت في رائحة الثرى والنضح الرطيب من قطرات المطر..
وكأني قد أغظت قارئاً يعيش في الهدا.. فعرف ما أساء من الإنسان من عبث وإهمال..
أف من هذا الإنسان، فكثيراً ما يفسد في الأرض إن قهرته التعاليم عن القتل وسفك الدماء، قهر نفسه من حيث لا يدري بهذه القاذورات إذا ما ألقاها بعيداً عن فنائه، فإنه يظن أنه قد باعد بينه وبين إفناء الحياة بالجراثيم..
وكان قارئاً لم يعجبه ما كتبت فأرسل إليّ يعقب عاتباً..
ولعلّي أنشر كتابه بنصه لعلّ الناس يعرفون أولاً.. وكما يعرف المسؤولون ما ذكر ليزيلوه!!
وإليكم نص كتابه بألفاظه دون أي تعديل أو تبديل:
حضرة الفاضل الأستاذ محمد حسين زيدان الموقر..
تحية وتقدير.. وبعد:
أستاذي العزيز، في المقال المنشور في العدد رقم ((1734)) وتاريخ 26 جمادي الأولى لعام 90 وتحت عنوان ((كلمة ونص)) كتبت تقول إن جو الهدا قد أعجبك.. الغيوم، الهواء العليل، الرذاذ.. كل ذلك يعجب كل إنسان ولا شك ولكن؟
هناك أشياء تدعو الإنسان إلى ترك المصيف الجميل، ليس الأهل والولد، وإنما الروائح الكريهة أعزكم الله..
1 - الحمامات التابعة للخيام.
2 - القصابون الذين يقذفون بالأوساخ بعد تنظيف الذبائح.
3 - فضلات الأكل المتبقية من المصطافين.
4 - الأوراق المتناثرة سوف تجعل من الهدا بعد عدة أعوام كدوة أعزكم الله.
5 - التسعيرة بزيادتها غير المعقولة..
6 - مراقبة المأكولات..
أستاذي العزيز، سعادة.. من المسؤول؟ سعادة أمين العاصمة أم سعادة رئيس بلدية الطائف؟ إن في اعتقادي أن منطقة الهدا سوف تصبح مصيافاً للجراثيم لا قدر الله.. إن أملي كبير أن يلقى خطابي عناية منك، وفقك الله لخدمة البلد الطيب وشكراً..
المخلص: توفيق عريف
إن هذا القارئ يسأل شارحاً ما أساء ليرضى بما يسر.. أشكره شكراً على وعيه..
• أخي محمد علي البكري:
لا أريد أن يتبدل هذا الاسم لك لأنه العلم الذي قتلت عليه، ولأنها منحة القدر لك.. تجمع في اسمك هذه الأسماء الحبيبة التي تحول بها تاريخ قومك.. قومك الذين كانوا يقتلون غيلة، فبمحمدك النبي الرسول.. تحولت الغيلة إلى شهادة.. كان القتل في قومك من أجل شيء لا تكون به الحياة، ولكن محمدك النبي صنع من القتل.. هذا التاريخ الطويل العريض.. لأنه - صلَّى الله عليه وسلم - حرّم الغيلة، وجعل القتل في سبيل الله.. في الدفاع عن الدين.. عن الأرض التي تحوط الدين.. عن الأهل، والعرض، والأرض.. جعله أسمي ما يبذله إنسان فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ يشري نفسه من القتل الحرام.. الغيلة والاغتيال.. بالقتال الحلال كل الحلال: الجهاد.
أنت حولت التاريخ لأنك ذهبت تجاهد عن أرض قدس، ودين أقدس، وأمة صنعت التاريخ.. ذهبت لتقاتل حتى نحيا نحن الذين وراءك. إن التحويل في التاريخ لا يستكثر أن يصنعه شاب متواضع رقيق مثلك، فأنت بهذه الرقة حملت القلب العظيم، أنت ما قتلك يهودي برصاصة.. أنت قتيل الأمم التي تداعت عليك.. أنت قتيل الصهيونية، والاستعمار، وبلفور، وترومان ومن إليه، والذين فرطوا من قومك العرب فيما مضى.. الذين لم يصنعوا الفداء أول الأمر.. لم يبرزوا الكيان الفلسطيني في اللحظة الأولى.. كان ممكناً أن يبرز في أول يوم من أيام الانتداب لأن الانتداب كان تنفيذاً لوعد بلفور، لكن الكثرة حينذاك كانت كغثاء السيل.
أنت برهان على أن الشعوب العربية أصبحت كلها تقاتل، وأنت نبراس جعلت النور بالدم يتدفق في وجدان الذين قبلوا صورتك.. لم يقبلوا الورق. وإنما قبلوا معانيك!!
أيها المحمدي: لا بد أنه كان في نوازعك أن محمدك النبي حينما شرع الجهاد لم يحجب ابن عمه عبيدة بن الحارث عن الشهادة في بدر، ولم يمنع عمه حمزة عن الشهادة في أُحد، ولم يخلف حبيبه وابن عمه جعفراً، وحبيبه زيداً، وصاحبه ابن رواحة عن الشهادة في مؤتة.. ما قدم الأبعدين.. بل خاض الشهادة الأقربون والأبعدون، وكلهم كان الأقرب إليه لأنهم المؤمنون، ليتهم دفنوك في مؤته.. هناك بجوار جعفر وزيد وابن رواحة.. تلك دماء أهلك وقومك من هذا التراب.. ليتهم دفنوك في اليرموك بجانب عكرمة وسهيل بن عمرو أولئك كانوا آباءك من هذا التراب.. ما صنعت بدعاً فقد سبقك إليه أبطال فاتحون، وإنما صنعت البديع في زمن قل فيه صناعه.
أترحم عليك.. دعوة مسلمة، وإلا فالله قد وعد لك بالرحمة، تعيش روحك في حوصلة طير أخضر مع هؤلاء الشهداء، إن لم يدفنوك معهم فأنت اليوم تحيا معهم!!
