شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كتاب ((طه حسين والشيخان))
تأليف: الأستاذ محمد عمر توفيق
مؤلف ((طه حسين والشيخان)) فيما يعرفه المثقفون والمتتبعون لآثاره أديب من أدبائنا البارزين وكاتب اجتماعي قد بلغ شأواً رفيعاً في معالجة مشاكل المجتمع الذي نعيش فيه.
والأديب والكاتب الاجتماعي، بعيد كل البعد في نظر الناس عن أن يكون صاحب ثقافة دينية عميقة الجذور ملأ قلبه بالإيمان يغضب إلى حد لا يستطيع معه امتلاك نفسه إذا مس في صميم عقائده ودينه، ذلك لأن الناس، أو هم علماء الدين - لا أدري! اختصوا بمظهرهم الخاص وتعابيرهم الخاصة وزيهم الخاص، فمن تزيا بذلك الزي الخاص وتظاهر بذلك المظهر الخاص واستعمل في كلامه وفيما يكتب تعابير خاصة، كان من المسلمين ومن أهل السنة ومن لم يفعل لم يكن!. والدين في الحقيقة وفي واقع الأمر لم يكن إلا عقيدة ومبدأ ومعاملة وما كان أبداً مظهراً وشكلاً عمامة أو جبة مسواكا! وإلا لما صح أن يكون ديناً عاماً أرسل رسوله للناس كافة بشيراً ونذيراً على اختلاف أطوارهم وطرق معائشهم وتقاليد بيئاتهم. وليس أدل على هذا ما جاء في حديث عبادة بن الصامت من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل!
هذا البحث سماه محرر الأخبار في جريدة المدينة نقداً لكتاب طه حسين والشيخان، ولا أدري كيف استنبط المحرر عبارة النقد وهو لم يطلع على البحث، بل لا أدري كيف أحرجني على نشره في جريدة المدينة وكنت متردداً، أن أفعل! حركات وفرائخ صحفية. أليس كذلك؟!
وحديث عمرو بن العاص. وحديث أبي هريرة إن الله لا ينظر إلى صوركم وأقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. فالإسلام إذن دين عقيدة وعمل وكلما عدا ذلك لا يزيد على كونه مظهراً لا يمس الجوهر ولا يخرج المسلم عن إسلامه مهما تحرج المتعصبون وضاقت بهم آفاقهم وقلوبهم!
ارتسمت هذه الصورة في مخيلتي وأنا أتصفح كتاب ((طه حسين والشيخان)) للأستاذ محمد عمر توفيق، هذا الكتاب الذي دافع فيه المؤلف بعمق إيمانه وقوة عقيدته وسعة اطلاعه على السنن والآثار وعلوم الشريعة، عن رجال هم حماة الدين وأمناء العقيدة لو تطرق الشك إلى نزاهتهم وسلامة تصرفاتهم كان ذلك سبيلاً إلى أن يتطرق هذا الشك إلى العقيدة نفسها والإيمان نفسه.
وقليل جداً من يعرف أن محمد عمر توفيق ممن تخصص في علوم الشريعة: حفظ القرآن ودرس الحديث وأصوله على نخبة من العلماء الأجلاء، ولئن خفي هذا على الكثيرين فلأن الرجل لم يتمسك بما تمسك به رجال هذه الطبقة: الزي الخاص والطريقة الخاصة إلى حد قد يشك معه من يروي له هذا الخبر، ولو اختير محمد عمر توفيق وزيراً للعدل - مثلاً - لشهق كثير من الناس وفتحوا أفواههم من الدهشة، غير أن الواقع أنها لن تكون خارجة عن دائرة اختصاصه، فزملاؤه في الدراسة يشغلون اليوم مناصب كبيرة في القضاء!
إن منطق الناس يجب أن يتصحح ويجب أن يعرفوا أن الدين علم وعمل وليس جدلاً ومظهراً؛ فديننا دين عام يقبل كل الأشكال والمظاهر، وشيء واحد هو الذي لا يقبله وهذا الشيء - هو العقيدة والعمل - وليس أدل على ذلك من كتاب ((طه حسين والشيخان)) هذا المؤلف القيّم الذي كان الدافع إلى تأليفه هو قوة الإيمان ورسوخ العقيدة في نفس المؤلف الذي لم يطق أن تمر في غفلة حملات مدسوسة بين سطور دبجها قلم ساحر، وآراء منحرفة قد تؤخذ مأخذ القبول لمكانة وشهرة صاحبها وفي ذلك افتراء وزور. وبقدر سعة أفق مؤلف الشيخان ومكانته المرموقة كان تحري الدقة في البحث والتقصي من مؤلف (طه حسين والشيخان) وبقدر مكان الشيخين في نفسه المؤمنة كانت قوة الدفاع وسداد المنطق. إن حرارة الإيمان وصدق الانفعال كانا قوة مندفعة في كل كلمة دبجها اليراع في سطور هذا المؤلف القيم فجاء سليم المنطق قوي الحجة.. إنه دفاع قوي عن تصرفات أعظم رجلين من رجالات الإسلام يأتيان في الترتيب بعد نبي الإسلام وصاحب رسالته، وهو دفاع مجيد عن الأسس التي بنيت عليها عقائد الأمة الإسلامية العظيمة! إنه جهاد في سبيل الله في عصر ندر فيه المجاهدون واستساغ فيه العلماء - العلماء المتحررون - طرق التأويل والتحريف.
إن المنهج الذي اتبعه الدكتور طه حسين في مؤلفه الشيخان نهج عرف به منذ فجر حياته، فهو نهج استقراء واستقصاء واستنباط للحوادث التاريخية كما أوصلها الرواة والمؤرخون من أعماق الماضي السحيق وكما فهمها هو - أعني الدكتور وانفعل بها، وقد يصل هذا الفهم عنده إلى حد التشكيك والإنكار. فالكتاب من هذه الناحية يمثل وجهة نظر الدكتور في نطاق فهمه واستنتاجه ويتفق هذا المنهج في البحث مع طريقة البحث التي سار عليها مؤرخو اوروبا في عصورها المظلمة وهي طريقة إن قبلت أو استسيغت في البحث عن حياة شاعر أو أديب اختلف الرواة اختلافاً بيناً في إثبات مولده ومنشأه وما نسب إليه من آثار، فإنها لا يمكن أبداً ولا مجال من الأحوال أن تقبل في حياة رجال كانوا حماة عقيدة سماوية اعتنق مبادئها الملايين من أبناء البشر عاشوا ويعيشون على جميع قارات الكرة الأرضية. ولا شك أن في هذه الملايين المئات بل الألوف من الذين ارتفعت ملكاتهم العقلية بحيث يعتنقون ديناً لم يكن حماته الأول من طراز ارتفعت مكانتهم عن مستوى الشبهات، فهم قد بحثوا واستقصوا وكان بحثهم واستقصاؤهم أدق من الدقة وأبعد من أن يتطرق إليه التشكيك، ذلك لأنه بحث يتعلق بعقيدتهم وإيمانهم. ولو استطاع الدكتور أن ينتزع من نفسه الآراء التي تشبع بها عن طرق دراساته غير الإسلامية للتاريخ العربي ورجالاته وتبصر بروح منصفة واعية ما كتبه المسلمون عن رجالات الإسلام والدقة والصرامة التي ساروا عليها في تحقيق الروايات، لما اهتز هذا الاهتزاز ولما خرج عن الصواب في حكمه.
وقد تابع الناقد تشكيكات وأفكار الدكتور طه متابعة علمية دقيقة رفعت القناع الكثيف الذي أراد الدكتور أن يسدله على الحوادث ويتجنى به على الأجلة الذين نقلوا إلينا تفاصيل تلك الحوادث وقد سماهم ((القدماء)).
وأستحسن هنا مشاركة الأستاذ الناقد في مناقشة الدكتور في استنتاجاته التي أراد أن يدخلها في عقول القراء كنتائج منطقية حتمية لسلسلة الحوادث التي سردها.
فمن بعض أسباب التشكيك عند الدكتور أن ((القدماء)) الذين شهدوا المواقع لا يستطيعون وصفها بدقة، لأنهم كانوا في شغل عن تفاصيلها بأنفسهم وبأدوارهم في هذه التفاصيل، منطق عجيب يجعل هذه الوقائع (شربه) لا تخطيط ولا قيادة ولا مسؤول عن سير الوقائع وتحديدها؛ فالجندي مثلاً منذ أن عرف المبدأ والدفاع عنه لا يدخل المعركة إلا ووراءه رؤوس مفكرة وعقول مدبرة مسؤولة عن إنجاحه وفشله. ومهما كان الفارق كبيراً بين الأسباب والوسائل في ذلك العصر والعصر الذي نعيش فيه، فالجوهر هو الجوهر وليس ذلك معنى أن يعيش الناس على الفطرة أنهم يعيشون في غباء وقدرتهم. فإن نسبة الذكاء في القدماء وقدرتهم على الاستيعاب هما اللذان أدارا عجلة التطور حتى وصلت إلى الحضارة التي نعيشها في هذا العصر، فإذا أعرض الدكتور المؤلف عن تفاصيل الأحداث كما رواها القدماء ولم يكلف نفسه تحقيقها وتمحيصها، فما الذي سيقرؤه الناس في الكتاب! ليس هو - كما سبق أن قلت - استنتاجاً واستنباطاً يمثل رأي المؤلف وحده.
إن هؤلاء القدماء الذين أعرض مؤلف الشيخين عن رواياتهم أفذاذ بلغوا الذروة في الصدق والنزاهة والورع ولم تكن تحقيقاتهم للتاريخ وحده بل كانت تحقيقاتهم لسمو العقيدة التي آمنوا بها وارتضوا أن يتعلق بها مصيرهم في الحياتين: الدنيا والآخرة، ولن يستطيع المؤرخون من غير المسلمين المستشرقين منهم وغير المستشرقين أن يدخلوا الشك في صدق رواياتهم، فقد بنيت على قواعد علمية صحيحة وأسانيد ثابتة الأصول والفروع. وعندما قال الدكتور في ختام مقدمة مؤلفه ((أنا إذن لا أملي هذا الحديث لأثني على الشيخين ولا لأفضل تاريخ الفتوح في عصرهما وإنما أريد إلى شيء مخالف لهذا أشد الخلاف! إن هذا الشيء المخالف أشد الخلاف مفهوم بصراحة في ثنايا هذه السطور أنه يريد أن يقول: أنا لا أريد أن أتحدث عن الشيخين كما تحدث المسلمون عنهما ((القدماء)) لأن الطعن في روايات هؤلاء سببه أنهم مسلمون انحرفت بهم العقيدة عن قول الحقيقة المجردة. فهو يريد أن ينهج في البحث نهج المؤرخين من غير المسلمين لئلا تدخل العاطفة في تمحيص الحقائق، وفي رأينا أن المؤرخين غير المسلمين والمستشرقين - وهم لم يرتقوا إلى التخلص عن الميل العقائدي - لم يكونوا أقدر على تمحيص الروايات وغربلتها وتمحيصها من المسلمين، لأن المسلمين كانوا يغربلون ويمحصون حوادث تتعلق بعقيدتهم وإيمانهم.
والغريب في أمر الدكتور أنه اتخذ من الجدال الذي حدث بين الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم سبيلاً للنيل منهم، فشكك في بعض ونفى بعض، مع أن هذا الجدل هو سر عظمة هؤلاء الأجلاء؛ فالجدل في قتال أهل الردة والجدل في قيادة ((أسامة)) لم يكن سببه قصوراً في الفهم كما رأى الدكتور إذ يقول ((فوجوه المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم بأمور دينهم)) بل إن أساس الجدل هو الاختلاف في الرأي، فبينما كان يرى أبو بكر رضي الله عنه وجوب القتال كان يرى غيره عدم التسرع واتخاذ خطوات أخف وطأة من القتال كبداية لتوحيد الصف، وأبو بكر رضي الله عنه حين تمسك برأيه لم يكن مستبداً بل إن حجته عليهم كانت هي الأقوى، فقد قالوا له كيف تقاتلهم وهم يقولون لا إله إلا الله فقال: إلا بحقها والله لم يفرق بين الصلاة والزكاة، وهم يفرقون بينها، أليس هذا الجدل هو النقاش البرلماني اليوم! فهل يستطيع أحد أن يقول في أعضاء البرلمان إذا حدث جدل بينهم في شأن من شؤون الدولة إن سبب الجدل قصور في العلم والمعرفة! فهم غريب!
إن حضور الفكر وسرحاته من خصائص النفوس بالأحداث وتهتز بها قوة وانفعالاً، والفضل إنما يتميز في النفوس الكاملة عندما تعود إليها طمأنينتها بالتذكير أو بأي عامل آخر برجوع أصحابها إلى طريق الصواب رغم ما في هذا الرجوع من الاتهام بقصور الفهم!
إن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا كلهم أصحاب علم ودراية، ومجادلتهم أسبابها اختلاف الرأي لا القصور في الفهم، فتركهم الأمر لأبي بكر في حرب الردة وعدم حل قيادة (أسامة) لم يكن رضوخاً منهم لاستبداد أبي بكر، بل لأن حجته فيما فعل كانت قائمة، ولولا ذلك لحاجوه وردوه وقد قالها واحد من عامتهم لعمر رضي الله عنه في خلافته: لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا.
وسر عظمة الصحابة رضوان الله عليهم، سموهم على بشريتهم عندما يخطئون وتسرح بهم الفكرة - وهم بشر - فلا تأخذهم إلى الرجوع إلى الحق لومة لائم.
وما أمر الخلاف في قيادة خالد بن الوليد بين أبي بكر وعمر إلا الاختلاف في الرأي سواء في قتل الأسرى أو في زواج اشتبه في أمره، فلم تصل الروايات عند عمر عن تصرفات خالد حد اليقين، ولو وصلت لكان شأنه مع الصديق في أمر خالد شأناً آخر، ويفسر ذلك قوله بعد وفاة أبي بكر: ((رحم الله أبا بكر فقد كان أعلم مني بالرجال)).
وبعد، فإن كتاب (طه حسين والشيخان) جدير بأن يقرأه كل مسلم، ففي قراءته إزالة لكثير من الشكوك والأوهام التي قد يتأثر بها المسلم وهو يقرأ تاريخ الإسلام ورجالاته، وخصوصاً ما كتبه المستشرقون ومن نحا نحوهم؛ فهو ليس نقداً لكتاب الشيخان لطه حسين وحسب بل إنه توضيح بالأسانيد لكثير من الحوادث الإسلامية سوف يجد فيه القارىء - خصوصاً من كانت ثقافتهم غربية - حلاً لإشكالاتهم في حوادث التاريخ الإسلامي قد تبدو وجيهة قبل التمحيص، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1104  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج