ـ وحين نفتقد أبوة الأستاذ هذه الأيام، تثور بنا الذكريات غير حاقدة على ما يجري الآن ولكنها الحنين إلى ما كان.
كان الأستاذ في أيامنا أباً، نهابه ونحبه، الهيبة في حزم الدرس والحب في عزيمة العاطفة التي يحنو بها علينا فلولا أبوة الأستاذ لما كنا قد وصلنا إلى شيء.
ومضت الأبوة ترتاح بعد أن كبرنا إلى صداقة، ولكن الصداقة لم تسقط الاحترام، نخشى ونستحي أن يطلعوا على معابة الجيل.
فقد كنت أستاذاً زميلاً لآبائي، ولكن لم يخاطبني واحد منهم، إلا بما يجعلني أحس بأنه أبي.. حتى إذا ناداني أحدهم يذكر اسمي مجرداً من لقب ((الأستاذ)) وأحياناً ينادي ((تعال يا واد))، وكان ال ((واد)) يعني ((الولد)) لقباً محبباً إلى نفسي.
وأذكر ملحة ألغز بها إلينا عن كلمات تقرأ من أول السطر، ومن آخر السطر، فاجأنا يكتبها على السبورة، وقال: هيا اقرؤوها فقد كانت ملحة مليحة.. فقد كتب هذه الكلمات ((سر فلا كبابك الفرس))((دام علا العماد))((بلح تعلق بقلعة حلب)) وقد جاءت هذه الكلمة الأخيرة في هذا البيت من الشعر على تلك الصورة:
مودته تدوم لكل هول
وهل كل مودته تدوم؟
فالملحة مريحة يتفتق بها الذهن فيها ترف التلاعب بالألفاظ.