لا أحب أن يبدلوا اسمك، جمع الأسماء الحبيبة، محمداً، علياً، أبا بكر.
• حكاية وقعت أخبارها وحوادثها في ليلة أمس، أقصها للعلم بها وليمكن إصلاح النقص في الناحية التي ترى أنها تحتاج إلى تحسين علاقتها بعملها وبالمحتاجين إليها..
ففي الساعة الخامسة وعشر دقائق قبل الفجر.. يعني الساعة الحادية عشرة والنصف تقريباً كنت في دثاري أقرأ، فنزل ولداي..
قالا: إن رجلاً يلبس ((بنطلوناً)) دق الباب، وقال: ((كلموا بوليس النجدة، لأن في بيت جارنا عبد العزيز بن محمد البليهد تماساً كهربائياً، وعمود الكهرباء الذي أمام بيتهم يقدح بالشرر، ويفرقع مطرقعاً بصوت الاحتراق أو التماسّ الكهربي..)).
وأخذت التلفون.. ضربت رقم 9 فرقم ستة. عن غلط ثم ذكرني طفلي أن الرقم هو 99.. وأجاب الضابط المناوب حينما ذكرت اسمي كطالب..
أجاب بكل احترام ويقظة وفطنة!!
ـ قلت له: ((الجيران طلبوا مني الاتصال بكم لكيت وكيت)) فأجاب: ((حاضر.. سأكلم شركة الكهرباء، وكلم الإطفاء، فرقمه - 92 - وسأرد لك الخبر عن مكالمة الشركة!!)).
وكلمت الإطفاء، فأجابني يسأل: ((ما اسمك؟!)) قلت: ((ذكرته لك)) قال: ((ايش اسمك؟)) ذكرت اسمي. فقال: ((فين المكان؟)) وصفته له، فقال ((فين.. فين؟ وراء فرن بدر؟ أين فرن بدر؟)) قلت: ((في شارع المطار بين الكندرة والمطار)).. قال: ((إيش اسمك؟ كم رقم التلفون؟!)).
ـ قلت له: ((من أنت؟ أين الضابط المناوب؟)) قال: ((هو فيه ما اسمك؟ كم رقم تلفونك؟ أين المكان؟)).
وتركت الكلام معه لأني عرفت أنه مأمور السنترال وأحسبه لا يعرف الكتابة فلو كتب الاسم والرقم لما تكرر السؤال منه!!
وكلمني الضابط المناوب في بوليس النجدة: ((يا أستاذ الشركة قطعت التيار عن العمود، المهندس في طريقه إليكم)).. كلمت المطافئ فألقى مأمور السنترال السماعة، وقطع المكالمة!!
ـ قلت له: ((لا بد وأن لديك تقريراً عن وقائع الليلة. ويمكن شرح ذلك كله إلى من ترفع إليه التقرير..)).
ـ قال: ((أنت كلم رئيس المطافئ في النهار!!)).
وخرجت فوجدت جماعة من الجيران، وبينهم مهندس الكهرباء وكان خارجاً من بيت الأخ عبد العزيز البليهد.. ومن بين الواقفين الأخ عبد الوهاب الزاهد..
ـ قال: ((أنا لاحظت التماس والشرر.. تكلمت في تلفوني فوجدته عاطلاً. وذهبت أتكلم من تلفون السيد هاشم الزواوي، فوجدته معطلاً، فطرقت بابك لتكلم البوليس والمطافئ.. شكراً يا أخ)).
ـ قلت له: ((أنت المشكور)).
• قرأت اليوم ((أمس)) في الندوة مقالاً كبحث كتبه فضيلة الأستاذ هارون أحمد العطاس يشرح حواراً أقامه مع فضيلة الأستاذ/ علي الطنطاوي حول مقتل الحسين ابن فاطمة وابن علي رضي الله عنهم أجمعين، كأنما نحن قد فرغنا من كل مدعاة للخلاف.. نريد بدعوة التضامن الإسلامي القضاء عليه.
إن خلافاً كهذا إذا ما أثرناه فإننا ننصب مناحة من كربلاء.. وانتصاراً في الفيحاء وحزناً في المدينة وحسرة في مكة وبغضاء في كل مكان.. من صنعاء إلى ((قم)) إلى الدار البيضاء.. ما أحرانا أن نطفئ كل ما يثير ضغناً.
والكلمة في هذه أوجهها لصديقي الأستاذ علي الطنطاوي.. لا رداً عليه ولا نقاشاً مع رأي.. وإنما تنبيهاً له على طريقة هي أخذ الأكابر عن الأصاغر.. فالتدبيج بينهما من مفاخرهما.. أريد شيئاً آخر هو ما ينبغي أن يثار بين عامة الناس من هذه المواضيع التي تطرق لبعضها.. خصوصاً في بلدنا هذا.. القائم أمره على مذهب سويّ.. حب لا بغضاء فيه.. وعقيدة لا مراء حولها.
هذه المواضيع جدير بها أن تعقد لها ندوات خاصة بين طلبة العلم لدعم الحق ودحض الباطل.. إن نشر هذه وأمثالها على صفحة قرطاس.. في جريدة يومية.. أو الحوار في التلفاز عن موضوع مضى وانتهى فهذا شيء أرجو لأستاذي ألاّ يفعله.
حدثني من أثق برأيه وخبره ومن أفرح بتوجيهه.. قال: ((لا أدري لماذا سمح الأستاذ علي الطنطاوي وهو من هو رفيعاً في قدره أن يناقش في التلفاز سؤالاً وجه إليه عن خلق القرآن؟!)).
ـ قلت: ما سمعته.. ما رأيته.. ولكني كم كنت أتمنى أن يكون في التلفاز.. قبل المجيب ((كونترول)) رقابة على الأسئلة لا تعطى للمجيب إلا بعد تنقية لها.. ونقد، ثم يعرض المنقى على المسؤول لينتقي ما تحسن الإجابة عنه وليترك ما تكره الإجابة عنه. وليترك ما تكره الإجابة عنه للكراهية للسؤال نفسه.. أحسب أن صديقي الأستاذ علي الطنطاوي واثق من قدرته على الإجابة عن كل سؤال، فلم يحرص على أن يتفقد الأسئلة ليحذف الشائك إن لم يكن عسيراً عليه.
