ثَوْرَةُ البَعْثِ أم هَزيمُ الرُّعودِ |
أمْ أُسودٌ تَسيرُ خَلْفَ أسودِ؟ |
حَطَّمَتْ أمتي القُيـود فهَـلْ يُجْـدي |
بُكاءٌ على حُطام القُيودِ؟ |
وأطاحَتْ في زَحْفِها بجُدودٍ |
لم تَكُنْ غَيْرَ باطِلِ مِنْ حدودِ |
وتَنادَتْ إلى الخُلود، فَمَن يَثْنِي |
خُطاها عنِ اقْتِناصِ الخُلودُ؟ |
سُمِعَتْ زأرةُ اللُّيوثِ غَداةَ |
الرَّوْعِ مِنْ جلّقٍ إلى هوليودِ |
قيل ماذا هناك؟ قُلْتُ انْطلاقٌ |
للمَعالي، فيا كواكبُ ميدِي |
ثارَ في أمتي الشُّموخُ، وفارَتْ |
في شراييِنها دِماءُ الجُدودِ |
حسِبَ الواغِلون أنَّ جُفونَ |
الشَّام نامـتْ علـى حَريـرِ الوُعـودِ |
ساء ما قدّروا وخابُوا رَجاءً |
إنما الشام قَبْرُ كلَّ عنيدِ |
مُنْذُ كان التاريـخُ كانَـتْ، وتَبْقَـى |
مَنْبِتَ المَجْدِ طارفاً لتَليدِ |
مَدْرَجَ الفِكْر والبَيانِ، ومَهْوَى |
كلَّ طَيْرٍ أصمَّ أوْ غِرّيدِ |
أنْكَروا فَضْلَها فلَمْ تَتَنَكَّرْ |
لِجُحودٍ ولمْ تَضِقْ بجُحودِ |
حَسْبُها أنَّها – إذا ما تباهَى |
الناسُ في إرْثِهِـم – تُـراثُ الوُجـودِ |
حَمَلَتْ مِشْعَلَ الحَضارةِ أجْيالاً |
وكانَتْ مَلاذَ كُلَّ شَريدِ |
في ثَراها تَبَرْعَمَتْ دَوْحَةُ العَدْل |
وتاهَتْ بزَهْرِها المَعْقودِ |
في ثَراها الزكي يَشْوي صَلاحٌ |
ووليدُ الفتوحِ وابنُ الوليدِ |
لا تَسَلْ عَـن مِلاحِهـا، فهْـيَ عِقْـدٌ |
مِنْ نُجومٍ ومِنْ جُمانٍ نَضيدِ |
لمْ تَكُنْ خَوْلةٌ بأثبتَ جَأشاً |
إنْ تواردْنَ مُلْتَقى البارودِ |
كلّ يَوْمِ تُعِدّ للعُرْبِ نَصْراً |
ناصِعَ الوَجْهِ، مائجاً بالسُّعُودِ |
بدأ الشَّوْطَ يوسفٌ ثم راحَتْ |
تتوالَى الوُفودُ إثرَ الوُفودِ |
لا تَدوسوا تُرابَها، لا تَدوسوا |
إنَّه مِنْ محاجِرٍ وكُبودِ |
أوْ فدوسوا… وإنَّما بشِفاه |
راعِشاتٍ، وأجْفُنٍ وخُدودِ |
طَلَعَ البَعْثُ للسَّراة مَناراً |
فاسْتَزيديهِ، يا بلادي استَزيدي |
وأشْدَدي أزْرَه ليَحْمي تُراباً |
عَرَبياً… يُعَدّ للتَّهْويدِ |
إنما القدس قطعةٌ من ثرانا |
وهو منّا مكانَ حبلِ الوريد |
مَنْ يفرّطْ بها، فما هُوَ منَّا |
إنَّه آلة بأيدي اليَهودِ |
هكذا ثَوْرةُ الشُّموخِ تَراها |
فَلْنَقِفْ تَحْتَ ظِلَّها المَمْدودِ |
قبلَها لم يكُ الضَعيفُ سوى |
"شيء" زهيدٍ لمستبدٍّ مَريد |
لم يَكُنْ لِلْكِفاح مَعْنىً فأضحَى |
وهْوَ مَبْنى لكلَّ مَعْنىً جَديدِ |
صار للعامل البسيط مقامٌ |
بعد أن كان في مقام العبيد |
صارَ للكادح المجاهِدِ صَوْتٌ |
لمْ يَعُدْ عُرْضَةً لسوءِ الوَعيدِ |
صارَ للحَقَّ مَرْجِعٌ ونَصيرٌ |
وامَّحى الحَدُّ بَيْن بيضٍ وسُودِ |
وانْتَفَى الفَـرْق بـين قَصْـرٍ وكـوخٍ |
واخْتَفَى بَيْنَ سيّدٍ ومَسودِ |
وتعالَتْ مَدراسٌ، واشْمَخَرَّتْ |
ناطِحاتٌ على حَواشي البيدِ |
وَتَبارَى الشَّبابُ في حَلْبة العِلْمِ |
حُشوداً على طَريقِ حُشودِ |
أمِنَ النـاسُ بَعْـدَ خَـوْفٍ، وسـادَتْ |
شِرْعةُ العَـدْلِ بَيْـنَ شَعْـبٍ سَعِيـدِ |
كيف لا تَضْحَكُ الحُقول وقدْ |
ضَجَّت فُؤوسٌ تماوَجَتْ بزُنودِ؟ |
رَوَيتْ تَرْبةُ السَّلام، وكانَتْ |
في صَدى قاتلٍ ويأسٍ شديدِ |
القِفار الجُرْدُ اسْتَحالتْ جِناناً |
تَرْتَدي مِنْ نَضارةٍ ببُرودِ |
تَخْصُبُ الأرضَ حينَ تُحْكَم |
بالعَدْلِ، وتُدْني قطوفَها للوَليدِ |
وتَطيبُ النَّفوسُ إمَّا رَعَتْها |
مُقْلَةٌ لا تُجيد فَنّ الرُّقودِ |
هَذِهِ، هذهِ اشْتراكيّةُ الحُبّ |
فضُجَّي يا قَرْيتي بالنَّشيدِ |
واستَعيدي ابْتسامةً جَرَّدتْها |
صَولَةُ الظُّلـم مِـنْ سَناهـا الفَريـدِ |
أنْتِ، لولا عِناية الله تَرْعا |
كِ أسيرٌ مكبَّلٌ بقُيودِ |
ألْفُ مَرْحى لِمَن أحالَك فِرْ |
دَوْساً بَهيجاً لِمُتْعَبٍ مَكْدودِ |
ألْفُ مَرْحَى لِمَنْ أرادكِ ظِلاً |
لشَريدٍ، ومَوْئِلاً لطَريدِ |
إنَّه حافظُ الشآم… ويُغْلي |
كلُّ حرٍّ قَدْرَ العظيمِ المجيدِ |
باعثُ البَعْثِ مِنْ ثَراه قَوياً |
نافخُ الروح فيه بَعْد هُمودِ |
كَرُمَتْ نَفْسُـه عـن الشَّيْـنِ والمَيْـنِ |
وغالَى بزُهْدِهِ المَشْهودِ |
يُعْرَفُ المرء مِنْ شَرارة عَيْنَيْه |
ويُغنيكَ مَقْطَعٌ عَنْ قَصيدِ |
عَبثاً تَسْتُرُ الملابسُ عَيْباً |
أو يَعيبُ الشريفَ هَذْرُ حَقودِ |
ذلَّلَ الطَّوْد، لا بزَنْدٍ وفَأْسٍ |
بَلْ بإيمانهِ الكبير الحديدي |
وبَنَى الجَيْـشَ مِـنْ جَديـدٍ، ولكـنْ |
بجُنُودٍ تُجيدُ دَوْرَ الجُنودِ |
قَبْلَ تسليحِهِ بسَيْفٍ وتُرْسٍ |
تَمَّ تَسْليحُه بخُلْقٍ حَميدِ |
علّموه كَرامةَ اليَدِ والنَّفْسِ |
ومَعْنَى الفِدا ومَغْزِى الصُّمودِ |
علَّموه أنَّ السَّيادة تُشْرَى |
بدِماءٍ زَكَّيةٍ… لا نُقودِ |
فغَدا الجَيْشُ كُتْلَةً مِنْ لهيبٍ |
تَتْرُك الشَّمْسَ كتلةً مِنْ جَليدِ |
وإذا نَجْمَةُ اليَهود بجُولانَ |
استَحالتْ حَظيرةً للدودِ |
وإذا النَّصْرُ للعُروبة… لَوْلا |
طَعْنة الغَدْرِ مِنْ شَقيقٍ ودودِ |
ضاعَ ما حقَّقتْه مِنْ مُعْجِزاتٍ |
رائعاتٍ، وما أتتْ مِنْ جُهودِ |
كلُ ما سَطَّرَتْه كفُّ كريمٍ |
شَطَبَتْه يدُ الحَليفِ الكَنودِ |
الشقيقُ القَريبُ خانَ أخاه |
كَيْفَ يرتاح للعَدوَّ اللدودِ |
حَرْبُ تشرينَ للبُطولة سِفْرٌ |
سوفَ يَبْقَـى مَـدَى الزمـان المديـدِ |
كلما راجع المطالع مَعْنىً |
شَدَّه لاكتشاف معنىً جَديدِ |
* * * |
يا زَعيمـي، يـا حافظَ العَهْـد، إنَّـي |
شاعِرُ الشام رَغْم بُعْدِ الحُدودِ |
غِبْتُ بالجِسْم لا بُروحيَ عَنْها |
كَمْ بَعيدٍ يَعيش غَيْرَ بَعيدِ |
إنْ أرادتْ على حَنيني دَليلاً |
فَلْتَسَلْ عَنْ مَدامعي في البَريدِ |
في عُيوني حَمَلْتُها، وضُلوعي |
ثم لابني خَلَّفتُها، وحَفيدي |
فإذا اسْتَعْبَرَتْ تقاطَرَ دَمْعي |
وإذا عيَّدتْ فذلك عيدي |
* * * |
يا مَناط الآمال جِئْتُ أُحيِّي |
بقوافيَّ فارسَ التوحيدِ |
جِئْتُ باسم النُّـزّاح أزْجـي ولائـي |
لأبٍ صادقِ البَلاء رشيدِ |
وَحَّدِ اللهَ، ثم وحَّدْ قُلوباً |
تَتَفادى لِفَقْءِ عَيْنِ الحَسودِ |
كانَ قَوْمي شَعْبـاً فكَيْـفَ استَحالـوا |
ألْفَ شَعْبٍ تَسيرُ إثرَ ثَمود؟ |
مزَّقَتْنا يَدُ الغريبِ… ولكنْ |
ضَعْفُ شاتـي بـرى نُيـوبَ السيـدِ |
كانَ للعُربْ دَوْلةٌ يومَ كانوا |
يتلاقَوْن في المَصير الوحيدِ |
فأثِرْها إلى العَظائم، واجْعَلْ |
بَنْدَ عَدْنانَ فَوْقَ كلَّ البُنود |
عادَ للشامِ بَعْدَ يأسٍ رَجاها |
فاحْنُ واسْهَرْ علـى رجاهـا الوليـدِ |