شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الوفاء (2)
ـ ومعذرة لقارئ يمل التكرار إذا ما كتبنا مرة ثانية عن الوفاء. إن الوفاء قيمة للوفي من مكارم الأخلاق ترسخت القيم الفاضلة في فكره وتفكيره وامتلأ بها وجدانه فهو لا يطيق أن يجفو صانع جميل كأنما الوفاء شكر عملي.
لقد علمت حادثة تجلّى فيها وفاء الرجال. كان صاحبها وصانع الوفاء هو عبد العزيز بن إبراهيم وكيل إمارة المدينة المنورة في أوائل الخمسينات الهجرية، وضعوا بين يديه معاملة، أخذ يقرأها ليبت في الحكم في القضية التي شرحت أمامه، فإذا هي عن دين مطالب به أحد أعيان المدينة المنورة وهو ((علي برادة)) والد الأخوين عارف برادة وكاظم برادة يرحمهما الله وأخيهما الأصغر كنعان برادة.
قرأ القضية فإذا السجين الذي ركبه الدين علي برادة، فألقى المعاملة عبد العزيز بن إبراهيم أمامه على المكتب وقال:
ـ من علي برادة، من أبوه؟
فقالوا أبوه عباس برادة.
فأصدر أمره في الحال بإطلاق سراحه من السجن وقال: أنا أسجن ولد عباس برادة؟ أطلقوه.
وسوى الدين.
وأراد أن يخبر سامعيه عن السبب فقال: عباس برادة صنع معي جميلاً يوم ربطني الأتراك في المدينة، فهو الذي أطلقني من السجن، فهل جزاؤه مني أن أسجن ولده؟
قيم الأخلاق إذا لبسها الرجال وضعتهم على القمة يلبسون بها قيمة بعد قيمة!!
والحادثة الثانية كان صاحبها محمد سرور الصبان، فحين استقر به المقام وأصبح مذكور الاسم جاءه رجل فقير يقدم ورقة جاء فيها أنه يسكن بيتاً أجرته مائة ريال يطالبه مالك البيت بدفع الأجرة وإلا أخرجه.
قرأ محمد سرور الورقة وقال للرجل: تعال بعد يومين، فعجب الرجل وتعجب السامعون فهل محمد سرور في ذلك الوقت لا يملك مائة ريال، أو أنه قد بخل أم ماذا؟
وجاء الرجل بعد يومين فأرجأه إلى أيام أخرى وهو يطرق من الحياء لهذا الأرجاء.. فمحمد سرور قد قلنا فيه من قبل ((شيمة الحياء فيه تحمل على الاستحياء منه)).
وجاء الرجل بعد أيام فأجلسه محمد سرور بجانبه وناوله صكاً بملكية البيت، فقال: قد اشتريناه لك جزاء ووفاء لما صنعت لي من جميل. ألم تكن خادماً في السجن ((الفرن)) بأجياد بجانب مطبعة أم القرى، واحتلت تأتيني بتعميرة جراك تدخل الشيشة من وراء الحراس؟ كان ذلك صنيعك، فمن الوفاء لك أن يكون هذا البيت ملكك!
وفاء.. فصناع الجميل يعرفون معنى الوفاء شكراً عملياً!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :940  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 495 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.