القدرة على الإجابة ليس مجالها التلفاز.. يراه.. يسمعه كل الناس.. إن القدرة على النفس هي أقوى من القدرة بالنفس، القادر على نفسه يمتنع عن إظهار القدرة بالنفس فلا يجيب عن سؤال كهذا.. فما أحرانا وقد مات هذا السؤال بعزمة أحمد بن جنبل رحمه الله وشيع إلى قبره بالومضة من صاحب الحيدة.. وأهال عليه التراب إيمان ((الواثق)) بالتوبة النصوح، يرحمهم الله.
وهذه مسألة اليوم.. أعني قتل الحسين.. لماذا تثار على جريدة تؤجج نار فتنة.. تفتح جراحاً.. تثير بغضاء أحسب أننا في غنى عن ذلك لأننا في فقر إلى وحدة صبر وعمل.. إلى اتحاد في رفض الخلاف لتكون العزمة واحدة في الدفاع عن كلمة واحدة.. هي كلمة التوحيد ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) نحن في فقر لنتفق.. لتخليص أرض واحدة.. هي سياج الحرم.. فيها أبوابه.. من ((العقبة)) إلى ((جولان)) من ((الحمة)) إلى ((قناة الغور)) إلى قناة السويس، قبل أكثر من ثلاثين عاماً جاءني أخونا المسلم محمد أسد وكنا في المدينة المنورة.. وكان أيامها يسمى أسد الله.. فقال: ((ألا ترى كيف أن الشيخ رشيد رضا ومحمد كامل قصاب وأمين الحسيني يصلون وراء كاشف الغطاء محمد حسين؟!)) كيف رضي هؤلاء السلفيون أن يصلوا وراء شيعي؟..)).
ـ قلت له: لقد صلَّى الباروني وأطيقش يومها وهما من تعرف مثلما صلَّى هؤلاء.. فلقد كانوا في مؤتمر إسلامي.. ولقد صلَّى هؤلاء وهؤلاء مثلما صلَّى ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وراء الوليد ابن عقبة وهو على حاله الذي تعرف.. وكما صلَّى أنس بن مالك، خويدم رسول الله وصاحبه وراء الحجاج وهو من تعرف.
إن صلاة هؤلاء لا يمنعها خلاف على حب الرجال وبغض الرجال.. وإنما دعاهم لها الحب الأعمق في الدفاع عن ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) تناسوا خلافاتهم ليتفقوا على كلمة التوحيد.. لتوحيد الكلمة، وكأنما استيقظ محمد أسد ليكون معي لا عليَّ، وزدت أقول له: ((ألا نحمد الله حينما نرى الشامي يصلي وراء العراقي.. والعماني يصلي كذلك؟!)) وقبل أكثر من عشرة أعوام وفي حوار مع السيد رضا الشبيبي، عالم العراق وهو من تعرف.. قلت له: ((أليس الضيعة أن تقفوا طوال هذه السنين حباً في رجل وشتماً في رجال.. ونقف نحن طوال هذه السنين ندافع عن رجال ولا نبخس الإمام حقه (؟!))).
ـ إنها لضيعة.. خسارتنا منها كبيرة.. وكسب لعدد كثير..
ـ قال يرحمه الله: ((لعلّنا نجد الفرصة للتقارب وتنظيف الفكر من هذه الشوائب)).
وشكرت السيد الشبيبي.. أذكره بهذا البيت من شعره:
فتنة الناس - وقينا الفتنا -
باطل الحمد ومكذوب الثنا
دعوا أقوال المؤرخين.. واستجيبوا إلى مواقف أئمة المحدثين.. فعند سعيد بن المسيب والثوري ومالك، وابن حنبل ما يكفي.
لقد حدثني أستاذي وصديقي الشيخ صالح بن عثيمين.. ساكن الحرم عن حوار جرى بين إمام السنة.. قاهر البدعة وقامع الفتنة أحمد بن حنبل وبين ابنه صالح.
ـ سأل صالح أباه: ((هل تلعن يزيد يا أبتاه؟..)).
ـ فقال: ((هل رأيت أباك يلعن أحداً؟)).
ـ قال صالح: ((وهل تحب يزيد يا أبتاه)).
ـ قال: ((وهل ترى أن مؤمناً بالله ورسوله واليوم الآخر يحب يزيد..)).
هذا أدب الأئمة.. فدعونا عن غيرهم.
أنتما الطنطاوي والعطاس ابن أخت وخال فاجتمعا وصفيا المسألة في حوار العلماء.. في مجلس خاص. فالطنطاوي أمه حسنية فهو سبط السيد عبد القادر الجيلاني إمام الحنابلة في وقته.. والسيد العطاس علوي حسيني.. فأعجب لخال وابن أخت أن يختصما في جدهما الحسين بن علي رضي الله عنهما!!
• أيها القارئ: أنت صديقي وإن خاصمتني، وإن كنت ضدي فإنك لي ما دمت تقرأني.. على العكس من الكاتب - أي كاتب - هو مناقضي ولو كان صديقي (!).. لأن القراءة استيعاب.. تقبل، ولو بأسلوب الرفض.. أما الكتابة فتنافس.. فكر.. وتحد، ولو كنا كتاباً نتصادق.. نكتب في جريدة واحدة!
الصداقة مع القارئ هي الوضع المرتضى المرغوب فيه، والتنافس مع الكاتب هو الوضع المرتضى، والمحذور منه!
القارئ إذا ما غضب فكتب إليك عن غضبه فإنما هو الرضى.. يريد الاستزادة بما يرضيه.. وخير لك أن تسعفه.. تطوع فكره بالإكثار مما يغضبه لأن الغضب لا يليق بالقارئ فهو أكبر منه.. فالغضب يفوت الكثير!!
بعض الغاضبين من أسباب الغضب فيهم هذه العجلة في القراءة والاستعجال في الإثارة!
الغاضب قرأ وهو واقف.. فجلس ليكتب.. ولو قرأ وهو جالس لوقف احتراماً لما فهم!!
الريحاني أعطانا الفكرة عن القارئ حينما جعله القارئين الاثنين.. قارئ يقرأ له وهو واقف فيضيق.. لأنه ضيق الظرف على نفسه، وجعل القراءة في مكان لا يسع إلا رجليه.. بينما ما يحمله في يده يحتاج إلى مكان يسع رأسه (!).. وعينيه، وأذنيه، وقلبه!. ليجرب قارئ أن يقرأ بصوت مرتفع فإنه يفهم بالجرس في أذنه أكثر من الفهم بأنفه.. فالقارئ واقف.. قارئ ((على الريحة!)) يشم، ولا يرى، ولا يسمع!
وقارئ ثانٍ لا حاجة للتفصيل عنه لأن ما وصفنا به القارئ الأول يعطينا الصورة عن القارئ الثاني، وهو الذي يقرأ جالساً.. يقرأ بكل الحواس!!
وأزيد على الريحاني - ثالثاً - وأسميه: قارئاً بالمجاملة.. أعني تسميتي له، وإلا فهو ليس بقارئ.. هو ذلك المضحل.. المقحل.. ((الفقران)).. قد ابتلانا الله به من حيث وضعه المادي.. في الزمان، أو المكان أو المكانة!.. يمسك بما يقرأ، فلا يكاد يقرأ حرفاً حتى ينحرف مزاجه من التفوق عليه.. ولفقدان التفوق عنده.. فيرمي بما يقرأ، ويسند رأسه على الأريكة، ويأخذ، نفساً من ((الجراك))! ويلتفت إلى تابعيه فيقول:
ـ دا ايه.. ؟!.. شيل.. شيل!!
هذا الثالث ليس عدواً للكاتب، ولكنه عدو نفسه.. كتب عليه الحرمان، فازداد فقره، وإن كثر غناه!!
والكاتب الخصيم الصديق.. إن خاصم بالسلب لا يأتى بالنقيض جهرة، فإنه يحرمنا من أفضاله وفضائله.. وبهذا تصبح الخصومة فاشلة، والصداقة مشلولة.. ما ذلك الذي يناقضك.. فإن الخصومة تنقلب إلى تنافس شريف يقوى بها عقل الصداقة، وإنسان الصديق!
من الخيانة للفكر ألاّ تجهر به.. ومن الأمانة للصداقة أن تجاهر صديقك بما تنافسه فيه!..
عيبنا أننا كثيراً ما نخضع للمجاملة كما نخضع للخوف، وكثيراً ما تكون المجاملة خوفاً من الخوف، وفي هذا ضياع للفكر.. كأنما الكاتب يحجر على نفسه بما لا حجر عليها فيها!
لا تجزع من قارئ غضب منك، فالمجاهرة منه فضيلة تكشف عن جواب الصداقة لك، واغضب من الكاتب الذي يتوارى لك بك عنك!!
لا تجزع من الغضب فقد استهدفت لأن يقال لك: إنها ضريبة التفوق تدفعها لزاماً.. فالغاضب منك أخذ الضريبة لكنه دفع القيمة!!
• أستاذي الزيدان!!
أنت في الطائف.. تتلطف بجو الصيف.. تطرد ركام الإرهاق.. هروباً من ((قرصنة)) الحر.. و ((لفلفة)) المياه المثلجة على ظمأ مرفوض.. وشبع جائع.. ونحن ((هنا)) نتوق إلى تطلعات أفكارك.. إلى نضج تجاربك الواعية.. تفرغها في الأذهان الشابة فإذا هي حية تسعى في الوجدانات الصاحية.
إنني خجول من إحساسي ظافر بعناد صمتك.. وأنا أقحم قلمي المتواضع.. يسد ثغرة لا يملؤها إلا فيض أسلوبك الواثق من رصانته.. وقوة محجته.. ولكن ما رأي أستاذي في أن جميع حواسي انقلبت إلى ((أفواه)) تحتج وتلح بالمطالبة: أن عد إلى منبرك ((كلمة ونص)) بدلاً من فرارك الصغير (!).
أستاذي!!
ما هكذا يفعل البشر.. الذين يشيخون حين يشمئزون من أنفسهم ومن حياتهم.. يفكرون في الانفلات من روتين الالتزام كجزء من نظرة الاعتناء بأنفسهم؟! إن التزامك الفكري.. بما فيه من عملية الخلق والإبداع.. قد عزز انتصار الرغبة.. في استمرارية الكتابة عند تلامذتك.. وأنا منهم - ولا فخرا! - لكن مسألة ((التوقف)) غير العادي قد يعكس انطباعاً مغايراً لهذا المفهوم.. يكسبه عنصر التراضي.
أستاذي!
في الوقت الذي تعودت فيه أن تسمع ما كتبته أنت.. في صدر ليل عبر أسلاك التلفون.. بدأت أنا في صياغة هذه الرسالة أحوجتنا إليه تركتك الثقيلة علينا إذا نحن تحملنا تبعاتها.. الخفيفة علينا إن نحن تلقيناها من وحي مشاعرك (!).
ومعذرة إن جاءت غير متناسقة العبارة ذلك لأن العبارة نفسها حيية لا تود الاقتحام أو الطول.. الأمر الذي جعلها أشبه بفتاة لبست ((الخمار)) لأول مرة وكلما حاولت الاعتدال في مشيتها.. أربكتها كثرة التسوية في ((الخمار)) النافر!
وعلى كل فهي وليدة ((الزحمة)).. والغريب في ((المزحوم)) - كما تعلم - أنه لا يستطيع أن يفلسف الأشياء على حقيقتها.. ولكنه يتصرف بذهن عاثر.. حسبما اتفق.. وهذا الفراغ هو رأس الزحمة في رأسي..
ومع ذلك نحن في انتظار ما يدفع عنعنات هذه الزحمة.. ولتكن أنت أستاذي!
علي مدهش
• كلمتي اليوم مستعارة.. لن أجد أحسن منها.
كاتبها لامنا على القصور والتقصير حينما لم نواكب ما كتب عن صندوق الطالبات تجمع فيه التبرعات والاشتراكات في كل مدرسة للطالبات تعين من يستأهل العون.. تأخذ بيد العاجز، وتكسو العاري، وحتى لتشتري الدواء إلى مريضة!
صندوق سيكون صغيراً أول الأمر لكنه سيكون كبير الأثر، والتأثير في التوعية لقيمة التعاون.. لمعنى الإحسان، وقد يكون منه مشروع لتكبير المدرسة، أو لأي شيء آخر..
لقد استعجبت الملامة فعلى أقل تقدير أشعر بأني قد وجدت قارئاً أحس بألم الآخرين، أو بنخوة الآخرين، فأنكر علينا ألاّ نتألم مثل ألمهم، أو لا تكون لدينا النخوة مثل نخوتهم.. أتقبل ملامته، ولا أريد أن أرشده إلى أني كتبت عن هذا الموضوع في يوميات أواكب بها الداعية لذلك الذي أحب أن يجرب نخوتنا..
هو الكاتب الذي أثار الموضوع صاحب ((الظلال)).. أستعير هذه الرسالة مستأذناً الصديق عبد الله جفري في أخذها منه لأنشرها كدعوة لهذا المشروع، وكشكران لكاتبها الذي لم يرسل كلمة فقط وإنما قرر تبرعاً منه شهرياً، فهو بذلك خير منا نحن الكاتبين.. هو كتب الكلمة، ويدفع المال.. أما نحن فليت يسعدنا النطق على رأي المتنبي.. وكما تحملنا الملامة لأنه ظن أنا لم نكتب، فليتحمل مجتمعنا ملامته لأنه لم يتحرك!.. وهذا نص الرسالة:
أخي العزيز عبد الله جفري المحترم
تحية صادقة:
من أسبوع وأنا أتابع بلهف وقلق ردود الفعل المختلفة لمشروع إنشاء صندوق الطالبات، من خلال متابعتي ليوميات أمس الخميس أدركت العقم الإنساني الذي يعيشه مجتمعنا.. مجتمع القادرين والموسرين حتى الأقلام المؤثرة في يوميات عكاظ ((الزيدان، المناع))، أصابها العجز عن ملاحقة فكرة المشروع وتناوله بأي شكل إيجابي، فالاستجابة للجديد لا يأتي بسهولة!
من أعماقي أهنئكم وأهنئ أصحاب القلوب الطيبة الذين صفقوا للفكرة والمستجيبين لها، وأرجو أن تثبت الأيام القادمة أن الخير ما زال يورق بين أضلعنا، يعشش في قلوبنا.. وأنا على استعداد للتبرع بمبلغ ((25)) ريالاً شهرياً لعام كامل لأول مدرسة تبدأ في إنشاء صندوق.. وسؤال بسيط: ماذا يضير مدرسات كل مدرسة لو تبرعن بمبلغ خمسة ريالات شهرياً بالإضافة إلى تبرع بعض الطالبات؟. إن مثل هذا الشعور من المدرسات يوجد الصدى الإيجابي التنفيذي لهذه الدعوة والسلام.
المخلص.. سليمان سالم با جعيار
• رسالة جاءت إلى صديق كاتب.. دفعها إليّ فقرأتها.. وقلت: هذا أب قد كرب من ابن أو أبناء، فأخذ ينشد الشعر، ويناشد الأصدقاء أن يكونوا معه، وسمع الصديق ما قلته له تعليقاً على الأسطر المغفلة من التوقيع والمشفوع بها هذه الأبيات من الشعر.
ـ فقال: أنا في ظرف كما تعرف لا أمارس فيه هذه الشكوى، وفي حال أكره من أب أن يشكو ولده! أفلا تقبل مسؤوليتي أمام كاتبها فتكتب أنت، ولو ليشعر بأن مشاعرنا معه؟
ـ قلت: سأكتب وأنشر القطعة (الشعر) على شرط واحد: هو ألا يعتبر نشري لها تأكيداً لموقفي كله، فقد يكون عليه بعض الأسباب التي حملت الابن ومن إليه على الخطأ معه.
فالسماع من لسان واحد بأذنين اثنين فيه إجحاف بالآذان، فعندي كأي إنسان أذنان فلا بد أن أسمع من لسانين، ليمسك الأب بذراع ولده ويطلبنا نتكلم كما يتكلمان ونسمع ما يقولان ثم نصلح ذات البين، أو نحكم لواحد من الاثنين، على واحد من الاثنين.
وسلم الرسالة ومشفوعها لأتولى نشرها دون أن أعلم اسم صاحبها، لعلّه يسر أو لعلّه يراجع نفسه، أو أن ولده يقر فيراجع موقفه، ليعدل ويعتذر.
وإليكم القطعة الشعرية، فالمشكل قديماً مع قلة المعوقات والعقابيل هو المشكل نفسه مع كثرة العقد والمتناقضات وتضخم الدريهمات أو قلة الشيكات أو ندرة الصلة القلبية بين واحد في بيته وآخر يجاوره في غرفة:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً
تعل بما أحنو عليه وتنهل
إذا ليلة ضاقت بك السقم لم أبت
لسقمك إلا ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنني
لأعلم أن الموت شيء مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أأمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
ويرحم الله المتنبي.. تجده في لسانك حينما عليك شيء في وجدانك.. حتى الوجدان ينبح؟!
نعم.. إنه ينبح صراخاً من فحيح الآخرين.. المستقدمين مما هو هين.. والمستأخرين عما هو غال وبين..
المتنبي يقول:
وكم من عائب قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
ويقول:
إن من القريظ هذاء
ليس شيئاً وبعضه أحكام
منه ما يجلب البراعة والفضل
ومنه ما يجلب البرسام
أي إن البراعة والفضل يجلبان الحكمة في المنطق والزين في الكلمة والحصافة في الفهم.. والنظافة في السلوك.
أما البرسام سواء أكان انفصاماً أم ازدواجاً.. أم ورماً فهو جالب الغث المغث.. والكدر المكبت والسلوك الأعرج.
تذكرت المتنبي وقوليه وشعره.. حينما أسمع القاعدين غير المقعدين يتنفجون على الماشين في طريق لم يصل إلى ما جمعته يتيمة الدهر.. ولم ينحدر إلى كلمة عهر.. فالناصب نفسه قديساً وهو سروق.. هادياً وهو ضال.. نغل ينبح بالغل على الذين نشأوا في حجر أب صان.. وخائن أعز وبيئة لا تعطيه الفضلات في قدح.. لا يخلع مئزره إلا إذا شرى له مئزراً آخر.
أيها السروق.. حاسب نفسك قبل أن تحسب على الناس عيوبهم.
واستغفر لذنبك قبل أن تعدد على الناس ذنوبهم.
أعرفك.. لو أمكنك ألا ترى قلماً يكتب ولا عيناً تقرأ.. ولا أستاذ يعلم، كأنما الدنيا ستعمر بك لا بغيرك.
لقد أرجعتني إلى ما أكره.. وأنا على يقين من أنك لن ترجع إلى ما نحب، فأنت قد حرمت من نعمة المحبة.. تورمت في أوداجك وتضخمت فيه.. أنت لا تجرؤ أن تقابح.. أو أن تصارح ولكنك وسواس خناس!
• لو قلت لكم: يا قرائي حاذروا من القراءة.. لكنت مناقضاً لنفسي.. فكثيراً ما قلت لكم اقرأوا، ولكني اليوم - وقد تمرست بالقراءة سنين طويلة - قد فجعت في نفسي.. بكلمة قرأتها في الرواية ((الشك لكولن ويلسون)) قارئ مثلي يزعم أن الأساس لديه متين، فلا يبالي أن يقرأ أي شيء.. تأتي كلمة تخلخل وجدانه.. تبعث الانشطار في فكرة.. الندم على ما فات منه؟!
كم هو الحرف خطير.. كم هي الكلمة مؤثرة! في هذه الرواية كلام كثير عن لسان اليهود الذين تفلسفوا لا ليرسخوا شيئاً في الحياة وإنما ليرسخوا شتات الفكر.. ملكوا قدرة الكلمة.. لا يرسلونها هكذا، وإنما هم يعبرونها ليعبروا عليها بقانون العلم.. بقوانين الطبيعة.. لقد استخدموا البيان في أروع صورة. واستخدموا العلم في أقسى تصويره ليكون التأثير عاطفياً بالبيان.. عقلياً بقانون العلم!
الكلمة هذه عن الأنانية.. حب الذات، أنا ومن بعدي الطوفان.. ((إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر!..)).
تقول هذه الكلمة: في الأنانية تفوق الإنسان.. نجاحه، لا يمكن للإنسان أن ينجح دون أن يكون أنانياً!
من هذه الكلمة تخلخل وجداني.. ندمت على أن لم أكن أنانياً.. لأعيش الراحة ((التحتانية)) خير من هذا التعب الملذ باللذة ((الفوقانية)) الأناني جماع.. كسيب.. واطئ.. يدهس من في طريقه لا يبالي.. من هنا تتجمع لديه الحصيلة المريحة.. ((التحتانية)) والمؤثر على نفسه.. المشغول بالناس لديه المتعة ((الفوقانية)) ولكنه مرهق بالألم المادي.. ((التحتاني))!
لقد انتزعتني كلمة الثناء على الأنانية لأفكر ساعة في الأمنية ليتني كنت الأناني وقد ملكت تحقيق أغراضي.. ليتني لم أكن ((لغيري)) حينما رفضت أغراضاً تتحقق بالأنانية! إني أصبحت أخاف القراءة فخافوها معي!
لا.. لو لم أقرأ لما عرفت ما أنا فيه من لذة ((فوقانية)) لأرفض الراحة ((التحتانية))!!
• صاحب الفضيلة نائب الرئيس الأعلى لمدارس البنات.. متعه الله بتوفيقه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فمعرفتي لما لفضيلتكم من مكان كريم، ومكانة في نفوسنا صوناً وعفة وكرامة ورعاية لمسؤولية أنتم جديرون بها. وأنتم القادرون على الحفاظ عليها، تجعلني أكتب هذا الخطاب مفتوحاً واضحاً، نص كتاب وصلني يهمكم أمره.
وإني لأعلم أنكم تدركون عقابيل الروتين الصارف نفسه لإجراء المعاملات والمتصرف بكثرتها عن إنجاز ما يهم الشاكيات إنجازه.
روتين لا تقع تبعة ما يتأخر به على واحد، وإنما هو على كثير من العاملين، فأكثر ما يتساءل الرئيس عنه.. هو أقل شيء يقع في مسؤوليته المباشرة، لأنه من عمل الموظفين، من عمل الروتين، لا من عمل الرؤساء..
وإليكم نص هذا الخطاب، أنشره راجياً إيجابية الطلب إن كان حقاً، أو إيجابية السؤال إن كان باطلاً، وأحسب أن الكريمات، لا يطلبن إلا ما هو حق لهن.
أرجو إذا ما قرأتم النص، أن تشمل الطالبات بعين راحمة، فأنت أب وراع.
والدنا العزيز محمد حسين زيدان الموقر،
تحية وتقديراً،
وبعد فنحن طالبات المعهد الثانوي بجدة نتقدم إليكم برفع طلبنا أمامكم للقيام بمساعدتنا في الموضوع مع الجهة المختصة وإعلانه في موضوعاتكم القيمة إما في كلمة ونصف أو مع ((الأيام)) حسب رغبتكم الكريمة وهو أننا كنا مدرسات بمدارس جدة وعندما فتح المعهد المذكور تقدمنا للالتحاق به وقد قوبل طلبنا بالترحيب وكان دخولنا في أول يوم من رمضان 89هـ، فدخلناه طالبات بعد أن كنا مدرسات، وحيث إن لنا راتب شعبان لم يصرف لنا ليوم تاريخ جوابنا هذا، ومنا من له رجب وشعبان، وقد كتبنا للرئاسة بجدة فأخبرتنا أن المعاملة بالرياض فانتظرنا مدة ليست بقصيرة وكلفنا ولاة أمورنا بمراجعتهم فكان جوابهم كالجواب السابق، وحيث يوجد منا الفقير وميسور الحال بادرنا بالكتابة إليكم راجين منكم مساعدتنا في الموضوع، هذه لا تعد شكوى من الرئاسة أو عدم تقدير لها، حاشا الله بل تذكرة لها شاكرين ومقدرين مساعدتكم ومساعيكم لنا أمام الله توفيقاً بكم.
هذا ما لزم كما نرجوكم عدم المؤاخذة في ذلك، والموضوع تحت نظركم اختصروا فيه ما ترغبونه ودمتم.
طالبات المعهد الثانوي
• وجاءتني هذه الرسالة من صاحب التوقيع.. وقد سبقت منه رسالة نسيت أين ذهبت، لقد كنت حفياً بها، غير أن ضياعها أضاع عليّ التعليق عليها.
ولقد طربت لهذه الرسالة التي أنشرها رغم ما فيها من حرارة.. حرارة أعزوها لصادق الرغبة منه في أن يعرف الحق، ويزيل الشبهة عن نفسه.
والأمر ليس كما ذكر، فلا سر ولا نية سيئة مبيتة ضد سؤاله، أو من خبث نحو مواضيع تاريخية هي عندي من الرفعة والإكبار والحرص في المكان المصون.
أنشر الرسالة، ليطلع عليها، ثم ليكتب إليّ بياناً مفصلاً بما يريد تصحيحه، فإن عرفت الخطأ أوضحته بصواب، وإن كان صواباً أرجعته عن خطأ، فأنا أحفظ نفسي بشيء من الوضوح، فلا أسعد عندي من لحظة أعرف فيها الخطأ، وإني لأقوى مرة بواحد يريني الخطأ.
إن الصواب نجري وراءه، فلا خير فينا إذا لم نرجع عن الخطأ.. اكتب إلي تفصيلاً. أجبك تفصيلاً.
وهذا نص رسالتك:
حضرة الأستاذ محمد حسين زيدان الموقر،
تحياتي إليك.. وكل عام وأنت بصحة وسعادة، وبعد: يؤسفني أنك لا تجيب على الرسائل التي فيها الحقيقة، أو التي عن الحقيقة؟
إني لم أسأل ما سألت إلا لأصحح به المعلومات التاريخية التي قرأتها في كتابك.. وفي أمهات الكتب التاريخية، ولا أدري هل التشويه فيما قرأته في كتابك أم في الكتب الأم؟
أكاد أجزم لعدم ورود ردك.. أن هناك - سراً - ينطوي في طياته ما قرأته من تشويهات.
فهلا تكرمت بإجابتي على الرسالة السابقة لهذه، سواء في رسالة أم ((كلمة ونصف)).. ومهما كان الجواب فإني أتقبله، وإني شاكر لك سلفاً ذلك ومقدر والسلام.
مكة - الجودرية - زقاق غراب
عبد الله إبراهيم رجب
• ابنتي الحزينة عزيزة أحمد سنبل!!
وتكلمت في التلفون، تسألين عن أختك في الصداقة.. والدرس عائشة.
حسبتك تسألينها عن شيء خاص في الدراسة والامتحان والنتائج.. أو تزفين إليها خبراً مفرحاً عن أختك سميرة.. كنجاحها في دراستها العالية، فوجدتني بكل الجهل لحالك وشأنك، وبكل التسرع في تلقف السؤال.. لا لأنه منك. ولكن لأنه من الغالية.. فوجدتني بكل ذلك أجيب بأنها في مكة.. صعدت إليها تؤدي نذرها.. طواف عمرة بالبيت العتيق وإحياء لعلاقتها بتراب أرضها التي ولدت عليه ونشأت فيه.. وحمداً لله وشكره على ما أنعم عليها من نعمة الرضا بما هو لها بما هي فيه.
ووجدتك ترتجفين تخافتين بالإعراب عن حالك، فليس هو السؤال منك.. وإنما هو الخبر عنك وارتجفت السماعة في أذني من ارتجاف الناطقة في يدك، تقولين: قل لها: أبوها مات.. من؟!.. من؟! أنا أبوها ولم أمت بعد.. فال خير.. فالموت حياة فيه النجاة من الحياة الدنيا إلى حياة عليا. إلى رحمة نرجوها من الله.. في اليوم الآخر.
فلولا تكاليف العلا ومغارم ثقال.. ولولا بنيات كزغب القطا، لاستراح الإنسان إلى خير الموت.. فلا طعم لحياة لا حياة فيها.
وسمعت الصمت المتحشرج بالجهشة كأنما تسيل الدموع.. في تلافيف سلك.. في نبرة كلمة منك.. قلتها أنت: أبو عزيزة مات.. أبويا أنا.
وأجهشت تبكين.. فهل تجدين فيَّ راحماً كأبيك.. لتبكيني.. لعلّك لا تدرين أنني لم أبك معك.. وإنما هو الشيء أشق من البكاء.. هو التفكير لا بحزنك اليوم ولا بحزن سميرة.. ولا بموت أبيك.. وإنما هو الحال الذي تسيرين عليه مع أختك لرعاية أخيك.. للعون.. كل منكم يصبح يد الآخر وقلبه وعواطفه ولسانه وماله.
وأمضّنى هذا الفكر.. ألقيت الكتاب الذي أقرأ فيه.. والملهاة وكل ما يشغل لانشغل بك.. شيء واحد طمأنني.. هو أن أباك يرحمه الله كان رجلاً من الجيل القديم ((دقة قديمة)) له شيمة.. يعرف المسؤولية.. يتحمل أعباءها.. يعرف الشرف.. شرف شعرة الوجه، فغرس الحب فيكم لأنه كان يحبكم جميعاً، يتحدث عنكم بفخر وفرحة.
هذا الحب غرسه أبوك.. فيه الإنقاذ والوقاية.. لأنه يجعلك أنت وأختك وأخاك ومن إليكم تحرصون على ألا يكون بينكم خلاف على شيء.. ((مغراف)) أو ((خصفه)) أو ((جلالة)) أو عقار أو درهم أو دينار كلكم لبعض.. وكل البعض لكم.
أخوك سيكبر ويكبر بعطفك عليه وحنانك.. وبالسماحة معه المسامحة له.. فلقد مات أبوك وهو يحيا في حبه لبنيه.. فما من إنسان أحب بنيه فصانهم وعلمهم إلا ورثهم الخير والثقة.. يرحم الله أباك.. فقد كان في شبابه شرساً يبتعد عنه الناس حتى إذا شاب واكتهل اكتمل بالحياء بالصلاة.. للخير.
وأنا على يقين أن الله سيحفظكم جميعاً.. وأسأله أن يحقق فيكم رحمة في قوله تعالى وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (النساء: 9).
لكم العزاء.. ولسميرة تحية أشد على يدها لئلا ترضخها المحزنة فتعدل عن دراستها.. فقد كانت أمل أبيها.. تكلف في سبيلها ما طاق وما لا يطيق، يرحمه الله.
• وكم كان سروري كبيراً، وشكري كريماً لهذه الرسالة التي أجاب بها صاحب الفضيلة أستاذنا وشيخنا ناصر حمد الراشد الرئيس العام لتعليم البنات.. أنشرها بنصها وتاريخها مكبراً هذا الخلق نتعلم منه، ويتعلم الآخرون احترام الكلمة الصادقة في سبيل الصالح العام.
لم يجزع، ولم يغضب، بل تكرم بهذه الإجابة تحفزني أن أطيق الشكران، وألا أعصي طاعة لأمثال هؤلاء الطالبات المعلمات المتعلمات.
ولم أكد أكتب هذه المقدمة حتى دفع إلي مدير التحرير الأستاذ عبد الله الداري هذه الرسالة من مدير تعليم البنات بجدة.. أنشرها بعد رسالة الرئيس العام ليعلم فضيلته أسماءهن من الأخ عابد عجيمي.. وليعلم تأكيداً بأن الصرف تأخر حتى إنه لم يصرف إلا قبل كتابة كلمتي بأيام.. ملاحظاً أني لم أتأخر عن نشر الرسالة ليقال إن فوات الوقت كان من تأخير النشر..
وإليكم الرسالة الأولى، وبعد الثانية شاكراً وداعياً للجميع بالتوفيق..
حضرة الأستاذ الفاضل الأخ محمد حسين زيدان..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أطلعنا على ما كتبتموه في جريدة عكاظ عدد 1657 في 25 - 2 - 90هـ تحت عنوان ((كلمة ونص)) حول طلب طالبات المعهد الثانوي بجدة صرف ما تبقى من رواتبهن قبل التحاقهن بالمعهد.
نشكركم على اهتمامكم لخدمة الصالح العام، ونأمل موافاتنا بأسمائهن لنتمكن من معرفة من بقي لها استحقاق لتعميد الجهة المختصة بصرفه وبالتالي مناقشتها عن أسباب التأخير عندما يتأكد لنا هذا.. ولكم تحياتنا..
الرئيس العام لتعليم البنات
ناصر بن حمد الراشد
ـ المكرم رئيس تحرير جريدة عكاظ المحترم..
بعد التحية
أطلعنا على ما نشر بجريدتكم بالعدد رقم 1657 الصادر بتاريخ 25 - 2 - 90هـ في ((كلمة ونص)) في رسالة موجهة للأستاذ محمد حسين زيدان من طالبات المعهد الثانوي بجدة اللاتي كن يعملن في السابق مدرسات وقدمن استقالاتهن للالتحاق بالمعهد الثانوي وشكواهن من تأخر صرف استحقاقهن عن شهر شعبان 89هـ وقبل نهاية الشهر المشار إليه بأربعة أيام قدمن استقالاتهن ورفعت لسماحة الرئيس العام لتعليم البنات لإصدار قرار طي قيدهن، وطبيعياً ترتب على ذلك تنزيل استحقاقاتهن لعدم استحقاق غالبيتهن لشهر شعبان كاملاً.
وبعد صدور قرار طي قيدهن اتخذت الإجراءات لتحقيق أيام الغياب التي تغيبتها كل واحدة منهن دون عذر من تاريخ بداية العام الدراسي الحالي إلى تاريخ طي قيد كل منهن تمهيداً لإصدار قرار بحسم مدة الغياب.. وبعد تحقيق ذلك أصدر قرار الحسم وبلغت الجهات المختصة به، وجرى إعداد استحقاق كل منهن ضمن أقساط شهر محرم 90هـ واستلمت كل واحدة ما تستحقه كاملاً قبل أسبوع من تاريخ صدور هذه الجريدة، ولذا جرى تبيان ذلك آملين التكرم بنشره في نفس المكان الذي نشرت فيه الشكوى، ولقد كان بودنا لو تكرمتم أو تكرم أستاذنا الكبير محمد حسين زيدان فأحيلت إلينا الرسالة قبل نشرها لأفدناكم بما يهمهن عن الموضوع. والله من وراء القصد وبه التوفيق..
المخلص
مدير تعليم البنات بمنطقة جدة
عابد عجيمي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :775  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 579 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج