شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإسلام الممتحَن
الأستاذ محمَّد الحسني
عنوان هذا الكتاب هو: "الإسلام الممتحن" وهو عنوان معبر -ولا شك- وسيجد القارئ الكريم، من خلال عرضنا لمحتواه.. أن الإسلام في هذا العصر يواجه ألواناً من المحن.. لم يسبق لها مثيل.
والمذهل أن أكثر ما يواجه الإسلام من محن في عالم اليوم، آتٍ من فئات منتمية للإسلام.. شاء لها الحظ العاثر أو شاءت لها "موجة التغريب" أو الاستشراق الوافد من الغرب، أن تنحرف، وأن تضل الطريق!
صحيح أن خصوم الإسلام التقليديين: الصليبيين، والشيوعيين، واليهود: هم الأشد عداوة.. ومن هنا فإن ما يصدر عنهم من "عنت" أو ما نلمسه من حقد.. أمر مسلم به، ومفهوم.. لكن أن يصدر مثل هذا العنت، أو مثل هذا الحقد، من أفراد منتسبين للإسلام فهو أمر مستغرب ومستنكر في آن واحد.
إن مؤلف هذا الكتاب الأستاذ محمد الحسني، هو رئيس تحرير مجلة البعث الإسلامي، التي تصدر بالهند، عن ندوة العلماء، ذات التاريخ الناصع المشرق، في خدمة العلم والثقافة الإسلامية هناك، ولا أريد أن أضفي على كتابه ثناء.. أعتقد أنه سوف يغنيه عنه ما سيلحظه القارئ بنفسه أثناء قراءته لهذا العرض السريع.. أو قراءته للكتاب نفسه.. وحسب المؤلف الفاضل ما أشاد به في تقديمه الرائع للكتاب الأستاذ السيد علي أبو الحسن الندوي رئيس ندوة العلماء، والداعية والمفكر الإسلامي الأشهر.
* * *
في الفصل الأول: العالم الإسلامي على مفترق الطريق -يقول المؤلف الفاضل:
"هذه الفترة من الزمن التي يجتازها العالم الإسلامي بوجه عام، والعالم العربي بوجه خاص. فترة خطيرة ذات أهمية في تاريخ المسلمين، إنها ساعة لا تتوفر أمثالها في تاريخ الأمم والشعوب، وفي إمكانية العالم الإسلامي اليوم أن يؤدي واجباً ضخماً نحو الإنسانية، ويلعب دوراً هاماً في حقل السياسة العالمية ويغير دوراً هاماً في حقل السياسة العالمية ويغير مجرى التاريخ، ويحول القيادة من الجاهلية الآثمة إلى الإسلام السمح العادل، ويحقق ذلك الغرض الأكبر والهدف الأسمى الذي بعثت له تلك الأمة الإسلامية. إن ذلك يقتضي سرعة، لكن بحيطة وحذر، ويطلب شهامة واقتحاماً ولكن بعد تأمل وتريث ويحتاج إلى هجوم عنيف على غريمه والانقضاض عليه كما ينقض الصقر على الطير، والأسد الجائع على الشاة، ولكن بعد اكتمال رصيده الإيماني والروحي واستعداده المادي والحربي وتنظيمه العلمي الجديد، وتوزيع صفوفه الموزعة، وهذا هو الذي قد فات العالم الإسلامي في أحيان كثيرة، فسقط سريعاً أمام ثورة العقل والفكر، ومعجزات البطولة والاختراع، وقوة الحديد والنار، ولمعان المدنية المتطرفة".
ويمضي المؤلف في حديثه إلى أن يقول في ختامه: "إن الفراغ الذي حدث في قيادة الإنسانية اليوم فراغ رهيب، ولكنه فراغ لا يستطيع أن يملأه أحد إلاّ العالم الإسلامي. لأن العالم الإسلامي هو وحده مصباح الهداية والإرشاد في بحر الظلمات، إنه يحفظ في وعائه إيماناً أفلس فيه الشرق والغرب، ودستوراً لا يقبل النسخ والنقد، وتاريخاً ناصعاً لا تضارعه فيه أمة، وحكمة ربانية هي مفتاح كل قفل، وحل كل مشكلة تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت: 42) وذلك في حين فرغت فيه يد الإنسانية من كل مثل عالٍ، وتعليم خلقي، فلا ترى في وعائها إلاّ قطعة من حجر أو شذرة من ذهب".
