شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(49) (1)
لفتت نظري.. على صباح العالمين.. كما نقول.. جملة انطلقت من فم إحدى سيدات البيت.. في قرف.. واشمئزاز.. وصفاً موجزاً لجارة لنا.. إنها.. فضولية.. تتفيضل يختي على الصغيرة.. وعلى الكبيرة.. وهذا عيب!!
ولما كنت بطبعي.. وبالصراحة بحكم إرثي التقليدي لطبع هذه السيدة من عائلتنا.. أكره مثلها الفضول.. نزولاً على قانون الوراثة والبيئة التي هي وأنا منها.. فقد وقعت هذه الجملة منها موقعاً حسناً من نفسي.. في بادئ الأمر.. إلا أنني على كره من طبيعتي رأيت أن أسمح لعقلي الواعي في التدخل المباشر وغير المباشر في حكاية ((الفضول)) هذه.. وأن أناقشها على الواسع..
فتبين لي.. بعد ترتيب أجزائها.. وتركيب الأصول والفروع لها ومنها.. إن الفضول أنواع.. منه ما ينحدر إلى ورطة التحسس والتجسس لغاية دنيئة.. أو لغرض رديء.. ومنه ما يرقى لدرجة طلب المعرفة الذاتية البريئة.. طبقاً لتسمية المرور البريء في الملاحة الدولية!.. لاستكمال العلم المجرد.. ومنه ما هو ضروري للاستفادة بتجربة الغير.. وممارساته التي يحرص على نوع من السرية لها.. ومنه ـ ومنه.. إلى آخر ما تبين لي من أنواع الفضول البعيدة المدى.. أو القصيرة الخطوات!..
وقررت أن أنزع عن طبعي الذي يكره الفضول.. قشرته الجلدية.. وأن أخوض التجربة للممارسة.. ولاكتشاف بعض أنواعه.. وبموجب هذا القرار المتخذ عفو الساعة.. فإنني لما ركبت هذا اليوم.. مع أحد سائقي التاكسيات.. لم أطق على خلاف عادتي أن استمر طيلة المشوار بجانبه.. كتلة لحم تملأ فراغاً آدمياً.. أو على الأصح.. مقعداً جلدياً بجواره.. فنكشته.. حسب أصول الفضول.. وحتى أسلم من مقايضته هو من مثل ذلك النوع الصامت من الركاب.. بسؤال.. تلاه سؤال فأسئلة.. وتركته يتحدث.. وأنا أطل على نفسه.. وخواطره.. وأتطفل فضولاً على حوادث.. ومعلومات جديدة..
ولقد خرجت فعلاً بحصيلة مذهلة.. عن عالم التكاسي.. ودنيا السائقين لها.. ولولا أن أغلبها يعتبر في قلم السريات.. والأسرار التي ليس لها محل إلا تقرير خاص عنها للمسؤولين لجازفت ببسط دقائق مثيرة عنها.. ولكنني أكتفي.. لائتمان الرجل إياي عليها.. بالكلام عما عداها من العموميات.. فهو يقول.. مثلاً ـ إن البلدة.. ويعني بها جدة.. أصبحت تعج بكثير من التاكسيات الوافدة إليها فعلاً.. أو بلوحاتها اسماً فقط.. من كثير من مدن المملكة.. ومن مناطقها المختلفة..
ويرى هذا السائق.. أو نرى معاً للحقيقة فقد ساحت بيننا الأقوال والأفكار.. إن من الأولى أن يحدد عمل كل تاكسي بمنطقته ذاتها.. أو بمدينته وهو الأفضل.. على أن يكون لتاكسيه لونه الخاص.. ولوحته المتسلسلة الرقم.. وألا يسمح بعد وصوله إلى المنطقة أو المدينة التي لا تدخل في نطاق عمله بتجواله.. عاملاً فيها..
وبهذا الترتيب.. نمنع التكدس.. والبوار.. ونيسر الوجود حيث العدم.. بالإضافة إلى تقنين المسؤولية وحصرها بالنسبة للأمن العام.. ومستلزماته.. طالما كان لكل منطقة.. أو لكل مدينة كبرى تاكسياتها ذات اللون.. والرقم الخاصين بها.. عملاً مباحاً فيها.. وممنوعاً.. بل محرماً في سواها..
وتكلم ـ مثلاً ـ عن الرخص.. وكيفية قطعها.. وله في هذا الباب نوادر تؤكد أنه على اطلاع واسع بما يجري في هذا المجال.. وإن أكد لي أنه أخذ الرخصة بجدارة وبحق.. وبعد امتحان عسير.. وشاق.. وأنه سائق قديم.. كما له اقتراحات عملية.. تجعل من الصعب الحصول على رخصة قيادة واعتبرته متطرفاً في كثير منها.. لولا تأكيده بأن ذلك لازم جداً لأن في الحرص عليه حرصاً على الأرواح.. وهي غالية..
ويقترح أن يشتمل دفتر كل سائق على مخالفاته.. كشهادة ذهبية له إن كان الدفتر نظيفاً من المخالفات الصغيرة.. أو الكبيرة.. كما يرى أن تعين مدارس لهذا النوع من العلم.. وهو قيادة السيارات.. فإنها فوق أنها علم مادي.. فن جميل.. أو فن خطير.. وخطر..
واستمر البحث.. فضولاً مني.. وأن له لبحثاً طويل النفس.. وقد اقترحت عليه أن يكتب بيده أو بالواسطة تقريراً مفصلاً يرفعه للمسؤولين بالإضافة إلى ما هو لديهم مما هو معمول به ومتبع في كل أنحاء العالم بما في ذلك المرور العام وأهلوه.. ليسيروا بكل ما لديه ولديهم على ضوء.. أو بدون هذا الضوء.. إن لم يكن هناك داعٍ له..
وبنزولي من التاكسي.. وخوضي أول تجربة فضولية.. فقد ساءلت نفسي من جديد هل عادة الفضول.. من حيث هو فضول.. خلة محمودة في جملتها وتفاصيلها.. أم أنها صفة مذمومة مرفوضة.. ككل؟!
لعلّها.. في الغالب.. غير محمودة بالنسبة للجيران.. ولأسرار الأصدقاء.. وللحالات المستورة الخاصة.. ولكل ما يري صاحبه أن يبقى.. في حرز مثله..
ولكنها.. عادة الفضول.. بالنسبة للكاتب الاجتماعي ـ مثلاً ـ أو للصحفي.. أو للباحث.. أو لمن إليهم.. نكشاً.. أو دردشة.. أو أسئلة.. أو تتبعاً معيناً لحالات معينة.. أو لأشخاص معينين.. ضرورة لازمة.. لازبة..
وعلى ذلك.. فلن أعتبر.. في هذا الباب وحده.. بعد اليوم.. كلمة.. فضولي.. شتيمة.. أو عيباً.. تلصقه بسهولة تامة قرينتنا على جارتنا التي تبينت أنها.. باحثة اجتماعية!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :637  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 88 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.