وفي فصل عنوانه "إسلام المسالمين" يقول:
"نحن كلنا مع الإسلام ما في ذلك شك".
"نحن مع الإسلام دائماً، وبصفة عامة، والحمد لله على هذه النعمة العظيمة الباقية إن شاء الله".
ولكن.. لسنا مع ذلك الإسلام الذي لا تضره حركة سياسية، ولا تنال منه دعوة اجتماعية و "انطلاقة ثورية" ولو خالفت أهم قواعده، وأولى مقوماته، وينسجم مع سائر الأوضاع والملابسات ولو عارضته من أول الطريق وبداية الخط.
بين إسلام "مضمون" عقد عليه في شركات التأمين، فلا تفسده خيانة، ولا يفسده نفاق.. ولا يضره استهتار.. ولا ينال منه إسراف، ولا يكن بحره -الزاخر- فجورٌ ثقافي.. وخلاعة أدبية.. وفضيحة فنية.. وعري علمي.. وكفر منطقي.. وإنكار قومي، وشذوذ سياسي. لأنه إسلام مضمون مسجل!! شهد بسلامته ومتانته وجودته كبار تلاميذ الغرب ووكلائه الموزعين في الشرق.
إنه إسلام يسمى فيه المولود مسلماً بحكم القانون والوراثة، ويبقى مسلماً ليتمتع به بما شاء من منافع مادية وأدبية ولا يحتاج إلى تجديد في إيمانه لأنه ولد من أبوين مسلمين وكفى!
إلى أن يقول: إنه إسلام سلبي، لا يتدخل في شؤون المجتمع والحياة، بل يترك الحبل على غاربه ويدع جيله تحت رحمة الموجات المادية الطاغية والأفكار السامة، والأدب المائع فيترك المجتمع فريسة سهلة ولقمة سائغة أمام ذئاب الإنسانية، ووحوش الحضارة، وقراصنة السياسة، ولصوص الدين والأدب، ويظن أنه سينجو بنفسه وبأبنائه، ويقول كما قال ولد سيدنا نوح عليه السلام: قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ (هود: 43) ثم لا يلبث أن يجرفه التيار المارد العنيف وتسوقه "هذه السلبية البريئة" إلى كل ما عافه واستنكفه ومقته ومجه، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين.
إن هذا الإسلام يعيش جنباً إلى جنب مع كل كاتب يبيع الهوى وينشر المكر، ويروج بضاعة الفحشاء.. مع كل أديب يحسن الكتابة، ويجيد الوصف!! ولو تطاول على ذات الله -عز وجل-، ومقام الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستمع بكل أناة وصبر وشرح صدر إلى كل حوار لبق وكلام شيق وحديث حلو.. ولو كان حالقاً للدين، ماحقاً للإيمان، هادماً للأخلاق.. وينظر إلى كل صورة على الشاشة ولو ذهبت بالحزم والحلم، واللب والعقل وأطارت الرشد والصواب.
هذا الإسلام يمشي مع سائر التقلبات والموضات الفكرية والمذاهب الاجتماعية والسياسية، والحركات التقدمية الثورية في الهند الصينية أو في أمريكا اللاتينية. ومع كل فريق من المغنين والمصورين الهائمين والحالمين. والشذاذ الأفاقين، لأن "تمشي" هذه "الكلمة السحرية" يضع في يد هؤلاء القوم "ورقة مرور" يتعدون بها كل حد ويحطمون كل سياج، ويهيمون بها في كل واد ونادٍ..
إنه إسلام "المسالمين.. لا المسلمين في تعبير أصح وأفصح، لأنه يسالم جميع الألوان والأنواع الحضارية الموجودة في العالم المعاصر.. ويتبع كل سبيل غير سبيل الرشد!".
إن هذا الإسلام لا ينقص بالتهاون في حقوق الله، والاستهانة بشعائر الدين، فإذا وقع عنده صدام بين عبادات وأعمال سياسية واجتماعية طغت الأعمال السياسية على العبادات والصلوات ولذة التقرب إلى الله والدعاء والمناجاة.. وإذا حدث شيء أو شغله أمر من تحرير في صحيفة، أو خطاب في حفل، أو قيادة لموكب.. أو رفع لمذكرة احتجاج أو قضية في برلمان، أو حديث في مأدبة ومسامرة في عشاء، أو نزهة في حديقة وحتى فنجان شاي بين الأصدقاء.. نسي ما عليه من حق الله.. وهو في دوامة الأشغال والنشاطات وفي المشكلات والأزمات أولى بالطاعات وأحق بالدعاء والتضرع والمناجاة، وأحوج إلى العبادة والعبودية من الأوضاع الهادئة، والظروف العادية، فلا اعتبار بطاعة لم تصطدم بما يهواه الطبع، وعبادة لم تشق على النفس، ولا قيمة لكأس تطفح وعين لم تفض.
إنها درجات في الإسلام، ولكنه على كل حال إسلام "المسالمين" أما إسلام المسلمين فهو لا يقبل "على ما يرام" ولا يؤمن بمبدأ "الدين للديان والوطن للجميع" ولا يجمع بين الخطب الدينية في المحافل والترفيه بالبرامج العارية الراقصة الفاسدة المفسدة بعد صلاة العشاء بين أولاده وفلذات أكباده.
إنه لا يؤمن بالجمع بين حضارة الغرب وعقيدة الإسلام وبين الزي الإسلامي والحياة الأوروبية والجمع بين الحديث والقرآن، وأفكار لينين وسارتر وماوتسي تونج.
إلى أن يقول: "نحن مع الإسلام القائد السائد، المعلم الموجه ولكن مع الإسلام المستقل الأصيل، لا الإسلام الذي يتلقى الأوامر والتعليمات من "الباب العالي" في موسكو، والبيت الأبيض في واشنطن".
مع إسلام لا ينكر العلم والسياسة، بل إن العلم والسياسة فيه عبادة.. ولا يهمل الطاعة والعبادة، فهي مفزع المؤمن ومأمنه.. وحصنه ومعقله.. وأكبر همه وغاية مناه.
هذا الإسلام العميق الواسع، المشرف النير، الكامل الشامل، الأصيل المستقل، المكافح المناضل.
الإسلام الذي يتكلم ولو كره الصليبيون الجدد، الحمر والبيض والصفر، ويرفع صوته لتنظيم المجتمع والحكم، والأسرة والعائلة على أسس نقية واضحة من السيرة الطاهرة، والشريعة الخالدة، والكتاب الذي لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت: 42).
هذا الإسلام هو العنصر الأقوى في معركتنا الكبرى، وردنا الحاسم على هواة الفساد، ودعاة الانحلال، والمتآمرين على سلامة البلاد، ونعمة الأمن والهناء باسم الحرية والعلم والتقدمية والاشتراكية والثورية.
* * *
وفي فصل عنوانه "أهلاً بهذه المؤتمرات.. ولكن" يقول المؤلف الفاضل:
نشأت في العالم الإسلامي في هذا الوقت رغبة مخلصة أكيدة في دراسة الإسلام دراسة وافية في مختلف نواحيه، والدور الذي يمكنه أن يلعبه في تثبيت دعائم العالم الإسلامي، واستقراره، وبروزه في الوجود كحقيقة ثابتة، وواقع حي، وعقد مؤتمرات وندوات لتحقيق هذه الغاية، وكان مؤتمر لاهور الكبير نتيجة من نتائج هذه الرغبة وأثراً من آثارها (يقصد مؤتمر لاهور الإسلامي الذي انعقد في يناير سنة 1958م).
وإن الغاية من وراء هذه المؤتمرات -كما يبدو منها- هي شرح الفكرة الإسلامية أمام الطبقة المتعلمة في العالم الإسلامي والقائمين بأمره، وإيضاح ما تحويها هذه الفكرة من صلاحية مدهشة لحل مشاكل الإنسان: مشاكل السياسة والاقتصاد والأدب والتاريخ، والمدنية والعمران، وتقديم أبحاث مبسطة متنوعة في كل ناحية من نواحيها، وذلك ما آمنا به جميعاً واتفقنا عليه، ولكنا نحرص أن لا تفوتنا -ونحن في مرحلة البناء والتعمير- اللبنة الأساسية. فتأتي عمارة معوجة مهددة بالأخطار في كل حين. لذلك أرجو من القائمين بأمر هذه المؤتمرات والعاملين لها أن يكونوا أعمق تفكيراً وأكثر واقعية في معالجة هذه الأمور حتى لا تطغى ناحية على ناحية.
ما هي أزمة العالم الإسلامي اليوم؟
إذا فكرنا في هذا الأمر عن طريق عملي غير طرقنا وأساليبنا المعروفة، رجعنا منه بنتيجة غير النتيجة التي رجع بها كثير من الباحثين والعلماء.
إن أزمة العالم الإسلامي أنه لا يعمل بعشر ما يعلم ويؤمن به.. وإن هناك هوة منفجرة بين الحياة النظرية والحياة العملية في أمتنا المسلمة.
هنا كثير من الناس يعلمون أن الصلاة مفروضة على المسلمين ويعلمون أكثر من ذلك.. ولكنهم لا يصلون، أو على الأقل لا ينشطون لها.. كما يوجد هنا رجال يكتبون في فلسفة الزكاة، ولا يؤتون الزكاة.. لا أقول إن الجميع كذلك، ولكن ذلك يدل على مبلغ التفاوت بين علمنا وعملنا.
ثم يقول المؤلف: إني لا أقلل قيمة هذه الجهود العلمية والإسلامية، ولا أهمل شأنها، فلا شك أن هذا الكفاح العلمي قد أدى دوراً كبيراً في منع الشباب المسلم الجامعي من الوقوع في شبكة الشيوعية، والانجذاب إلى الحضارة المادية، وله فضل كبير لا ينكر في هذه الناحية، إن الشيء الذي أريد أن ألفت إليه الأنظار هو أن هناك مسألة أهم وأخطر للعالم الإسلامي وهي مسألة التوفيق بين عقله وعاطفته، وبين عقيدته وحياته، وبين علمه وعمله، والبحث في إمكانية تنشيط قواه العملية للسير في هذا الطريق "طريق الإيمان الإيجابي" إذا صح التعبير.
إن الكتب والمؤلفات التي نشرت في شرح الفكرة الإسلامية من نواحٍ عديدة موجودة مطبوعة، ميسرة متوفرة فهل غيرت هذه الكتب تغييراً ما.. في اتجاه العالم الإسلامي دولاً وشعوباً.
وهل نجحت هذه المؤلفات العلمية، والأبحاث المقنعة في إيجاد الإيمان الحي والحياة الإسلامية العملية في المجتمع الإسلامي؟
الجواب في النفي لا أشك أننا في حاجة دائماً إلى مزيد من التقدم العلمي في هذا المجال ومزيد من الجهود العلمية نظراً إلى التطورات الحديثة في المجتمع والحياة، ولكن يجب أن نتأكد أننا لم نعمل بعد بالكثير مما عرفنا وإننا لم نطبق بعد على حياتنا أبسط المبادئ الإسلامية التي نعرفها ويعرفها كل مسلم ومسلمة.
إن التوفيق بين هاتين الناحيتين المهمتين والسير بهما هو الحل الوحيد لهذه المشكلة الكبرى، بل اسمحوا لي أن أقول: إن الروح المعنوية والقوة العملية في هذه الأمة هي في الواقع أساس كل كفاح، ومنبع كل خير، وباعث كل تغيير في حياتها، فإذا كانت هذه القوة الكبرى نائمة فيها فلا رجاء في رقيها ونهضتها، وبعثها من جديد.
فالواجب علينا أن نثير أولاً قلب هذه الأمة ونجذبه عملياً إلى الإسلام مع الاستمرار في جهودنا لإقناعها عقلاً ودراسة، بتفوق الفكرة الإسلامية من نواحٍ شتى.
* * *
ويمضي مؤلفنا الشاب على هذا النحو من التحليل النابض في بقية فصول الكتاب: "موقف المسلمين من الحضارة الغربية" و "لغة شقي بها أهلها" و "رسالة الحب" و "بين الدنيا والآخرة" و "القلب الصناعي والقمر الصناعي" ويعني بالقلب الصناعي الحضارة الغربية، ولنستمع إليه يقول:
"إنها حضارة بلا قلب، أو هي حضارة ذات قلب صناعي، والفرق بين هذا القلب وذاك كالفرق بين القمر الطبيعي الذي خلقه الله، والقمر الصناعي الذي صنعه الإنسان، غير أن هذين القلبين يتشابهان في الصورة والشكل والحجم، ولا يبدو بينهما فرق في النظر المادي.
إن قلب الحضارة العصرية قلب صناعي أو في تعبير آخر هو قلب حيواني شهواني، ليس للفضيلة والخير والأخلاق عنده معنى، ولا للعاطفة النبيلة مكان.
إن "دارون" و "مكيافيلي" و "فرويد" و "ماركس" هم من الذين ساهموا في صنع هذا القلب بنصيب أوفر، ليزرعوه مكان القلب الإنساني الذي كان ينبض -حيناً- بالرحمة والحنان، ويتدفق بالحب والإيمان، ويفيض براً ومواساة لخلق الله، ويحرق كالشمعة لخير البشرية، وصالح الإنسانية".
إلى أن يقول: إنه "القلب الصناعي" مصيبة القرن العشرين، القلب الذي ربيناه على آخر أنواع علمها البشر من الإثم، وآخر درجات وصل إليها الإنسان من البغي والطغيان.. إنه القلب الذي علمناه ألا يرحم أحداً، ولا ينصر مظلوماً، ولا يرعى إلاًّ ولا ذمة.
ومن فصول الكتاب: "إنها الحضارة الإلهية" وفيه يقول:
إن الإسلام "حضارة إلهية" إذا صح هذا التعبير، فهو ليس كأصنام ينحتها البشر بأيديهم ثم يعبدونها، أو يحطمونها إذا غضبوا عليها. ويضعون محلها صنماً آخر.. هو ليس كالمذاهب الفكرية والحركات الاجتماعية التي اخترعها الإنسان في مختلف أدوار التاريخ.. ثم فرضها على نفسه من غير سلطان بين، وأحاطها بهالة من التقديس والإجلال حتى إذا وجد أن هذه الحركات لا توافقه نسيها أو تناساها، ووضع محلها مذهباً آخر.. وهو مغرور بنفسه وبعقله، لا يدري أين يسير به هذا الدوران وما هي نهاية المطاف؟!
إن موقف الإسلام من هذه الأصنام المادية والمذاهب الإنسانية موقف صريح، وموقف بين، إنه لا يفرق بين الأصنام القديمة والحديثة، فكلاهما في نظره سواء، لأنهما من صنع البشر..
أما رأي الإسلام فهو "شريعة ومنهاج" من عند الله. أنزله على البشر ليسيروا على هداه. وبما أنه من عند الله فهو محفوظ عن الخطأ والانحراف، والزيغ والضلال، لا حاجة فيه إلى تغيير أو تعديل، ولا حاجة فيه إلى إدخال تحسينات وإصلاحات، شأن المذاهب الإنسانية والحركات الاجتماعية والسياسية كلها. وإلى ذلك أشار القرآن الكريم حين قال: أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك: 14) -وقال: ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (الأنعام: 62).
ونمضي مع المؤلف مع باقي فصول كتابه: "الغرب في ضوء التحليل النفسي" و "مقياس الحضارة في المجتمع الإسلامي" وحديثه عن الكاتب الإسلامي الشهيد "سيد قطب" والكاتب الإسلامي المعروف "مصطفى السباعي" يرحمهما الله، وللأسف توجد في النسخة التي وصلتني من الكتاب صفحات بيض تبدأ من صفحة 130 إلى صفحة 159 وقد اعتادت بعض المطابع في البلاد العربية ألا ترى في مثل هذا النقص المعيب ما يحول دون إرسال هذه النسخ إلى مكتبات التوزيع!
ومن فصول الكتاب فصل عن "جون بول سارتر والأدب الوجودي" وفصل آخر عنوانه: "بناء الإنسان أفضل أم بناء العمارات" وفصل بعنوان: "همسات إلى جزيرة العرب" قال فيه:
"إن نظرة المسلمين إليك يا جزيرة العرب -يا مهبط الرسالة الأخيرة ومأوى النبوة الخالدة- تختلف عن نظرتهم إلى شقيقاتك من البلاد العربية والبلاد الإسلامية القريبة والبعيدة كل الاختلاف، فأنت في نظرهم مأرز الإسلام والإيمان ومركز الحسن والإحسان.. ومنبع الصدق والوفاء، ومعدن الحب والولاء، وملتقى الأرض والسماء".
وأنت في نظرهم -بجانب ذلك- محط الآمال، وموئل الأمة الشاردة الحائرة المفتتة الموزعة، المتخاصمة المتناحرة، وسهمها الآخر الوحيد الذي يتوقف عليه مصيرها ومستقبلها، وعزتها وكرامتها، إلى أن يقول:
"إن قيمتك هي الحفاظ على سمعة هذا الاسم الحبيب، والانتصار له، والتمسك به، والتفاني في سبيل عزته وكرامته، في وقت عمّ فيه الضلال وانتشرت فيه الغوغاء، وقلّ فيه الوفاء، وكثر فيه النكران والجحود".
ثم يقول: "إنني أراك يا جزيرة العرب تستوردين من الغرب كل شيء، ولا تصدرين إليه ما خصك الله به من عقيدة نقية صافية، وإيمان عميق، وغايات نبيلة، ودوافع صالحة، وجمعك بين الأخلاق والوسائل.. والغايات والوسائط.. وما خصك الله به من نور النبوة الذي انطفأت مصابيحه، وانطمست معالمه في الغرب.
إنك يا جزيرة العرب تواجهين عدواً يضمر لك الحقد والكيد منذ زمن طويل.. عدواً يعلن مطامعه التوسعية.. ويهدد الأماكن المقدسة، ويطمع في المدينة المنورة وخيبر.. فليكن ردك عليه رد الرجال والأبطال".
إلى أن يقول: "إنك لو كنت يا جزيرة العرب مثل البلاد الإسلامية الأخرى كتركيا أو إندونيسيا، أو أفغانستان لخففنا عليك الثقل، وأقللنا عنك الحمل.. والتمسنا لك الأعذار، ولكنك في مكان دقيق، وموقف دقيق. ومسؤولياتك أكبر وأضخم من مسؤولية أي بلد إسلامي في العالم.. فإذا طلبنا من غيرك تضحية.. طلبنا منك تضحيتين.. وإذا رجونا من غيرك مرة.. رجونا منك مرتين.. ولا عجب فهي ضريبة الشرف.. بل هو عين الشرف!
إن مسؤولياتك بحكم هذا الشرف أضخم وأكبر من مسؤولية مصر.. ومسؤولية سورية.. ومسؤولية الأردن.. ومسؤولية العراق.. ومسؤولية الجزائر وتركيا وباكستان".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :681  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثالث - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج